|
البيت الشيعي العراقي
اسماعيل شاكر الرفاعي
الحوار المتمدن-العدد: 7096 - 2021 / 12 / 4 - 13:55
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
1- يشير مفهوم البيت الى وجود مكان يضم أسرة : يرتبط أفرادها بعلاقات عطف وحنو دائمين ، واحترام متبادل ، مشدودين الى بعضهم بحبال متينة من المودة والرحمة ، ويسيرون على ايقاع واحد متناغم خال من التناقضات . كما ويشير البيت - وهنا تكمن دلالته الاجتماعية والسياسية - الى وجود قائد له : هو الأب الذي لا بد من ان يسمع اوامره جميع افراد الأسرة ، وان يطيعوها ، ويلتزموا بمضامينها في سلوكهم وتصرفاتهم ... 2 - البيت الشيعي ، واحد من المفاهيم السياسية الحديثة التي خرجت الى الوجود بعد عام 2003 ، للتعبير عن نزوع داخلي لتيار من الشيعة العراقيين ، ينطلق من فرضية المطابقة بين : العراق وبين الطائفة الشيعية ، ويحاول تطبيق هذه الرؤية الدينية عن طريق تمتين علاقاته بشيعة الخارج على حساب العلاقة الداخلية مع شركاء الوطن من : أكراد وسنة وأقليات قومية ودينية عديدة . لكن من زاوية نظر جيوسياسية ، يشكل هذا المفهوم المعادل الموضوعي لعملية جارية في العمق اللامرئي : تشير الى تآكل العراق القديم الذي أسسته بريطانيا وأعلن عن ميلاده رسمياً في آب 1921 : فمفهوم البيت الشيعي يشير الى ما يمر به المجتمع العراقي من حالة تفتت ، بعد حروب متلاحقة وحصار دولي ( 1980 - 2003 ) ، وبعد انهيار دولته في الحرب الاخيرة مع امريكا ( 2003) . ومن الطبيعي ان تميل اجزاء مجتمع : في حالة تفتت ، الى التقوقع حول ذاتها ، وحماية نفسها بنفسها ، وهي ردود فعل طبيعية لمكونات مجتمع اجبرت على العيش معاً من قبل المحتل البريطاني عام 1921 ، لكي يتسنى له حلبها مجتمعة في دولة واحدة ، فيوفر على نفسه عناء امتصاص دمائها وهي موزعة على ثلاث دول ... 3 - لم يستخدم الكرد : البيت ، لتوصيف العلاقة الداخلية بين اعضائه وأحزابه الكردستانية ، فكانوا اقل مبالغة من الشيعة في اطلاق صفة عاطفية على علاقاتهم الداخلية ، وفضلوا استخدام مفهوم آخر أقرب الى الواقعية في التعبير عن واقع الكرد السياسي هو : التحالف الكردستاني ، اختاره الحزبان الرئيسيان في اول انتخابات برلمانية ، خارجين من مواقع العداء لبعضهما الذي وصل في بعض المراحل حد الاقتتال ، مغلبين تناقضاتهما مع المكون العربي بشقيه الطائفيين ، على تناقضاتهما الداخلية . أما السنة فأن التناقضات والخلافات التي نشأت بينهم بعد الغزو وسقوط الدولة ، اشهر من ان تتم تغطيتها باختراع مفاهيم سياسية مهلهلة . ولأنهم كانوا يشكلون النسبة العالية في قيادة الحزب والدولة في عهد صدام حسين ، فأن انهيار الدولة اصبح انهياراً اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً ، وحتى ثقافياً لوسطهم الاجتماعي ولطائفتهم . ولم تساعدهم مقولات الجهاد الدينية الموروثة عن الماضي في ايجاد حلول مناسبة لحالتهم : اذ بشيوع هذه المقولات في الوسط العام ، تكاثرت التنظيمات الإرهابية من حركة الزرقاوي الى القاعدة الى داعش . أقلية منهم قادها الحزب الاسلامي ( فرع الاخوان في العراق ) في تأييد دستور 2005 ، على اثرها اصبحت رئاسة البرلمان من حصة هذا