|
ماهو الامن النفسي؟ وما ابرز خصائصه؟ وما النظريات المفسرة له؟
سوسن شاكر مجيد
(Sawsan Shakir Majeed)
الحوار المتمدن-العدد: 7099 - 2021 / 12 / 7 - 17:15
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
ماذا تعرف عن الامن النفسي ، المفهوم ، التعريف ، الخصائص ، الابعاد والنظريات المفسرة له
مفهوم الأمن النفسي :
يعد الأمن النفسي من أهم الحاجات النفسية التي يجب أن تشبع في السنوات المبكرة من حياة الفرد، كما يستمر أثره مع الفرد في حياته المستقبلية حتى بعد أن يتحقق له أسباب الحب والانتماء، فالشخص الأمن نفسيا يكون في حالة توازن و توافق طالما أن المقومات الأساسية لحياته غير معرضة للخطر .
ان أغلب دوافعنا الأساسية التي تحدث ترافقها عدة انفعالات مميزة، فالحاجة إلى الطعام يقترن بانفعال الجوع الذي يعرض الشخص الى التوتر الانفعالي، ودافع طالب الأمن النفسي والطمأنينة يقترن بانفعال الخوف.
فغياب القلق والخوف وتبديد مظاهر التهديد والمخاطر على مكونات الشخصية من الداخل والخارج مع الإحساس بالاستقرار الانفعالي والمادي هو الدافع المحرك الإشباع حاجة الأمن النفسي .
تعريف الأمن النفسي لغويا :
استخدم لفظ الأمن في اللغة بمعنى الاطمئنان وعلم الخوف، فإنه يقال أمن آمن وأمان وآمنة، اذا اطمأن ولم يخف فهو الأمن، والبلد الأمن أو الأمين الذي اطمأن أهله ويقال أمن فلان على اذا وثق به واطمأن عليه .
ولكلمة الأمن أصلان متقاربان في اللغة احداهما الأمانة التي هي ضد الخيانة، ومعناها سكون القلب والأخرى التصديق .
وكلمة الأمن وما يشتق منها وردت في القرآن الكريم في مواضع عديدة وذلك بمعنى السلامة والاطمئنان النفسي وانتفاء الخوف على حياة الانسان، أو ما تقوم به حياته من مصالح وأهداف وأسباب ومنها قوله تعالى: {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون}
والمعنى: أن الذين آمنوا بالله، ولم يشركوا به، آمنون من عذابه يوم القيامة، فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
ونحو ذلك قوله سبحانه: { ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا} يعني: أمنا، والأمن بمعنى: أنزل على المؤمنين أمنا بعد الخوف الذي حدث لهم من بطش عدوهم وقلة عددهم وعدتهم .
تعريف الامن النفسي اصطلاحا :
ومن الناحية الاصطلاحية فقد كثر البحث في مفهوم الأمن النفسي وتعددت مصطلحاته، حيث حظي هذا المفهوم للعديد من التسميات مثل الطمأنينة النفسية والانفعالية، الأمن النفسي، التوازن الانفعالي.
ومن التعريفات التي يمكننا تعريف الامن النفسي بها التالي :
الأمن النفسي هو حالة يحس فيها الفرد بالسلامة والأمن وعدم التخوف، ويكون فيها إشباع الحاجات وإرضاءها مكفولان، وهو اتجاه مركب من تملك النفس بالثقة بالذات والتيقن من أن المرء ينتمي إلى جماعات انسانية لها قيمة
يمكن تعريف الامن النفسي بأنه شعور الفرد بالاستقرار والتحرر من الخوف والقلق لتحقيق متطلباته ومساعدته على ادراك قدراته وجعله أكثر تكيفة .
الامن النفسي هو سكون النفس وطمأنينتها عند تعرضها لأزمة تحمل في ثناياها خطر امن الأخطار، كذلك شعور الفرد بالحماية من التعرض للأخطار الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المحيطة به.
خصائص الأمن النفسي :
تتلخص أهم خصائص الأمن النفسي فيما يلي:
١. يتحدد الأمن النفسي بعملية التنشئة الاجتماعية وحسن أساليبها من تسامح وديمقراطية وتقبل وحب، ويرتبط بالتفاعل الاجتماعي الناجح والخبرات والمواقف الاجتماعية والبيئية المتوافقة .
٢. يؤثر الأمن النفسي تأثيرا كبيرا على التحصيل الدراسي وفي الانجاز والابتكار لدى الشخص.
