أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نظمي يوسف سلسع - التجربة الديمقراطية في اسبانيا هل تصلح للدول العربية؟















المزيد.....


التجربة الديمقراطية في اسبانيا هل تصلح للدول العربية؟


نظمي يوسف سلسع
(Nazmi Yousef Salsaa)


الحوار المتمدن-العدد: 7089 - 2021 / 11 / 27 - 19:05
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


وهل نعتبر تجربة ديار الاندلس نموذجية للدول العربية ، أي هل يصلح النموذج الاسباني الديمقراطي للعرب؟!.. او بمعنى آخر تصدير الديمقراطية الإسبانية الى العالم العربي !! ..

قبل الاجابة على تلك التساؤلات والافكار تعالوا نتعرف على حكاية الديمقراطية على الطريقة الاسبانية..
شهدت اسبانيا خلال القرن الماضي ولادتين للديمقراطية وبدون اراقة دماء، الولادة الاولى كانت عشية مغادرة الملك الفونسو الثالث عشر أسبانيا طواعية بعد ظهور نتائج الانتخابات البلدية التي جرت في 12 نيسان/ أبريل 1931 والتي كانت بمثابة استفتاء بين الملكية والجمهورية، ففي ليلة 14-15 نيسان/ ابريل 1931 تم الاعلان عن اسقاط الملكية واشهار الجمهورية الثانية..
.. وكانت الجمهورية الاولى قد ولدت في 11 شباط/فبراير 1873 وانتهت بعودة الملكية في 29 كانون الاول/ ديسمبر 1874 .. حين تنازل الملك أماديو الأول عن عرش اسبانيا في 11 شباط/ فبراير 1873.- (أماديو الأول (Amadeo I؛ تورينو، 30 مايو 1845 - تورينو، 18 يناير 1890) الملك الإسباني الوحيد من عائلة سفويا. وهو النجل الثاني لفيتوريو إمانويلي الثاني ملك إيطاليا، عـُرف معظم حياته بدوق أوستا، ولكن حكم لفترة وجيزة إسبانيا من عام 1870 حتى 1873) - كان الدافع وراء تنازله الصعوبات التي واجهها خلال فترة حكمه القصيرة مثل خسارة المستعمرات في امريكيا وكوبا والفلبين واندلاع الحرب الكارلية الثالثة والمعارضة من الملكيين لإستعادة حكم آل بوربون بشخص ألفونسو دي بوربون نجل ايزابيل الثانية، وحركات التمرد الجمهوري المتعددة وعدم الإنسجام بين مؤيديه. وفوق ذلك كله: فإن عاهل إسبانيا الايطالي كان يفتقر إلى أي دعم شعبي اسباني، وربما من هنا بدأ القول (الحق على الطليان) في اسباب الازمات!! ..

أما الولادة الثانية للديمقراطية فقد تمت حينما جرى تنصيب الملك خوان كارلوس الاول ملكا على اسبانيا، بعد يومين من اعلان وفاة الجنرال فرانكو في 20 تشرين الثاني/ نوفمبر 1975 وهذه كانت وصية الجنرال فرانكو بعد موته، وما يبدو ان الدكتاتور اعتقد ان النظام الملكي في اسبانيا سيكون الحاجز والمانع لعودة اليسار الاسباني، من شيوعي واشتراكي ونقابي، الذي شن عليهم حربا شعواء وقام باجتثاثهم من اسبانيا وهي الحرب الاهلية الاسبانية 1936- 1939.. وكما هو معروف ما ان وضعت الحرب الاهلية الاسبانية اوزارها حتى اشتعلت الحرب العالمية الثانية ولم يدخل فرانكو الحرب مع حلفائه من الفاشيين في ايطاليا والنازيين في المانيا، واستطاع ابعاد الدمار عن اسبانيا الخارجة لتوها من الحرب .. ومع نهاية الحرب العالمية الثانية بقيت اسبانيا وحدها وتم القطيعة مع اوروبا بحجة النظام الديكتاتوري القائم وغياب الديمقراطية والحريات العامة.
