أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - جسر اللَّوْز 39














المزيد.....

جسر اللَّوْز 39


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 7126 - 2022 / 1 / 4 - 02:27
المحور: الادب والفن
    


استقبلنا عبد السلام، العم الأكبر لرهان، صاحب البيت وربّ العائلة، إلى جانبه وقفت زوجته سهيلة وابنه الأكبر، حين لمحته ابتسمتُ في سري، ذكرتني ملامحه بالممثل المصري "علي الشريف"، كان عبد السلام يعمل في مهنة المطاعم، افتتح مطعماً للمأكولات العربية بعد أن حصل على أوراق الإقامة، كانت سهيلة تسانده في المطعم بالإضافة إلى ترتيب أمور بيتها.
لم تقتنع سهيلة بالطبخ والجلي والمسح والتنظيف في المطعم والبيت ناهيك عن أعباء الحمل والولادة والتربية، بل أخذت تقدّم خدماتها لزُبُن المطعم في قراءة الطالع باستخدام الفنجان أو راحة اليد، العمل الذي أدرَّ عليها أموالاً طيبة.
حالما وفَّرا مبلغاً كافياً من المال اشتريا بعد مساومة طويلة منزلاً كبيراً مع حديقة بسعرٍ معقول، كانت ملكية المنزل تعود إلى عجوز ألمانية في سنواتها الأخيرة وكانت قد اشترته بدورها في عام 1954 وفرشته بعناية، ولأنه ليس للعجوز من يرثها ولأنها انتقلت للسكن في دار رعاية المسنين فقد أعطتهما أيضاً أثاث البيت برمته.
رغم أعمال عبد السلام وسهيلة المتعددة والمنهكة تمكّنا من إنجاب خمسة أولاد وتربيتهم وتعليمهم.
ونحن جالسون في الصالون الكبير نشرب الشاي حكيا لي الكثير عن رحلة كفاحهما المشتركة، وفي سياق الحديث دبَّ الحماس وسرت الحيوية في سهيلة فراحت تحكي بأنها قد وجدت في درفة إحدى الخزانات عشرة آلاف ماركاً... وقبل أن تنهي جملتها قاطع عبد السلام ثرثرتها قائلاً: "لا تصدّق هذه المزحة يا عمي". ثم راح يحكي لي عن بدايات حياته في ألمانيا فقال:
بعد انقضاء حوالي ستة أشهر على وصولي إلى ألمانيا تم الاعتراف بي كلاجئ سياسي، حصلت على سرير للنوم في غرفة مشتركة ضمن إحدى الأبنية المخصصة للجوء وعلى ما يلزمني من طعام ومصاريف، بقيت مقيماً في الغرفة لعدم استطاعتي كسب ثقة الألمان كمستأجر لديهم، مع العلم أني حاولت أن ألعب دور الشاب الحضاري الأخلاقي الخدوم ولا سيما لشريحة كبار العمر، بعد مضي أكثر من سنة على وضعي المذري تمكنت من استئجار غرفة في منزل قروي قديم جداً يسكنه رجل مسن مريض بالكاد يقوى على الاستحمام، فرحت بالغرفة وانتقلت إليها فوراً رغم ما تحتاجه من دهان وتنظيف، منذ اليوم الأول استيقظ حسي البوليسيّ وأخذت أبحث عن وسيلة لاستعطاف المؤجر الذي لا عائلة له طمعاً بهداياه وعطاياه، بدأت بحملة تنطيف شاملة للمنزل المؤلف من طابقين وقبو وحديقة كبيرة، بعد الأسبوع الأول من نشاطي تفاجأت بأن البيت عتيق جداً يملؤه العفن وتفوح منه رائحة الرطوبة والقذارة والحفر الصحية، وقد أُهمل بشكل كامل بسبب مرض المالك وعجزه عن الاهتمام بأعمال النظافة والصيانة الواجبة.
طلبت من المالك السماح لي بدعوة أخي "عمك أبو رهان" لمساعدتي في أعمال التنظيف التي أنتويها طوعياً، وافق المالك برحابة صدر شاكراً إياي على مبادرتي الراقية، ليس هذا كل شيء بل سمح لأخي بالمبيت لمدة أيام ثلاثة.
في اليوم المحدد لوصول أخي غادر المالك بيته برفقة جيرانه لقضاء يومين على شاطىء البحيرة، تاركاً لنا حرية الحركة والتنقل أثناء تأدية عملنا، بعد أن طبخنا وأكلنا وشربنا الشاي استأنفنا العمل، بحلول المساء لم تبق لدينا في الطابق الثاني إلا غرفة نوم المال، دخلناها برهبة ووقار، كانت رائحتها مستهجنة وأقذر من رائحة الغرف الأخرى، فتحنا النوافذ للتهوية ونظفنا الخزانة والمكتبة والسرير والكنبة، ثم حدث معنا ما لم يكن بالحسبان حقاً!
وجدنا تحت السرير حقيبة سفر بنية اللون، حقيبة جلدية كبيرة، عتيقة ومثيرة انبعثت منها رائحة السعادة، عثرنا على حقيبة مكدسة بالأوراق النقدية، أكثر من ربع مليون ماركاً ألمانياً، في اليوم الثالث لم يعد المالك من إجازته، سمعت أنه نُقل إلى المشفى إثر نوبة قلبية لكنه وصل متاخراً.
ثم أنهى عبد السلام حديثه بالقول: "بهذه النقود بدات حياتي، تزوجت سهيلة واشتريت المطعم".
جلجلت ضحكة سهيلة وقالت بعصبية: "لا تصدّق هذه المزحة يا خالتي، عمك عبد من عشاق الأفلام البوليسية". ثم أضافت: "حين سحب عبد السلام الحقيبة الغامضة من تحت السرير، اقترب أخوه منه، فتحا الحقيبة حاشرين رأسيهما فيها من شدة الفضول، فاحت الرائحة النتنة أقوى فأقوى، ابتعدا عنها متعثرين بها وهما يتقيأان، تدحرجت الحقيبة وانسكبت محصلة خراء الرجل المريض في الأشهر الأخيرة على ثيابهما وفي كل أرجاء الغرفة الموحشة، هذا ما حدث، نقطة انتهى".
في المساء تمت خطوبتي على "الآنسة" رهان.

