أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سامى لبيب - الفكرة التي أدلجت الإستبداد والقهر والإنتهاك















المزيد.....



الفكرة التي أدلجت الإستبداد والقهر والإنتهاك


سامى لبيب

الحوار المتمدن-العدد: 7104 - 2021 / 12 / 12 - 14:33
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


- لماذا نتخلف (87) .

كتبت عشرات المقالات التى تفند وجود إله أبرزها سلسلة "500 حجة تُفند وجود إله " ليتركز البحث فى وهم وهشاشة وعدم منطقية فكرة وجود إله وهذا يخص ويعنى الباحثين عن الحقيقة , ولكن فكرة الإله أخذت مساراً آخر فقد أضحت فكرة ضارة مدمرة لإنسانيتنا فى عصرنا الحالى بغض النظر عن وجوده أو عدم وجوده , فمنشأ فكرة الإله هى مصالح ورغبات الطغاة والسادة لتحقيق مصالحهم وهيمنتهم فى إطار فكرة تتعامل مع الغموض والوجود والحيرة الإنسانية , وهذا ما سنتطرق له هنا .

- نتعجب من إحتفاظ المصريون القدماء بأشياءهم لنطلق عليها كراكيب , لنجد أننا كبشر دائما ما نحتفظ بكراكيب ليس لها معنى ولا قيمة فى حياتنا سوى أنها موروثاتنا التى يجب أن نحتفظ بها تحت يافطة الأصالة والثوابت والتراث .. لذا من الأهمية بمكان أن نفتش فى هذه الكراكيب عما هو صالح للتعاطى وعما هو فاسد وما يحتاج إلقاءه فى مزبلة التاريخ , لنجد أن الأمور تحتاج بالفعل لإلقاء كل أفكارنا وثوابتنا وتراثنا الفكري فى المزبلة .

- تُعتبر فكرة وجود الإله من الأفكار التى حظيت بأكبر ميديا ورواج وإستهلاك عند الجنس البشرى لتهيمن على عقول الكثير من البشر منذ البدء وحتى الآن , وتطوف بكل العصور بغية الوصول لفهم لغز الوجود والحياة , وليستأثر هذا الجدل بعلم الفلسفة وعلم النفس والإجتماع والميثولوجيا والإنثربولوجى .

- رغم أن فكرة الإله غير منطقية وغير مثبتة إلا أنها شديدة الثراء كونها توائمت مع إحتياجات الإنسان النفسية فى ظل جهله وصراعه مع الوجود الطبيعي , و لا أرى أن فكرة الإله جاءت حصراً من أجل تفسير غموض الوجود والحياة بل لشرعنت حكم الأقوياء والسادة والطغاة من خلال أيدلوجية وفلسفة , كذا لتلبية حاجات نفسية إنسانية داخلية عميقة لتتخلق مفردات فكرة الإله , وليضيف كل جيل رؤى وإحتياجات إضافية تتحمل طموحاته وجهله , وهذا ما تعرضت له فى سلسلة "لماذا يؤمنون وكيف يعتقدون" لتحليل فسيفساء النفس البشرية التى شكلت الفكرة لتصل لحالة تجسيد الوهم .

- أري أن فكرة الإله باحثة عن معنى وغاية إنسانية , فبالرغم من إنعدام وجود الإله كوجود مُتحقق مُعاين ليبقى فى إطار فكرة أنتجتها المخيلة الإنسانية لتفى حاجاتها النفسية فى ظل حالة العجز المعرفى فى مواجهة الطبيعة والحياة ومحاولة إدراكها إلا أن هذه الفكرة صارت موجودة وذات معنى فى عالمنا المعاصر بعد أن تركت ترسبات على النفسية والذهنية للمؤمنين بوجود إله , لتبدأ الأمور بفكرة وتخيل ورؤى ثم تمارس الفكرة حضورها وهيمنتها .

- فرضية الإله فى نشأتها الأولى كانت ذات جدوى فى ظل جهل معرفى هائل ورغبة فى إيفاء أغراض وإحتياجات نفسية لتملأ فكرة الله هذه الفراغات عن جدارة وتمنح الإنسان التوازن النفسى وسط حالة من الخوف والألغاز والصعوبات التى يواجهها , ولكن إمتداد هذه الفكرة لتمد ظلالها على عالمنا المعاصر صارت مُشبعة بالضرر والإنتهاك والإعاقة للتطور الإنسانى .

- سيستغرب البعض من تصنيفى لفكرة الله كفكرة ضارة وسينتقد البعض مبدأ ضرر الفكرة , فطالما نعتبر الإله فكرة وليس وجود فلا يجوز نعت الإله بأنه ضار .. لأقول ان ضرر الأفكار أكثر خطورة من ضرر الشئ الموجود بل أكثر ديمومة وإستنزاف وجلب للألم والضرر , مثل تواجد فكرة العنصرية لدى بعض الجماعات البشرية فهى تنتج ضرر دائم ومستمر متمثلاً فى حضور الفكرة .

- أضحت فكرة الإله الآن فكرة ضارة على مستوى إدراك الانسان للوجود المادى الموضوعي وذلك بإنصرافه عن البحث العلمي المادي وإعتماده على حلول وهمية غير واقعية لا تفيده فى حل مشاكله وآلامه .

- فكرة الله تقدم نظرة خاطئة مُضللة لفهم الوجود فهى تعبر عن جهلنا لفهم وإدراك الحياة , فكل ما نجهله نضعه على شماعة الإله الذى أنتج هذا الفعل ليتشكل نهج فكري فاسد مارسه الإنسان القديم وليستمر المؤمن المعاصر يمارسه حتى الآن بتحميل شماعة الله كل الحيرة والجهل المعرفى والإكتفاء بذلك , فليس هناك أسهل من الكسل المعرفي بالقول بأن الإله فعل ذلك , فالإنسان القديم فسر كل الظواهر الطبيعية بأن الآلهة أنتجتها , بينما الإنسان المعاصر تجاوز كل سذاجة القدماء وأدرك أسبابها المادية ولكن للطرافة مازال يردد ذلك , ليبقى لديه بعض الغموض والأسئلة حائرة عن كيفية تكون الخلية الحية والوظائف الكيميائية الحيوية ليترجم هذا فى إبتداع فكرة التصميم الذكى التى لا تزيد عن إبداء الدهشة فهناك من صنع هذا .

