|
المملكة المغربية والأيام الرائعة وفواكه البحر
نعيم عبد مهلهل
الحوار المتمدن-العدد: 1653 - 2006 / 8 / 25 - 11:24
المحور:
الادب والفن
ــ 5 ــ (( مازالت هناك شعوب تعيش براءتها الناضجة ، والوجه الأصيل المغربي له هذه الصفة ، لكن تنقصه المرآة الذاتية حتى لايرى نفسه في مرايا اخرى تشوه وجهه الحقيقي ، لكن الدور الذي ينبغي أن يقوم به المغرب هو أن يحمل البراءة الانسانية وهي له ))
غييرمو كارلوس / متصوف اسباني
أدركت في هذا الكلام لكارلوس ، وهو جوال متصوف من بقايا زمر التوربادو الشعرية الأسبانية الذين كانوا يتسلقون بأحلامهم سماء ما بقي من أثر عربي في الروح الأندلسية التي هاجرت بفعل خساراتها المتلاحقة في حروبها مع النصارى... فالمغرب مثلَ للاندلس وعربها محطة العودة الأولى وربما كانت لاغلب العائدين من منافي الوجد الذي صنعه سحر ولادة بنت المستكفي وسيف عبد الرحمن الداخل وشاعرية بن زيدون وطوق حمامة بن حزم المكان المثالي للعيش الجديد بعيدا عن نافورات قصر الحمراء واسوار طليطلة وقشتالة ، لهذا فانك أينما تذهب اليوم تشم في عطر الموسيقى المغربية روح الموشحات وصدى لدمعة زرياب وهو يرى ايوانات اللحن وقصوره تصير متاحف للسائحين في مدن الاندلس الضائعة .. لقد حافظ المغاربة بوعي وحس عال على النمط الروحي والجميل لموسيقى الاندلس عبر الاعتناء بالموشح وتاسيس معاهد الموسيقى من اجل الحفاظ على التراث الموسيقي المغربي وذائقته الاصيلة . وتكاد وانت تتأمل وجه الانسان المغربي في تعدد قسماته بين التحضر والريف والملامح الجبلية تجد نضوجا مهيمنا في رغبة الانتماء الى التراث والارث ، رغم الغزو الهائل الذي اكتسح عالمنا بفضل العولمة من خلال موسيقى الغرب والالاته الالكترونية ... يقول الاستاذ : سي محمد راجح المهري ، موسيقى يهوى الة العود واستاذ ممارس لها : ان الموسيقى الأندلسية لم تكن هجين قادم للتراث المغربي ، انما هي جزء من امتداد الاصل الاندلسي لان الذين عبروا مع طارق بن زياد الى الجانب الاخر عبروا اليها من طنجة المغربية وظلت الوشائج الروحية والاجتماعية والاقتصادية هي الاقرب بين دولة الاندلس والمغرب ، وكان للموسيقى في المغرب وجود واُسُس منذ الدولة الاندلسية وهي ليست مكتسبة بل ان الروح المغربية تعيش فيها منذ ان اسس زرياب القادم من بغداد نمطا لحنيا جميلا في ذائقة التاليف والسماع وتطوير في روح الموشح والازجال ، لتبقى حتى هذه اللحظة شاخصة وخالدة في اسماعنا والتداولات اليومية ، والدولة المغربية تعتني كثيرا بمعاهد الموسيقى والمهرجانات التي تحيي هذا النمط الساحر من الموسيقى . أذن أنا في التصور الذي ينقله سي محمد راجح المهري اخالف غييميرو كارلوس في حديثه عن المغربي ومرآته الذاتية ، لان المغربي لاتنقصه هذه المرآة ويستطيع ان يرى نفسه جيدا ، انه مواطن ، بشتى صنوف انتماءاته ، سائق طاكسي ، طبيب ، رجل درك ، محامي ، شاعر ، طالب ، عامل في مطعم ، اي كان يمتلك وعيا ثابتا ازاء ما يتركه لنا التراث ، لهذا فاغلب سواق الطاكسيات مثلا يضعون اشرطة تحمل اغاني من ذلك النمط الساحر من موشحات الامس وازجاله . ولقد أراني الاستاذ علي بودرار من اهالي طنجة ولدية مكتبة كبيرة من نوادر الكتب والانتيك ، أراني من ضمن مقتنياته كتب نادرة عن التأليف الموسيقي وخاصة فيما يخص الوشح وهي عبارة على مؤلفات ونوطات موسيقية يعود تاريخها الى اعوام بعيدة . لهذا تبقى الموسيقى بالنسبة لقاصد