الحزب : بعد اول توزيع للحصص بعد انتخابات 2005 . ثم خرجت وجوه جديدة من خارج الحزب الاسلامي لرئاسة البرلمان . ويبدو انه كلما قلت سيطرة مقولات الجهاد في الوسط الثقافي العربي بشقيه الطائفيين كحل أوحد وحيد لمعالجة الوجود الأجنبي ، وكلما قل التوجه لتكفير المختلف : سياسياً ودينياً ، كلما ازدادت مشاركتهم النشطة في العملية السياسية ، وهذا ما حرى في انتخابات 2010 و 2014 . أما قلة المشاركة في الانتخابات الاخيرة 2021 فسببها فساد حكومات الاسلام السياسي الشيعية والسنية المتعاقبة ... 4 - لم يستطع مفهوم البيت الشيعي : التغطية على التناقضات العميقة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي وجدت بين فئات وطبقات الطائفة الشيعية : منذ ان وجدت هذه الطائفة في التاريخ العربي الاسلامي كحركة ولاء سياسي للامام علي ، قبل ان تتشكل كمذهب ديني بإدخال مفهوم : آل البيت ومفهوم : الإمامة . لا يمكن لمفهوم : البيت الشيعي العاطفي المهلهل : ان يتستر على التناقضات الداخلية للشيعة الذين لا يختلفون عن اي مجموعة بشرية تعيش على الارض لا في السماء . فالشيعة على مدار تاريخهم يتكونون : من قلة من الأغنياء ، وغالبية فقيرة . وبالامس القريب كانت الطائفة الشيعية في العراق تتكون من حفنة من العوائل الإقطاعية ، وغالبية من الفلاحين المعدمين ، اذ ان حاصل إنتاجهم الزراعي يذهب لجيوب الاقطاعيين . كما ويتكون مجتمع الشيعة من قلة قليلة جداً من متعلمي القراءة والكتابة وغالبية عظمى من الأميين . وكأي مجتمع ما زال يراوح في مستنقع التخلف : تسود أوساطه عادات وتقاليد ما زالت فاعلة منها : النظرة الدونية الى العمل الحرفي ، واحتقار الحساوية زارعي الخضراوات ، وتهميش المرأة : وهي سمات ثقافية موجودة لدى جميع الشعوب المتخلفة ومنها شركاء الوطن : الكرد والسنة ، ولم تستطع الثقافة الروزخونية انقاذهم منها ، بل زادتهم تمسكاً بها : فشيعة العراق اليوم من اكثر المجتمعات رفضاً للتغيير وتمسكاً بالموروث النقلي وعداء للعقل . أما قادتهم السياسيين : فقد استبدلوا ثقافة النشاط العقلي بثقافة الدعاء واقتناء المحابس والسبح ، وطمسوا العمل بآليات النشاط العقلي التي تدعوهم الى الحصول على المال عن طريق العمل والإنتاج ، وليس عن طريق الرشوة وسرقة المال العام ، وتوجد في غرف هيئة النزاهة ملفات فساد تعود بمعظمها الى ساسة الشيعة ، وقلة منها تعود الى ساسة الكرد والسنة ... 5 - مع ان اركان البيت الشيعي من قادة الاحزاب والميليشيات يفضلون النقل على العقل في محاكمة الظواهر والأحداث ، وانهم يكررون ويفتخرون في خطاباتهم بأن نشاطهم السياسي مع احزابهم : قد حققوا نصراً على العلمانيين والشيوعيين ، الا انهم جميعاً تقبلوا اقتراح العلماني : احمد الچلبي بتأسيس : البيت الشيعي . فهذا المفهوم من نتاج العلمانيين وليس من انتاج قادة البيت الشيعي : الذين لا ينتجون الا الحيل والتخريجات الفقهية التي تغطي على سرقتهم للمال العام ... 