- هذا من فعل الله ليس تفسير جيد لظاهرة , فهى إجابة مُبتسرة ومُتسرعة ومُتعسفة لأنك لا تستطيع إثباتها .. هى إجابة تنم عن جهلنا وعدم وجود تفسير لدينا أو هروبنا من مأزق الحيرة والقلق فإخترنا الجواب السهل , ولكن المصيبة الكبرى أن هذا النهج يشل الدماغ عن البحث العلمى .

- فكرة الإله هروب من جهلنا والغموض الذى يحيط بنا ليكون محصلة هذا نتائج سلبية , فيظل الإنسان أسير مربعات جهله وتفسيرات القدماء البائسة , بينما لو تحرر من فكرة الإله وكسر هذه العزلة التى قيد نفسه بها سيقضى على جهله , فهكذا تطورت البشرية عندما دخل الإنسان المعمل بدون أن يقحم فكرة الإله فى عمله وأبحاثه .

- مبدع فكرة الإله إعتمد على التجهيل وتحريم السؤال ليمرر التقرير حتى تجد الفكرة حضوراً بلا قلق , ولننأمل مشهد الإختبار الإلهى الأول فى قصة آدم حيث جوهره يتمثل فيما يُطلق عليه شجرة "معرفة الخير والشر" , لتصيب فكرة الإله العقل البشرى بالجمود والقولبة وفوبيا السؤال والمعرفة .

- تزداد ضحالة فكرة الإله وضررها عندما تُخدر الوعى الإنساني عن التناقض والأسئلة الغامضة , فما أن يواجه المؤمن تناقض أو مشهد فج غير مفهوم أو غير منطقى حتى يسارع بالقول أن هناك حكمة إلهية لا ندركها أو أن عقولنا محدودة قاصرة بائسة وبذا يُخدر وعيه عن الإدراك والبحث النزيه ليرزح تحت ظلام الجهل وعدم إقتحام الغموض والتناقض .. الإنسان لم يتطور ويعىّ الحياة والوجود إلا عندما تخلص من هيمنة فكرة حكمة الإله المجهولة .

- لنا أن نتوقف عند المفهوم الإيمانى الأول الذى سلب الإنسان إنسانيته , فهو جاء رغماً عنه بدون إرادته ووُضع فى إختبار إلهى رغماً عنه ومطالب بالعبادة والتضرع للإله رغماً عنه وإلا الإنتقام الإلهى بتعذيبه .. هذا المشهد الإيمانى الذى يقبع فيه المؤمن وينصاع إليه ينال من قيمة الإنسان لتهدر فى داخله مفهوم الإرادة والحرية ليصل به الحال إلى الإستسلام والرضوخ للأقوياء والنفاق وكل من يمتلك مفردات القوة المفرطة .

- يتأدلج الإستبداد والقهر من خلال فكرة إذا لم تصدق بوجودي فلك عذاب أليم , ولك المزايا والنعم متى صدقت بوجودي فى مشهد غريب وقميئ ليس على مستوي فرضية وجود إله نجده تحت الحاجة باحث عن الإيمان والتصديق بوجوده ولكن على المستوي المنطقي , فالإيمان والتصديق رغماً عنك ولا مكان لحرية الفكر والإعتقاد , ومن هنا نُدرك أن هناك من صاغ هذه الفكرة الإستبدادية بأن تخضع للحاكم المستبد وإلا الإضطهاد والمعتقلات ولتتأدلج الفكرة من خلال فرضية الإله ليستمر نهج المستبد الأول .

- تكون فكرة الله ضارة على المستوى الإجتماعى والإنسانى فعليك أن تقبل بإرادات وخطط مُقدرة من قبل كائن غيبى أراد هكذا أمور , فبؤسك وشقائك ومرضك ورزقك ليس نتاج ظروف مادية من الممكن معالجتها وتجاوزها ولكن وفق إرادة مَخططة مُدبرة مُريدة أرادت هكذا أمر وعليك الإستسلام لها وعدم التمرد بل الخضوع لمشيئتها وشكرها على أفعالها .

- تتطرف فكرة الإله فى مسخ الإنسان فلا تكتفى بوجود الإنسان رغماً عنه ولا بفرضية تحديد أقداره ومصائره بل تصل بعلم الإله بمصيره بعد الموت فلا يستطيع المرء أن يُغير ويُعدل من مصيره فهو مُجير على تحقيق علمه ! .. هنا تصبح فكرة الإله شديدة العبثية والضرر فى أنها تسلب وتستلب الإنسان وتكبله عن الحراك والتغيير ورفض الواقع السئ المؤلم الذى يعيشه , ويزداد ضررها عندما تصنع أيدلوجية ومظلة لكل الطغاة والمستبدين فى أن ينعموا بحياة هانئة بسحق ومص دماء البسطاء والمهمشين الذين لا يملكوا من أمرهم شيئا سوى التسليم للمُستبد من خلال فكرة الإله الذى خطط وقسم الأرزاق ورسم الأقدار , وحتى تنفيس الغضب سيتم توصيفه بأنه مشاعر حقودة حسودة ليست مطلوبة فهناك إله سينتقم منك لأنك حملت فى داخلك مثل هكذا أحاسيس خجولة بالرغم أنها ليست بذات جدوى !

- فى ظل حالة تهمييش الحياة وتبديدها من أجل عدم قادم تحل الإزدواجية والنرجسية فى الطريق , فوفقاً للإيمان بفكرة الله ينتاب المؤمن حالة من الغرور والغباء الشديد أو قل محاولة لرفض عدميته وتهمييشه ليتوهم أن الحياة والوجود جاء من أجله فهو محور الوجود , والحياة والكون جاء من أجل عيونه الجميلة , ليتخلق فى داخله غرور أجوف متعالى يلهث وراء التمايز والفوقية .
هذا الفكر الخاطئ بفكرة إله مُعتنى مُدَلل إختلقه الإنسان مع إمتلاكه الوعى المفارق عن الطبيعة وفى ظل حالة نفسية تبحث عن إثبات ومعنى للوجود من خلال الإحساس بالقيمة , ولكن خطورة هذا الوعي أنه يُخدر الإنسان عن الوعى الحقيقي وفهم قيمته الحقيقية وإستحقاقه للوجود , فعالم الدخان الأزرق يُخدر صاحبه عن إدراكه لحجمه وقدراته ونضاله من أجل أن يكون له قدم راسخة على الأرض , فالطبيعة لن تلعن أحد أو تزدريه لفهمه الخاطئ ولكن الفهم الخاطئ سيأسر صاحبه فى أوهام لن تعينه على تثبيت أقدامه .

