عبد المجيد إسماعيل الشهاوي
الحوار المتمدن-العدد: 7067 - 2021 / 11 / 4 - 14:16
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
أقف ومن حولي الشواهد تزينها مربعات صغيرة من الرخام الأبيض الناعم محفور عليها أسماء مطلية بالأسود. هذه الأسماء أعرفها، بل أعرفها جيداً، عشت وسطها ومعها سنين طويلة. تستيقظ داخل رأسي فجأة لحماً ودماً، واسترجع مواقفنا وأحاديثنا معاً. أجدني مدفوعاً دفعاً قوياً إلى ترديد الكلمات والآيات المألوفة لعلها، كما أتمني، أن توفي نفعاً، أي نفع، لهؤلاء الذين كنت ولا أزال أعرفهم وأحبهم.
هنا أبي يرقد، يحول بيني وبينه جدار مصمت. صوته العذب يصدح في أذني، ورائحته الطيبة تملء مسامي. أحس ملمسه وأتدثر به كأني بين أحضانه لا أزال. لكني أقف في العراء وحيداً، حزيناً، عيناي شاخصتان وذراعاي خاويتان، أتطلع إليه ولا أجده سوى في مخيلتي ووجداني. ما هذا العذاب؟
عذاب الوعي، في داخل الرأس لا يمس الجسد بسوء. لكنه موجع، أشد وجعاً بكثير جداً من عذاب البدن. هذا الأخير مهما ساء يمكن مداواته، لكن أين ستجد دواء النفس المعذبة؟ لا دواء لآلام الفراق المبرحة سوى بالالتئام ثانية ولم الشمل من جديد. لكن هيهات، كيف يلتقي الحي بالميت؟!
نحن أحياء نعيش على الأكثر عدة عقود من الزمن وسط أموات يعيشون فينا منذ مئات آلاف السنين. كم هم الكثر حقاً، الأموات! أو نحن نقطة حياة متناهية الصغر وسط محيط شائع من الأموات. أو نحن، في تعبير آخر، وعي عمره آلاف السنين يسكن جسداً لا يتعدى عمره مئة سنة على الأكثر. كيف، إذن، لهذا الجسد الضئيل أن يستوعب وعي البشرية والكون كلهما؟! عذاب، وأي عذاب؟!
ولماذا نحن؟ لماذا نحن الذين نستوعب ونتذكر، نعي ونبكي ونتعذب نفسياً من دون سائر المخلوقات؟ وهل الوعي بحد ذاته نعمة أم نقمة، أم كليهما معاً؟ وهل لو كنا عدمناه منذ البداية كنا لا نزال سنشيد قبوراً نواري فيها رفات أحبائنا ونقف أمامهم نتذكرهم وندعيهم ونبكيهم من وقت لآخر؟
#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