|
هكذا يُولد الحُب
محمد أبو قمر
الحوار المتمدن-العدد: 7102 - 2021 / 12 / 10 - 07:40
المحور:
الادب والفن
تعثر الفتي أثناء سيره في الطريق وانكفأ علي وجهه، قبل أن يسرع أحد من المارة لإنهاضه كانت فتاة يافعة قد أنهضته ، وراحت تنفض عن ملابسه التراب ، حين نظرت في وجهه شهقت ، في خده الأيمن شق غائر ، وانفه معووج ، وفوق عينه اليمني جرح ينزف ، أخرجت منديلا وبدأت في تنظيف الجرح وهي تقول له : أخشي أن تكون عينك هذه قد تضرّرت ، تناول المنديل من يدها ورسم علي وجهه ابتسامة كي يخفف من انزعاجها وقال : أنا لا أري بعيني اليمني منذ ولادتي ، ثم لكي تطمئني أكثر فإن هذا الشق في خدي قديم من أيام الطفولة فقد اصطدمت بحافة الطاولة وأنا أتنطط في البيت كعادة الأطفال ، وهو يندمل ، لكنه حين أتعثر يظهر من جديد ، أما أنفي فأنا مولود بها معووجه . كانت الفتاة تتأمل في عينيه وهو يحدثها عن فقدانه للرؤية بواحدة منهما واعوجاج أنفه الطبيعي بكل هذه البراءة ، قالت له : هل تصارح أي فتاة تصادفها بكل عيوبك هكذا؟! ، قال : لم تُتح لي هذه الفرصة من قبل وها قد تحققت أمنيتي في أن تكون أول فتاة أصارحها جميلة مفعمة بالإنسانية مثلك ، ثم أراد أن ينهي الحديث فجروحه تؤلمه ، والوقت يمر وربما يفوته موعد الاختبار في الشركة التي تقدم للعمل فيها ، فقال لها : جميعهن يسخرن من شكل أنفي ، ثم أثني علي اهتمامها ببعض الكلمات السريعة وانصرف. في اليوم التالي صادفته خارجا من باب شركة عابدين لصناعة الأدوات المنزلية ، سألته عما إذا كان يعمل بهذه الشركة ، أخبرها أنه سيكون موظفا بها بدءا من الغد لأنه نجح في الاختبار وكان ترتيبه الأول علي مائة متقدم للوظيفة ، رجته أن يدلها علي محل لبيع الخردوات لأنها لا تعرف هذه المنطقة ، في الطريق إلي المحل حاول أن يقول لها شيئا ، وضع كف يده علي أنفه وقال لها : أنت فتاة جميلة وبريئة ، ضحكت هي وقالت له مازحة : وأنت نصف أعمي وأنفك معووجه . وصلا إلي محل الخردوات ، وأصرت هي علي بقائه معها إلي أن تنجز عملية الشراء ، حين عرض عليها التاجر ما طلبته وأبلغها بالسعر اعترض هو وقال للتاجر : أنت تغالي كثيرا في السعر يا سيدي ، رد التاجر علي الفور : لا تدس أنفك المعووجة هذه في الموضوع ، صرخت هي في وجه التاجر قائلة : صحيح أنفه معووجة لكن قلبه سليم بينما أنت بلا ضمير ، ورفضت أن تتم عملية الشراء ، ثم ودعته عند باب المحل بعد أن شكرته وانصرفت. في اليوم الثالث وقفت أمام شركة عابدين في موعد انصراف الموظفين ، كانت تنتظره ، لكنها لم تقل له ذلك ، وإنما افتعلت الاندهاش لهذه الصدفة التي جعلتها تراه للمرة الثالثة ، وطلبت منه أن يوصلها إلي البيت لخوفها من أن يتحرش بها أحد في الطريق ، تردد هو في تنفيذ طلبها بحجة أن أمه قد تقلق عليه في حال تأخره ، انتابها إحساس جارف بالمهانة ، واستدارت من فورها دون أن تودعه وانصرفت. في صباح يوم الجمعة استيقظت هي من نومها متعبة علي إثر حُلم رأت فيه نفسها وقد تعثرت فسقطت في بالوعة ، وتصادف أنه هو الوحيد الذي كان يحاول إنقاذها ، ولأن البالوعة مظلمة وهو لا يري جيدا فقد كان يمد يده إليها في الاتجاه الخاطيء إلي أن سقط هو الآخر ، ظل يتخبط داخل البالوعة وهو يصرخ بحثا عنها ، غير أنها احتضنته وهي تقول له : عندما نخرج من هنا سأمنحك عيني كي لا تتعثر في الطريق بعد اليوم ، لكنه