- فكرة المحورية والتمايز التى هيمنت على الفكر البشرى لا تقبل بتمظهر واحد لتمد ظلالها تطلب التحقيق دوماً خاصة فى واقع معيشي , لنجد تحقيق المحورية والتمايز فى فكرة شعب الله المختار وشعب المسيح المخلص وخير أمة أخرجت للناس ولا مانع من حالة تمييز بين المذاهب والطوائف والأجناس المختلفة فى إطار ذات نفس الفكرة المؤمنة بالتمايز والمحورية .

- الإيمان أسس أيدلوجية وفوبيا الخوف بين الضلوع فنحن نخاف من الخطيئة والذنب .. نخاف الشيطان والجن والعفاريت .. نخاف من العقاب الإلهى وإنتقامه .. نخاف الطغاة .. نخاف من الغد .. نخاف من الآخر بالرغم أنها كلها أفكار وصور .. الخائفون المرتعشون لا يصنعون حضارة ورقيّ .

- الإيمان بالآلهة أقبح ما توصل إليه الفكر البشرى فقد حول إنسحاقه وضعفه إلى وجود وتماهى فى حالة من المازوخية والهوان , فقبح الإيمان بإله يأتى من إنسحاق الإنسان أمام مفهوم الخوف والقوة والقهر والتعايش معه , والرضا بمفهوم العبد ليتم مسخ الإنسان وإنسحاقه وتهمييشه وتأسيس منهجية الإستبداد والتفرد لقوى البطش , لتعيش الإنسانية أحقاب طويلة تُمجد وتنسحق أمام الطغاة , لنسأل هنا هل الطغاة الأوائل اخترعوا فكرة الإله ورسموها ليمارسوا ويؤدلجوا من خلالها سطوتهم وقهرهم أم أنهم إستثمروا وجود الفكرة .. أتصور الأولى هى الصحيحة وتمت بشكل عفوي عبقري بالنسبة للأوائل وصحيحة بالنسبة للسلف الذين إستثمروا الفكرة .

- لا تسأل عن الإنسان المقهور والشعوب المقهورة , فمفهوم القهر متلازمة مع الإنسان بحلول فكرة الإله القاهر لتصير منهجية حياة لا تتوقف على أصحاب القوة والهيمنة لتمد ظلالها لكل إنسان بسيط يستطيع أن يمارس قهر من تحت يده كقهر المرأة والأطفال والأقليات , لتكتمل المأساة فى إعتبار القهر حقوق وطبيعة لا تستحق التوقف والرفض .

- الإيمان بفكرة الله بمنظور عبوديته والخضوع له شكل منهجية مازوخية داخل المؤمن تؤسس لقبول الذل والرضا بحالة دونية ليستمتع بها , ولتتشبع نفسية المؤمن بهكذا نهج فى التعاطى مع فكرة الإله لتمتد ويتم إستحضارها عند التعامل مع أى قوة مُفرطة , بل يمكن إعتبار حالة العبودية الفكرية تجاه فكرة الله أكثر ذلاً من جيل العبيد الأوائل لتتشكل نفسية دونية حقيرة ترضى بالذل وتتمرغ فى مستنقع الإهانة , فإذا كان العبيد الأوائل رضخوا وإِستعبدوا تحت ضغط قوة باطشة ماثلة أمام عيونهم ليرتضوا بالذل حفاظاً على حياتهم , فما معنى ذل المؤمن المعاصر الذى يرضخ لقوة غير حاضرة يتوهم أنها تصيبه بالألم فبدلا ًمن أن يعلن غضبه وثورته عليها يخر ساجداً ليردد كالأبلة " الحمد لله" , ليمكن توصيف هذه الحالة بخلل نفسي مازوخي يستعذب الألم والمهانة , فعندما يعتقد المؤمن أنه لا يملك من أمره شيئا وأن عليه إستقبال كل المصائب بنفس راضية بل توجيه الشكر للسيد الذى أراد إيلامه وإيذاءه بالعبث بمقدراته , فلا يمكن توصيف هذه الحالة إلا بأن هناك عقلية ونفسية عبيد وحالة مازوخية متردية .

- يزداد ضرر الإيمان بفكرة الإله عندما تتأسس نفسية مازوخية بالخنوع والتمتع بالإذلال , فالمؤمن يناله البلايا من الإله وفقاً لإعتقاده , وليس أمامه سوى أن يَحمد ويَشكر الإله على إذلاله وآيلامه , فأى رفض وإستنكار لهذه الآلام والإذلال هو كُفر بالإله ستكون عواقبه وخيمة , ليرضى المؤمن بالمذلة والإنسحاق والدونية متوهماً أن حياته ترتهن بأوامر القابع فى السماوات , فلا قدرة له ولا يحق الرفض والإستياء والإستنكار لأقداره المؤلمة , لتتدرب النفس البشرية على قبول الخنوع والإذلال من أقوياء الأرض بل الإحتفاء بهم مثلما رأينا الشعب العراقى يحتفى بصدام حسين بل يحتفل بعيد ميلاده , فهكذا تأثير الفكرة على الإنسان ليسقطها ويتعامل بها فى مشاهد أخرى , فقد تدرب فى مركز تدريب الإيمان بالإله , ولكن للدقة أقول أن فكرة الإله البدئية جاءت من إرادة طغاة البشر فى الهيمنة والسطوة لأيدلجوا نهجهم من خلال فكرة الإله .

