|
اليوم العبوس
سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي
(Saoud Salem)
الحوار المتمدن-العدد: 7110 - 2021 / 12 / 18 - 14:10
المحور:
الادب والفن
٢٠ - يوم القيامة وفتحت بابا جانبيا يؤدي إلى ممر طويل، ثم اتجهت يمينا وأخذت تسير بخطى مسرعة وهو يتبعها على مسافة قصيرة محاولا أن لا تسبقه بأكثر من ثلاث أو أربع خطوات. الممر يبدو طويلا وبلا نهاية، عشرات الأبواب على الجانبين، تفتح وتقفل بدون صوت، وعدة موظفين، رجال ونساء يدخلون ويخرجون ويسيرون بخطى سريعة حاملين مجموعة من الأوراق والملفات، يتوقفون أحيانا للتشاور أو لإلقاء التحية ثم يعودون مسرعين كل في إتجاهه نحو المكتب المعني. توقفت السيدة السكرتيرة أخيرا أمام أحد المكاتب، وطرقت عدة طرقات خفيفة ودفعت الباب وطلبت من السيد نون أن يدخل : تفضل .. تفضل إجلس، وأشارت إلى الكرسي الخشبي الوحيد أمام المكتب، الذي لم يكن وراءه أحد في هذه اللحظة. ثم قالت له وهي تناوله الملف الذي كانت تحمله قبل أن تقفل الباب ورائها : عدة دقائق سيأتي المسؤول عن تكملة ملفك. وبقي السيد نون عدة لحظات وهو يتأمل هذه الحجرة الفارغة، التي لا تحتوي سوى هذا المكتب المتوسط الحجم، تتوسطه شاشة كمبيوتر وكومة من الأوراق والملفات ذات الألوان المختلفة والمقعد الدوار الذي وراءه ثم كرسيه الخشبي الغير مريح. وفي اللحظة التي فتح فيها الملف الموضوع على ركبتيه ليرى ما يحتويه من أوراق، فتح باب جانبي ودخلت منه موظفة أنيقة تشبه إلى حد بعيد السكتيرة التي قادته إلى هذا المكتب، بل أعتقد للحظة بأنها هي نفسها أو توأم لها، وجلست وراء مكتبها، ثم أخذت تنظر إلى شاشة الكمبيوتر وتكتب على الكي بورد لحظات طويلة دون أن تنظر إليه، حتى ظن السيد نون بأنها نسيت وجوده معها في هذا المكتب العاري، أو ربما لم تلاحظ وجوده على الإطلاق. وأخيرا مدت يدها وعينيها ما زالت مركزة على الشاشة ، وبحركة سريعة من أصابعها طلبت منه أن يسلمها الملف المفتوح على ركبتيه دون أن تتفوه بكلمة. ومد لها الملف ثم أخذت تتصفح الأوراق واحدة واحدة لعدة دقائق وعلى وجهها علامات تفكير عميق كأنها تحاول أن تحل معضلة فلسفية أو رياضية. في النهاية أقفلت الملف وعادت إلى الشاشة ثم قالت له وهي تتنهد بحيرة : حالتك حالة نادرة، أنا شخصيا لم تواجهني أية حالة مشابهة طوال خدمتي هنا، وإن كنت أعرف أنها محتملة. ولم يعرف السيد نون ماهية المشكلة ولا معنى كل الذي يجري أمامه، فقال ببراءة : ما هي القصة بالضبط ؟ فقالت له السكرتيرة : يبدو أنك لم تأخذ الرحلة الصحيحة المسجل عليها إسمك والمترض أن توصلك إل هنا، هناك محطات ضرورية للوصول إلى هنا لم تمر بها، وبالتالي ينقصنا تقرير مهم وضروري لمعالجة ملفك. ثم أتكأت إلى الوراء قليلا، ووضعت يديها متقاطعتين على صدرها وقالت : إسمع، سأشرح لك بعض التفاصيل التي يبدو أنك لا تدركها بوضوح، أو أنك نسيتها أثناء الأحداث. حسب الأساطير الدينية، ونحن هنا نشتغل في هذا المجال ونخضع لهذه