|
روشتة تطوير الإعلام المصري
محمد عمارة تقي الدين
الحوار المتمدن-العدد: 7123 - 2021 / 12 / 31 - 23:50
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
دكتور محمد عمارة تقي الدين "لقد أضحى الإعلام هو العضو السادس عشر فى مجلس الأمن الدولي"، هكذا وصفت مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة تصاعد نفوذ وسائل الإعلام بشكل ملحوظ ومن ثم تأثيرها المركزي في عملية صُنع واتخاذ القرار الدولي. وهو ما أكد عليه عالم الاجتماع هربرت شيلر إذ يقول :" إن تدفق المعلومات أضحى مصدراً لسلطة لا نظير لها"، فقد أصبح الإعلام أداة ذات تأثير نافذ وعميق في بناء شخصية المتلقي وصياغة دوافعها وتوجهاتها، ورسم خريطة إدراكية عن الواقع وترسيخها في الأذهان، ومن هنا تأثيره العميق على أنماط السلوك لدى مستقبل الرسالة الإعلامية ومن ثم على كامل المجتمع.
كما أن الإعلام المُضلل يمارس اعتداءً سافراً على منظومة القيم المجتمعية والأنساق الأخلاقية والعبث بالأولويات الوطنية، ويسهم بشكل أو بآخر في خلق وعى مشوه وزائف لدي الموطن مكوناً سحابة كثيفة من الأباطيل تحجب عنه رؤية الواقع الحقيقي
وها نحن على أعتاب نظام إعلامي قديم يتداعي ومنظومة إعلامية تكنولوجية جديدة آخذة في التبلور حيث توظيف كل إمكانات الذكاء الإصطناعي فيها بما يجعلها أكثر قوة وحضوراً وانتشاراً ومن ثم تأثيراً.
يأتي ذلك في ظل ما يشهده الإعلام المصري الرسمي من تراجع ملحوظ في السنوات الأخيرة، فوفقاً لواحدة من الدراسات المتخصصة توصلت إلى وجود تراجع كبير لتأثير الإعلام المصري مقارنة بالسابق، وأن صناعة الإعلام في مصر في عام 2019م لم تتجاوز المليار دولار في حين أن المنطقة العربية أنفقت خلال ذات العام نحو 10 مليارات دولار، أي بنسبة أقل من 10% ، في حين أن مصر كانت تستحوذ على أكثر من 60% من هذه الصناعة في العقود الماضية.
حقيقة أن ضبط هذا الوضع المقلوب هو أمر يتطلب تقديم محتوى يليق بالمشاهد وبعصر ما بعد الحداثة موظفاً عنصري الجاذبية والإبهار، وفي الوقت ذاته يسعى للحفاظ على ثوابت المجتمع وقيمه، إعلام مهني بناء يتناول الوقائع بمهنية وبدقة وحيادية، شريطة أن تقتنع الدولة ذاتها بمركزية الإعلام الرسمي باعتباره مسألة أمن قومي، فهو الحصن الحصين المدافع عن الوطن وقت الأزمات الكبرى، ومن ثم تستثمر فيه بكل قوة، فهو (صناعة ثقيلة) بكل ما تحمله الكلمة من مضمون، فإذا ما حسن استثماره سيكون مردوده المادي والمعنوي كبيراً، فهو أحد أهم أدوات مصر وأسلحتها الناعمة الأعمق تأثيراً.
