أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فوز حمزة - العشاء الأخير















المزيد.....

العشاء الأخير


فوز حمزة

الحوار المتمدن-العدد: 7115 - 2021 / 12 / 23 - 00:40
المحور: الادب والفن
    


ذات ليلة ممطرة .. عدت إلى المنزل متأخرًا قليلًا عن موعد حضوري وكانت زوجتي كعادتها تنتظرني لتناول العشاء سوية.. وهي العادة التي حافظت عليها منذ أول يوم زواجنا حتى اللحظة لا يثنيها عن ذلك وأن كنا متخاصمين .. لكنني في تلك الليلة كنت قد عزمت على أخبارها بأمر أخذ مني التفكير فيه لأسابيع طويلة .. كنت أريد الإنفصال عنها بعد أن أحببت امرأة أخرى وعزمت الارتباط بها.
وأنا أنظر لزوجتي محاولًا استجماع شجاعتي لمحت ثمة ألم في عينيها وحزنًا اعتلى ملامحها جعلتا الكلمات تقف على لساني ترفض الخروج لكنني رميت بها كمن يرمي حملًا ثقيلًا من على كتفه قائلًا لها:
- أريد الطلاق.
وبعد عدة لحظات من الصمت واصلت حديثي:
- سأترك لك المنزل تعيشين فيه مع ابننا ومبلغًا من المال سيصلك كل شهر.
الغريب أنها لم تتأثر بكلامي لكنها سألتني بهدوء عجيب:
- لماذا ؟
نظرت إليها طويلًا متجاهلًا سؤالها فما كان منها إلا أن ترمي ملعقة الطعام وتغادر الصالة.
تلك الليلة مرت دون أن نتبادل كلمة واحدة إذ أنها فضلت النوم في غرفة الضيوف .. ثقب الباب الذي نظرت منه كان كافيًا ليخبرني أنها كانت منهمكة في كتابة شيء ما و بين الحين والآخر تمسح الدموع من عينيها.
لم استطع النوم ليلتها .. كأن غيومًا سوداء تجمعت فوق قلبي كتلك التي تلبدت بها سماء المدينة.
فكرت في اقتحام الغرفة و أخبارها بأنها لم تعد تملك قلبي منذ أن بدأ الملل يتسرب إلى حياتي .. سأقول لها بكل وضوح أن إحساسي تجاهها هو الشفقة فقط لكنني تراجعت مع شعور بالذنب لا أعرف له سببا.
في اليوم التالي حرصت كعادتها على أن نتناول فطورنا نحن الثلاثة معًا وأن لا نظهر أي شيء أمام الصبي .. لكنها وبعد مغادرة ابننا فاجأتني بطلب غريب حينما قالت:
- أنا موافقة على الطلاق ولكن أريد منك أن تؤجله شهرًا واحدًا فقط.
ثم طلبت مني طلبًا غريبًا حتى ظننت بأنها قد فقدت عقلها من هول الصدمة.
قالت:
- أريد منك خلال هذا الشهر أن تحملني كل صباح من باب غرفة نومنا إلى باب المنزل كما كنت تفعل سنوات زواجنا الأولى.
وأنا أحدق فيها غير مصدق ما سمعت منها .. لكن لم يبد عليها أي اهتمام بما اعتراني من دهشة لتكمل حديثها:
- أريد في هذا الشهر أن نعيش بشكل طبيعي كأي زوجين سعيدين لأن ولدنا سيخضع لامتحانات في المدرسة ولا أريد لخبر طلاقنا أن يتأثر به.
شعرت أمام حديثها بأنني وغد حقير ولكن تجاهلت هذا الشعور بسرعة واعتبرت أن وصول الأمر إلى ما وصل إليه يعد انتصارًا لي .. وقبل أن تترك مائدة الفطور قالت بنبرة فيها من الحب الشيء الكثير وكأنما تحدث نفسها :
- حين تحملني أريد منك أن تشعر بذات المشاعر التي كانت تعتريك أيام الزواج الأولى .. أريد لقلبك أن يسمع نبض قلبي ويحس به ..أريد للنور أن يعود لابتسامتك حينما كنت تنظر إلي سابقًا.
أنها حيلة رخيصة وشيء سخيف ما تطلبه منك ومهما حاولت أن تبتكر حيل لتحيل دون الطلاق فإن ذلك لن يحدث .. فالطلاق واقع لا محالة .. كانت هذه كلمات عشيقتي حينما أخبرتها بطلب زوجتي الغريب.
حين حملتها بين ذراعي أول يوم أحسسنا أنا وهي بارتباك كأننا أغراب قد تعرفنا على بعضنا في التو.. صوت ابننا وهو متفاجىء من حملي لأمه شتت ارتباكنا وابتسمت هي حين بدأ يصفق ويقول بفرح: أبي يحمل أمي بين ذراعيه.
وأنا أقود سيارتي متجهًا إلى العمل تمكن مني إحساس بالألم وقد كرهت هذا الإحساس بشدة محاولًا تبرير الانفصال عنها ليس نهاية العالم.
في اليوم التالي .. حين حملتها تصرفنا بشكل طبيعي أكثر من اليوم السابق .. وضعت ذراعيها حول رقبتي ومالت برأسها على صدري فتمكنت من شم عبقها الذي عاد بيّ سنوات إلى الوراء .. لكن التجاعيد الناعمة التي ظهرت حول عينيها والتي لم أرها سابقًا بينت لي كم هي متعبة .. فسألت نفسي: كيف لم انتبه لذلك من قبل؟
في اليوم الرابع بينما التصق جسدي بجسدها شعرت بالألفة والمودة تجاهها .. بنشوة طارئة .. أنها المرأة التي أعطتني عشر سنوات من عمرها. لقد كانت متفانية في واجباتها .. حريصة على إسعادي طيلة تلك الأعوام. والأهم من ذلك لقد قدمت لي أجمل هدية .. ابني .
في اليوم السادس والسابع بدأ شعوري تجاهها ينمو من جديد وإحساس كان غائبًا يعود .. ومع كل يوم يمر تصحو بداخلي أشياء لها في قلبي كانت نائمة.
شفاهنا صامتة بينما أعيننا تتبادلان القبل.