المكان واحدة من أجمل جغرافيات التعريف حتى عندما تكون هذه الجغرافية روحية وليس لها علاقة بجغرافية بغلة بن بطوطة التي حركت ساقيها مبتدات من طنجة لتدور العالم كما قطار هائل من السفر ولتصف امصارا وسلاطيناً وشعوبا ثم ينتهي المقام بالرجل الاسطوري محمد بن عبد الله اللواتي الطنجي ليموت في فاس عاصمة الادب والثقافة والسلاطين الحق . ليس الموشح فقط من يمثل اصالة النغم في بلد شاسع ومتنوع في كل شيء كالمغرب ، هناك صدى مزمامير ودفوف الموسيقى الشعبية القادمة من عمق الريف او قمم جبال اطلس لتشكل في قيمتها الفطرية والوجدانية جزءا من النقاء الذاتي الذي يمتلكه المغربي ، ولتصبح هذه الفرق بتعدد مسمياتها جزءاً من هوية المدن او القرى ولها عمداء معروفين لدى البسطاء ومكانتهم عالية . والموسيقى الشعبية المغربية هي النتاج الانساني للذائقة الخاصة التي تعبر عن مدرك مايريده الانسان من حياته وتخلصا من اعباء نهار شاق في الحقل او في المدبغة أو أي حرفة ما ، لهذا فهي موسيقى ليلية في اكثر طقوسها وتقام على حلقات ضوء نار مشتعلة لتوحد في وهج الضوء ذاكرة الاستمتاع وليصل المغربي الى رغبة التعشق في استحضار ارواح من يودهم من الاجداد والاسلاف . وغير ذلك فانا رايت المغاربة وهذا دليل على التصاقهم العروبي بالمكان الممتد كما في قصيدة مدرسية تسمى ( بلاد العرب أوطاني ...من الشام لتطوان ) يحفظون جميع الاغاني العربية حديثها وقديمها ، فمثلا نادرا ما تجد مثقف مغربي او متعلم لايضع السيدة ام كلثوم في اوليات ذائقة السماع ، وفي عهد المغفور له الملك الحسن الثاني كان اساطين الغناء العربي يقيمون في المغرب حفلات لازال صدى عذوبة شرقيتها باق في اسماع اجيال لاتحصى من المغاربة مثل حفلات السيدة ام كلثوم وعبد الحليم حافظ ونجاة الصغيرة وغيرهم .وغير الغناء المصري هم يتمتعون بقدرات حفظ لكل هواجس الموسيقى والغناء العربي الاخر كالعراقي ممثلا بكاظم الساهر وناظم الغزالي واللبناني ممثلا بالسيدة فيروز ووديع الصافي والسوري والخليجي وغيره . وربما البرنامج الشهير (استوديو دوجيم) الذي تقدمه القناة المغربية الثانية وما يحويه من اصوات غنائية شابة مغربية وهي تؤدي بعذوبة مختلف اطوار الغناء العربي لدليل على ان الغناء والموسيقى جزء من موحدات العقل والذوق والجسد العربي . لهذا رايت في المغرب ، ما استطيع ان ادرك منه ، إن الموسيقى بشتى مذاهبها جزء مهم من ثقافة البلد ومكانته الحضارية .
#نعيم_عبد_مهلهل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المملكة المغربية ..الأيام الرائعة وفواكه البحر 4
-
المغرب..الأيام الرائعة وفواكه البحر
-
المغرب .. الأيام الرائعة وفواكه البحر
-
المغرب ...الأيام الرائعة وفواكه البحر
-
ابكي عسلاً
-
المعيديات يكتبن على ساحل الاطلسي قصائدهن السريالية
-
بحرٌ في طنجة ..نهرٌ في عينيك
-
لا أحاور إلا نفسي
-
قصائد لوطن نتمناه
-
أبي في متحف اللوفر
-
الوزُ الخريفيُ والأكورديُون المندائيُ وأقراطُ القمرْ
-
التخيل لن يُعيد مانفقدهُ
-
أحمرُ شفاهْ .. أنوثةٌ وشهوةٌ وتروتسكي
-
خدك أمم متحدة ..وجفنكِ مشكلة !
-
والكهرباء مفقودة ... عريانة وتتمنى أوربا
-
المندائيونَ .. قلقٌ وأزلٌ رافدينيٌ عَريقْ
-
سقراط وغبار أجفانكِ
-
وزارة التربية..وحلم مدرسة في قضاء الجبايش
-
موسم الهجرة إلى الموت
-
حفلة تخرج تركية..حفلة تخرج عراقية
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|