وفيما يلي مجموعة من المقترحات التي ينبغي الاهتمام الجاد بشأنها، إذا ما كانت هناك رغبة حقيقية لتطوير الإعلام المصري الرسمي، وهي ليست حلولاً نهائية، بقدر ما أنها محاولة لإثارة حوار مجتمعي حول الإعلام وسبل إصلاحه بغية الوصول لرؤية شاملة نرجو لها أن تقترب من المثالية قدر الإمكان، وتلك المقترحات هي:
أولاً: إطلاق ثورة كبرى من أجل التحول الرقمي للمؤسسات الإعلامية، لاستيعاب التكنولوجيا الحديثة، ووضع خطة محكمة لأجل غزو الفضاء الإلكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي واليوتيوب وغيرها، ومن ثم إيجاد ظهير إلكتروني على تلك المواقع للبرامج الإعلامية لتحقيق أقصى قدر من المشاركة والتفاعل والانتشار، من هنا أهمية الإسراع بتوظيف الذكاء الاصطناعي ورقمنة الإعلام التقليدي داخل المؤسسات الإعلامية، عبر الاستعانة بخبراء ومطورين متخصصين في هذا المجال، فها نحن نشهد المذيع الرقمي أو المذيع الروبوت، وهو أمر من شأنه تقليل التكلفة المادية والعمل بسرعة وبلا كلل طوال الساعة وبدون نسبة خطأ تقريباً، أن نستعد للتغيير ونتوقعه قبل حدوثه دون أن نقبع في سياسة رد الفعل، فاعتماد وسائل الإعلام على التطبيقات الحديثة والتكنولوجية والذكاء الاصطناعي أضحى أمراً حتمياً.
ثانياً: فيما يتعلق بالإعلانات التجارية من المهم ممارسة رقابة حقيقية عليها، وتحليل مضمونها جيداً للوقوف على التأثير المباشر وغير المباشر الذي قد تُحدثه في الجماهير، فالإعلانات التجارية الحالية بما تقدمه من مادة مبتذلة أضحت أداة هدم ودمار وتفكيك اجتماعي، فهي لا يحكمها أية ضوابط أخلاقية، كما أنها أضحت تغذي النزعة الاستهلاكية لدى الجماهير، إذ خلقت حالة من السعار الاستهلاكي الذي لا يتوقف.
حقيقة أن الإعلان التلفزيوني، وكما يؤكد كثيرون، هو:" رسالة اتصالية ذات طبيعة مزدوجة: الأولى متعلقة بالترويج للسلعة، والثانية متعلقة بالتأثير في القيم والاتجاهات والسلوك"، حيث تكمن خطورتها في مفاقمة سلوكيات ونزعات سلبية كحب التملك والاستحواذ، وجعل الرفاهية القصوى قيمة يقاتل الجميع من أجلها، والاهتمام بالأمور الهامشية دون المركزية منها والتلاعب بمنظومة القيم، وتعميق مشاعر الحرمان لدى الشرائح الفقيرة، ومخاطبة الغرائز.
من هنا أهمية التحرك على مستويين: الأول: فلترة أو حتى منع الإعلانات ذات الرسائل السلبية مهما كانت مضمرة، الثاني: حث الشركات على إنتاج إعلانات قيمية قدر الإماكن.
ثالثاً: الارتقاء بمستوى الأعمال الدرامية، وذلك عبر الشروع في تأسيس مشروع إنتاجي ضخم لإنتاج أعمال درامية جادة وهادفة تخدم المجتمع، وفي ذات الوقت تصب في صالح مشروع نهضوي حقيقي وإنساني النزعة، دون ترك المشاهد نهباً للدراما الأجنبية، كالدراما التركية والهندية والصينية واليابانية وغيرها والتي من شأنها العبث بمنظومة قيمنا المجتمعية.
ومن ناحية أخرى يتحتم التصدي لموجة الدراما المصرية الهابطة التي اجتاحت مجتمعنا في السنوات الأخيرة، إذ أن تعاطي جرعات زائدة منها قاد إلى استشراء ظواهر وسلوكيات العنف والعري والجريمة والمخدرات وفرط الرفاهية والتفكك الأسري، حيث تأثيرها العميق في وجدان المشاهدين وقابليتها للمحاكاة في الواقع، وترويجها لأن الشر هو القاعدة والخير هو الاستثناء، ومن ثم عمدت إلى قتل المناعة القيمية لدى المشاهد وغيَّبت الهوية العربية والإسلامية إلى حد كبير.
