أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عمر عتيق - رؤية في استهلال كتاب الفنان -منوبي بوصندل-














المزيد.....

رؤية في استهلال كتاب الفنان -منوبي بوصندل-


عمر عتيق
أستاذ جامعي

(Omar Ateeq)


الحوار المتمدن-العدد: 7106 - 2021 / 12 / 14 - 20:26
المحور: الادب والفن
    


(الكتابة عنك)عنوان الاستهلال الذي بدأ به كتاب الفنان التشكيلي " منوبي بوصندل" الذي يوثق مسيرة الفنان الذي اتخذ اللوحة التشكيلية رسالة لغايات إنسانية . هكذا اختارت د. أحلام بوصندل هذا العنوان اللافت والمغاير للمسميات المألوفة ( مقدمة ، مدخل ، تقديم ، توطئة ، تمهيد ...الخ) ، لأنها أرادت أن تكتب عن أبيها وملهمها وصديقها ما لم يكتبه أحد من قبل ، أرادت أن تنسج نصا ذاتيا ينبض بالحنين والوفاء والاعتزاز فكان عنوان " الكتابة عنك " الذي يُضمر بنية نفسية دلالية عميقة تتجاوز المعنى السطحي ، فكلمة الكتابة في العنوان تختزل الخلود ونفي الموت وإثبات ديمومة الحياة . والضمير في (عنك) هو ضمير الابنة الكاتبة (أنا - أحلام ) التي تفتحت عيناها في حدائق لوحات أبيها حينما كانت طفلة تحبو بين أوراق وألوان أبيها . وهو ضمير المخاطب ( أنت - أنتم ) الذي - الذين عرفوا "منوبي بوصندل" إنسانا يجسد منظومة قيم ، وفنانا يُصور ما يمور في فكرهم ووجدانهم ويجسد ثنائيات الانكسار والانتصار ، والقلق الوجودي ، والحلم الذي يرتقي إلى اليقين .
لا يخفى أن الابنة الكاتبة الفنانة عانت من الحيرة والقلق والتردد قبيل كتابة الاستهلال ، ومن المرجح أن العودة إلى مسودة المقال(الكتابة عنك) ستكشف عن الكلمات والعبارات التي عمدتْ الكاتبة إلى تغييرها أكثر من مرة ، لأن اللغة تعجز دائما عن التعبير عما نفكر فيه ونشعر به ، فالكتابة محاولة لقول ما نرغب به ، وليست الكتابة تصويرا حرفيا لما نريد قوله.
توزع مقال (الكتابة عنك) على مدارين ، الأول فضاء ذاتي مفعم بعاطفة الحنين والحب والاعجاب والإكبار لأب فنان رحل جسده ، وبقي إبداعه خالدا ، وهذا أمر بدهي أن تعبر الابنة عن مشاعرها تجاه أبيها . ولكن أواصر القربى بين أحلام والأب الفنان تتجاوز الصلة البيولوجية إلى تعالق فني ، فهي لا تكتب وفاء للأب فسحب ، ولكنها تكتب عن أبيها الذي ألهمها أن الرسم رسالة وغاية وقضية وجود ، لهذا وجدت أحلام بوصندل نفسها موزعة بين الحنين للأب والوفاء للفنان الأب .وعطفا على ما تقدم يمكن أن يعي القارئ ما تختزله العبارة الأولى في المقال (الكتابة عنك أمر صعب حقيقة) . قد تبدو هذه العبارة تعبيرا مألوفا ، ولكنها اعتراف ضمني أن الكتابة لا تعبر عما تريده الكاتبة الفنانة .ومن المؤكد أن بداية المقال بتلك العبارة تحمل في حناياها اعتذارا للقارئ أن الفنان الراحل يستحق أكثر مما يعبر عنه المقال .وتعبر عن هذا الاعتذار بتركيب لغوي يعزز ما تقدم بقولها : (لعله أمر عسير مرة أخرى) .
تتداخل مشاعر الابنة الكاتبة بمشاعر الابنة الفنانة إلى درجة التماهي والانصهار كما يتجلى في قولها : (صوتك يدوّي في أعماقي) الذي يجسد حنينا مكثفا لماض مفعم بالذكريات ، وقولها : (لم تكن الفنان فحسب ، بل كنت أبا وصديقا).
أما الفضاء الثاني فهو فضاء فكري تسعى الكاتبة فيه إلى رصد المخرجات الفنية التي ورثتها عن أبيها ، وهو فضاء يقترب من تقييم المنجز الفني، تحاول فيه الابنة الكاتبة الفنانة -دون جدوى- أن تفصل بين الحنين للأب والكتابة عن الفنان الأب كما يبدو في قولها :( رحلتك في الوجود الذي حولته إلى موجود بلغة الحس والفن والألوان) ، ولعل هذا الاقتباس يلخص فلسفة الفن التشكيلي الذي يشكل رؤية الفنانة أحلام بوصندل للوجود والحياة ، ويكشف عن الرغبة في إعادة تشكيل أبجديات الوجود الذي يعاني منه الإنسان إلى وجود يجد فيه الإنسان فطرته وإنسانيته وحريته.
تحرص الكاتبة على وصف فلسفة الموت التي لا تراها غيابا كليا وفناء نهائيا واندثارا أبديا ، لأن رؤيتها للموت غياب جزئي أو غياب فيزيائي حينما يغيب المبدع عن أعيننا ويبقى إبداعه عصبا نابضا في تفكيرنا ووعينا ، وكأن الكاتبة أرادت أن تقول : ما أكثر الأحياء الأموات ، وما أقل الأموات الأحياء. وأعتقد جازما أن رؤية الكاتبة لفلسفة الموت تصلح لإعادة مفهوم العمر أو الزمن ، لأن العمر الحقيقي للإنسان يرتبط بالأهداف التي حققها في حياته ، وبالأثر الإيجابي الذي يوجه الفكر والسلوك بعد رحيله ، وتأسيسا على هذه الرؤية رصدت الكاتبة مساحة الانتشار لأبيها الفنان لدى الفنانين والمسرحيين والمثقفين الذين يجدون الفن وسيلة للتغيير المنشود . كما وقفت الكاتبة الفنانة على الامتداد الجغرافي للمنجز الفني لأبيها الذي لم يقتصر على الفضاء الإقليمي التونسي أو العربي ، وإنما امتد إلى فضاء كوني إنساني كما يتجلى في قولها : (ولقيت صداك في أوساط المحبين ، ورددك المعنيون والكتاب والمثقفون ، وتذكرك بعض الأجانب والرسامين ، حتى أنني خلتك في غيبوبة وستعود) .
تختار الكاتبة الابنة مشاهد إنسانية وفكرية من السيرة والمسيرة لأبيها الفنان الذي ترك وشما فنيا في مدينته بنزرت في (جدارية ملعب منزل عبد الرحمن) ، فالفن التشكيلي انتماء تكاملي يبدأ من مسقط الرأس حيث المولد ومدارج الطفولة ويمتد إلى خريطة الوطن الصغير ثم يرتقي إلى الوطن الأكبر الذي يجسد موطن الإنسانية . أما المشاهد الفكرية التي تعد قامة وقيمة للفنان الراحل فهي وظيفة الفن في إبراز الدور الريادي للمرأة من خلال خطاب الفن التشكيلي . ولا يخفى أن مواجهة الفكر الموروث ليس أمرا ميسرا لأنه يحتاج إلى فكر مستنير جريء يتخذ من الابتكار والإقناع والدهشة وسائل للتأثير والإثارة.