في الأيام التالية بدأت أشعر بأن حملها صار أسهل و عللت ذلك بأن حملها كل يوم قد اكسبني لياقة عالية لكنني لاحظت أنها فقدت الكثير من وزنها حيث قالت لي وهي تحاول أن تجد شيئًا تلبسه بأن ثيابها القديمة قد أصبحت لا تناسبها .. في تلك اللحظة دخل ابننا قائلًا لي:
- بابا .. حان موعد حملك لأمي.
نظرنا إلى بعضنا بصمت .. الحزن في نظرة عينيها و شحوب بشرتها كافيان ليخبراني بشعورها هذه اللحظة .. كان اليوم هو آخر يوم للاتفاق الذي بيننا .. حملتها وطفت بها أرجاء المنزل ويداها الناعمتان تطوقان رقبتي .. لم أكن أريد لتلك الدقائق أن تنتهي كما مر الشهر سريعًا .. طفت بها في كل أرجاء المنزل بينما ابننا يسير وراءنا يغني .. شعرت بالحب يتدفق من قلبي تجاه المرأة التي نسيت وجودها منذ زمن.
وأنا أودعها عند الباب .. نظرت إلي بحنان وحزن قائلة:
- لا تنسى أن تأتي مبكرًا الليلة .. أنه عشاؤنا الأخير ..
علي اليوم أن أقرر.
لم استطع إطالة الحدث مع عشيقتي التي تنتظر العودة إليها بفارغ الصبر.. فقط أخبرتها بأنني قد تراجعت عن أمر الطلاق لأنني لن أترك زوجتي وابني.
غادرت مكتبي مبكرًا ذلك النهار و ذهبت لشراء باقة ورد ملونة و كتبت على البطاقة: سأحملك كل يوم وأضمك بين ذراعي كل صباح إلى أن يفرقنا الموت .
وصلت المنزل وكانت هذه هي المرة الأولى التي لم أجد زوجتي في استقبالي .. التفت نحو طاولة الطعام .. لا يزينها شيء سوى شموع يكاد يخوي لهبها .. توجهت لغرفة النوم التي كانت مضاءة لأجد زوجتي ممدة على فراشها وصفرة الموت تعلو وجهها .. لقد فارقت الحياة وفي يدها حزمة أوراق مكتوبة بخط يدها.
كانت زوجتي تصارع مرض السرطان لأشهر طويلة دون أن تعلمني وأنا لم ألاحظ ذلك لانشغالي مع عشيقتي .. لقد خشيت أن تعرضني وابني للحزن والقلق جراء المرض.
لقد حرصت وهي على هذا الحال أن تحافظ على صورتي في ذاكرة ابننا كزوج محب وأب حريص.
قلت لها وأنا أمسك يدها: عودي لنكون عائلة مرة ثانية.
شعرت وأنا أطوي رسائلها بأن الكلمات أصبحت خاوية كما هو قلبي الآن.



#فوز_حمزة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عانقني
- الغرفة محجوزة
- زهرة من الجدول
- أنا منكِ أولى بقلبي
- أول الغيث وآخره
- هل عبث الحنين بأوردة قلبك
- أهملت قلبي
- الموت أول النهار
- ريح الجنة
- حتماً سيأتي .. فالحلم يغفو ويفز
- حتمًا سيأتي .. فالحلم يغفو ويفز
- نافذة على حلم
- إغراء بالمطاردة
- والتقينا
- تحت الموج
- تعالي لنرقص الفالس
- مذكرات امرأة في سلة المهملات
- استغرب
- حواء وآدم
- أنا وظلي


المزيد.....




- أصيلة تناقش دور الخبرة في التمييز بين الأصلي والمزيف في سوق ...
- محاولة اغتيال ترامب، مسرحية ام واقع؟ مواقع التواصل تحكم..
- الجليلة وأنّتها الشعرية!
- نزل اغنية البندورة الحمرا.. تردد قناة طيور الجنه الجديد 2024 ...
- الشاب المصفوع من -محمد رمضان- يعلق على اعتذار الفنان له (فيد ...
- رأي.. سامية عايش تكتب لـCNN: فيلم -نورة- مقاربة بين البداوة ...
- ماذا نريد.. الحضارة أم منتجاتها؟
- 77 دار نشر ونحو 600 ضيف في معرض مكتبة الإسكندرية للكتاب
- رحيل الممثلة الأمريكية شانين دوهيرتي بعد معركة مع مرض السرطا ...
- مبروك مقدما.. خطوات الاستعلام عن نتائج الثانوية العامة اليمن ...


المزيد.....

- الرفيق أبو خمرة والشيخ ابو نهدة / محمد الهلالي
- أسواق الحقيقة / محمد الهلالي
- نظرية التداخلات الأجناسية في رواية كل من عليها خان للسيد ح ... / روباش عليمة
- خواطر الشيطان / عدنان رضوان
- إتقان الذات / عدنان رضوان
- الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد ... / الويزة جبابلية
- تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً / عبدالستار عبد ثابت البيضاني
- الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم ... / محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
- سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان / ريتا عودة
- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فوز حمزة - العشاء الأخير