أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الحسان عشاق - قاتل اخر الليل















المزيد.....



قاتل اخر الليل


الحسان عشاق
روائي وكاتب صحفي


الحوار المتمدن-العدد: 7066 - 2021 / 11 / 3 - 22:06
المحور: الادب والفن
    


الاحمر القاني على الجدران والافرشة والسرير ، متخثر على الارضية المبلطة بالفسيفساء الزاهية ، في الممرات المؤدية الى الغرف قطرات مختلفة الاحجام، رائحة كريهة تنبعث من غرفة النوم الموصد بابها باحكام ، رائحة تخنق الانفاس اكثر فتكا تتسرب من الفتحات ، انفتح الباب وهجمت سحابة مغثية على المحقق بوليستي وزملائه الذين تراجعوا الى الخلف ، قوة خفية صدتهم عن التقدم لاجراء المسح الشامل لمسرح الجريمة الذي تحول الى خلية نحل، سرت القشعريرة في الابدان ، اغلق منخريه وكح بقوة ، بعضهم استبدت به حالة التقيؤ وادمعت عيناه، الفيلا الفسيحة المؤثثة بالاثاث الفاخر ينم عن ذوق رفيع مزكومة برائحة الموت، محقق يقطف من اضمامة الصور البشعة براعم الهلع، من دفتر مبلل بعرق الاستنتاج يبني صورة مضببة للفاعل ، واسئلة مزخرفة بممرات الوصول إلى الحقيقة ، الرائحة لاتطاق وخز كالأبر ينغرز في المسام ، غمرت بلا استئذان جميع الغرف، تسللت الى الخارج ، خمشت انوف الجماهير الغفيرة وتلاشت بين الضجيج ، الحضور يستنشق نصيبه من القذارة، السيارات الموشومة لفتت الانتباه، على طول الرصيف عشرات الرؤوس المشرئبة، حركة المرور تختنق وقت الذروة، طابور من السيارات تنتظر الانطلاق الى الوجهات المختلفة ، الابواق ترتفع تزمجر هدوء الشارع، اشارات المرور معطلة مخضبة بالأحمر على الدوام، الشرطي يبدل اقصى جهوده لتحرير الطريق، يربث على الغضب المتفجر في السحنات، يقدم الاعتذار مغلفا على هوامش الابتسامة ، الناس اصبحت اكثر تذمرا وسخطا، ينفعلون لاتفه الاسباب، في الصدور عويل من نبضات القلق، القلق ينبث تحت اثداء الوطن ويتعاظم، الصبر في إجازة مفتوحة مند عقود، ابتسم طفل من خلف زجاج النافذة ، تغريدة عصفور بريئ في وجه الكابة وعصارة النفاق ، شابة تجر كلبا ذي فروة ناصعة البياض مشدود الى رسن، تنورتها ترتفع في الهواء، قميصها الازرق الشفاف يذوب في الجسد، فوق نهديها المندلقة تتمايل إستعارات الاشتهاء ، توقد نارا وبراكينا من العشق في الحوباء، صورة تحوي الحياة ، التوت بعض الرؤوس حين نبح الكلب، الجموع ترفع الى السماء أنخاب البسملة واللطيف، الشمس في كبد السماء ترسل الاشعة الصيفية الحارقة، لا شيء يحمل إلى عالم الدهشة والخوف والقرف اكثر من جرائم القتل الوحشية ، والموت مكتوب على بني البشر مند الولادة في الصحيفة الالاهية.