دفعها إلي خارج البالوعة وهو يقول لها : وماذا ستفعلين بشأن أنفي؟. نهضت من فراشها متثاقلة وهي تقول : يا إلهي!! ، أنا أحب هذا الرجل الأعمي حين فتحت النافذة كي تجدد هواء الغرفة فوجئت به مستندا علي الحائط في الجهة المقابلة للبيت ، كان الشارع مكتظا بالمارة ، لكنها لم تعبأ ، وصاحت به عبر نافذتها من الطابق الخامس قائلة : ولكنك رفضت توصيلي بالأمس ، فزعق هو الآخر دون أن ينتبه لدهشة الناس : اخترت أن أسير خلفك كي أستمتع برؤيتك وأنت تحلقين في فضاء الطريق مثل يمامة ، قالت له : لقد حلمت الليلة بأنني سقطت في بالوعة ، قال لها : سوف أمنحك عيني السليمة كي لا تتعثرين مرة أخري . ظلا يتبادلان الصياح بهذه الطريقة غير عابئين بما يجول في خاطر المارة عنهما ، قالت له : منذ اليوم سوف تري بعينيّ ، لكنه ضحك عاليا وهو يقول لها : وماذا ستفعلين بشأن أنفي ، فردت ذراعيها كأنها تريد أن تحتضنه وهي تقول : كثيرون يا حبيبي أنوفهم مستقيمة لكنهم لا يشمون بها غير رائحة التراب. ارتدت ملابسها بسرعة ، ودون أن تصفف شعرها هبطت درجات السلم في عدة قفزات وألقت نفسها بين ذراعيه وهي تقول له : أنفك معووجة لكن روحك باتساع هذا العالم.
#محمد_أبو_قمر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قميصي الأزرق
-
البهجة
-
لكمة واحدة نكفي
-
الدوران حول السلطة
-
في التنوير
-
الامتحان الصعب
-
أكذوبة التخصص
-
من يبكي معي؟
-
أول مرة أحب
-
متخلفون أم مختلفون؟!
-
شقة في مدينة نور
-
أصل الحكاية
-
امتحان
-
ليس ممكنا
-
شيه دولة
-
شكل تاني
-
الخط الساخن
-
القانون والفتوي
-
أيوه أنا حبتها
-
أهم حدث في زنزبار السنة إللي فاتت
المزيد.....
-
الرياض.. دعم المسرح والفنون الأدائية
-
فيلم -رحلة 404- يمثل مصر في أوسكار 2024
-
-رحلة 404- يمثّل مصر في -أوسكار- أفضل فيلم دولي
-
فيلم -رحلة 404- ممثلاً لمصر في المنافسة على جوائز الأوسكار
-
فنانون من روسيا والصين يفوزون في مهرجان -خارج الحدود- لفن ال
...
-
اضبط الآنــ أحدث تردد قناة MBC 3 الجديد بجودة عالية لمتابعة
...
-
كيف تمكنت -آبل- من تحويل -آيفون 16 برو- إلى آلة سينمائية متك
...
-
الجزائر: ترشيح فيلم -196 متر/الجزائر- للمخرج شكيب طالب بن دي
...
-
وفاة النجم الأمريكي الشهير تيتو جاكسون
-
مصر.. استعدادات لعرض فيلم -إيلات- الوثائقي في ذكرى نصر أكتوب
...
المزيد.....
-
توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ
/ وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
-
مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي
...
/ د. ياسر جابر الجمال
-
الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال
...
/ إيـــمـــان جــبــــــارى
-
ظروف استثنائية
/ عبد الباقي يوسف
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
سيمياء بناء الشخصية في رواية ليالي دبي "شاي بالياسمين" لل
...
/ رانيا سحنون - بسمة زريق
-
البنية الدراميــة في مســرح الطفل مسرحية الأميرة حب الرمان
...
/ زوليخة بساعد - هاجر عبدي
-
التحليل السردي في رواية " شط الإسكندرية يا شط الهوى
/ نسرين بوشناقة - آمنة خناش
-
تعال معي نطور فن الكره رواية كاملة
/ كاظم حسن سعيد
-
خصوصية الكتابة الروائية لدى السيد حافظ مسافرون بلا هوي
...
/ أمينة بوسيف - سعاد بن حميدة
المزيد.....
|