رابعاً: تكاتف الجهود من أجل بناء استراتيجية إعلامية عميقة وشاملة تقوم على تحقيق التوازن بين ما يريده الجمهور وما نريده نحن للوطن وللإنسانية، عبر مشاركة الجميع في صياغتها، على أن تراعي تلك الاستراتيجية الإعلامية أن هناك مشروعاً حضارياً نسعى لأن نقدمه للعالم، مشروعًا يدعو إلى إقرار السلم الكوني وإنهاء الحروب والصراعات المسلحة، وطرح نموذج قيمي وأخلاقي من أجل مواجهة النموذج النفعي المادي الفارض سطوته على الجميع، فلا إعلام حقيقي من دون مشروع فكري ورسالة مركزية يعمل عليها، فهي إذن رسالة إنسانية بالأساس، وعلى الإعلامي أن يضطلع بدوره الرسولي بمفهومه الإنساني، ونحن هنا لا نريد مجرد صد الهجمة الإعلامية علينا، فنستهلك كل قوانا في الدفاع عن أنفسنا، بل المبادرة بإطلاق حملة إعلامية كبرى تبشر برؤية حضارية قيمية، أن نضع أقدامنا على خريطة الميديا العالمية في صيغتها الجديدة، رافضين وجودنا في المنطقة المعتمة وغير المنظورة في هذا العالم.
خامساً: تأكيد مركزية الحرية لوسائل الإعلام، غير أنها ليست الحرية المطلقة بل تلك المقترنة بالمسؤولية، ما نريده هو رفع سقف الحرية لكنها تبقى حرية منضبطة، فلا نريده إعلاماً تلقينياً توجيهياً والذي يُطلق عليه الإعلام الأبوي، إذ يأخذ شكلاً عمودياً " من أعلى إلى أسفل" وغير قابل للنقاش أو النقد والتفنيد، ما نريده أن يعمل الإعلامي بحرية تامة مُنطلقاً من مبدأ حرية الضمير المهني وملتزماً في الوقت ذاته بميثاق الشرف الإعلامي، قد يظن البعض أن مجرد إطلاق جرعة الحرية في شرايين الإعلام الحكومي كفيلة بتحليقه في آفاق رحبة ومستويات أعلى، فهو طرح يفتقد للكثير من الصواب، فالحرية يتحتم أن تكون مقيدة بالمسؤولية كما أنها تتطلب السعي الجاد لإنفاذها من دون المساس بقيم المجتمع وثوابته أو العبث بخصوصية الآخرين. (للمزيد بهذا الشأن راجع: محمد عمارة تقي الدين ، الإعلام ومعركة الوعي تفكيك آليات الخداع الجماهيري، مركز الأهرام للترجمة والنشر، القاهرة)
سادساً: تجذير الرؤى المستقبلية في الإعلام المصري، فهو في لحظته الراهنة ودون مبالغة ـ بدلاً من أن يفتح آفاقا رحبة للمستقبل بات يمثل عبئاً حقيقياً كأداة كبح، وكمعوق في سبيل النهوض، ومن ثم حتمية تعميق إيمان الإعلامي بما يعمل، وأنه يقدم رسالة من أنبل الرسائل وأكثرها قيمية، فعلى الإعلامي أو القائم بالاتصال أن يتجاوز الرؤية الضيقة والمرتهنة باللحظة الآنية، فاتحاً الباب على مصراعية أمام الحلم والأمل في مستقبل أكثر إشراقاً، ومن هنا حتمية التحرك على مستويين: الأول: تأكيد النزعة المستقبلية في كل شيء وكل القضايا التي يطرحها الإعلام دون التركيز على الماضي والحاضر فقط، الثاني: الانخراط في دراسات جادة لاستشراف مستقبل صناعة الإعلام ذاتها وآليات تطويرها.