#عمر_عتيق (هاشتاغ)       Omar_Ateeq#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسالة إلى الطيبين الغافلين
- ملاحظات بلاغيّة في مؤلَّفي بروفسور عمر عتيق: علم البلاغة بين ...
- الشاعر أبو عرب في ميزان النقد
- جداريات عنقاء رواية مواقف ومشاهد سينمائية
- الشاعرة الناقدة سلمى جبران بين قدسيَّة النّقْد وقدسيَّة النّ ...
- بين قدسيَّة النّقْد وقدسيَّة النّص قراءة في:كتاب -مرايا نقدي ...
- العزاء الأخير
- يا صاحبيَّ السّجن
- نقوشٌ في ذاكرةِ الريح
- سفر العودة
- يوسف عليه السلام
- دراسة موضوعية فنية في ديوان حيفا في يديها سراج أمِّي للشاعر ...
- التشكيل الأسلوبي في قصيدة - رفقا بالنساء-
- الشاعر راشد حسين قامة عالية لم ترتق إليها أقلام النقاد
- رؤية نقدية في قصائد الشاعرة عائدة الخطيب
- العناقيد الدلالية بين العنوان ومضمون القصيدة في ديوان -هنا و ...
- ظواهر أسلوبية في مجموعة -مرآة وصور-
- وهج السرد في مجموعة خطأ مطبعي للقاصة إسراء كلش
- ثنائية الصمود والهروب في قصة - ورقة من غزة - لغسان كنفاني
- إشراقات فنية في ديوان الأخوين الشهيدين باسم وحسين لوالدهما ا ...


المزيد.....




- تحت مجهر الأدب السويسري: دور المساعدات الإنسانية في أفريقيا ...
- قبيل أولمبياد باريس.. فيلم يهدد بخطر -السين نهر الدم-
- ليس في أمريكا بل ببلد خليجي.. مصور يوثق شغف خيالة بثقافة رعا ...
- جاهزين يا أطفال؟.. اضبط تردد قناة سبيس تون على القمر نايل وع ...
- ثبت الآن”.. تردد قناة ناشونال جيوغرافيك National Geographic ...
- المزيد من الـ -Minions- قادمون في فيلم جديد
- موسم أصيلة الثقافي يعيد قراءة تاريخ المغرب من خلال نقوشه الص ...
- شائعة حول اختطاف فنانة مصرية شهيرة تثير جدلا (صور)
- اللغة العربية ضيفة الشرف في مهرجان أفينيون الفرنسي العام الم ...
- تراث عربي عريق.. النجف موطن صناعة العقال العراقي


المزيد.....

- الرفيق أبو خمرة والشيخ ابو نهدة / محمد الهلالي
- أسواق الحقيقة / محمد الهلالي
- نظرية التداخلات الأجناسية في رواية كل من عليها خان للسيد ح ... / روباش عليمة
- خواطر الشيطان / عدنان رضوان
- إتقان الذات / عدنان رضوان
- الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد ... / الويزة جبابلية
- تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً / عبدالستار عبد ثابت البيضاني
- الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم ... / محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
- سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان / ريتا عودة
- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عمر عتيق - رؤية في استهلال كتاب الفنان -منوبي بوصندل-