٣.يرتبط شعور الوالدين بالأمن في شيخوختهم بوجود أولاد يهتمون بهم.
٤.نقص الأمن النفسي يرتبط ارتباطا موجبا بالاصرار والتشبث والجمود العقائدي. .
٥. نقص الأمن النفسي يرتبط بالتوتر وبالتالي بالتعرض لأمراض القلب والاضطرابات النفسية.
الابعاد الاساسية للأمن النفسي :
يشمل الأمن النفسي على أبعاد أساسية وهي:
١. الشعور بالتقبل والحب وعلاقات المودة والرحمة مع الآخرين:
لا يستطيع الطفل الشعور بالأمن إلا من خلال التوازن العاطفي الذي يؤمن له في المستقبل وحدته المتكاملة في تقرير السلوك، وفي حرية الاختيار وفي ممارسة علاقاته الاجتماعية السليمة، وتتحدد درجة هذه الوحدة في مظاهرها المتعددة بمستوى العلاقات الأسرية الجارية، فلا شعور بالطمأنينة إلا عندما يكون الطفل في محيط أسري ناضج يحميه ويؤمن حاجاته ويوفر له الحب والمودة .
فيرى لبرستون أن العناصر الأساسية لتحقيق الأمن تكمن في محبة الطفل في تقبله واستقراره، فمحبته من محيطه وبخاصة الأم والأب تسهل له نموه الطبيعي والسليم ليس فقط على الصعيد العاطفي، وانما على الصعيد الجسمي والعقلي والاجتماعي .
٢. الشعور بالانتماء إلى جماعة والمكانة فيها :
المرء في حاجة إلى أن يشعر بأنه فرد من مجموعة تربطه بهم مصالح مشتركة تدفعه إلى أن يأخذ ويعطي، والى أن يلتمس منهم الحماية والمساعدة، كما أنه في حاجة إلى أن يستطيع أن يمد غيره بهذه الحاجات، وينمو هذا الشعور بالانتماء أيضا للطفل من الشهور الأولى فالألفة التي تحققها داخل الأسرة تنقلب الى ولاء لهذا المجتمع الصغير، ثم تنتقل الحاجة الى الانتماء للجماعات الأخرى التي تجد فيها إشباع حاجته إلى الأمن العاطفي أو الطمأنينة النفسية
٣. الشعور بالسلامة والسلام :
والمعنى الذي يشير اليه الشعور بالسلامة والسلام هو خلو جو الأسرة من الخلافات والمشاحنات، حيث أن من أشد الأجواء تأثيرا في ايجاد صعوبات في التكيف وتوفير الطمأنينة والراحة للأبناء وجودهم في جو مليء بالمشاحنات والتوتر .
كما أن الحاجة إلى الأمن النفسي ترتبط ارتباطا وثيقا بغريزة المحافظة على البقاء والسلامة ودرء الأخطار .
العوامل المسببة في انعدام الشعور بالأمن النفسي
إن انعدام الشعور بالأمن النفسي قد يكون سبب في حدوث الاضطرابات النفسية، أو قيام الفرد بسلوك عدواني تجاه مصادر إحباط حاجته إلى الأمن وقيامه باتخاذ أنماط سلوكية غير سوية من أجل الحصول على الأمن الذي يفتقر اليه أو الانطواء على النفس أو الرضوخ واللجوء على الاستجداء والتوسل والتملق من أجل المحافظة على أمنه، ويختلف الأشخاص في تأثرهم بانعدام الأمن من شخص إلى آخر ومن مرحلة عمرية إلى أخرى.
حيث أن فقدان الشعور بالأمن والذي ينجم عن المواقف الحياتية الضاغطة والتعرض للحوادث والخبرات الحادة المفاجئة وعدم ثبات الآباء في التعامل مع الأبناء، وإهمال قدراتهم وبالتالي يتوقعون منهم مالا يستطيعون عمله أو يطلبون الكمال .
كما أن النقد المتعدد والمتكرر للأطفال كل ذلك يساعد على وجود القلق، ومما يساعد على عدم الشعور بالأمن والذنب الذي يتولد لدى الأطفال من خلال القيام بسلوكيات قد تخالف القوانين والمعايير الاجتماعية، كما أن للإحباط المستمر الذي يتعرض له الطفل من الوالدين أو المحيطين قد يعرضه للشعور بعدم الأمن .