سابعاً: إطلاق قناة إخبارية عالمية لها عمق وامتداد ثقافي حقيقي وذات قدرات وكفاءة عالية في آن، وأن تتمتع باستقلال ذاتي يتيح لها حرية ترتيب أولوياتها، كما أنه يمكن إطلاق نسخة منها باللغة الإنجليزية لتخاطب الآخر حول رؤيتنا للعالم والتحديات التي تواجهنا، فإننا كثيرًا ما نُتهم بأننا نصرخ بأعلى أصواتنا، ولكن داخل غرفة مغلقة؛ إذ يرى البعض أن الإعلام المصري هو إعلام يكلم نفسه ولا يخاطب الآخر، لقد أعلنت الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية بالفعل عن عزمها إطلاق قناة إخبارية مصرية قريباً، وهذا لأنها رأت أن مصر تستحق أن يكون لديها قناة إخبارية إقليمية قوية تنقل صورتها إلى العالم، تلك الأزمة التي استشعرها السيد سامح شكري وزير الخارجية المصري، إذ أكد على حاجة مصر لآلة إعلامية نافذة تستطيع أن تصل للآخرين وتكون مؤثرة في آن.
ثامناً: الارتقاء بالمحتوى الإعلامي، فإعلامنا يعاني أزمة مزمنة وهي ضعف المحتوى وهشاشته، ومن ثم الحاجة لتعميقه عبر طرح موضوعات هامة وبعمق في آن، فالمعضلة أنه يجري طرح موضوعات من الأهمية بمكان، غير أنه يجري طرحها بسطحية تقتلها ودون سبر أغوارها، وهو ما لايُشبع حاجة الجماهير فتضطر للبحث عن وسائل إعلامية أخرى، الأمر قطعاً بحاجة لمفكرين ومبدعين حقيقيين لإبتداع محتوى أكثر عمقاً، وهي ضرورة مركزية لأجل رفع قدرته على المنافسة في عالم فضائي مفتوح حيث المنافسة الشرسة والبدائل المتعددة، من هنا الحاجة لمحتوى أكثر عمقاً وجاذبية، محتوى من شأنه أن يعيد للإعلام المصرى وهجه وحضوره وبريقه.
تاسعاً: تأمين حقوق العاملين في الإعلام الرسمي وتوفير مظلة حمائية لهم عبر النقابات أوغيرها، يمكن مثلاً صرف بدل تكنولوجيا لهم على غرار العاملين بالصحافة وتدريبهم على سبل التعامل مع التكنولوجيا الحديثة وتوظيفها في الارتقاء بالرسالة الإعلامية وسرعة انتشارها، ومعالجة مشكلة تدني الأجور مع ربط المكافآت بالجهد المبذول وبمقدار ما تم تحقيقه من نجاح، ولكن بعد توفير كل المقومات والسبل أمام القائمين على البرامج لتحقيق التطوير المنشود، وإعادة اكتشاف القدرات الإعلامية بين هؤلاء العاملين ومن ثم تسكينهم في وظائف تناسب قدراتهم عبر لجان متخصصة في هذا الشأن.
عاشراً: تطبيق مفهوم وآلية الإدارة الإستراتيجية في ثوبها الحداثي داخل الهيئة الوطنية للإعلام، والتي تعني توظيف الموارد المتاحة التوظيف الأمثل لأجل تحقيق الأهداف المنشودة، وذلك عبر إيجاد حالة من التعاون والتكامل بين وظائف التخطيط والإدارة والإنتاج والتمويل والبحوث والتطوير والتسويق والتقويم وغيرها
من أجل ذلك يجب البدء في صياغة الأهداف المرجوة، والإمكانات المتاحة ودراسة السوق واحتياجاته وتحليل قدرات المنافسين ومكامن ضعفهم وقوتهم، ومحاولة تطوير الهيكل الداخلي للمؤسسة وسبل إصلاحه من أية تشوهات، ومتابعة سبل تنفيذ الخطط الموضوعة ومن ثم التقويم، فالإدارة الإستراتيجية هي باختصار مجموع التخطيط الاستراتيجي والتفكير الاستراتيجي معاً، أي أن نفكر ثم نخطط ثم ننفذ.
