أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبري يوسف - الكرافيتة والقنّب قصّة قصيرة















المزيد.....

الكرافيتة والقنّب قصّة قصيرة


صبري يوسف

الحوار المتمدن-العدد: 490 - 2003 / 5 / 17 - 06:11
المحور: الادب والفن
    


                         
     كان والدي محتاراً بإحدى مشاكله المرتبطة بغنمته، حيث بذل قصارى جهده لمعالجة أمورها .. كان بحاجة ماسّة في ذلك اليوم أن (يكزلَ*/يجدلَ)  لغنمته حبلاً لا يضاهيه حبلاً آخر .. والمعروف أنَّ والدي لا تخلو جيوبه من الخِرَق الصغيرة والقنَّبات والخيوط الملوَّنة، إلا أنّه كان قد ملَّ تماماً من هكذا أصناف من الخيوط والقنَّبات، فما وجد نفسه إلا وهو يفتح خزانتي التوتياء العاجَّة بالكرافيتات من كلِّ الأشكال والألوان، فلم يتردَّد ثانية واحدة من إختيار كرافيتة ملوَّنة بألوان تأخذ العقل، فتناول هذه الكرافيتة من بين أكوام الكرافيتات ، هامساً لنفسه: كيف سيعرف صبري أنَّ هناك كرافيتة ناقصة أمام هذا (الّلود*) من الكرافيتات؟ .. أمسك الكرافيتة من نهاياتها، وبدأ يمطِّيها بطريقةٍ، بحيث لا تنقطع كي يعرف مدى مرونتها وقوَّتها، ثمَّ خرجَ إلى ذلك البلكون الفسيح. جلس على دوشكايته* الصغيرة وأخرج من جيوبه خيوطه وبدأ يكزلُ قنّبه ليصنع منه حبلاً لغنمته على مزاجه، واضعاً في الإعتبار انَّه سيتمكَّنُ من انجاز مشروعه قبل أن آتي من دوامي، إلا أنَّه لم يضع في الإعتبار أنَّ لديّ حصة فراغ وسآتي مبكَّراً في ذلكَ اليوم.
     عبرتُ ساحة الدار، وعندما شاهدني والدي لملم مباشرةً نهايات خيوط قنَّبه ووضعه تحت إبطه ليخفي ما تبقّى من الكرافيته .. وكانت بدايات الخيوط مربوطة في إبهام قدمه اليمنى..وكان حبله مكزولاً بشكلٍ أنيق ملفت للإنتباه، وفعلاً جذبني حبله بألوانه الجميلة، فقلت له بابا أشْ حبلك حلو! .. فضحكَ وقال: هذا الحبل الحلو هو خصوصي لغنمتي ..                            
     عندما أمعنت بألوانه الجميلة، شعرتُ أن حبلاً جميلاً كهذا يليق أن يكون في أعناق غير الغنم، فقلتُ لوالدي من أين لكَ هذه الألوان الجميلة يا بابا؟ ابتسم وهو يضحكُ بطريقة هادئة وبثقة عالية، محاولاً أن يشتِّتَ الموضوع وقال لي بدعابة أبويّة: روح طلِّع في المطبخ، أمُّك قد عملَت لكَ أكلاً طيّباً. فقلت له: لستُ جائعا الآن يا بابا.. لاحظتُ أنّه توقَّف عن الكَزْل، فقلت له لماذا لا تتابع كَزل الحبل؟ .. فقال: أريد أن أرتاح قليلاً. ولفتَ إنتباهي أنَّ نهايات الحبل غير المجدول ململمة تحت إبطهِ، فقلتُ له لماذا لا ترتاح قليلاً، هل سيهرب الحبل، ولماذا حشرتَ نهايات حبلكَ تحت إبطك؟ فقال بطريقته الساخرة، وإذا هرب شو بدّي أعمل! .. دخلت المطبخ .. راودني أن أراقب والدي، فضول قوي دفعني أن أراقبه، بعد أن أحسَسْتهُ أننّي أعطيته الأمان وتركته وشأنه، فما وجدتُه بعدَ لحظات، إلا وهو يبدأ بسرعة بكَزْل حبله، فتراخى إبطه وسقطت نهايات القنَّب على جانبه ، فبدَتْ كرافيتتي الحمراء والبيضاء والخضراء الرفيعة، تتوارى سريعاً داخل الحبل المجدول، آنذاك عرفتُ أنّه انقضَّ على فريسته مستغلاً غيابي، فتركته يتابع عمله .. لكنّي خرجت من المطبخ وفاجأته قبل أن ينتهي من طمس معالم فريسته داخل حبله، وعندما وجدني لملم نهايات القنّب ووضعها تحت إبطه مرّةً أخرى .. ووجدته هذه المرّة مرتبكاً قليلاً..وبادرني بسؤاله؟ هل أكلتَ؟ فقلت له لا، سأنتظر حتّى تنتهي وسنأكل سويةً. فقال لي أنا أكلت، بإمكانك أن تأكل لوحدكَ. مع يقيني أنَّ والدي ما كان قد أكل بعد. وبعد حوار قصير بدأت أداعب والدي وأمزح معه ثمَّ تذكَّرت أن والدي (يتدغدغ) من خاصرته وإبطه، فبدأت أدغدغه  من خاصرتهِ، ضحكَ راجياً إيّاي أن أتوقَّف عن دغدغته، لكنّي لم أصغِ إلى رجائه، تابعت أدغدغه، فتعالى ضحكه وفقد السيطرة على إحكام إبطه على خيوط القنّب، فسقطَت نهايات القنَّب على ركبتهِ ..كانت كرافيتتي تحني رأسها المدبَّب نحوي وكأنَّها تطلب النجدة  كي أنقذها من هذا الإنحباس الّذي حبسها فيه! فقلت: بابا! .. أجابني بلطف: أيشْ ابني! فقلتُ له: أَليسَتْ هذه كرافيتتي الحمراء الرفيعة؟ فقال وهو يضحك ممازحاً إيّاي، أشْ عليك يختبي على الله ما يختبي، بلى والله يا ابني هذه هي كرافيتتك الحمراء الملوَّنة. ولماذا أخذتها وكزلتها مع خيوطكَ وقنّباتكَ؟ .. بصراحة منذ الصباح وأنا أبحث عن قنَّبٍ أو خيطٍ رفيع وحلو وقويّ، بحيث يتناسب مع الحبل الّذي أريده لغنمتي، فلم أجد أجمل وأنسب من كرافيتتكَ، لهذا أخذتُ كرافيتتكَ .. ثمَّ غمره الضحك، كي يحسِّسني بأنَّه لم يعمل خطأً أو شيئاً غريباً.. فقلت له: لكنِّي كنت أحبُّ هذه الكرافيتة كثيراً جدّاً يا بابا و... فقال مقاطعاً أيّاي: ولكنَّكَ لم تحبها مثلما أحببتها أنا! ثمَّ تابع حديثه قائلاً: أنت عندكَ عشرات عشرات الكرافيتات غيرها، فهل ستخرب الدنيا لو أخذت واحدة منها؟! .. انتابتني في تلك اللحظة نوبة ضحك خارجة عن المألوف ثمَّ أردفت قائلاً له: والله العظيم معكَ حقّ .. خيّو ألف مبروك على غنمتكَ كرافيتتي! 
     عنـدما سـمعني أُبـارك لـه عـمله، سرعان ما وجدته يمسك نهايات كرافيتتي وقنّباته،
 متابعاً (كَزْل) حبله بشغفٍ كبير!!