كما يرى بعض علماء النفس أن أساليب معاملة الطفل تلعب دورة على الشعور بالأمن، حيث أن التسلط والسيطرة وحرمان الأبناء من الحنان أو الحماية الزائدة، من أهم مصادر عدم الشعور بالأمن .
ومن البحوث التي أكدت أثر خبرات الطفولة على تنمية الطمأنينة ما قام به میوسن ( Mussen،1977) وآخرون، حيث اتضح أن الذين لم يحصلوا على عطف أسري كاف كانوا أقل أمنا وأقل ثقة بالنفس وأكثر قلقا وأقل توافقا من أولئك الذين يحصلون على عطف أسري .
كما اظهرت نتائج بعض الدراسات إلى وجود ارتباط قوي بين اساءة المعاملة الوالدية والاهمال والاكتئاب لديهن، والفروق دالة في متوسط درجات الطمأنينة بين اللواتي يتعرضن للاساءة واللاتي لم يتعرضن لها.
ان هناك عوامل أخرى تؤثر في الأمن النفسي وتعمل على نموها، مثل دور الوراثة، فذكر (كاتل Kattel 1966) في دراسته المعتمدة على التحليل العاملي أن القلق وهو أحد محكات الأمن النفسي يرجع 35% منه الى الوراثة، وأن للبيئة الأثر الأكبر، كما أشارت دراسات أخرى الى أن الظروف البيئة السيئة الدور الرئيسي في تنمية سمة القلق العالي وبالتالي انعدام الأمن .
ان الحرمان من الأمن يختلف تأثيره على الصحة النفسية من شخص لآخر ومن مرحلة عمرية إلى أخرى، فإذا حدث الحرمان في مرحلة الرشد ، فإن تأثيره السيئ قد يكون مؤقتا يزول بزوال أسبابه وتوفر الأمن، وقد لا يؤثر على الصحة النفسية اذا استطاع الشخص تغيير مطالب أمنه ولم يشعر بقلق الحرمان .
أما إذا حدث الحرمان من الأمن في الطفولة المبكرة خاصة، فإنه يعيق النمو النفسي ويؤثر تأثيرا سيئا على الصحة النفسية في كل مراحل العمر، لأن انعدام الأمن يعني تهديد خطير لإشباع حاجات الطفل الضرورية حيث لا يقوى على اشباعها، فيشعر بالقلق لتنمو لديه سمات عدم التوافق والشعور بالذنب والعدوانية.
نستنتج مما سبق أنه ثمة عوامل كثيرة لها علاقة وأثر كبيرين في الشعور بالأمن وفقدانه أو انعدامه، فهناك العوامل المحيطة بالطفل كالأساليب الوالدية والوسط الاجتماعي والثقافي للوالدين، كما أن العوامل السياسية والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي تلعب دورا كبيرة ومؤثرا في عدم تحقيق الأمن،.
كما يدخل انخفاض الوازع الديني أيضا في ذلك التأثير، فهذا كله مرتبط كما سلف بإشباع الحاجات المتنوعة والمتعددة المرتبطة بالفرد في محيطه الأسري والاجتماعي، وهذه العوامل دخل الفرد في صراع وتناقض مع نفسه وبيئته ما ينفعه للتخلص من القلق الدائم الذي يهدده ويحبطه ازاء إشباع حاجة الأمن وبالتالي اشباع الحاجات الأخرى.
النظريات السيكولوجية المفسرة للأمن النفسي :
لقد اهتم العديد من علماء النفس بدراسة دوافع السلوك الإنساني التي من بينها دافع الأمن، ومن أشهر هؤلاء العالم النفسي الأمريكي ابراهام ماسلو Maslow الذي قسم دوافع السلوك الإنساني إلى خمسة دوافع جعلها تنتظم في شكل هرمي قاعدته الأساسية هي الحاجات الفسيولوجية تليها مباشرة الحاجة إلى الأمن، ثم الحاجة الى الحب، وآخرها الحاجة الى تحقيق الذات.
١. نظرية ماسلو للحاجات الانسانية
ويعتبر أبراهام ماسلو Maslow من أوائل من تعرضوا لمفهوم الأمن النفسي عن طريق البحوث الاكلينيكية، حيث عرف الأمن أو الطمأنينة النفسية بأنها: شعور الفرد بأنه محبوب ومتقبل من الآخرين وله مكان بينهم يدرك أن بيئته صديقة ودوره غير محبط يشعر فيها ندرة الخطر والتهديد والقلق.