ويذهب البعض إلى أن هناك أربع خطوات للإدارة الإستراتيجية، وهي :التحليل: للموقف الحالي من حيث الفرص والمخاطر وتحديد مكامن القوة ونقاط الضعف، التخطيط: وضع خطة عمل لتحقيق الهدف، التنفيذ: اتباع الخطوات المقررة في الخطة الإستراتيجية، التقييم: تقييم المنتج النهائي ومدى تحقيقه لهدفه.
حادي عشر: التدخل العاجل لتجاوز أزمة التمويل ليصبح تمويلاً ذاتيا قدر الإمكان، فها هو الإعلام الرسمي وقد بلغت ديونه أربعين مليار جنيه مصرى أو يزيد، فمن المهم السعي الجاد لتوفير موارد ذاتية لتقليل الاعتماد على الدولة، وهذا لا يعني رفع الدولة يدها عنه بالمطلق بل عليها أن تدعمه بما هو متاح لدوره التنموي، وكذلك بإعطائه حق البث الحصري لكل مؤتمراتها وأحداثها الهامة، وأن تلزم الوزارت بدفع مقابل الخدمة الإعلامية والإعلانية التي تتحصل عليها لتعزيز موارده، كذلك تفعيل دور رجال الأعمال والتكتلات والنقابات في مساندة الإعلام دون تدخل في سياسته التحريرية، فمبدأ اقتصاد السوق وجني الأرباح يمكن تحقيقه عبر تلبية احتياجات الجمهور الحقيقة بما ينتج عنه زيادة فى تصاعد استهلاك تلك الوسائل الإعلامية وارتفاع كثافة المشاهدة.
ثاني عشر: الإهتمام بتقييم الأداء وقياس رجع الصدي حول الرسالة الإعلامية عبر تفعيل جهاز متابعة البرامج داخل الهيئة الوطنية للإعلام، ودور إدارات البحوث وقياس نبض الرأي العام من أجل تقييم الأداء الإعلامي، ومتابعة مدى الإلتزام بمعايير المهنية الإعلامية وأخلاقيات الحوار وأمانة الكلمة وتحري الموضوعية وتحاشي الانحيازات والآراء الشخصية، بما يتفق ومواثيق الشرف الإعلامية، وتفعيل الأكواد الإعلامية مثل: كود المحتوى الإعلامي الموجه للطفل، كود حماية القيم والأخلاق، كود قضايا المرأة، كود تغطية العنف، كود المحتوى الديني، كود حماية حقوق الملكية الفكرية، كود المواد الإعلانية، كود الأعمال الدرامية وغيرها.
ثالث عشر: إطلاق قناة متخصصة للأطفال، ومن ثم الاهتمام بانتاج مادة ذات جودة عالية للأطفال لتعبر عن هويتنا وقيمنا، دون تركهم نهباً للمادة الإعلامية التي صنعها الآخر لهم والتي من شأنها العبث بهويتنا وبقيمنا المجتمعية، كما تقود إلى إعاقة تطوّر قدرات الطفل الإبداعية حيث يجري قتل الخيال وتنمية مشاعر العدوانيّة والعنف لديهم، إذ تغذي العنف عند الأطفال بكافة صوره سواء الجسدي منه أو اللفظي، ففي دراسة حول أفلام الأطفال العالمية قالت أن: 30% منها يتناول موضوعات جنسية بطريقة مباشرة وغير مباشرة، و27% منها يعالج الجريمة والعنف، و15% منها تتناول الحب بمفهومه الشبقي والجنسي، وفي دراسة أمريكية حول برامج ديزني الموجهة للأطفال تبين أن هذه البرامج تتضمن قيم العنصرية والجشع والانتهازية وتفوق الرجل الغربي، فهو مضمون يخدم بالأساس المصالح الإمبريالية الأمريكية ويكرس قيمها وحدها، هذا في ظل ضعف إنتاج أفلام الكرتون في الدول العربية، فلك أن تعلم أن إنتاجها مجتمعة من أفلام الكارتون لا يتجاوز نسبة 2% من إنتاج اليابان وحدها، ومن ثم مصيرية صياغة محتويات إعلامية تناسب الطفل من شأنها التأكيد على الحس الجمالي وتنمية الخيال لديه وإثراء عقله بالمعرفة الحقيقية، وتنمية المشاعر الوجدانية داخله: مثل الشعور الديني أو الوطني وغيرها.
