|
فانوس طعمة - قصة قصيرة
محمد سعدون السعداوي
الحوار المتمدن-العدد: 7086 - 2021 / 11 / 24 - 22:07
المحور:
الادب والفن
فانوس طعمة - [ ] محمد سعدون السعداوي قصة قصيرة.. قرر ان لا تطأ قدماه باحة الحقل الشاسعة والممتدة على ضفاف دجلة العتيد ولن يقود القطيع مالم يقف على حقيقة هذا الاختراع العجيب، وبّخته زوجته سعدة بوابل من الكلمات التجريحية .. مرددة انت كسول يا طعمة وتحاول ان تُشغل عقلك الصغير بأشياء اكبر من وزن رأسك ، فالناس انتشروا في محيط مزروعاتهم ومياه السقي تنساب في جداولهم وشمس الضحى فتحت باباً للظهيرة ، اني استغفر الله بكل غروب على هذه القسمة ( السودة) ..لم يكترث لوابل النصائح ، ليتوجه طعمة بجهازه المضيء العجيب بعد صلاة المغرب لديوان الشيخ سالم ، فهناك يجتمع الرجال بعد يوم تعبوي شاق لإنه موسم الغرس ، مصوباً كلامه لعبد الرحمن الذي يتكأ على وسادة نصف مثنية ( فهمني كيف تم صنع الزجاجة ولماذا لا تنفجر من لهب الفتيلة) ، ليرمقه الشيخ سالم بابتسامة صفراء متسائلًا: كيف دخلت ابقار سلمان في مساحة ارضك ولماذا لا تحمل مسخنتك وتجلب الماء لزوجتك سعدة لغسل الاواني وتحميم ابنك حمزة ، فطالما انت مرابط معها عليك ان تقوم بعمل نافع.. لم يهتز من كمْ التجريح الذي قذفه به الشيخ سالم ليعاود النظر لعبد الرحمن المسدل ساقيه والمرخص من المحفوظ بالاسترخاء ، لينتصب ويصرخ بوجه طعمة يا اخي كل الذي اعرفه انه ( فانوس) لولاه لعشنا في عتمة ، واني عهدتك متديناً تطمأن بقدر الله وصنعه، والاجدر بك ان تتوجه لملا جبار فهو فقيه ومعمم وترافقه بعد كل صلاة الى النهر ، لإنك والملا تتعبدون اكثر مما تعملون واقرب الى الله مني ومن الشيخ سالم .. بينما هو يجوب القرية بعد ان عمت اخبار فانوسه وكيف تم صنعه ، وعلى الطريق المؤدي لمدرسة حمزة الطينية ينتظر في المنعطف ليرجعه الى الدار ، حمزة : ابي يريد الاستاذ عباس ان يراك ويتحدث معك فهو معجب بافكارك وما تطرحه من تساؤلات اثارت فضوله .. نعم يا ولدي فالاستاذ عباس انسان مثقف وصاحب علم ، قالها متباهياً وتدفق الدم في اوداجه وصار يتمختر ممسكاً بيد الصبي وكأنه حصل على براءة الاختراع ، استقبلتهم سعدة بوجه متشائم دون ان ترد التحية ، ماذا بك وما هذا الحقد الذي اراه في كل جسدك ياسعدة ، لم تنبس ببنت شفى ، ليعاود طعمة حديثه مع حمزة ، غدا يا بني سوف التقي باستاذ عباس لنتشاور و نتطارح الافكار ، تدخلت سعدة بعد احمرار وجهها هاتفة : في جدول الماء جميع النساء يضحكن ويتهامسن حتى سمعت احداهن تقول ( اجت مرة ابو الفانوس) ، والثانية قالت لي بسخرية ( يقولون ان زوجك هو الذي اخترع الفانوس) ..جعلتنا اضحوكة يا طعمة بين النساء والرجال .. رد عليها مقهقها هؤلاء مساكين لا يتعدى بصرهم ابعد من قريتنا ولا يؤمنون بالتطور .. بعد قيلولته يستيقض على قرع الباب ، اهلا ملا جبار حلت بنا البركة ، اطرق الملا برأسه ثم رفعه بحركة دوران جابت ارجاء المكان ، اسمع يا طعمة ان الله خلق السموات والارض والشمس والقمر والنار والماء والهواء وخلق الانسان ايضاً ، هوالمدبر والمسبب ولا نعترض على خلقه ، عليك ان تركز بالعبادة ولا تحشر انفك بهذه المصنوعات فهي من خلق الانسان ، علينا ان