الحي الراقي تحت اعين الكاميرات والمصورين، يلتقطون لهاث المهرولين إلى صلاة الجنازة ، كم سؤال تبخر بين الجماجم المحتشدة ، بائع مواد التنظيف يرفع عقيرته بالصياح ، يستفز صوته الخشن صاحب البدلة الكاكي، يلوح باشارة ان يبتعد، سحب اللجام بقوة وادار الدابة الى الجهة الاخرى وغاص في زقاق جانبي ، الاسئلة العميقة تلعلع تمطرق الادمغة الحالمة بتسويد البياضات، مراسل ضخم الجثة يمضغ الاجوبة المعقوفة الاهداب باحثا بين الجموع عن شاهد يفك السر عن عيني اللغز، ليزخرف بحروف مخصية مقالة مهلهلة ، لينتصب متوجا مع نقرات الاعجاب ، آلات التسجيل تطارد الاحاديث العابرة لاقامة ولائم النهش فوق اجساد الابرياء، الجرائد الالكترونية تتغدى على الفضائح والجرائم، عداد القراءات لا يستقيم بالمعرفة والفكر والتنوير، المنابر الاعلامية الناجحة التي تعرف اكثر المشاهدات من تعزف على اوتار الميوعة والوضاعة والخسة والوقاحة، النجاح الاعلامي يقاس بالحديث عن الاغتصاب وعرض المؤخرات والخيانات الزوجية وحجم القضيب والرعشة الكبرى، الوطن العربي مهووس بقصص التحرش والافتضاض والاختطاف، مهووس بنكاح المحرمات والعري والشذود الجنسي والشعوذة والخرافة.
جماجم عطشى تلتقط التفاصيل من بعض الجيران الذين هالهم الخبر الصاعقة، نساء مرعوبات، يرتجفن مندهشات،جيوش من الحزن والاسى ينطحن في الافئدة، القتل العمد يولد الاحساس بالخوف، تمتم عجوز بذعر ضاربا كفا بكف( من قتل نفسا بغير نفس او فساد في الارض كانما قتل الناس جميعا) صدق الله العظيم، لا احد بمعزل عن مصير مماثل، البلاد مسورة بالمدمنين والمنحرفين محفورة بالعنف ، تتدلى المخاطر من الاسوار والاسطح والنوافذ المفتوحة ، في الازقة والشوارع والزوايا المقفرة، في المكاتب المغلقة في بيوت العبادة وفي المقاهي ، العالم السفلي يفرز نثانته ويتبول اسرار الليل المروعة ، الكاميرات تحنط الكبيرة والصغيرة ، جموع يحتشد في فضاءات الفرجة، الكل يحمل في راسه تكهنات، يحلل، يستنبط، يشرح، يضع احتمالات واسقاطات عن اسباب الجريمة الفظيعة ، هناك من ذهبوا بعيدا واعتبروا الزوج مستهتر وغير محترس، الافعال المريبة تجلب الدمار ورحلة على جناح السلامة الى ما لاتحمد عقباه، الكل محقق جنائي بدون شواهد علمية، يفهم في جمع المعطيات ، اخبار متفرقة هنا وهناك ، حارس السيارات يحكي عن النزوات الطائشة لصاحب الفيلا، ‎يسرد جزءا من رحلته المقتضبة في الحياة، الشاب الوسيم المفتول العضلات دائما انيق يركب سيارات فارهة ، كريم مع حراس السيارات ، كل يوم يظهر برفقة فتاة ، اغلبهن في عمر الزهور، يستغل غياب الزوجة ويستقدم العاهرات من الحانات و النوادي الليلية ، اقلام تدون كل كبيرة وصغيرة ،لاول مرة يشعر انه مهم ويمكن ان يفيد، حين مر بالقرب منه شرطي بزي رسمي التزم الصمت ، الخوف لجم اللسان والعقل، انسحب بعيدا وجلس تحت شجرة كاليبتوس وراح يراقب الحشود تزداد صخبا وضجيجا، طاردته الاسئلة العميقة لكنه ابتلع اللسان بالمرة ، خاف ان تطاله لعنة التحقيقات ٠--------

- لقد ذبحا مثل الاكباش
- هذا مريض نفسي او مجنون
- او منتقم صفى حساباته مع كليهما و الاسباب يعلمها الله