المرحلة الانتقالية للديمقراطية
تظل المرحلة الانتقالية بإسبانيا، اي الانتقال الديمقراطي الإسباني من حكم ونظام فرانكو والحزب الشمولي الواحد الى دولة ديمقراطية برلمانية متعددة القوى والاحزاب من أهم المراحل في التاريخ السياسي الاسباني الحديث، ويظل الرئيس ادولفو سواريس، أول رئيس حكومة انتقالية ديمقراطية، الشخصية الرئيسية والمميزة التي قادت السفينة الاسبانية إلى البر والميناء الديمقراطي وسط تلاطم امواج الاحداث والصراعات والخلافات المحلية والاقليمية والدولية ناهيك عن تحقيق مصالحه سياسيه وطنيه ورتق النسيج الاجتماعي والسياسي الذي تفسخ جراء الحرب الاهلية الاسبانية ..
لقد استطاع الرئيس ادولفو سواريس ان يجمع حوله شخصيات سياسية شابة معتدلة ومنحدرة من نظام فرانكو وحزب الكتائب اليميني الفاشي، ومن الديمقراطيين الاشتراكيين والليبراليين والديمقراطيين المسيحيين، وشكل من هذا التجمع حزب اتحاد الوسط الديمقراطي، وبالفعل كان هذا “الخليط” متجانسا وبافكار وطموحات سياسية “رومانسية” تعتز بتفرد الشخصية الاسبانية وأهمية اسبانيا وموقعها الاستراتيجي وتاريخها المشترك مع امريكا اللاتينية وافريقيا والعالم العربي، بهذا الفريق اصبح ادولفو سواريس بحق رجل المرحلة الانتقالية بلا منازع، حيث انجز مصالحه سياسيه وطنيه أثمرت على إصدار دستور جديد وإقرار منظومة سياسه تحت ظل نظام ملكي برلماني ديمقراطي متعدد الأحزاب .. هذه الانجازات التي نصفها بسطرين قد تحققت خلال عامين فقط، وكان ينتظر ان تتم خلال عقدين من الزمن.. وهي انجازات تاريخية عظيمة وفريدة حققتها اسبانيا وعكست احداثها ومجرياتها على القوى الاقليمية والعالمية وحتى القضايا الدولية.. فجرى استدعاء كافة الاحزاب والقوى السياسية من المهجر، بعد ان كانت تحت الحظر والمطاردة في عهد فرانكو، من اليساريين والشيوعيين والاشتراكيين، ودعوتهم الى العودة وبناء اسبانيا الجديدة .. اسبانيا الملكية البرلمانية الديمقراطية!!…
عاد “الرفاق” الى الوطن والنضال من جديد، وحينها اشار البعض ان قبول اليسار الاسباني المشاركة في الحياة السياسية وبإطار”نظام ملكي” جاء (نكاية) بالديكتاتور فرانكو الذي كان باعتقاده ان احزاب وقوى اليسار لن تعود الى البلاد او تشارك بهذا النظام، غير ان هناك من اضاف القول بانه كان اعجاب قيادات اليسار بشخصية وافكار وحسن نية الرئيس ادولفو سورايس في السعي الى اقامة نظام ديمقراطي يتسع للجميع .. على اية حال سجلت عودة اليسار مفاهيم جديدة، إذ اكدت على امكانية تعايش قوى اليسار والعمل والابداع والتأقلم في اطار ليبرالي متعدد الاحزاب وليس اسقاط نظام واقامة نظام آخر.. فـ”الشيوعية الاوروبية” ابتدعها الحزب الشيوعي الاسباني وامينه العام سانتياغو كارييو حينما عاد الى اسبانيا الملكية، وتبنت افكاره عدة دول اوروبية غربية وشرقية، بمنظور الأخذ بالنسيج الشيوعي وتفصيله وفق مقاس وحجم وحاجة المجتمع والامكانيات المتاحة، فإن الفكر اليساري سينمو ويزدهر ويتفاعل مع الليبرالي من خلال البحث وتوفير العدالة الاجتماعية للطبقة الفقيرة لو كان في اطارنظام ملكي!..