ويرى ماسلو أن الانسان يولد وهو محفز لتحقيق احتياجات أساسية رتبها في شكل هرمي تمثل قاعدته الحاجات الفسيولوجية الأساسية، مرورا باحتياجات الأمن والسلامة ثم حاجة الانتماء والتقبل من الجماعة، حيث تتدرج تلك الحاجات ارتفاعا حتى تصل إلى قمة الهرم وصولا لتحقيق الذات ولا يمكن الانتقال الى حاجة أعلى قبل إشباع الحاجة التي أدنى منها فهي تتحقق تدريجية، ليصل إلى أسمى مراحل الاكتفاء الذاتي والسلام مع نفسه .
ان ماسلو صنف مجموعة من الأعراض في ثلاث زملات تعد أساسا لعدم الأمن النفسي وهي:
١. شعور الفرد بالرفض وبأنه شخص غير محبوب وأن الآخرين يعاملونه بقسوة واحتقار.
٢. شعور الفرد بأن العالم يمثل تهديدا وخوفا وقلقا .
3- شعور الفرد بالوحدة والعزلة والنبذ.
كما يرى ماسلو أن تحقيق الأمن يتم بوسائل كثيرة حسب طبيعة الفرد ومرحلة نموه، ولكن أهم تلك الوسائل تتم عن طريق تجنب الفرد مصادر التهديد والألم والقلق والبحث عن الطمأنينة .
وبذل ماسلو جهود طيبة في تحديد مفهوم شامل للأمن النفسي بإظهار أبعاده الأساسية والثانوية والذي يتضح من خلالها الدور الكبير الملقى على عاتق المجتمع في توفير الشعور بالأمن النفسي لأفراده.
٢. النظرية التحليلية
ويرى سيجموند فرويد أن الأنا هو المسؤول عن توفير الأمن النفسي بمحافظته على ذات الفرد من التهديدات الداخلية والخارجية، حيث يقول " يقوم الأنا بمهمة حفظ الذات ويقوم بهذه المهمة فيما يتعلق بالأحداث الخارجية " .
فمن خلال مكونات الجهاز النفسي عند فرويد والتي تتمثل في الشعور وما قبل الشعور واللاشعور، فيعتقد فرويد أن الطفل يولد مزود بغرائز ودوافع معينة، وأن الحياة عبارة عن سلسلة من الصراعات تعقبها إشباعات أو إحباطات وعليه فإن الفرد إما أن يقبل هذه الاحباطات أو يعيش في صراع بين المجتمع ومطالبه وبين دوافع الفرد الشخصية .
ويذكر فرويد أن الفرد في صراع بين شكلين أساسيين من أشكال الدوافع :
- الأول: تمثله دوافع الحياة والبقاء ويتبلور حول الدوافع الجنسية.
- الثاني: تمثله دوافع الموت ويتبلور حول الدوافع العدوانية، والعلاقات بين هذه الدوافع هي علاقات صدام وصراع وليست علاقات توافق وانسجام، والانسان الذي يكون سويا في عملية التوافق هو الذي يكون باستطاعته أن يحب وأن يعمل .
ويربط فرويد بين الأمن النفسي والأمن البدني وتحقيق الحاجات المرتبطة به، حين يرى الفرد مدفوعا التحقيق حاجاته للوصول إلى الاستقرار، وعندما لا ينجح يشكل ذلك تهديدا للذات ويسبب الضيق والتوتر والألم النفسي
من ذلك يتبين أن محور التوافق النفسي عند أصحاب هذه المدرسة يغفل دور الفرد في الجماعة، كما أنه يبعد الفرد إنسانيته ويجعله عبدا لإشباع حاجاته، ويسلب الفرد إرادته فيجعل سلوكه مقترنا باستجابة تتعدل وفق المتغيرات الخارجية، ويجعل الفرد طوال حياته أسير نفسه الغريزية والعدوانية.
وبالتالي تكون دوافع الحياة ممثلة في الأنا كمكون للشخصية في هذه النظرية وهي المسؤولة عن تحقيق الطمأنينة النفسية.
فتأكيد فرويد لمصادر الخطر الداخلية للانسان التي تقود الى سوء التكيف، وكبت الميول العدوانية والشهوانية التي تولد معه، فهو بهذا المعنى يحمل أسباب عدم أمنه أو نعدامها .
