|
الأمم المتحدة على درب عصبة الأمم . . .
رشا عباس
الحوار المتمدن-العدد: 1654 - 2006 / 8 / 26 - 11:00
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
(إيمانويل كانط (اعذرنا، يبدو أنك كنت مخطئاً! لدى حديثها عن النشأة التّاريخية لفكرة المنظمة الدولية غالباً ما تبدأ الكتب المختصة بإرجاع الفضل في ولادة هذه الفكرة) بشكل مبعثر يميناً وشمالاً، بعضها يشيد بدور الحلف الأوروبي(1815) ومؤتمر لاهاي كأولى أشكال المنظمة الدّولية، والبعض الآخر ينسب الفكرة إلى أشخاص بعينهم كدانتي ودو بوا ومورس، وغالباً ما تغفل ذكر (العرّاب) الحقيقي لفكرة اجتماع دو العالم في هيئة منظمة واحدة، أو تورده بشكل مقتضب... وهذا الشخص هو الفيلسوف البروسي عمانؤيل كانط(1724) الذي كان من أوائل من تحدثوا عن إنشاء(جمعية عامة للشعوب) فقد جاء في كتابه(مشروع سلام دائم1795) مايلي: إن على كلّ الشعوب أن تشكّل"جمعية عامّة للشعوب" تسهر على إقامة السلام بين الأمم) كما كان رأي كانط أن العقل العملي وحده يسمح أو يمكن أن يسمح بإخراج الدول من الحالة الطبيعية التي كانت تدفعها إلى حروب لا متناهية، وبإقامة نظام دولي يمنع الحروب..وكان إنشاء مثل هذه المؤسسة كما يرى كانط غاية بعيدة، كأن ذلك هو الغاية الأخيرة للفلسفة. لكن هل كان(كانط)محقاً في تصوّره هذا؟ وهل أثبتت التنظيمات الدولية أنها على قدر المسؤولية التي أوكلت إليها؟ لو كان كانط قد جمع إلى أستاذيته الفلسفية القدرات الكشفية لنوستر أداموس واستطاع أن يرى الصورة العالمية لعصرنا هذا، حيث لم تعط الأمم المتحدة دوراً أكبر من كونها مجرّد(كومبارس) يظهر بخجل في خلفية الشاشة في الوقت الذي كان يتطلب منها أن تنفرد بالبطولة المطلقة.. إذن لربما عدل كانط عن فكرته الأممية وتأسف على الوقت والحبر الذين ضاعا في كتابه هذا، وعاد إلى بحوث الإدراك بالحواس التي كان منغمساً فيها وترك شؤون المنظمات لأهلها.. وخصوصاً إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الخلل الوظيفي في بنية الأمم المتحدة ليس سابقة تاريخية، بل إننا إذا عدنا الآن إلى الوراء قليلاً وأخذنا على سبيل المثال المنظمة الدولية السابقة للأمم المتحدة وهي الأكثر شبهاً بها من حيث الفكرة والتنظيم، منظمّة(عصبة الأمم)، للحظنا بلا صعوبة أن الأمم المتحدة الآن تدخل مرحلة شديدة الشبه بفترة الانهيار التي عصفت بالعصبة في أعوامها الأخيرة.. حين بدت أولى التباشير تلوح في الأفق في أوائل الثلاثينيات من القرن الماضي، على شكل مجموعة من الاعتداءات مارستها بعض الدول على غيرها دون أن تستطيع العصبة أن تفعل أكثر مما تفعله الأمم المتحدة في عصرنا الحالي...كالغزو الياباني لمقاطعة منشوريا والغزو الإيطالي للحبشة ثمّ تجدد الصراع الصيني-الياباني. عرف العالم بأسره أن عصبة الأمم لم تعدّ أكثر من ورقة شجر ترتجف بارتياب لدى كلّ نسمة صيفية، ترقباً لخريفٍ دولي، بدا وصوله وشيكاً أكثر مما كان أحدٌ ليظن... فكيف إذن من المفترض أن تشعر الأمم المتحدة الآن في هذا الصيف(الساخن)، الذي حوّلها إلى أضحوكة حقيقية أمام المجتمع الدولي، بعد أن فشلت منذ تأسيسها في التوصل إلى احتواء العديد من الكوارث، ولم تكن سلسلة الزلازل السياسية والعسكرية المتتالية في منطقة الشرق الأوسط وحدها سوى جزء منها
كيف تصبح محللاً سياسياً في خمسة دقائق؟؟
إضافة إلى كل ماذكر، فإن من المفارقات التاريخية الطريفة أن الأسباب التي وضعها الباحثون فيما بعد كتفسير منطقي لسقوط العصبة، يستطيع أي صحفي كسول من المنتمين لجماعة الـ(نسخ- لصق) _ وما أكثرهم _ أن يجمع معظمها لينشرها الآن كتحليل في غاية العمق والفطنة للحالة البنيوية والوظيفية لهيئة الأمم المتحدة، مع أنّه سيضطر لإجهاد نفسه قليلاً في استبدال بعض المعطيات، وهذا عملية سهلة للغاية، يسعدني أن أدلهم على مفاتيحها.. مثلاً: جاء في إحدى أسباب فشل العصبة كما يذكرها كتاب(الوسيط في المنظمات الدولية) طغيان الروح الأوروبية على سياسات العصبة وعدة نواح من نشاطاتها ، هنا نستبدل كلمة الأوروبية بالأمريكية فقط، والباقي كما هو.. اندماج دستور العصبة في نصوص معاهدة فرساي،(أي اختلطت الرغبة الأممية في السلم العالمي ببنود تسوية حربية)مما جعلها مثقلة بشؤم الحروب وآثارها.... الحرب العالمية الثانية لم تعف الأمم المتحدة حقاً من كل آثارها، ومن يؤمن بالعكس فليتأمل قليلاً في انتقاء دول الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن مستذكراً النتائج السياسية لتلك الحرب..
بعد العصبة عن مبادئ العدالة في حلولها، عيوب في نظام التصويت، ميوعة بعض نصوص العهد، فشل الدّول التي أنشأتها في تحمل مسؤوليتها،تأثر موظفيها بالعواطف الوطنية أكثر من الاعتبارات الدولية، وسعي هذه الدول بصورة مستمرّة لتسخير العصبة في خدمة أهدافها.. كلّ هذه الأسباب تورد حرفياً كما هي، وبلا أيّ تعديل..
أي أن قراءة التاريخ لا تجعل منك صحفياً عبقرياً دون جهد فحسب، بل تستطيع كذلك أن تصبح سياسياً محنكاً بل وحتى متنبئا ً مذهلاً لا يشق له غبار..
#رشا_عباس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب
...
-
حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو
...
-
بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
-
الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
-
مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو
...
-
مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق
...
-
أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية
...
-
حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
-
تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|