- لو قالوا لنا أن العلاقة بيننا وبين الله هى علاقة بيدوفية ما فهمنا ماذا يعنون ولكن لو قالوا لنا أن العلاقة هى عبودية لفهمنا , ومن هنا نسأل هل مُبدعى فكرة الإله ومُسطري الأديان إستعاروا صورة العبودية من الواقع وأسقطوها على فكرة الإله أم أن الإله هو من له هيئة السيد ونحن من إستعرنا منه مشهده فخلق لنا النظام العبودى ليكون لنا مثال نفهم من خلاله العبودية !! . ولكن مشهد العبودية للسادة على الأرض حينها هو الحاضر والذى نراه ونتعاطى معه ولم نشهد مشهد الإله السيد .. نحن من رأينا الملك السيد الجالس على كرسيه يحمله ثمانية من العبيد الأشداء ولم نشهد الإله الجالس على عرشه يحمله ثمانية من الملائكة الأشداء بل هم قالوا لنا .. فمن إستعار المشهد مِنْ مَنْ ؟!

- فى تصوري أن نفسية العبودية للإله جاءت كإمتداد لذهنية السيد والعبد فى العالم القديم , فيمكن القول أنه نوع من تكريس مفهوم وسيسولوجية العبودية مما يقوى من دعائمه المجتمعية ويجعله يستمد قوته من إله السماء الذى يصبح هو السيد بينما البشر هم العبيد , فهكذا ناموس الحياة والوجود لتتقدس هيمنتهم وتمد العلاقة بين السيد والعبد لتجعلها أزلية من خلال السيد عندما يكون سماوياً , لذلك لا غرابة أن كل التشريعات فى الأديان الإبراهيمية كرست العبودية وأقرتها بل وضعت النواميس التى تنظم علاقة العبيد بالسيد الأرضى , فأى خروج وتذمر على هذا النهج لن يسمح له بالوجود .

- خطورة إمتداد فكرة العبودية أنها تصنع ظلال قاتمة لتمد أجنحتها لتمارس دور تخريبى فى النفس البشرية , فالإتكال على السيد وترك الأمور بحوزته هو نوع من الهروب والإستسلام للواقع , فالرضا والقناعة بالأقدار والأحداث وقبولها بإمتنان وشكر هو إذلال وتعجيز وشل قدرات العقل عن التفكير والتغيير .

- إن نفسية العبيد لا تنتج لنا نفوس وعقول مشوهة فحسب تستعذب الإستسلام والخنوع بقدرما تنتج أجيال تتمرغ فى الضعف والهوان والإتكال .. أجيال مُفتقدة للحرية والنقد والقدرة على التغيير والإبداع والتطور , لتمتد قتامة الصورة بمناهضة المُستعبدين المقهورين لكل من يحاولون الخروج عن الطوق .

- ولى عصر العبودية ولكن للأسف مازال هذا العصر البغيض يطل علينا ويلقى بظلال كثيفة على عالمنا المعاصر من خلال فكرة الإله السيد لتسقط على مناحى أخرى .. ففى زمن العبودية كانت كل الحقوق والسيادة والهيمنة للأسياد وكل المهانة والسخرة والخنوع للعبيد .. وللأسف لم يولى هذا العصر وإلا تاركاً وراءه ترسبات على جدار النفس البشرية لتتبدل صور السيد والعبد , ويحل الإله مكان السيد ويظل العبد فى صورته الإنسانية مُبدلاً سيد السماء بدلاً من سيد الأرض , لذا يكون المؤمن قادرا على إستقبال كل المصائب والملمات بصبر وحمد وشكر دون أن يستنكر أو يتذمر , فروح العبودية تسكنه لم تبارحه بعد .

- من هنا يمكن تفسير لماذا تحظى شعوبنا العربية التى تهيمن عليها فكرة الإيمان بعبودية الإله بنصيب وافر من الحكام والأنظمة المستبدة حيث المُستبدون حاضرون دوماً كنتاج طبيعى لسريان ثقافة العبودية فى شرايين هذه المجتمعات لتنبثق عنها وتتولد قدرة على هضم الذل من الحاكم أو أى إنسان ذو بأس , فإذا كنا نتحلى بثقافة العبودية التى تجعلنا ننسحق أمام إله غير حاضر وغير ماثل للعيان لنمرر هذا , فمن اليسير بلع مظالم الطغاة فعلى الأقل هم حاضرون يحملون هروات غليظة ماثلة لعيوننا .

- الفكر الإيمانى بقوة خارقة قاهرة باطشة لم يجلب الخوف فقط بل إستدعى حالة دونية تقلل من قيمة الإنسان لذاته لدرجة التحقير .. فتعاطى المؤمن مع ألوهية الإله بسياج من الغموض والتابوهات والتحذيرات منذ نعومة الأظافر لتقتل روح الفكر والسؤال , فهم يروجون أن الإنسان كائن ضعيف محدود العقل لا يقدر أن يستوعب الإله فلا تفكر ولا يسأل السائلون عن أشياء تسؤوهم , فعقولكم ضعيفة واهنة قاصرة مهما فعلتم .
من هذا التابو , ليترسخ فى الداخل الإنسانى إحساس بالعجز وإحتقار لقدرات العقل وجدوى العقلانية وقدرات العلم ليتجمد عقل المؤمن , فهناك معرفة لن يدركها وحكمة لن يستطيع سبر أغوارها لينال العقل الشلل العظيم .

- عندما يرضى المؤمن بأن يأتى إلى العالم بلا إرادة ويساق إلى عالم آخر بلا إرادة , ويقبل بالأحداث التى بينهما من أقدار مكتوبة , وعندما يتم إقناعه أو للدقة قولبته على الاعتقاد بأنه عبد يؤدي وظيفة لا يحتاجها سيِده , وعندما يؤمن بأنه جاء من أجل غاية إله , ليتحمل فكرة عقاب لانهائى على أخطاء محدودة هو من وضعها أمامه , وعندما ترى العقاب يتسم بالثأر والإنتقام والسادية فعليك هنا أن تتوقف وتفكر قبل أن تبدد حياتك فى هذا الهراء , فالحياة هكذا بلا قيمة ولا معنى , فقبولك بهذا الأمر دون أن يستوقفك لتسأل عن معنى وجودك فى هذه المعادلة فهذا يعنى بلا شك عقلية ونفسية عبيد .

- عندما توجد فكرة ترفض وتلعن وتُقبح من يفكر فيها ويهدد أصحابها الذين ينصرفون عنها فهنا ستعلم لماذا نتحلى بالبلادة ولماذا يستوطن التخلف والإستبداد والقسوة والإقصاء فى مجتمعاتنا .