6 - لم يكن الشيعة في يوم من الايام كائنات أثيرية لا تربطها بارض الواقع اي مصلحة ، هؤلاء الذين يؤمنون بأن الشيعة كتلة واحدة لا تمايز بين أعضائها ولا تفاوتات اجتماعية واقتصادية : دعوهم يفسرون لنا هذا التناقض الحاد بين رفض الإطار التنسيقي لنتائج الانتخابات ، وبين تمسك التيار الصدري بها ، ولماذا ذهب مقتدى الصدر لأبعد من ذلك وهو يصر على مفهوم : الاغلبية السياسية ومفهوم المعارضة . اذا لم تكن ثمة تناقضات داخل الطائفة الشيعية : فمن قتل 700 شاب عراقي اغلبهم من الطائفة الشيعية ، أليس الشيعي : عادل عبد المهدي يوم كان رئيساً لمجلس للوزراء ؟ 7 - اذا اراد الشيعة ان يعيشوا في عصرهم لا في عصور خلت ، فعليهم أولاً الاعتراف بوجود تناقضات هائلة بين صفوفهم ، وان عليهم العمل على تقليلها ، وعلى تقليص الفجوة بين الاغنياء والفقراء ، وان يعترفوا بوجود حكام ظالمين خرجوا من بين صفوفهم اشد قسوة عليهم واكثر ظلماً ممن سبقوهم من الحكام ، وانهم لا يختلفون ابداً عن بني البشر . وان يعترفوا بأنهم يعيشون على هذه البقعة من الارض مع اخرين ، يتوجب عليهم احترامهم واحترام حقوقهم ، وذلك لا يتم الا بالخروج الصريح : من عالم الأوهام والأساطير ، واول خطوة في سيرورة هذا الخروج تبدأ : بهدم وجود البيت الشيعي العراقي ، وهدم مفهومه السياسي الذي تجاوزته الاحداث ولم يعد صالحاً ، اذ لم يجلب على شيعة العراق غير الظلام الدامس وغير الخراب الشامل ...
#اسماعيل_شاكر_الرفاعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل العراق واسرائيل دولتان من دول الديمقراطية الليبرالية ؟
-
علي السوداني في مناظره الرائعة
-
الجزء الرابع عشر / الحسبة او هيئة الامر بالمعروف والنهي عن ا
...
-
طالبان : ارهابنا الذي صدرناه - الجزء الثالث عشر / 33
-
وماذا بعد نجاة رئيس مجلس الوزراء ؟
-
طالبان ارهابنا الذي صدرناه . الجزء الثاني عشر / 31 و 32
-
طالبان : ارهابنا الذي صدرناه - الجزء الثاني عشر - 30
-
ممنوعات: أغنية للثنائي الشيخ امام واحمد فؤاد
-
طالبان : ارهابنا الذي صدرناه - القسم الحادي عشر
-
طالبان : ارهابنا الذي صدرناه / الجزء العاشر
-
طالبان: الارهاب الذي صدرناه - الجزء التاسع
-
في فقه الانتخابات : - 2 -
-
في فقه الانتخابات
-
طالبان : الارهاب الذي صدرناه / القسم الثامن
-
حركة الاول من تشرين
-
طالبان : الارهاب الذي صدرناه / الجزء السادس ( حفريات )
-
طالبان : ارهابنا الذي صدرناه - الجزء السادس : حفريات
-
خطوة الرئيس التونسي التاريخية
-
مفهوم :نائب الامام
-
طالبان : ارهابنا الذي صدرناه / موضوعة : نائب الامام
المزيد.....
-
الصحة الفلسطينية تكشف موعد إعادة فتح معبر رفح لإجلاء المرضى
...
-
إسبانيا: القبض على -عصابة إجرامية- سرقت 10 ملايين يورو من من
...
-
العثور على الصندوق الأسود لطائرة الخطوط الجوية الأمريكية الم
...
-
ابتكار لفحص الهرمونات بالهاتف المحمول
-
لبنان.. شخص يقتحم موكب تشييع قتيل في -حزب الله- ويصدم عددا م
...
-
المغرب يعلن رفضه دعم إيران للحوثيين
-
رئيسة الوزراء الدنماركية: ما زلنا لا نعرف من أين سنحصل على ا
...
-
مصادر أوروبية: سيسمح لـ50 جريحا فلسطينيا بمغادرة غزة في السا
...
-
التساقط الكثيف للشعر قد يكون مؤشرا لأمراض مزمنة
-
أردوغان: تركيا متمسّكة بالقضاء على جميع التنظيمات الإرهابية
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|