عام 1977 جرت اول انتخابات تشريعية عامة فاز الرئيس ادولفوا سواريس وحزبه (اتحاد الوسط الديمقراطي) على جميع القوى السياسية وشكل لجنة برلمانية كجمعية دستورية من اجل اقرار الدستور الذي اصبح ساري المفعول عام 1978.. وبعد ذلك تقدمت اسبانيا بطلب الإنضمام الى المجموعة الاوروبية، فقد كانت لديهم قناعة راسخة واعتزاز بامكانيات ودور اسبانيا الكبير في تعزيز مكانة المجموعة الاوروبية حال انضمامها، فالفكر السياسي الاسباني حينذاك كان يرى انضمام اسبانيا لا يعني دخول اسبانيا اوروبا بل ان اسبانيا ستحمل وتقود المجموعة الاوروبية الى آفاق واسعة نحو امريكا اللاتينية وافريقيا والعالم العربي .. هنا كانت المفاجأة، وهي الشروط والطلبات من اسبانيا والتي لم تكن لها علاقة بالديمقراطية أو الحريات العامة ولا بالاقتصاد ولا حتى في اوروبا .. وفي الواقع لم تكن شكل مفاجأة بل صدمة لاول قيادة وحكومة ديمقراطية اسبانية منتخبة حينما جاء الجواب بل الاشتراط الاوروبي على طلب انضمام اسبانيا الى المجموعة الاوروبية الاعتراف أولاً واقامة علاقات دبلوماسية مع اسرائيل؟!!..
لا يعني ذلك ان “اسرائيل” تتمتع بهذه القوة والهيمنة على اوروبا بقدر ان هذا الكيان في الاساس صنيعة اوروبا الاستعمارية وان المجموعة الاوروبية اضحت “رهينة” الولايات المتحدة الامريكية، وريثة مشاريعها الاستعمارية مقابل مشروع مارشال الامريكي الذي ساعد على اعادة بناء اوروبا اعقاب الحرب العالمية الثانية، وبالتالي كان المطلوب من اسبانيا التأقلم والاصطفاف والالتحاق بالسياسة الاطلسية الغربية، بما يعني أن الحديث عن: ديمقراطية.. حريات عامة.. احزاب.. انتخابات.. جميعها غطاء وقشور براقة تحجب جوهر اطماع ومصالح الغرب وسياسة حلف الناتو في خضم الحرب الباردة بمواجهة حلف وارسو..
لم تستوعب حكومة سواريس الاشتراط الاوروبي.. وكأن اوروبا في وادي واسبانيا في وادٍ آخر، فكيف تقيم علاقات مع “اسرائيل” وما تزال مدريد وبفضل بغداد، عاصمة جبهة الصمود والتصدي العربي ضد اتفاقيات كامب ديفيد، تتلقى النفط الخام العراقي بالمجان، وبذلك تخطت اسبانيا الازمة النفطية العالمية، ناهيك على انها قد استعادت علاقاتها الطبيعية مع المغرب وانهت استعمارها للصحراء الغربية.. لذلك واصلت اسبانيا وحكومة سواريس العمل ومحاولة افهام المجموعة الاوروبية انها “مختلفة”..
اسبانيا مختلفة Spain is different
وشعار “اسبانيا مختلفة Spain is different” كان يافطة وعنوان حملة ترويج سياحي نفذتها وزارة السياحة الاسبانية عام 1960 ونجحت في الخروج من العزلة السياسية والاقتصادية المفروضة عليها من قبل اوروبا مع نهاية الحرب العالمية الثانية، وقد جذبت الحملة استثمارات اجنبية هائلة لتطوير القطاع السياحي، حيث شهدت، منذ ذاك الحين، تدفق الملايين من السائحين على الشواطيء والجزر والمدن الاسبانية للتعرف وللتمتع بطبيعتها الخلابة وطقسها الرائع المعتدل وطيب طعامها وطيبة اهلها..