- فكرة الإيمان بالآلهة أفسدت العلاقات الإنسانية بين البشر كون المؤمن أدخلها فى المُطلق بعد أن جعلها هويته ورمزية إنتماءاته فهو يُكون موقف مستنفر قد تصل للعدائية أمام من يرفض إلهه ورموز مقدساته ليجعله مشروع مناهض له شخصياً ليتماهى أكثر فى شرنقته منتجاً سلوك عدائي إقصائي .

- من أبدع فكرة الإله إنسان شرير إعتنى بالتمايز والقهر والإستبداد والوصاية , فلن يكون مقبولاً أن تعبد الإله الواحد بدون النسخة الإيمانية التى أؤمن بها ويزداد شراسة الفكرة لتحرق أصابعها فلن يكون مقبولاً أن تعبد الإله وتنتمى لنفس الدين بمذهب مغاير فهناك فرقة واحدة ناجية و72 فرقة فى النار .

- فكرة الإله المُسيطر المُتربص المُهيمن المُراقب لأفعال البشر المُحاسب على أفعالهم جاءت من المؤسسات الدينية لتفرض ذاتها على عقل الإنسان بالرغم من شدة وطأة فكرة الهيمنة والترصد والتربص , ليأتى قبول المؤمن لها من منظور الإحساس أنه ذو قيمة وليس وجود هامشى عدمي , فهناك من يعتنى ويرصد ويهيمن ويرسم الأقدار لإعطاءه إحساس بالقيمة ليجد هذا سهولة لدى المؤسسات الدينية التى هى تعبير عن نخب سلطوية وطبقية حاكمة فى تمرير الوصاية والهيمنة والإستبداد ليكون الدين هو إحدى التمظهرات بينما الجوهر هو الخضوع للمنظومات الحاكمة المستبدة .

- لماذا هناك دول وأنظمة قمعية تُمارس التعذيب ؟ لماذا تم ممارسة التعذيب طوال التاريخ البشرى ؟ التعذيب هو إستدعاء السادية والشراسة والعنف الكامن داخلنا للتصعيد والتفعيل والتلذذ بممارسته .. وتجد السادية حضورها فى كل فكرة أو دين أو أيدلوجية تتسم بالشمولية تتطرح الحقيقة المطلقة , فعندما تتأمل فكرة الإله المُفترض لتجد عقابه عبارة عن تعذيب هائل لا يناظره تعذيب وبلا حدود زمنية كما يقولون , فأليس فكرة الإله هذه هى الصورة الأوضح التى أدلجت السادية والتعذيب .

- منشأ الإستبداد والديكتاتورية والتوحش هى فكرة من يمتلك ليحق له أن يعذب , فالله سيعذب البشر الذين لم يخضعوا لحكمه وجبروته ولم يقدموا فروض الطاعة , ولو توقفت أمام هذا المشهد وسألت ما هو المُبرر أن يعذبهم كل هذا العذاب السادى؟! ستجد من يقول لأنه سيدهم ومالكهم , لتسري نظرية أن من حق كل من يمتلك أن يُعذب , فهكذا مارست كل المنظومات السياسية الإجتماعية قسوتها بدءاً من مجتمعات العبودية لتمارس على نفس المنوال كل سلطة وايدلوجية تعذيبها وان إختلفت تمظهرات ودرجات التعذيب ليبقى السؤال عن من رسم الصورة وأسقطها على الآخر هل الإنسان أم الإله , لأقول أنه الإنسان الذى مارس البشاعة وأدلجها بفكرة الإله .

- لماذا تجد الإستبداد فى المجتمعات التى مازالت تتلحف بالمقدس ؟ لأن الأديان هى نظم لحكم جماعات إنسانية قديمة مارس فيها الملوك والساسة والسادة الحكم بالإستبداد , فالأديان لم تخرج عن صياغة إجتماعية لمجتمع بشرى يُسوق لحكم السادة ليتغلل فكر الإستبداد النسيج الداخلى للدين أو المعتقد وليصبح نصيب الشعوب التى ترتمى فى حضن المقدس حظ وافر من الموروث الإستبدادى يتوغل فيصبح ثقافة جمعية

- لماذا المجتمعات البشرية التى تدين بتعدد الآلهة أكثر إنسانية من المجتمعات التى آمنت بإله واحد , ولماذا كانت أكثر حضارة ؟. التعصب والتزمت ظهر مع التوحد والتوحيد , كون هناك إله واحد يحتكرالحقيقة ولا يسمح لأى فكرة أن تقترب منه أو تصاحبه , بينما فى التعدد يتعلم الانسان أن الوجود يتحمل الجميع .
فكرة الله ترجمة وأدلجة الأقوياء والطغاة لنهج الحياة التى يريدونها فهى فكرة مُستبدة مُتفردة بالحقيقة رافضة لتواجد أى فكرة بجوارها لتناهضها بقوة ويزداد شراسة الفكرة عندما تبحث عن وحدانيتها أو ما يسمونه التوحيد فهى ترفض أى آلهة أخرى مشاركة أو معاونة لتطلب من مريديها عدم قبول أى شركاء لها بل مناهضة من يشرك آلهة اخرى مع الإله , فالله غيور متفرد , بينما المعتقدات التى تسمح بوجود آلهة أخرى تجدها أقل شراسة وتصادم , فالحياة والوجود فى رؤيتهم تتحمل آلهة اخرى لذا يكون التنوع متاح وقابل للتعايش السلمى .

- تتردد مقولات على ألسنة المؤمنين على شاكلة " توكلنا عليك يارب" ,"إن شاء الله" بشكل متكرر وممل ليتم إستهلاكها على الدوام فى أتفه الأمور كحال لسان لاعبى الكرة وكأن الإله سيشاركهم اللعب أو يلهمهم ركل الكرة .. فماذا يعنى " توكلنا عليك يارب" و" إن شاء الله" وماهى مدلولها ووقعها وحضورها .. لماذا لا نقول " توكلت على مجهودى " كتعبير ينم عن واقع حقيقي فأى فعل يقوم به الإنسان هو نتاج مجهوده وقدراته وصراعه مع قدرات الإخرين , فالله المُفترض لا يركل الكرة .