ان العلاقة الآمنة التي يسودها الدفء والحب بين الطفل ووالديه تمثل عاملا واقيا للطفل من الشعور بالخوف ويؤدي إلى شعوره بالكفاية والثقة والقدرة على المواجهة والتحدي،.
بينما عدم وجود علاقة حميمة يمكن الوثوق بها تمثل مفتاحا للتنبؤ بالقلق والاكتئاب واضطرابات الشخصية.
ان الشعور بعدم الأمن ناتج عن تعرض الطفل للإساءة النفسية والانفعالية من رفضه وتهديده بسحب الحب ومقارنته بأقرانه وإهماله يؤدي إلى شعوره بعدم الأمن والتقليل من حريته وتلقائيته في استكشاف العالم، ويعوق إمكانياته للتعلم وفرص النمو السليم .
3. نظرية التعلق
يعرف بولبي الشعور بالطمأنينة النفسية المعرفية، حيث يشير إلى أن كل موقف نقابله أو نتعرض له في حياتنا يفسر تحت ما يطلق عليه النماذج التصورية أو المعرفية.
أن هذه النماذج تشكل صيغة نستقبل بها المعلومات الواردة الينا من البيئة المحيطة عبر أعضاء الحس، كما تحدد تصوراتنا عن أنفسنا والعالم والآخرين، وتتكون هذه النماذج من خلال التفاعل مع الوالدين والاخرين، وتعمل بطريقة لاشعورية تلقائية، ويتم إدماج كل خبرة جديدة فيها، كما تعمل تلك النماذج كقواعد السلوك وتنظيم الذات والعلاقات الاجتماعية والانفعالات، وتحدد وتنظم الاستراتيجيات المختلفة لمواجهة الضغوط والمواقف المختلفة .
فإذا كانت النماذج المعرفية ايجابية، فإنها تجعل نظرة الطفل عن ذاته وللآخرين وللمستقبل نظرة إيجابية، فالطفل الذي يدرك استجابة الوالدين لحاجاته وتقديرهما وحبهما له، وعدم تحكمهما فيه كثيرة يكون لديه نموذج تصوري عن ذاته أنه محبوب وذو قيمة ويستحق الثقة، وكذلك تصوره عن الآخرين بأنهم يقدرونه ويحبونه ويحترمونه ويمكن الوثوق به، وأنهم سيكونون بجانبه عندما يحتاجهم، وعن المستقبل فيشعر بالتفاؤل والأمل .
بينما إدراك الطفل لعدم حب الوالدين له أو عدم احترامهما له أو إهمالهما له، فإنه يتكون لديه نموذج معرفي سلبي عن ذاته ومستقبله والأخرين، ويكون تصوره عن ذاته أنه غير محبوب ومهدد بالخطر ولا يستحق الرعاية، كما يتوجس من الآخرين ويشعر بالتهديد والقلق ، وتمتد هذه النظرة الى المستقبل فيشعر بفقدان الأمن والتشاؤم.
وقد رأت ماري انزورث وهي أول من استخدم مصطلح القاعدة الآمنة Securety Attached، بناء على التجارب والمواقف التي أجرتها لقياس شدة الأمن ونوعيته، وكذلك درجة حدة الإنفصال عن الأم واستجابة الطفل في السنة الأولى لهذه المواقف، أن دور الأم في التعلق مع الطفل لا يقتصر فقط على مجرد الاستجابة لحاجاته، وإنما تأخذ أيضا المبادأة في استثارته اجتماعية وانفعالية ومعرفية، وذلك بالبقاء على الاتصال به، وتحتضنه وتعانقه وتتحدث معه وتلاعبه وتشجعه على الاستطلاع الحسي والحركي والاجتماعي للبيئة .
كما أن للأم دورة كبيرة في تشكيل قاعدة أمن للطفل، حيث عندما تخرج الأم مع طفلها الصغير الى أحد المنتزهات وتجلس على المقعد يظل الطفل في البداية قريبا منها، ثم يبدأ في التحول بعيدا عنها رويدا رويدة، لكنه في كل مرة قد يعود الى موقع أمه لكي يطمئن أنها مازالت مكانها جالسة وبعد أن يتاح له الاطمئنان، فانه ينطلق ليستكشف بيئته ومجاله أكثر فأكثر، فوجود الأم يمثل القاعدة التي تمنحه الأمان لكي يتجول ويستطلع البيئة .