في الواقع تختلف اسبانيا عن باقي دول المجموعة الاوروبية، خاصة بجغرافيتها المطلة على منفذ البحر الابيض المتوسط وسكانها من مختلف اصول ومنابت الحوض المتوسط وشمال اوروبا، حيث استوطنت بها كافة الحضارات وتلاقحت عليها الثقافات والديانات السماوية وغير السماوية.. كاليونانية الوثنية والرومانية المسيحية والبربرية الامازيغية والعربية الاسلامية، وبما تواصلت ووصلت الى بلاد الهند وفارس، وانصهرت جميعها في بوتقة واحدة لتأتي صورة اسبانيا الجميلة والمختلفة بهوية متوسطية مميزة، عكس الدول الاوروبية التي تقوقعت بكينونتها وخاصيتها كالالمانية والفرنسية والايطالية ..الخ .. لذلك رأت حكومة ادولفو سواريس انه اذا كان لا بد من الاعتراف بالكيان الاسرائيلي فمن الواجب الاعتراف بالحق الفلسطيني، وباعتبار ان الزعيم الفلسطيني قد اعترفت به الأمم المتحدة حينما القى خطابه الشهير عام 1974، لهذا اعترفت بمنظمة التحرير الفلسطينية ودعت السيد ياسر عرفات لزيارة رسمية الى اسبانيا، واتخذت هذا القرار في اطار التأكيد على اهمية اسبانيا للمجموعة الاوروبية من اجل تعزيز دور ومكانة اوروبا في القضايا الدولية، وان تبادر اسبانيا الى الريادة لا ان تكون تابعا لسياسة اطلسية غربية احادية الجانب، وهذا ما “جّن جنون الغرب” واصبح المطلوب رأس ادولفو سواريس.. وهكذا كان..
ضغوطات هائلة، في الداخل والخارج، نجحت في اقصاء السيد ادولفو سواريس عن قصر مونقلوا – مقر رئاسة الحكومة- وكذلك حزب اتحاد الوسط الديمقراطي، وتم ذلك بعد “مسرحية” محاولة انقلاب عسكري قادها عقيد في الجيش عام 1981 ، نقول مسرحية باعتبار ان التغيير والمرحلة الانتقالية وعودة الملكية كانت من وضع نظام فرانكو وعسكره.. وبالتالي كان هدف الانقلاب انهاء حزب ادولفو سواريس ورجاله وطموحات سياساته وافكاره “الرومانسية” ليتم بعدها صبغ وجه اسبانيا وتطبيعها واصطفافها داخل حظيرة وسياسات حلف الاطلسي..
عديدة هي الكتب التي تناولت هذه المرحلة الانتقالية، كتأريخ ودراسات وابحاث، إلا انها لم تتناول مفاصل وتفاصيل الضغوط التي مورست على اسبانيا خلال المرحلة الانتقالية لتخلع جلدها المتوسطي وترتدي الزي الغربي لحلف الناتو، كما أن المؤرخين والباحثين قد اختلفوا على تحديد الفترة الزمنية للمرحلة الانتقالية، حيث حدد البعض الفترة منذ تنصيب خوان كارلوس كملك لإسبانيا (في 22 تشرين ثاني/نوفمبر 1975) ودخول دستور 1978 حيز التنفيذ (29 كانون اول /ديسمبر 1978)، فيما حصره آخرون بين 20 تشرين ثاني/ نوفمبر 1975، تاريخ وفاة فرانكو و28 تشرين اول /أكتوبر 1982، تاريخ نهاية فترة حكومة حزب اتحاد الوسط الديمقراطي وتولي الحكومة الحزب الاشتراكي، وهناك أيضا من يؤرخ لنهاية مرحلة الانتقال الديمقراطي الإسباني بين 1985 و1986، بعد انضمام إسبانيا للسوق الأوروبية المشتركة وجرى الاستفتاء على عضوية حلف الناتو، ومنهم من اعتبر بداية حكومة الحزب الشعبي اليميني عام 1996 نهاية مرحلة الانتقال الديمقراطي الإسباني.
واعتقد ان اسبانيا وبعد اربعة عقود ونصف قد استكملت دوران عجلتها الديمقراطية بالكامل، وبغض النظر عن الاراء والافكار والسياسات المتناقضة، فان المسيرة الديمقراطية الاسبانية كانت بالفعل ناجحة وقطعت اشواطا كبيرة رغم العقبات وحققت انجازات هامة كتبادل السلطة والحكم من يسار ويمين، وكان العام 2019 العام الحاسم في استكمال الدورة الديمقراطية الكاملة وهو ما شهدناه من صعود قيادات سياسية شابة تتولى الان الحكم ورئاسة الاحزاب .. لذلك من المفروض ان يتبع تجديد الوجوه والقيادات الشابة بتجديد القوانين والدستور ليتلائم ويتوافق مع تطلعات خصوصية قوميات الاقاليم باسبانيا كحال كتالونيا والباسك وهو ما يعزز الوضع الطبيعي المستقر لإسبانيا الديمقراطية..
