|
جسر اللَّوْز 23
علي دريوسي
الحوار المتمدن-العدد: 7093 - 2021 / 12 / 1 - 02:41
المحور:
الادب والفن
صعدتْ إلى العربة التي أجلس فيها إمرأة تشعر من هيئتها أن لها علاقة بعالم الأدب أو الفن، طويلة، نحيلة، الشعر قصير، العينان واسعتان فضوليتان، الأنف حاد، الشفتان ساخرتان، ارتدت فستاناً طويلاً إلى ما تحت ركبتيها وحذاء خفيفاً دون كعب، علّقت في كتفها حقيبة يد كبيرة تضج بالألوان كما فستانها. شيءٌ ما جذبني إليها أو لنقل أشياء كثيرة أذهلتني بمظهرها وجعلتني أركّز نظراتي عليها، لعلني لمحت أن ذراعها اليسرى أقصر قليلاً من اليمنى، اللاتناظر أكثر جاذبية وفتنة من التناظر في الجمال، أو لعل ذلك يعود للكتاب السميك الذي حملته بيدها اليمنى وقد برزت منه بطاقة زرقاء كمؤشر للصفحة التي وصلت إليها أثناء القراءة، أو لربما ساعة يدها الكبيرة، وليس آخراً لعل السبب يكمن في عمرها الناضج الذي قدّرته بمنتصف العقد الخامس. لعل هذه الملاحظات مجتمعة هي ما أغراني بالتعرُّف إليها في السفر. وقفت المرأة لبرهة، خُيِّلَ لي أنها قد صوَّرت أماكن الجلوس في العربة بعينيها، نظرتْ إليّ، ابتسمت، خفق قلبي إذ قدّرت أنها اختارتني من بين الجميع لتجلس جانبي وتكون رفيقة دربٍ رائعة، لكنها سرعان ما أدارت نظرها، خَيَّبت أملي، جلست بالمقعد الفارغ جوار النافذة اليمنى بينما أجلس أنا إلى جوار النافذة اليسرى ليصبح بيننا مسافة كافية تتسع لجلوس شخص لجانبي وشخص لجانبها و لمرور شخصين في الممر الفاصل بين المقاعد، فتحتْ كتابها وغرقتْ في عوالمها بينما رحت أنا أخطِّط لطريقة تجعلني أدخل معها بحديث دون أن أكون ثقيل الظل. مرت نصف الساعة الأولى دون أن أفلح بتحقيق مرادي، مرت الساعة الأولى دون أن نتبادل أي كلمة، وصل القطار إلى مدينة لايبتزغ، نزل من نزل وصعد من صعد وبقيت المرأة غارقة في كتابها دون أن تعيرني أدنى انتباه، جلس بقربها رجل سبعيني ودون استئذان راح يتحدث إليها، أغلقت كتابها رفعت نظارتها إلى شعرها وبدا عليها الاهتمام ليس فقط بحديث الرجل وإنما بالنظر إليّ أيضاً، شعرت بالحنق إذ أن العجوز أظهر جرأة فاقت جرأتي، تناسيت ما يحدث حولي ورحت أقرأ في كتاب علمي عن هندسة الآلات. عندما وصل القطار إلى مدينة كاسل رأيتها تستعد للنزول منه وعلمت بحسب برنامج السفر أن القطار سيتوقف خمس عشرة دقيقة لذا نزلت بدوري، أشعلت سيجارة رغم أن المكان لم يكن مُخصَّصاً للمدخنين، انتظرتها لدقيقة، مرت بجواري فأوقفتها، عبّرتُ بكامل التهذيب عن رغبتي بالتعرُّف إليها، ضحكت بعذوبة وسألتني أين تسكن؟ أجبتها في مدينة درسدن، أضفت وأنت؟ أجابت في المدينة نفسها. هل تسمحين لي برقم هاتفك؟ قلت لها. ابتسمت عيناها وأجابت: أعطني رقمك وسأتصل بك حين أعود إلى المدينة. هل تعديني بالاتصال؟ سألتها كمراهق وأنا أقدّم لها رقمي مكتوباً على بطاقتي. أجابت: سأتصل بعد أسبوع حالما أعود، لدي معرض ترميم لوحات قديمة في مدينة كاسل. سألتني: إلى أين أنت مسافر؟ أجبتها كاذباً: للمشاركة بمؤتمر علمي، سأعود بعد يومين على الأكثر. ما اسمكِ؟ سألتها. أجابتني: سوزاني، وأنت؟ يسمونني أحمد، أجبتها وأنا أودّعها بنظرة استلطاف. وقبل أن أصعد إلى القطار الذي سيقلني إلى منزل الزوجية أوقفتني دورية حفظ نظام المحطة وأعطتني إيصال مخالفة تدخين بقيمة عشرين يورو. تطوَّرت علاقتنا وكنت سعيداً لا لأنني معها بل لأنها أحبتني. كانت تنتظرني أحياناً على درج البناية إلى أن أعود من عملي. أحياناً كنت أذهب إلى مرسمها كي نلتقي وأحياناً أخرى كانت تقود سيارتها وأنا بجانبها إلى أماكن مجهولة بالنسبة لي. كنا نمضي النهار في المتاحف والقصور القديمة والليل في غرف مفروشة تابعة للقصر أو المتحف حيث نكون. كانت سوزاني تعيش في منزل كبير تحيط به أشجار عالية جداًعلى هيئة قصر صغير عائد لممتلكات المدينة الثقافية. في الأشهر الأولى لتعارفنا لم أستطع زيارتها في بيتها. كانت سوزاني متزوجة من رجل طيب اسمه بيرند سبق له أن درس الهندسة المدنية لكنه وبعد انهيار جدار برلين في التاسع من نوفمبر 1989 لم يستطع أن يعمل بشهادته فصار تاجر ألبسة نسائية. كانت علاقة بيرند بسوزاني باردة، تعيش معهما في المنزل نفسه ابنتاهما. واحدة في الثالثة والعشرين والثانية في السابعة والعشرين من عمرها. كرهت في شخصية صديقي منير أشياء وأحببت فيه أشياء كثيرة. كان منير ذكياً. في لقائه الأول مع سوزاني قال بعصبية: أنت إمراة أنانية، إذا كنت حقاً تحبين أحمد وتعتبرينه مقرباً إلى روحك عليك أن تعرفيه بابنتك ليصير صديقها وصهرك لاحقاً فهي تناسبه بالعمر أكثر مما تناسبينه أنت. بعد أن تعمّقت علاقتنا جمعتني سوزاني مع زوجها بيرند وصرت أزورها في البيت وأحياناً أزورهما لتناول طعام العشاء سوية أو للثرثرة أثناء الفطور. يتبع
#علي_دريوسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جسر اللَّوْز 22
-
جسر اللَّوْز 21
-
جسر اللَّوْز 20
-
جسر اللَّوْز 19
-
جسر اللَّوْز 18
-
جسر اللَّوْز 17
-
جسر اللَّوْز 16
-
جسر اللَّوْز 15
-
جسر اللَّوْز 14
-
جسر اللَّوْز 13
-
جسر اللَّوْز 12
-
جسر اللَّوْز 11
-
جسر اللَّوْز 10
-
جسر اللَّوْز 9
-
جسر اللَّوْز 8
-
جسر اللَّوْز 7
-
جسر اللَّوْز 6
-
جسر اللَّوْز 5
-
جسر اللَّوْز 4
-
جسر اللَّوْز 3
المزيد.....
-
ملك بريطانيا يتعاون مع -أمازون- لإنتاج فيلم وثائقي
-
مسقط.. برنامج المواسم الثقافية الروسية
-
الملك تشارلز يخرج عن التقاليد بفيلم وثائقي جديد ينقل رسالته
...
-
موسكو ومسقط توقعان بيان إطلاق مهرجان -المواسم الروسية- في سل
...
-
-أجمل كلمة في القاموس-.. -تعريفة- ترامب وتجارة الكلمات بين ل
...
-
-يا فؤادي لا تسل أين الهوى-...50 عاما على رحيل كوكب الشرق أم
...
-
تلاشي الحبر وانكسار القلم.. اندثار الكتابة اليدوية يهدد قدرا
...
-
مسلسل طائر الرفراف الحلقة92 مترجمة للعربية تردد قناة star tv
...
-
الفنانة دنيا بطمة تنهي محكوميتها في قضية -حمزة مون بيبي- وتغ
...
-
دي?يد لينتش المخرج السينمائي الأميركي.. وداعاً!
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|