- "توكلنا عليك يارب" و"إن شاء الله" هو تعبير عن حالة نفسية مُصابة بالدونية تحتقر ذاتها وتقلل من قيمتها لتمتلك قسط هائل من الهشاشة والمراوغة لا تجعلها قادرة على مواجهة ذاتها وتَحمل أخطاءها وإخفاقها ومراجعتها فتلقى المسئولية على الله لتكون هكذا هى مشيئته وترتيبه , فعندما يحل الإخفاق والأخطاء تتبرأ من ضعفها ولا تعترف إنه نتاج سوء تقديرها وأخطاءها .. "توكلنا عليك يارب" و" إن شاء الله" نتاج نفسية عبودية مهترئة هشة تحتقر ذاتها .

- مشهد اللاعبين الساجدين بعد إحراز الأهداف مشهد شديد السذاجة والبلاهة والدونية , فالإله هو الموفق والملهم فى إحراز الأهداف وليس لقدرات بدنية ومهارية من اللاعب ليخفي هذا المشهد وراءه رغبات السلفيين فى تديين البشر وتسخيف القدرات الشخصية .

- إذا كان الإيمان بأن الرزق هو من السيد الإله كمانح الخيرات بسخاء للبعض وحاجبها عن البعض , فلا تعرف ما معنى ترديد الفقراء " الحمد لله" وهو المُتعمد حجب الرزق عنهم , فألا يعطى هذا إنطباع عن نفسية مُنسحقة تستعذب الذل .. ألا يستحق هذا المشهد الغضب والثورة من الفقير والمحروم من هذا الإله مُحجب الأرزاق بل المُتعمد حجبها , فما ذنب فقير أن يُحرم من الرزق ليجعله الإله ذليلا للآخرين .. ماذا فعل ليولد فقيراً جائعاً محتاجاً ؟!
تمارس نفسية العبيد فعلها فى نفوس الفقراء والمُنسحقين والمُهمشين فلا ينطلق الغضب والإستنكار , فنفسية العبيد المُستسلمة القانعة بالذل والمهانة حاضرة ليطفوا على سطح الإنسحاق "الحمد لله" وتصل البلادة قمتها عندما يفقد الإحساس بقولها .

- نحن نبدد حياتنا وندمرها لنعيش أجواء التعاسة والألم من جراء إيمان غبى بالقدر , فكم حياة تبددت وتجرعت العذاب من الإيمان بفكرة الإله المُرتب ومُقدر الأقدار , فالزوجة التعيسة التى تتجرع الذل والقسوة من زوجها الفج عليها أن ترتضى فهكذا نصيبها كما يقولون فما تراه العين مكتوب على الجبين فليس لها أن تهرب من قدرها .. تفسد حياتنا ونذوق المُر جراء الإعتقاد بفكرة سلطوية إستبدادية هكذا تُخطط وتُدبر لتزداد حالة الدونية والقهر بعدم القدرة على الصراخ بهكذا مكتوب بل إنسحاق فى منظومة عبودية ترفع راية " الحمد لله " !

- لقد فضح فيروس كورونا فكرة الإله فقد بدا الإله شريرا بخلقه لهذا الفيروس وسماحه له بالإنتشار , كما تداعت فكرة الإله المُجيب للدعوات , ورغم كل هذا لم يجعل المؤمن بوجود إله بتوقف أمام هذه الفجاجة والهشاشة , فالإيمان خلق البلادة وروح الإنسحاق والقبول .. قبول التناقض والهراء قبل قبول البلايا .

- أيا كانت دوافع و أصول الحالة النفسية للشخصية الدينية إلا أن هذة الدوافع هي المسئولة عن فقدان الثقة وإحلال حالة من الدونية والعجز تصل لإحتقار ذاتى غير واعى والميل للنقل بدلا من مغامرة العقل الذى تجمد , فحراكه سيجلب المتاعب والتصادم , مع شعور عميق بالعجز , لذا لا نحظى بإبداعات من عالمنا المؤمن البائس , فالعقل تجمد ليترسخ شعور داخلى بتحقير حراكه وإنتاجه .

- إشكالية الإنسان أنه يضحى بجماليات الحياة ليحبس ذاته فى طوطم أو صليب أو هلال أو فوبيا الخطية فداء تجاوز الموت , ولكن الموت هو الحقيقة التى لن تستطيع الهروب منها , فتحلل الإنسان فى القبر فلا يبقى منه إلا عظام كحقيقة ماثلة لن تستطيع الأوهام أن تحييها !ورغم هذا يطل الغباء فالموت الذي بعني التحلل والعدم وعبثية الأوهام يجعلون منه بعثاً !

- عندما تعتقد أن البحث وتوثيق وجود الإله شئ محال وأنه خارج إدراكنا فهو ليس كمثله شئ وأن الأمور تكتفى بالتصديق والظن وعامل الوراثة , فإعلم أنك تعيش حالة من العجز والوهم والتيه والزيف والتضليل وتتماهى فيهم .

- أى فكرة فى الدنيا تفتقد المعنى و الجدوى تكون عبثية , ولا يهم كونها حقيقية أو خاطئة فهى لا تقدم شيئا ومن هنا سنطرح سؤال : ماهى جدوى الإيمان بالله فهى لا تمنح أى ميزة تفاضلية إضافية للمؤمنين به ؟ فالشمس تشرق على الملحدين والمؤمنين , والمصائب والكوارث والشقاء ينالها الملحد والمؤمن , فلا إستثناء للمؤمن عن الملحد , الصحة والمرض لا تفرق بين مؤمن وملحد , الرفاهية والشقاء من نصيب الإثنين فلا تختص الأرزاق ورغد العيش بالمؤمنين بينما يحظى الملحد على الشقاء وشظف العيش بل فى كثير من الأحيان نجد حظوظ الملحدين أعلى من المؤمنين , ولا يعنى هذا نعمة الإلحاد بقدر أننا أمام ظروف موضوعية مادية نتعاطى معها فتكون الحظوظ لمن يحسن فهمها والتعامل معها . من هنا نجد أن الإيمان بوجود إله ليس ذو جدوى ولم يمنح المؤمنين به أى ميزة تفاضلية فى الحياة , فوجودنا وفق معادلات الوجود المادى ولا وجود لفكرة وهمية تمنحنا ميزة أو حظوظ وافرة من السعادة والهناء أو الشقاء .