الوجه المتوسطي لإسبانيا
وإذ نأمل من القيادات الشابة الاهتمام على ترسيخ الوجه الانساني المتوسطي لتصبح الرهان والنموذج لدول جنوب حوض المتوسط في التنمية والاستقرار، وهذا ما يعكس تلقائياً على دول شمال المتوسط ، فالفطرة المتوسطية لاسبانيا نجدها تبرز بين الحين والآخر وتواجه بحزم وعزم كافة الضغوطات لتغيير نهجها الطبيعي وواقعها الجغرافي الحضاري، ولدينا امثلة ونماذج عديدة في هذا الشأن.. فمثلا حين غضب الغرب الاطلسي واعترض على دعوة السيد عرفات وقيامه بزيارة رسمية عام 1979، نجد ان هذا الغرب نفسه قد التجأ الى اسبانيا لتنظيم مؤتمر السلام في مدريد عام 1991، وكذلك مؤتمر برشلونة عام 1995 من اجل ايجاد صيغة للتعاون والمشاركة.. هذا من ناحية المشاريع السياسية والتعاون، اما من جهة المواطن والانسان والمجتمع، فقد برزت قبل نحو سبع سنوات ظاهرة وتظاهرات (المهمشون indignados ) في فرنسا واسبانيا، فما تزال هذه الشريحة الهامة تعيش على هامش المجتمع الفرنسي دون تحقيق مطالبهم، في حين ان اسبانيا استوعبت الظاهرة واتاحت المجال لمشاركتهم الحياة السياسية، وشكل (المهمشون) حزب سياسي اطلقوا عليه اسم (نستطيع Podemos) ونجح في الانتخابات واصبح يمثل القوة السياسية الثالثة باسبانيا واليوم هم شركاء في الحكومة الاسبانية الحالية..
ربما توضح سرد هذه الامثلة والنماذج التكوين الاسباني الجغرافي والسياسي والثقافي والاجتماعي المتوسطي والمختلف وحتى المتناقض عن شركائه الغربيين.. ونحن نرى اليوم ان الاتحاد الاوروبي يقف امام مرحلة قد تصل للتصادم مع الحليف الامريكي الذي يفكر بنفسه أولاً، فالخلافات قد اشتدت وتصاعدت، والمصالح تناقضت، وهذا ما يتيح المجال لاسبانيا قيادة الدور المتوسطي للاتحاد الاوروبي، هذا إذا لم يعترض اليمين المتطرف الغربي الاوروبي على ذلك ؟!.. أو هل يترك الغرب الاطلسي ان تبتعد اوروبا عن الحلف وتحاول ايجاد هوية وشخصية سياسية واقتصادية عسكرية اوروبية مستقلة بالموقف والقرار ؟!..
التجربة الديمقراطية باسبانيا هل تصلح للدول العربية؟!..
والان نعود الى السؤال : التجربة الديمقراطية باسبانيا هل تصلح للدول العربية؟!.. وهل نعتبر تجربة ديار الاندلس نموذجية للدول العربية ، أي هل يصلح النموذج الاسباني الديمقراطي للعرب؟!.. او بمعنى آخر تصدير الديمقراطية الإسبانية الى العالم العربي !! ..
هل يمكن ذلك؟!..
الجواب يمكن ذلك.. ولكن يجب ان تكون هناك رغبة قوية صادقة من رأس النظام، مهما كان شأنه، القيام ببناء أسـس الدولة الحديثة على قاعدة اقتصادية راسخة أولا ولتساهم في تنمية كافة القطاعات وخاصة الخدمية والاجتماعية والثقافية وتهيئة وتأهيل المواطن لهذا النظام ..