نستخدمها ولا نخوض في تفاصيلها ، فالفانوس فيه فوائد ومضار ، وحسب تفسيري فوائده اكثر من مضاره ، لكن هناك اختراعات شيطانية نسمع بها ولا ارغب في شرحها لك لانك سوف تصاب بالمس ، لا تنسى صلاة الفجر غدًا ساراك فبعد الصلاة سيزول كل الشك من رأسك ، واستودعك الله .. بدأت الدوامة تزداد والصراع يشتد بداخل طعمة فهو يجد كل ما يصدر من ملا جبار بمثابة نص مقدس ، ولا يجرأ على مناقشته خوفاً من السخط الالهي وحفاظاً على رزقه ونعمته من الزوال .. يتمتم في نفسه هل التقي استاذ عباس ام انها خطيئة ومخالفة لتوجيهات الملا الفقيه ، ليستيقض على صوت ابنه حمزة : ابي لا تنسى فالاستاذ عباس بانتظارك ، يا الهي ما هذا الاختبار ، هل انا في امتحان ؟ لاني سمعت ملا جبار دائمًا يردد انكم في امتحان والدنيا دار اختبار .. لا اجد من يدلني او ينقذني من هذه الورطة فأهل القرية ساخطون وساخرون مني ، ولا يوجد بينهم من أجده صديقًا ، ليخلو بنفسه أمام شاطيء النهر وبتنهيدة خرجت من صمام قلبه الذي اصبح كالمضخة الهائجة .. سأرتكب الخطيئة وبعدها استغفر ربي فهو يقبل التوبة .. ليتسلل الى الى المدرسة خلسة وكأنه يسير في طريق للرذيلة ، متمتماً ( الهي قصّر عليّ الطريق لاني اعلم في كل خطوة سيئة) .. يطرق الباب وكأن استاذ عباس الشيطان بعينه وكان ينتظره ، اجلس ياطعمة فأني احترمك كثيراً ، كيف خطرت ببالك هذه الاستفهامات ، يرد عليه طعمة السؤال بسؤال: استاذ ما هي المخلوقات الشيطانية التي صنعها الانسان ؟ يضحك استاذ عباس بطريقة الاستخفاف والشفقة ، اسمع يا طعمة نحن في منتصف الخمسينات من القرن العشرين فهناك اختراعات انت لا تسمع بها وهي ذات منفعة .. طعمة : وماهي ؟ الاستاذ : هناك اختراع يدعى الراديو وموجود في قرى بعيدة وهو عبارة عن صندوق خشبي يصدر صوتاً تستمع فيه الى اخبار العالم ، الموسيقى، والقران. طعمة: الموسيقى؟ تقصد الغناء ؟ الاستاذ: نعم طعمة: استغفر الله هذا ما كنت اخشاه الاستاذ: هناك اختراع كثر تطورا من الراديو يسمى بجهاز التلفزيون وهو عبارة عن صورة وصوت وترى به كل الاشياء الجميلة .. انها نعمة هائلة يا طعمة .. يطبق عيناه طعمة بشدة واضعاً كلتا يداه على هامة رأسه بقوة مردداً : الهي اني نادم على مافعلت واعاهدك بأن لا افكر على الاطلاق.
#محمد_سعدون_السعداوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فانوس طعمة - قصة قصيرة
المزيد.....
-
القبض على مغني الراب التونسي سمارا بتهمة ترويج المخدرات
-
فيديو تحرش -بترجمة فورية-.. سائحة صينية توثق تعرضها للتحرش ف
...
-
خلفيات سياسية وراء اعتراضات السيخ على فيلم -الطوارئ-
-
*محمد الشرقي يشهد حفل توزيع جوائز النسخة السادسة من مسابقة ا
...
-
-كأنك يا أبو زيد ما غزيت-.. فنانون سجلوا حضورهم في دمشق وغاد
...
-
أطفالهم لا يتحدثون العربية.. سوريون عائدون من تركيا يواجهون
...
-
بين القنابل والكتب.. آثار الحرب على الطلاب اللبنانيين
-
بعد جماهير بايرن ميونخ.. هجوم جديد على الخليفي بـ-اللغة العر
...
-
دراسة: الأطفال يتعلمون اللغة في وقت أبكر مما كنا نعتقد
-
-الخرطوم-..فيلم وثائقي يرصد معاناة الحرب في السودان
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|