هوامش:
*يَكْزِلُ: كلمة عامّية تعني يجدل.ُ
*الّلَوْد: الكومة الكبيرة، والفلاحون الآزخيون كانوا يقولوا لَوْد تبن، كومة كبيرة من التبن ..إلخ
*دوشكاية: فراش صغير يصنع باليد، تصغير دوشك، والدوشك، يعني: فراش.

                                                                 ستوكهولم: صيف 1996
                                                                     صبري يوسف
                                                        كاتب وشاعر سوري مقيم في ستوكهولم
                       [email protected]

 



#صبري_يوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جان دمّو روحكَ مرفرفة فوقَ جبهةِ الشعرِ
- الطفل والأفعى ................. قصة قصيرة
- أنشودة ـ 2 ـ ص 149 ـ 150
- أنشودة الحياة ـ 2 ـ ص 146 ـ 148
- أنشودة الحياة ـ 2 ـ ص 143 ـ 145
- أنشودة الحياة ـ 2 ـ ص 140 ـ 142
- أنشودة الحياة ـ 2 ـ ص 137 ـ 139
- أنشودة الحياة ـ 2 ـ ص 134 ـ 136
- أنشودة الحياة ـ 2 ـ ص 131 ـ 133
- أنشودة الحياة ـ 2 ـ ص 128 ـ 130
- أنشودة الحياة ـ 2 ـ ص 125 ـ 127
- أنشودة الحياة ـ 2 ـ ص 122 ـ 124
- أنشودة الحياة ـ 2 ـ ص 119 ـ 121
- أنشودة الحياة ـ 2 ـ ص 116 ـ 118
- أنشودة الحياة ـ 2 ـ ص 113 ـ 115
- أنشودة الحياة ـ 2 ـ ص 110 ـ 112
- أنشودة الحياة ـ 2 ـ ص 107 ـ 109
- أنشودة الحياة ـ 2 ـ ص 104 ـ 106
- أنشودة الحياة ـ 2 ـ ص 101 ـ 103
- أنشودة الحياة ـ 1 ـ ص 87 ـ 100


المزيد.....




- الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى ...
- رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبري يوسف - الكرافيتة والقنّب قصّة قصيرة