فالديمقراطية، ليست بضاعة تشحن وتباع في السوبرماركت والاسواق كالبطاطا وزيت الزيتون والسيراميك والوجبات السريعة الجاهزة، تحتاج الديمقراطية الى تأسيس بنية تحتية اقتصادية شاملة لمختلف قطاعات البلد تتيح للمواطن تطوير وضعه وامكانياته الاقتصادية حتى يصبح الممول الرئيسي للدولة بانتاجه الخاص الصناعي والتجاري وعلى كافة المؤسـسات المهنية والخدمية، ومن ثم يصبح للمواطن الوعي السياسي لمعرفة حقوقه وواجباته مما يمكنه اختيار حكومة تشرف وتنفذ وترشد الانفاق العام وتسعى الى توفير حاجاته واحتياجاته، اي ان الموطن يدفع اثمان ونفقات الديمقراطية من جيبه الخاص، من خلال عمله وانتاجه ويحسم من مدخوله وارباحه ويقدمه بكل طيب خاطر تحت مسمى الضرائب وبنسب متفاوته، وبالتالي تصبح الدولة والحكومة موظفة لدى المواطن العادي وفي خدمته، وبالضبط كما فعلت الصين وحققت نظام برأسين شيوعي ورأسمالي ونجحت في التآلف بينهما، وكذلك حققت روسيا استعادة هيبتها وقوتها السياسية والاقتصادية وما تحققه الآن على مختلف القطاعات والاصعدة ..
لا نود ان يُـفهم انه من الصعب تحقيق وتنفيذ هذه المتطلبات في الدول العربية وبالتالي يستحال وصول الديمقراطية، أو ان العرب غير مؤهلين لبناء ديمقراطية وأن الارض العربية غير صالحة لنمو الديمقراطية كما يروج اعداء الأمة .. بالعكس تماما، فقد شهدنا في نهاية الثمانينات ومطلع التسعينات من القرن الماضي، ثلاث دول عربية كانت جاهزة ومجهزة للحياة الديمقراطية وحققت كافة متطلباتها، غير انه تم كبح طموحها
الاولى كانت “العراق” حيث فرمل الحصار الجائر وحربي الخليج والاحتلال الامريكي مشروع دمقرطة الدولة والمؤسـسات والوطن والمواطن، والدولة الثانية “الجزائر” التي اجهض جنون عناصر الحركات الاسلامية المتشددة تجربتها الديمقراطية الرائدة، ، في حين ما تزال الدولة الثالثة “سوريا” تضمد جروحها وتحاول اغلاق ابواب جهنم التي فتحت على مصرعيها وانفجرت في البشر والحجر وهدمت وهجرت على امتداد اراضيها وآراضي الجيران..
دون شك، هناك تواطىء ومؤامرات خارجية ضد العرب والعروبة والاسلام، وليس هاجسا كما يحلو لبعض المحللين الغربيين وبعض العربان ايضا!.. وهناك ايضا عوامل داخلية واخطاء مؤثرة وهامة ساهمت على الدمار.. ولنأخذ على سبيل المثال دولة عريقة مثل الجزائر التي استقلت عام 1962، ومنذ الاستقلال سارعت عملية البناء وانشاء وتكوين اسـس الدولة الحديثة، واضحت مطلع السبعينيات، عملاق اقتصادي شامخ، ونسجت ارقى العلاقات المتكافئة مع معظم انظمة الدول، واطلق على الجزائر حينها صفة ولقب “اطفائية الازمات الدولية”، إذ نجحت الدبلوماسية الجزائرية انهاء عديد من الازمات الدولية والاقليمية، كالازمة بين العراق وايران وجرى توقيع الاتفاقية بينهما في الجزائر عام 1975 ، والتوسط في ازمة اختطاف وزراء اوبك، وازمة الجيش الايرلندي السري مع بريطانيا وازمة اسبانيا مع منظمات انفصالية مثل منظمة ايتا في بلاد الباسك وانطونيو كوبيو في جزرالكناري .. الخ من قضايا وازمات جعلت دول العالم تعتمد الجزائر الوسيط والطرف القوي المحايد بل المحترف في التوسط واطفاء الأزمات الدولية، فكيف اشتعلت في ديار “الاطفائي” المحترف المحنك نيران الارهاب مطلع التسعينيات؟!.
