|
إجراءات الدخول
سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي
(Saoud Salem)
الحوار المتمدن-العدد: 7108 - 2021 / 12 / 16 - 14:40
المحور:
الادب والفن
قالت له السيدة عندما جاء دوره : السيد نون، أهلا وسهلا، تفضل واجلس، نحن متأسفون لهذا التأخير ونعتذر لكل هذا الوقت الطويل من الإنتظار، لقد ازداد الطلب على خدماتنا في السنوات الأخيرة، وهذا يحصل دائما في فترة الأزمات والحروب، وينقصنا كما لاحظت بعض الموظفين. لم يرد السيد نون الذي مايزال يحاول أن يتأقلم مع هذا الجو الإداري الذي يبعث في نفسه القلق بل والرعب أحيانا. واصلت السيدة وهي تعاين بعض الأوراق : السيد نون، ملفك يبدو كاملا وجاهزا وما عليك سوى التوقيع في أسفل هذه الورقة، إلا إذا كانت لك بعض الأسئلة أو الإستفسارات. أما السيد نون فلم يدرك حقا حتى الآن ما هو الهدف من هذه اللعبة ولا ماهية المكان الذي يتواجد فيه رغم أن العديد من الرجال والنساء الذين قابلهم حاولوا كل على طريقته أن يشرح له هذا الموقف، ولكن يبدو أنه كان ينقصه شيء ما لتفهم الوضع بأكمله. وأعطته السيدة الوثيقة مفتوحة على الصفحة المعنية وأعطته أيضا قلما للتوقيع. بقي لحظات طويلة وهو يفكر، ويتردد والقلم في يده، ثم قال للسكرتيرة : ماذا سيحدث لو لم أوقّّع على هذه المذكرة ؟ آه، لا شيء، قالت له السكرتيرة، لا شيء على الإطلاق بالنسبة لنا، أما بالنسبة لك فلا شك أنك ستعود من حيث أتيت، وعليك أن تجد عقدا آخر، هناك إختيارات لا حصر لها، ونحن نشكرك بطبيعة الحال لإختيارك لوكالتنا. بقي للحظات وهو لا يعرف هل يوقع أو لا يوقع، ثم لملم أفكاره وقال بطريقة هادئة : أنا لا أعرف أي شيء عما يحدث ولا عن هذه الإجراءات ولا عن المكان الذي أتواجد فيه الآن، ولم أوقع أي عقد من قبل، وربما من المستحسن أن أعرف ما هي هذه الإختيارات التي لا حصر لها. فقالت له المرأة، وهي تنظر إليه مبتسمة : السيد نون، كما تعرف كل شيء يتعلق بطبيعة العقد، وطبيعة البنود التي يحتويها، ربما سيعرضون عليك أن تتحول إلى شخصية أخرى ومحاولة تجريب حياة جديدة، أي البداية مرة أخرى، أو أن تتحول مؤقتا إلى كائن آخر. ثم أضافت ضاحكة هذه المرة : حيوان أو حشرة على سبيل المثال، أو حتى نبات أو حجر، وربما سيقترحون عليك أن تندثر نهائيا وتعود غبارا كونيا بين النجوم. نحن هنا لا نقدم هذه الخدمات، والإختيار عندنا في غاية البساطة، نضمن لك الحياة الأبدية، الحياة الأبدية لك أنت كما كنت في الحياة الدنيا، بأخطائك وسيئاتك وحسناتك. وحك السيد نون رأسه عدة لحظات، ثم قال : بالتأكيد هذا أحسن عرض يمكن أن يوجد في السوق، ولكن ما هو الثمن الذي سأدفعه لهذه الحياة الأبدية، وهل أنا الآن حي أم ميت ؟ أنا لا علم لي بكل هذه التفاصيل، إذا كنت ميتا كيف أحتفظ بجسدي، وما هو هذا الجسد الذي تركته هناك مستلقيا على السرير في المستشفى ؟.. إسمع، قالت له السكرتيرة، أعتقد أنك قد دفعت الثمن، فعادة ما ندفع الثمن مقدما كما هو الحال دائما، ووجودك هنا يعني أنك قد وقعت عقدا مع إحدى وكالاتنا، ولكننا لا نعالج هذه الأمور على مستوى السكريتاريا، بخصوص التفاصيل والعقود والأسعار والتخفيضات وما شابه من الأمور الإدارية، وكذلك المسائل المتعلقة بالموت والجسد والإنتقال، ستجد كل ذلك