رابع عشر: ضبط إيقاع أولويات المادة الإعلامية مع الأولويات المجتمعية الحقيقية، فواحدة من الجرائم التي ترتكبها وسائل الإعلام بحق الجماهير هي إحداث خلل بنيوي وجذري في سلم أولوياتها عبر تهميش قضايا مركزية وتصعيد أخرى هامشية، إذ وفقاً لنظرية ترتيب الأولويات(نظرية وضع الأجندة) (Agenda-setting theory)، فإن وسائل الإعلام هي من يضطلع بمهمة ترتيب أولويات مشاهديه دون وعي منهم، ويجري هذا الترتيب وفق أولويات القضايا التي تعرضها وسائل الإعلام وطريقة تناولها من حيث تضخيمها أو تهميشها، فوسائل الإعلام يمكنها تقديم جميع القضايا والأحداث، ومن ثم يركز أصحاب القرار داخل وسائل الإعلام على بعض الموضوعات والقضايا في حين يجري إهمال قضايا وموضوعات أخرى، لذلك يُقال :"إن وسائل الإعلام لا يقتصر دورها على تعليم الجماهير كيف يفكرون، ولكنها تعلمهم أيضاً ما يجب أن يفكروا فيه دون غيره"، فما سيتم تقديمه من أولويات عبر هذا الإعلام يجب أن يتفق كثيراً مع أولويات الجماهير ذاتها: المادية منها والروحية، والأولويات الإنسانية القيمية من ناحية أخرى، إذا ما أردنا أن يتأسس وعي عام حقيقي.
خامس عشر: إطلاق مركز دراسات الإعلام من عباءة التلفزيون المصري على أن يتمتع باستقلال نسبى، ليقدم خدماته العلمية والبحثية في تطوير الإعلام، وذلك نظراً للحاجة الماسة لوجود مثل هذا الكيان من أجل النهوض بالإعلام المصري بشكل حقيقي والدفع به نحو آفاق رحبة، ليصبح منافساً قوياً للهيئات الإعلامية الإقليمية والعالمية، على أن يكون المركز بمثابة وكالة أبحاث ومصدر معلومات للقنوات الأخرى أو حتى للمتخصصين من الباحثين ذوى الاهتمام بما سيسهم به من عملية إنتاج للمعرفة العلمية، ليدور الجميع مستقبلاً فى فلك ما يطرحه المركز من موضوعات تتحرى أقصى قدر من الدقة والموضوعية العلمية والتعمق فى المواد المطروحة.
سادس عشر: دراسة احتياجات الجمهور جيداً، قبل وضع الخطط البرامجية، وهذا لا يعني أننا سنرفع شعار (الجمهور عايز كدة) بل إعلام جاد يرقي بالمجتمع، أي التوظيف الإيجابي لنظرية الاحتياجات والإشباعات(Uses and Gratification Theory) ، إذ عبر التوظيف السلبي لتلك النظرية تم اتخاذها كذريعة من أجل بث المادة المُبتذلة عبر الإعلام، فباسم هذا المفهوم تم الإفراط في تلبية الاحتياجات المادية والاستهلاكية والجنسية لدى الجمهور بزعم أنه يريدها بشدة لإشباع احتياجاته الأساسية، وفي الوقت نفسه تم تجاهل احتياجاته الإنسانية الروحية، فكانت النتيجة ما نشاهده من رسالة إعلامية متدنية، ومن ثم فعلى وسائل الإعلام تحقيق التوازن بين تلبية حاجات الإنسان المادية ومتطلباته الروحية، بل والسعي نحو السمو بالفرد إنسانيًا وأخلاقيًا وروحيًا ليتعالى قدر الإمكان عن متطلباته الأرضية ودون أن ينكرها بالكامل.