أساليب تحقيق الأمن النفسي
هناك الكثير من الوسائل والأساليب التي من خلالها يتحقق الأمن النفسي للانسان في أسرته ومجتمعه، فالبعض يحققه من خلال تكوين أسرة هادئة وهناك من يطمح بتحسين مستوى معيشته وأوضاع حياته بشكل أفضل من خلال السفر والتجارة، وهناك من يحاول تحقيق أعلى الدرجات العلمية، فإشباع الأمن وتحقيقه يرتبط ارتباطأ كبيرا بالوسيلة والطريقة والهدف التي يسعى الانسان من أجله.
ويلجأ الفرد لتحقيق الطمأنينة النفسية الى ما يسمى بعمليات الأمن النفسي والتي هي أنشطة يستخدمها الجهاز النفسي لخفض الضغط النفسي والكرب والتوتر والاجهاد، أو التخلص منه وتحقيق تقدير الذات والشعور بالأمن، ويجد الفرد أمنه في انضمامه إلى جماعة تشعره بهذا الأمن .
والأسرة السعيدة والمناخ الأسري المناسب لنمو أفرادها نموا سليما، وإشباع حاجاتهم يؤدي إلى تحقيق الطمأنينة النفسية والتوافق المهني والمدرسي والإنتماء، فيتعزز الشعور بالأمن النفسي، كما يؤدي هذا الانتماء إلى وطن آمن، كما تدعم جماعات الرفاق الشعور بالأمن النفسي لأفرادها، حيث يعتمد الأفراد بعضهم على بعض بشكل واضح، حتى يشعروا بدرجة أكبر من الطمأنينة النفسية .
ولا شك أن الشخصية تكون في حاجة إلى التحرر من الخوف أيا كان مصدره، كما أن الشخص يكون آمنا في حالة اطمئنان على صحته وعمله ومستقبله وأولاده وحقوقه ومركزه الاجتماعي، فإذا ما يهدد ذلك أو توقعه فقد شعوره بالأمن .
فالنمط السلوكي الشعوري المتوافق والخاص بتلبية الحاجة إلى الأمن النفسي بالنسبة للطالب أو للمعلم في البيئة التعليمية يعتبر نمط سلوكي مكتسب يرتبط بتلبية احتياج اجتماعي متعلم من خلال التنشئة، ويهدف إلى تحقيق حاجة الفرد الى أمنه على نفسه وصحته ومستقبله الدراسي .
كما يرتبط تحقيقه في البيئة التعليمية التي فيها يتحرر من الخوف وعدم التهديد من قبل المدرسين، وكذلك الشعور بالرضا عن المادة العلمية والمناهج، فمما لا شك فيه أن سيادة تلك العادات السلوكية المرتبطة بتلبية حاجة الأمن، يتعلق بالابتعاد عن التهديد من قبل الآباء والمدرسين والمسؤولين عن العمل ، وكذلك عمليات النقد والعقاب والاهمال والتذبذب في المعاملة أو فرض واجبات ثقيلة تشكل أعباء غير محتملة. .
كما أن جماعة الرفاق تدعم الأمن النفسي لأفرادها، ويتضح ذلك في جماعات العمل في السلم والحرب والانتاج، حيث يعتمد الأفراد بعضهم على بعض بشكل واضح حتى يشعروا بدرجة أكبر من الأمن والاستقرار .
حاجة المراهق للأمن النفسي
يظهر تأثير الحاجة على الفرد من ناحيتين، فهي من ناحية تدفعه الى الاستمرار في القيام بالنشاط، وهي من ناحية أخرى توجهه إلى الأنشطة ذات الصلة بحاجته والتي تحقق له اشباعها.
ان الحاجات تكسب خواصها من خلال الاطار الثقافي والاجتماعي الذي يعيش فيه الفرد، كما يعتمد نظام الحاجات لدى الأفراد على مستوى النمو لدى كل منهم، فحاجات الطفل الصغير مثلا ينحصر غالبا في الحاجة إلى الشعور بالعطف والحنان والحاجة إلى المساعدة، وبعد فترة أخرى تبدأ حاجته إلى الموافقة على السلوك من الآخرين وخاصة في نطاق الأسرة، ثم تنمو هذه الحاجات لكي تشمل موافقة الرفاق - كما هو واضح في مرحلة المراهقة.