في المكتب المجاور مع مسؤولك الرئيسي والمباشر، ولكن لابد من التوقيع على هذه الوثيقة أولا قبل الخطوة التالية، كما أنصحك بقراءة المطبوعة التي تسلمتها منذ قليل إنها ليست كاملة ولكن فيها ما يكفي من المعلومات التي تحتاجها في الوقت الحاضر. وانتهى به الأمر إلى التوقيع في أسفل الصفحة ومد المذكرة للسكرتيرة التي وضعتها في الملف المفتوح الذي كان أمامها وهي تعاين النموذج والتوقيع. ثم تغير وجهها فجأة وسحبت الورقة من الملف وهي تتمتم بصوت غامض لم يفهمه : هناك مشكلة، هناك مشكلة أيها السيد نون، ثم أخذت سماعة التلفون وأدارت كرسيها للجهة الأخرى وأعطت له ظهرها ومالت قليلا إلى الأمام، كأنها لا تريد له أن يسمع الحديث، وبقيت عدة دقائق وهي تتحدث إلى شخص ما في الهاتف وهي تهز الورقة التي في يدها من حين لآخر. ثم أخيرا أستدارت وعادت إلى وضعها الطبيعي أمام مكتبها وقالت للسيد نون : نتأسف على هذا التأخير في معالجة ملفك، في الحقيقة هناك مشكلة بسيطة، لا تقلق إنها مشكلة تتعلق بملفك، عادة لا تصلني هنا إلا الملفات الكاملة والجاهزة للتوقيع، لقد حدث خلل ما سنحاول إصلاحه حالا. قالت ذلك وهي تلملم بعض الأوراق، ثم نهضت من مقعدها وأخذت الملف تحت إبطها وقالت له وهي تبتسم : تعال معي، سأقودك إلى المكتب المعني للتحقق من المعلومات الناقصة، ستأخذ العملية عدة دقائق لا أكثر.
#سعود_سالم (هاشتاغ)
Saoud_Salem#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تعويذة ضد الإنتحار
-
صالة الإنتظار
-
عرق البحار
-
تشققات البحر
-
عالم المعجزات
-
يوم الحشر
-
بداية الإنفجار
-
الإختيار المستحيل
-
صور من تحت الأرض
-
القبر الذهبي
-
دراكولا
-
السيفيروت وعلم الأرقام
-
هيا بنا نهاجر
-
الحلم المصادر
-
ليلة ممطرة
-
اللامتناهي : الله أم العالم ؟
-
المرأة الأولى
-
أحزان العنكبوت الأزرق
-
ثورة إبليس
-
حكاية للأطفال
المزيد.....
-
وفاة الإعلامي السوري صبحي عطري
-
عندما تتكلم الشخصية مع نفسها.. كيف تنقل السينما ما يدور بذهن
...
-
الفكر والفلسفة في الصدارة.. معرض الكتاب بالرباط يواصل فعاليا
...
-
أول تعليق لمحمد رمضان على ضجة -حمالة الصدر- في مهرجان كوتشيل
...
-
أكاديمية السينما الأوراسية تطلق جائزة -الفراشة الماسية- بمشا
...
-
آل الشيخ يقرر إشراك الفنان الراحل سليمان عيد في إحدى مسرحيات
...
-
نظرة على فيلم Conclave الذي يسلط الضوء على عملية انتخاب بابا
...
-
فنان روسي يكشف لـCNN لوحة ترامب الغامضة التي أهداها بوتين له
...
-
بعد التشهير الكبير من منع الفيلم ونزولة من جديد .. أخر إيراد
...
-
على هامش زيارة السلطان.. RT عربية و-روسيا سيفودنيا- توقعان
...
المزيد.....
-
فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج
...
/ محمد نجيب السعد
-
أوراق عائلة عراقية
/ عقيل الخضري
-
إعدام عبد الله عاشور
/ عقيل الخضري
-
عشاء حمص الأخير
/ د. خالد زغريت
-
أحلام تانيا
/ ترجمة إحسان الملائكة
-
تحت الركام
/ الشهبي أحمد
-
رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية
...
/ أكد الجبوري
-
نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر
...
/ د. سناء الشعلان
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
المزيد.....
|