استنجد اغلب الامنيين بالكمامات وبالالبسة البيضاء الخاصة، الرائحة الكريهة لا تطاق، القلق يضيف علامات الحيرة على الوجوه ، حين تستنبط الكثير من الإشارات، فلا شك تتمتع بهبة إلهية وموهبة وخبرة عميقة في كشف الالغاز، يوجه جميع الحواس في بوتقة الكشف عن الفاعل والدوافع ، فلكل جريمة دافع واسرار مخفية، تنعجن كل الاجوبة السطحية في العروق ، يغوص في تفاصيل غير مرئية، تنافس خفي بين المحققين للقبض على جمرة حل اللغز في اسرع وقت، تحدي صامت في انتظار من سيرفع الأنخاب في مقلة الهزيمة ، الضغوطات من جهات عدة ستكثر بعد ساعات ، سحب من الجيب قفازا ابيضا ، فتحت النوافذ لتهوية المكان ، محقق اخر سحب فرشاة صغيرة ورماد اسود، راح يرش على المائدة وقفل الباب، مرر الفرشاة بليونة ، لم يسلم كوب الماء من التمحيص ، بصمة وحيدة للجاني كفيلة بجره الى المقصلة٠--------
الجثت في ثوب ادم ، مربوطة فوق السرير الناعم و الوثير، شريط لاصق يكمم الافواه، العنف شيطان رجيم يعري شاطئ الصرخات، ورعاية الرحمان بعيدة من أدعية المدحرجين إلى الموت المحقق ، التقطت عشرات الصور من زوايا مختلفة، مادة خام ستراجع حين تنغلق الطرق ويصعب الاهتداء الى الجاني، اذاة الجريمة ترتاح قرب الباب، شاهدة على فظاعة الجرم، سكين من الحجم الكبير تحمل اثار غزوة الدماء ، فكر بصوت مسموع ان كانت تركت السكين عنوة هناك ام نسيت في لحظة انتشاء بالنصر، شرايين الايدي اليسرى مقطوعة، عنق المرأة مجزوز من اليمين الى اليسار، القصبة الهوائية منزوعة، تطل من العنق اشبه بانبوب صنبور، البطن مبقور بوحشية، الامعاء تتدلى من فتحة كبيرة ، انتزعت حلمتا النهود ، العيون جاحظىة ما تزال تحدق في السقف المزخرف بدهانات مائية، انتظرت ملاك الرحمة راكبا جندول النجدة لكنه اخلف الميعاد والتوقيت ، النظرات المنغرسة في السقف تنزف رعبا ، شهادة على صيحات مدوية هزت الاشلاء وانتهت بالغرغرات والصمت الابدي ، الخلايا اصيبت بالوهن بحثتت عن طعنة الخلاص، اصابع الكفين مقوسة كانما تمسك بكرة غير مرئية، بقع الاحمر القاني فوق السرير اشبه بقطع الكبد، ظلا ينزفان لوقت اطول بدون حراك يراقبان ملك الموت يقبض روحيهما ، شمسهما تافل تحت سكاكين الحصاد المبكر، لجمتهما المفاجاة الليلية على حواجز التفتيش، الوحش يتفنن في افعاله مسلوب الارادة بين أدغال التشريح ، لا أحد يبعده عن نزوة الاذية ، السنابل سافرت الى مواطن الظلام ، الغطاء الابيض الذي دثر الجسدين المتلاحمين قبل الفعل يحمل ثقوبا ، الطعنات القوية سددت للصدر جهة القلب والعنق، سافرا مكرهين في أقاصي السكون والاذعان اثناء النوم، رشاش السائل الاحمر المتخثر موشوم في الحائطين على اليسار واليمين اشبه بالاخاديد يتدلى نازلا الى الارض ، نزع فريق المحققين الاشرطة اللاصقة عن الفم واليدين ، تحررت الجثتان اللتين تفصل بينهما وسادات على طول السرير، اراد لهما سفرا احاديا الى الضفة الاخرى ، ثمة بقايا رماد سيجارة فوق الارض ، لكن لا اثر لعقب السيجارة ، خمن بوليستي ان القاتل قضى وقتا يستلذ بالمشهد المروع يدخن سيجارة على رجع الانين والصراخ المكتوم والحشرجات، خمد النبض الثائر على الصمت ، الصمت يهزم أفيون الصوت، رش على القتلى كمشة انحناءات وخلع عن المخيلة ايات التبجيل، حين التقت العيون كتبت بلغة الحيرة تعويذة من افعال الشياطين، ثمة اشياء لا تفسر لا بالصوت ولا بالصورة ، ادخلت الجثت في اكياس سوداء شبيهة باكياس القمامة، بئس النهاية وبئس المصير ، حملت على نقالة وابتلعتها سيارة اسعاف في اتجاه مصلحة الطب الشرعي .
طافت في الراس تفاصيل حجرة النوم، ما وقع بشع يفوق الخيال، جثة الرجل تعرضت للتقطيع والتشويه، عشرات الطعنات في مختلف مناطق الجسد، الجسد المسجي اشبه بالغربال من كثرة الثقوب، ظل المحقق يحصي عدد الطعنات، سبعة، تسعة، اثنتي عشرة... خمسة عشرة، تسعة عشرة، اربعة وعشرون٠... ثلاثون.... عيون مرعوبة مشدودة الى صورة طفلين في اطار مذهب ، لا يريد ان تشهق أنفاسه الاخيرة قبل نظرة وداع، ويغرد مع ملائكة الليل تغريدة السفر البعيد في الذبحة النهائية، تحت الاظافر بقايا جلد بشري ، حمل المحقق كيسا صغيرا ومقبضا ، يبدو ان الرجل رغم الطعنات قاوم القاتل، خمش الوجه او اليد، ارتدى في لحظة اقتحام الحديد للاشلاء دفاعا من بريق افل، الجسد المثقوب شانه التقطير تخور قواه ويستسلم لقوى الشر والمندسين في طرقات الأقدار ، وحيدا يخفق قلبه بين اللكمات والخنق والضغط، تدمع عينا آهاته ويذهب في غيبوبة٠-