- عندما تقع ضحية نصاب يعدك بجوائز ومال وفير فداء أن تمنحه بعض المال لتكتشف أنك وقعت ضحيته , فألا يذكرك هذا بمن يمارسون النصب الأكبر بإنتزاع حياتك فداء وعود وهمية , وبأن تهمل الحياة من أجل العدم .

- لا توجد فكرة بشعة بذاتها بل يوجد إنسان بشع أنتج فكرة بشعة و تبناها , فلحل هذه الإشكالية يلزم تهذيب الإنسان البشع ووأد الفكرة البشعة فلا يجد مجالا لتفعيل بشاعته .

- الإيمان مرض نفسى , فالمؤمن يعشق جلاده ويتماهى فى تقديم كل فروض الطاعة والتمجيد والتسبيح له ليصل به الحال إلى عشق السلاسل التى تقيده لتجده يفتخر بقيده وسجنه وعبوديته للسجان , وكلما إزداد إيماناً مارس قهر ونبذ من يرفض قيود السجان ليستشاط غضباً من هذا الملحد المتبجح الذى يرفض الرضوخ للسجان .. إذا كان وجود الإله صحيحاً فيكفى أنه سجان حتى ترفضه .

- عندما نفكر ملياً فى فكرة الإله ونستعين بالمصادر التى روجت عنه وتعاملنا مع الفكرة بحيادية تامة ونزاهة فى التفكير سنجد إننا فى النهاية نقف أمام دواخل أنفسنا بلا زيف .. سنتلمس خوفنا وقلقنا وتوجسنا وبراءة تفكيرنا ووحشيتنا وساديتنا وأنانيتنا فى معالجة حاجات نفسية عميقة تأمل السلام والأمان , ولكن هذا يتطلب منك تأمل عميق .

- إن المآسي الرهيبة التي أصابت الإنسان هي جرائم نجهل أن واقعنا هو منتجها وليس كائن وهمى مُعلق فى السماء , لذا لا يجب الإستسلام لهذا الواقع أو إلقاء ضعفنا على وهم هذا الكيان المُفترض البديل , كما يجب على الإنسان أن يكف عن الإعتقاد بأن هناك شيء يعمل لمصلحته أو ضرره إسمه الله , أو هو الكائن المدلل فى الوجود .. على الإنسان أن ينضج ويواجه الحقيقة بشجاعة , بحقيقة أن الإنسان مجرد وحدة وجودية وجزء من أجزاء الواقع وأن مصلحته ليست دستوراً للواقع , فضرورات الواقع الظرفية هي الدستور , لذا فقد تكون هذه الضرورات تتطابق في أحيان مع مصلحة الإنسان وفى أحيان لا .

- سيكون شئ فى منتهى السخافة أن تعيش تحت رقابة كائن سادي نرجسي عنيف ! .. أن تتصور أن يكون الله موجوداً يعني أن تلغي كل شيئ إنساني نبيل فيك لتظل تنافق وتردد المدائح لشيئ لا يشبع متقرباً لهذا الكائن المُفترض معفراً وجهك بالتراب لينتشي ذلك الكائن الجبار ! .. شئ سخيف بالفعل وآثاره السلبية كبيرة عندما يعيش الإنسان تحت إحساس أنه مُراقب فى كل همساته وسكناته فى ظل إحساس أنه مُخترق بلا خصوصية , وهذا ما نتلمسه بالفعل فى قلق وإكتئاب من يُراقب بواسطة اجهزة امنية سيادية .. إن الاعتقاد بوجود كائنات عاقلة خفية معنا أينما كنا سواء ملائكة أو جن أو الله للرصد والتجسس والتدوين والإحلال والإلتباس هو شيء مزعج وعبثى أيضا , فكيف يستطيع الشخص أن يعيش متوازناً وهو مؤمن بأنه مراقب في كل لحظة ليتولد النفاق بصورة عفوية من خلال التمتمات البغبغائية فهو السبيل لإرضاء هذا الراصد المتلصص .

- يقولون دوماً إن شاء الله سيدبر الأمور .. ويتوجهون بالدعاء المتضرع لآلهتهم أن يفك كربتهم ويحقق أمانيهم الصغيرة والغريب أن الآلهة المزعومة فى الأديان تعهدت بالإستجابة للدعاء ولكن لا إستجابة ولا تحقيق ورغم ذلك يتوسمون ويقولون إن شاء الله سيدبر الأمور مستقبلاً , فما تفسير هذا سوى أنه الطريق الوحيد أمام العاجز الذى فقد الثقة فى نفسه وفى فهم الحياة ليكون الدعاء بمثابة التخدير لنفس مُحبطة أو حلم البائس فى ورقة يا ناصيب .

- يلفت إنتباهى مشهدين الأول هو ما يشاع عن العرب إنهم بحاجة لرقابة صاحب العمل لكى يعملوا بجِد , فبينما نجد الأوربى يعمل بهمة وإخلاص دون أن يكون صاحب العمل فوق رأسه , نجد العربى لا يمارس العمل بإخلاص إلا فى وجود صاحب العمل إما خوفاً أو نفاقاً .. هذه الظاهرة متواجدة وإن قلت مع التطور الإقتصادى وإعتماد العمل البرجوازى على ال target , ولكن هذا يعطينا رؤية عن طفولية الإنسان حينما يتربى على الخوف والنفاق , ففكرة الله أسست لهذا المنحى فعندما يقولون لنا " إحذر فالله يرى أعمالك ويسجل كل هذا ولن تفلت من عقابه"..لذا يمكن القول بأن من هذا النهج مررت النخب رؤيتها ومصالحها وهيمنتها ومنظومتها السلوكية التى تريدها بإستدعاء فكرة الإله البوليسى المخابراتى الذى يراقب ويرصد .. أتصور من الأفضل لنضوج الإنسان أن يعمل بإجتهاد وبما منوط به بدون أن يكون هناك رقيب فوق دماغه .
المشهد الثانى القائل انك لن تستطيع إدراك الإله ومعرفة ماهيته وكينونته لتجد قبول أو قل إستسلام لدى المؤمنين بالإيمان بإله لا يدركون ماهيته لتتسلل منهجية عدم الإعتناء بالمعرفة والبحث , فلا تسأل لماذا المجتمعات الدينية متخلفة .