لقد حققت الجزائر، وفي سنوات قليلة، تطور اقتصادي رهيب ومدهش بفضل صناعات النفط والغاز الطبيعي، في حين كان التركيز على القطاع الاقتصادي والصناعات النفطية غاب أو غُيّب الاهتمام بالعناية وتطوير القطاعات الاجتماعية والثقافية وخاصة التعليم، اذ تبين وجود ثغرة خطيرة في قانون التعليم مما جعل الطالب الذي انهى دراسته الثانوية لا يستطع الالتحاق بالجامعة قبل القيام بواجب التجنيد وخدمة العلم، وفي الوقت ذاته لا يسمح للشاب دخول دورة التجنيد قبل بلوغ سن ال 21 لذلك تعطلت حياة وحركة الشباب بعمر 17 و18 سنة أي بعد انتهاء الدراسة الثانوية ولفترة ثلاث او اربع سنوات، فقد أضحى في تلك السن والفترة الحرجة وباحلى سنوات عمره، جالسا مكتوف الايدي لا تعليم ولا علم ولا عمل، لهذا نشطت التنظيمات (الجهادية) التي تشكلت مطلع الثمانينات مستغلة هذه الثغرة في استقطاب زهور شباب الجزائر، حيث كانت الطائرات الامريكية تنقل الشباب من العاصمة الجزائر الى احدى القواعد الامريكية في فرانكفورت وغيرها من المدن والقواعد في المانيا (الغربية) ليجري تدريبهم على استعمال السلاح اسابيع معدودة ومن ثم يتم شحنهم الى جبال افغانستان..
ثمان سنوات استمر “جهاد الامريكان في افغانستان” الى ان سقط النظام الشيوعي بكابول وبدأ تحلل الاتحاد السوفيتي وعاد “العرب الافغان”، نهاية الثمانينات ومطلع التسعينات، الى ديارهم بالاموال والافكار السوداء والسكاكين تقطع الرقاب ..
استعادت الجزائر زمام القيادة والمبادرة واستعاد الحزب الحاكم الوحيد التحكم بمفاصل الدولة وتحصين البلاد ضد فظاعة هذه الآفة وعدوى الفوضى الخلاقة وشرور عواصف الربيع العربي، وكما هو معروف، انتشر (الجهاد والمجاهدون) على مختلف العواصم والجبال والارياف والبلدان العربية ..
وما يُـفهم من ذلك وما نود قوله، ان النظام الشمولي والحزب الوحيد الحاكم والديكتاتور المتحكم بمقدرات الدولة لديه القدرة والاستطاعة على ارساء البنية التحتية الاساسية لانشاء نظام ديمقراطي متعددة القوى والاحزاب وبالضبط كما حدث في اسبانيا، فالفضل الكبير على إرساء وانشاء بنية تحتية اقتصادية متنوعة القطاعات لتؤسـس وتخدم النظام الديمقراطي الحالي، يعود الى الديكتاتور جنرال الجنرالات فرانسيسكو فرانكو، والدكتاتور نفسه قد أوصى بعودة النظام الملكي الدستوري ولكن بالطبع كما ذكرنا بعد وفاته!..
نظمي يوسف سلسع- مدريد



#نظمي_يوسف_سلسع (هاشتاغ)       Nazmi_Yousef_Salsaa#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جميع الامم كتبت تاريخها إلا الامة العربية تركتها للمستعمرين ...
- مشروع الديانة الابراهيمة تبلور في التسعينيات بعد منع نشر ترج ...
- رفض المسيحيون الاوئل يهودية يسوع المسيح وطالبوا بفك ارتباط ا ...
- 40 عاما على الانقلاب العسكري باسبانيا
- القدس اليوم ليست اورشليم الامس، وهل يمكن القول ان الصخرة الم ...


المزيد.....




- -عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
- خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
- الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
- 71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل ...
- 20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ ...
- الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على ...
- الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية ...
- روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر ...
- هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
- عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز ...


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نظمي يوسف سلسع - التجربة الديمقراطية في اسبانيا هل تصلح للدول العربية؟