القوانين والشرائع، خلق "الله" النّاس جميعاً وكذلك الكون والكائنات، ووهبهم الحياة ليسعوا ويعملوا فيها ويتكاثروا ويعبدوا الله ويشكرونه على نعمة الحياة والهواء والماء والشمس .. إلخ، وفي المقابل على الإنسان أن يدرك أنّ هذه الحياة ستنتهي، وتحلّ محلّها حياةٌ أخرى، فيكون مستعدا لذلك دائما، هذا من الأمور البديهية، تعرف ذلك، وأنّ ما يفعله الإنسان في حياته الدّنيا سينعكس تماماً على حياته في الآخرة، أي بعد الموت وعليه أن يتذكّر على الدوام أنّ يوم القيامة آتٍ لا محالة، وأنّه سيحاسب على كلّ ما فعل في حياته الدّنيا، لا شك أنك سمعت بهذه االمحكمة الإلهية ؟ حيث يجمع الله جميع البشر في يوم القيامة، وهو يومٌ عصيبٌ، ذو أهوالٍ عديدة، لا يتصوّره أحد. أسماء يوم القيامة التي وردت في الكتب الدينية عديدة، ومنها ما ورد في في عدّة نصوص، ومن هذه الأسماء على سبيل المثال : يوم القيامة، القارعة، الطّامّة الكبرى، الصّاخة، الآزفة، الواقعة، السّاعة، الحاقّة، اليوم الآخر، يوم الفصل، يوم الدّين، يوم الحسرة، يوم الخروج، يوم الوعيد، يوم الخلود، يوم الجمع، يوم التّغابن، يوم الحساب، يوم التّناد، يوم التّلاق، اليوم الموعود اليوم المشهود، اليوم العسير، اليوم العبوس، اليوم القمطرير إلخ. ستجد كل هذه التفاصيل في المطبوعة التي سلمت إليك منذ البداية، ولهذا ننصحك بقرائتها. وسُمِّيت القيامة بهذا الاسم لما يقوم فيها من الأهوال والأحداث والأمور العظيمة التي يعجز العقل عن إدراكها، ومن تلك الأمور قيام الناس ووقوفهم للقاء الله ليُحاسبهم في ذلك اليوم على أعمالهم واحداً واحداً.
#سعود_سالم (هاشتاغ)
Saoud_Salem#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إجراءات الدخول
-
تعويذة ضد الإنتحار
-
صالة الإنتظار
-
عرق البحار
-
تشققات البحر
-
عالم المعجزات
-
يوم الحشر
-
بداية الإنفجار
-
الإختيار المستحيل
-
صور من تحت الأرض
-
القبر الذهبي
-
دراكولا
-
السيفيروت وعلم الأرقام
-
هيا بنا نهاجر
-
الحلم المصادر
-
ليلة ممطرة
-
اللامتناهي : الله أم العالم ؟
-
المرأة الأولى
-
أحزان العنكبوت الأزرق
-
ثورة إبليس
المزيد.....
-
-طفولة بلا مطر-: المولود الأدبي الأول للأكاديمي المغربي إدري
...
-
القبض على مغني الراب التونسي سمارا بتهمة ترويج المخدرات
-
فيديو تحرش -بترجمة فورية-.. سائحة صينية توثق تعرضها للتحرش ف
...
-
خلفيات سياسية وراء اعتراضات السيخ على فيلم -الطوارئ-
-
*محمد الشرقي يشهد حفل توزيع جوائز النسخة السادسة من مسابقة ا
...
-
-كأنك يا أبو زيد ما غزيت-.. فنانون سجلوا حضورهم في دمشق وغاد
...
-
أطفالهم لا يتحدثون العربية.. سوريون عائدون من تركيا يواجهون
...
-
بين القنابل والكتب.. آثار الحرب على الطلاب اللبنانيين
-
بعد جماهير بايرن ميونخ.. هجوم جديد على الخليفي بـ-اللغة العر
...
-
دراسة: الأطفال يتعلمون اللغة في وقت أبكر مما كنا نعتقد
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|