ان المراهق يتعلم كيفية إشباع حاجاته الأساسية عن طريق التعلم الاجتماعي، ويدرك أن قيامه بأدوار الراشدين هو السبيل الوحيد کي يحقق لنفسه مكانة أو نضجا، ومن ثم فإنه يسعى جاهدا كي يحقق هذا النضج، ومن هنا نجد أن المراهق في حاجة إلى أن يرتبط بأخرين يعايشون ما يعایشه من تطورات وتغيرات، ويشعرون بما يشعر به من مشاعر وأحاسيس .
ان كل مرحلة من مراحل النمو الانساني لها خصائصها، فمرحلة المراهقة لها خصائصها الخاصة، وذلك نتيجة لكل التغيرات والتطورات النمائية الهائلة ، وكذلك بعض التعقيدات المختلفة التي قد ترتبط بهذه المرحلة الحساسة والحرجة ، سواء من الناحية الاجتماعية أو الإنفعالية أو الفسيولوجية .
ان مرحلة المراهقة مرحلة حرجة، فهي فترة انتقالية مؤقتة يعتريها الكثير من التغيرات السريعة، ولهذه التغيرات تأثير على الاستقرار النفسي للمراهق، فيفقد الأمن والطمأنينة حيث يتساءل عما يعتري جسده من تغيرات، وما يطرأ على مشاعره وانفعالاته من تبدل واضح، وما يواجهه من مواقف اجتماعية جديدة عليه، ونتيجة ذلك قد يدرك المراهق الخوف والشعور بعدم الأمن.
كما أن تحقيق وجود المراهق في هذه المرحلة يكون في إحساسه بالأمن النفسي ، وبالانتماء للآخرين وانتماء الأخرين له وحبه للآخرين ، وحب الآخرين له، وأن يكون موضع تقدير الآخرين. وهكذا يبدو أن معنى تحقيق الوجود في هذه المرحلة يختلف عن معناه في حالة الطفل، أي أن معنى الوجود في مرحلة النضج، هو وجود الإنسان في تحقيقه لتلك الصفات التي تميزه عن غيره من المخلوقات، وتصل به إلى المستوى الأعلى والأمثل، وهو مستوى تحقيق الإنسانية .
مما سبق نجد أن الحاجة السيكولوجية من الحاجات الكامنة في الطفولة، ولهذا يحتاج المراهق الشعور بالأمن من قبل أفراد أسرته حتى يتغلب على كثير من صعوبات هذه المرحلة والتي تبدو في صورة بحث المراهق عن الأمن الجسمي والصحة الجسمية، وبحثه عن الشعور الداخلي بالأمن، والحاجة الى تجنب الخطر، ومصادر الألم، والحاجة الى الحياة الأسرية المتقبلة له والآمنة.
#سوسن_شاكر_مجيد (هاشتاغ)
Sawsan_Shakir_Majeed#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ماهي استراتيجيات التعامل مع الضغوط لأهالي ذوي الاحتياجات الخ
...
-
كيف يمكن التعامل مع الاشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة؟
-
ماهو الادمان على المخدرات؟ والعوامل المسببة لذلك والعلاج
-
ماهو الانتحار ؟ وما العوامل المسببة لذلك ؟ وسبل الوقاية منه
...
-
لماذا يشعر الفرد بعقدة النقص ؟ الاسباب، والعلاج
-
ماهو التحرش الجنسي وماهي اشكاله؟
-
ماهو الوسواس القهري الفكري ؟ وسبل علاجه
-
ماهو التنمر تعريفه ،وانواعه، واسبابه ، وعلاجه؟
-
كيف تنمي قدراتك العقلية ؟
-
كيف تتخلص من الارق؟
-
كيف تتحكم في غضبك؟
-
كيف تتخلص من القلق ؟
-
كيف تختار شريك حياتك المناسب ؟
-
لماذا يهرب الرجل من العلاقة العاطفية؟
-
كيف تصبح سعيدا في الحياة ؟
-
كيف يمكنك من التأثير في الاخرين؟
-
كيف يمكنك من علاج الاكتئاب النفسي ؟
-
كيف تتعامل مع الشخص الذي يتجاهلك؟
-
كيف تنمي شخصيتك وتتحكم فيها؟
-
اعداد أستراتيجية تمكين القيادات الجامعية النسائية للنهوض بمؤ
...
المزيد.....
-
فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN
...
-
فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا
...
-
لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو
...
-
المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و
...
-
الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية
...
-
أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر
...
-
-هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت
...
-
رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا
...
-
يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن
-
نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|