سابع عشر: تشكيل هيئة جودة الإعلام لتكون مهمتها المركزية الوصول بالبرنامج الإعلامي لمستوى جودة مقبول وإبداء الملاحظات بشأنه، ووضع مؤشر متدرج للجودة وعلى أساسها يتم تكريم البرامج المتميزة وتقويم ضعيفة المستوى منها، واقتراح تدريب القائمين على الاتصال من أجل رفع قدراتهم.
ثامن عشر: أن تبدأ الخطوة الأولى في التطوير من الدولة عبر إجراء عملية تطوير شامل للبنية التحتية والأجهزة المتهالكة، شريطة أن تقدم الدولة التمويل اللازم لتلك الخطوة الأولى في حين يشرف الإعلاميون على التنفيذ لضمان تحقق المستوى المنشود.
تاسع عشر : إعمال المنهج المقارن في الدراسات الإعلامية، والاستفادة من تجارب الآخرين الذين سبقونا في التطوير، ومن ثم الاطلاع على تجارب الدول التي طورت إعلامها، وتوقيع بروتوكولات تعاون حقيقية وليست شكلية معها، وتحديد مكامن القوة ونقاط الضعف في كل تجربة، وسبل الاشتباك مع التحديات التي تواجهنا لتطوير أنفسنا.
عشرون: فيما يتعلق بالشق الإدراي: إضافة إلى الهيكل الإداري القائم نقترح تكوين مجلس إداري فني منتخب لكل قناة أو وسيلة إعلامية، على أن يتولى هذا المجلس مهمة تنفيذ الإستراتيجية الإعلامية والتعامل اللحظي مع المستجدات الآنية وبخاصة الإخبارية منها دون الرجوع للقيادات العليا، حتى لا تفقد المادة حداثتها، كما أن على هذه الإدارة إيجاد حالة هارموني بين الهيئات الإعلامية التي تعمل كأنها جزر منعزلة، كذلك تحقيق التعاون الكامل ما بين كل من الأكاديميين والمبدعين والإعلاميين والصحفيين.
وفي التحليل الأخير، فتلك هي روشتة تطوير الإعلام المصري والتي نعتقد أن من شأنها إضاءة الطريق أمام الراغبين في إصلاحه والدفع به نحو مسارات أكثر رقياً وتطوراً.
#محمد_عمارة_تقي_الدين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العدوان على المسجد الأقصى: منظمة أمناء جبل الهيكل نموذجاً
-
نحو فضائية دينية عالمية
-
الإعلام الديني : جدل الواقع والمِثال
-
الإعلام السياسي بين الواقع والمأمول
-
في ذكرى انتفاضة الحجارة: قال الحجر للرصاصة
-
وسائل الإعلام : كيف نحمي أطفالنا من مخاطرها؟
-
الإعلام وحروب الجيل الخامس
-
المسيحية الصهيونية والدعم المطلق لإسرائيل
-
الأديان كقاطرة للتراحم الإنساني
-
التربية الإعلامية: نحو استعادة الوعي في عالم مُعقَّد
-
الإعلام وسلوك القطيع: فن قيادة الخِراف إلى المذبح
-
مركز ماسبيرو للدراسات الإعلامية
-
الإعلام ونظرية المؤامرة
-
العقل الجدلي والإعلام الجديد
-
الإعلاميون كجماعة وظيفية
-
مجاهد... فيلسوف الجمال وأمير الاغتراب
-
حركة كاخ الإرهابية: داعش إسرائيل
-
الصهيونية المسيحية والمشروع الصهيوني
-
نفتالي بينيت واستراتيجية التمدد والانكماش
-
موسوعة الصراع العربي الصهيوني
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند
/ زهير الخويلدي
-
مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م
...
/ دلير زنكنة
-
عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب
...
/ اسحق قومي
-
الديمقراطية الغربية من الداخل
/ دلير زنكنة
-
يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال
...
/ رشيد غويلب
-
من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها
...
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار *
/ رشيد غويلب
المزيد.....
|