أرفض .
- أرفض الإله والأديان لأنها تجعل البشر يتلذذون بالخضوع والقهر والفقر والجهل والتخلف .. أرفض فكرة الإله والدين لأنها خلقت فى الإنسان فكرة تبديد الحياة من اجل التجهيز للعدم .

- أرفض فكرة الإله لأنها تشرعن للإستبداد والقسوة والظلم لتمد ظلالها على الواقع ليتمنهج ويتمترس إستبداد الطغاة والحكام , فكما هناك مُستبد فى السماء يمكن قبوله فهناك مُستبدين صغار على الأرض يمكن قبولهم وتحملهم , لذا تجد النصيب الاوفر للمستبدين فى البلدان الدينية , وتزداد فجاجة الفكرة عندما تطالبك بالطاعة للمستبد حتى لو نهب مالك وجلد ظهرك !

- أرفض فكرة الإله والاديان لأنها تقدم عزاء مزيف للأنا بعد قهرها وسحقها بتوهم أن الحياة والعالم والكون جاء من أجل سواد عيوننا ليَعيش ويُخدر الإنسان فى وهم وغرور ساذج يوارى به ضعفه وإنكساره بدلا من أن يدرك انه وحدة وجودية عليه أن يتعامل مع واقعه المادى الموضوعي .

- أرفض فكرة الإله والأديان لأنها تقدم مخدر للفقراء والمنسحقبن والمهمشين لتعدهم بالتعويض فى السماء, لتكرس روح الإنكسار والإنسحاق والإستسلام وتمحو روح المقاومة و لتزداد عضلات وكروش الطغاة .

- أرفض فكرة الإله لأنها فكرة تبعث التخلف فتَحول الإنسان عن الإكتشاف ومشاغبة الحياة والطبيعة , فالإيمان معناه انك تريد ألا تعرف الحقيقة ولا تبحث ولا تكتشف فأنت مكتفى ببعض المسلمات والتقريرات والثوابت والموروثات وأقوال الأقدمين لتتشرنق فى شرنقة تعيقك عن فهم الحياة والوجود لتمد ظلالها على كل أوجه الحياة فأنت دوما بلا حقيقة .

- أرفض الإيمان بوجود إله يراقب ويرصد ويشوه البشر فكرياً وسلوكياً , ليصل بهم الحال أن يفتخروا بأن هناك من يراقبهم ويرصدهم ويسجل أعمالهم , ليقبحوا الإلحاد الرافض لهذا المراقب , فأيهما أفضل وأكثر صحة وطبيعية أن تعيش حياتك تحت مراقبة أجهزة مخابراتية أم تعيش حراً لا يدس أحد أنفه فى حياتك , أليست المراقبة تخلق جو من القلق والخوف والتوجس والنفاق أيضا .

- الإيمان بوجود إله ليس كرؤية مغلوطة لتفسير الوجود فحسب فهذا يمكن تحمله كفكرة تتحمل الصحة والخطأ بالرغم أنها تبدد طاقات وتنحرف بسهم البوصلة عن التعاطى الحقيقى الموضوعى مع الوجود , ولكن الخطورة الحقيقية أن فكرة الإيمان بإله كما سوقها الفكر الدينى ورغبات النخب خربت نفسية الإنسان وشوهته ليرتضى بحالة من الإستبداد والقهر والعبودية والدونية والتحقير لذاته لتُنتهك إنسانيته , فلا تسأل بعدها لماذا شعوبنا مُنتهكة مُغتصبة مَهدورة متخلفة فتاريخنا مع الإيمان هو نبع الإنتهاك .

- نحن نحرث فى الماء عندما نبحث عن إصلاح مجتماعاتنا .. ستكون عمليات الإصلاح السياسى الإقتصادى الإجتماعى ترقيعية فى الثوب البالى طالما ظل المنهج الفكرى البائس حاضرا ً متصلدا ً يأبى أن يتغير أو يرحل ليفرز منظومة سلوكية ونفسية وذهنية تنتهك حرية وكرامة وإنسانية الإنسان .

دمتم بخير وعذراً على الإطالة .
ليست القضية فى وجود الإله من عدمه لتصير القضية هل الإله فكرة ضارة منتهكة لإنسانيتنا .



#سامى_لبيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تأملات وخواطر
- أراء صادمة تبغي فضح واقعنا المتخلف
- مفيش فايدة - لماذا نحن سنظل متخلفين
- الدنيا دي شخبطة قلم رصاص
- تاريخية وزمنية وبشرية النص
- تأملات أنت من ستكتبها هذه المره
- تأملات فى الإنسان والإيمان وفكرة الإله
- للدعارة والعُهر والقوادة أصول وتاريخ
- خرافات وهلاوس وهذيان وهبل بالعبيط
- ثقافة الإسلام وإزدواجية الشخصية العربية
- مجتمعاتنا لا تعتني بحقوق الإنسان ولا حرية الفكر والتعبير
- في البدء كانت الفيزيا - نحو فهم الحياة والوجود والإنسان
- الدنيا دي شوية كيميا- نحو فهم الإنسان والحياة والوجود
- الدنيا دي شوية كيميا- نحو فهم الإنسان والحياة والوجود
- ثقافة مدمرة وتاريخ مزيف أنتج شعوب متخلفة
- اللغة والرسم والموسيقي عشوائية تم تنظيمها
- العشوائية والنظام 1-نحو فهم الحياة والوجود والإنسان
- إشكاليات في ماضي وحاضر ومستقبل الأحزاب الشيوعية
- لماذا نحن متخلفون .. ثقافة الإختزال والإجترار
- بماذا تفسر- نحو فهم الإنسان والحياة والوجود


المزيد.....




- -عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
- خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
- الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
- 71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل ...
- 20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ ...
- الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على ...
- الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية ...
- روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر ...
- هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
- عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سامى لبيب - الفكرة التي أدلجت الإستبداد والقهر والإنتهاك