يتبع



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جسر اللَّوْز 38
- جسر اللَّوْز 37
- جسر اللَّوْز 36
- جسر اللَّوْز 35
- جسر اللَّوْز 34
- جسر اللَّوْز 33
- جسر اللَّوْز 32
- جسر اللَّوْز 31
- جسر اللَّوْز 30
- جسر اللَّوْز 28 و 29
- جسر اللَّوْز 27
- جسر اللَّوْز 26
- جسر اللَّوْز 25
- جسر اللَّوْز 24
- جسر اللَّوْز 23
- جسر اللَّوْز 22
- جسر اللَّوْز 21
- جسر اللَّوْز 20
- جسر اللَّوْز 19
- جسر اللَّوْز 18


المزيد.....




- شوف ابنك هيدخل كلية إيه.. رابط نتيجة الدبلومات الفنية 2024 ب ...
- LINK نتيجة الدبلومات الفنية 2024 الدور الأول بالاسم ورقم الج ...
- رسمي Link نتيجة الدبلومات الفنية 2024 برقم الجلوس والاسم عب ...
- مشاهدة مسلسل تل الرياح الحلقة 127 مترجمة فيديو لاروزا بجودة ...
- بتقنية الخداع البصري.. مصورة كينية تحتفي بالجمال والثقافة في ...
- ضحك من القلب على مغامرات الفأر والقط..تردد قناة توم وجيري ال ...
- حكاية الشتاء.. خريف عمر الروائي بول أوستر
- فنان عراقي هاجر وطنه المسرح وجد وطنه في مسرح ستوكهولم
- بالسينمات.. فيلم ولاد رزق 3 القاضية بطولة أحمد رزق وآسر ياسي ...
- فعالية أيام الثقافة الإماراتية تقام في العاصمة الروسية موسكو


المزيد.....

- خواطر الشيطان / عدنان رضوان
- إتقان الذات / عدنان رضوان
- الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد ... / الويزة جبابلية
- تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً / عبدالستار عبد ثابت البيضاني
- الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم ... / محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
- سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان / ريتا عودة
- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة
- صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس ... / شاهر أحمد نصر
- حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا / السيد حافظ
- غرائبية العتبات النصية في مسرواية "حتى يطمئن قلبي": السيد حا ... / مروة محمد أبواليزيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - جسر اللَّوْز 39