- سنحتاج الى جمع عشرات الادلة لفك لغز الجريمة
- الادلة شحيحة هذا سيصعب المهمة البحثية
- على المفتشين استنفار المخبرين واعتقال المشردين والمنحرفين والسكاري وبدون ماوى
- بدانا العملية مند اخطار النيابة العامة
- جيد

سحب قطع الجلد من تحت الاظافر المدماة ، تفرس في صورة الطفلين والمرأة التي تحتضنهما لا تشبه الشابة الميتة ، اخرج من جيب السروال المطوي فوق الكرسي بعناية حافظة نقود ، في جانب اخر من السرير حقيبة نسائية ملقاة على كنبة رمادية ، سروال جينز ازرق وقميص وردي، عرفت هوية الضحيتين ، لا اثار للكسر في الابواب و لا سرقات محتويات الفيلا ، الحقيبة النسائية مليئة بالاوراق النقدية، القتيلين لازالا في ريعان الشباب، الشابة في عقدها الثاني او اقل ، لن ترقص بعد اليوم قصيدة الاستدراج والعشق العابر للوقت ، وضع الجثتين العارية يحمل رسائل مطلسمة ، أعشاش التناسل منزوعة ، الجثتتين بدات تكسوها زرقة وانتفاخ ، الروائح الكريهة بداية التحلل والتعفن من شدة الحر، ثمة ذبابات تتسلل عبر النوافذ، الطنين يكسر الصمت الجنائزي والنثانة تمرغ الهواء، لا حقيقة تقفز من شعاب الطعنات، مشط مسرح الجريمة تمشيطا دقيقا بحثا عن ادلة، بصمات الفاعل او الفاعلين ، خصلات شعر تساقطت اثناء تنفيذ الجريمة، اثار اقدام على الارضية، جمع الاشرطة اللاصقة في كيس بحثا عن بصمة شاردة منسية في لحظة سهو ، لاستخراج الحمض النووي، توقيت ارتكاب الجريمة المزدوجة لربما يكون مند اسبوع، الطب الشرعي وحده الكفيل باعطاء توقيت دقيق، ارتكبت الجريمة البشعة يوم الثلاثاء ليلا خمن المحقق بوليستي، غياب الضحية عن العمل يوم الاثنين دفع الزملاء الى مهاتفته عشرات المرات، الهاتف يرن ولكن ولا مجيب ، اعتقدوا انه يعاني من وعكة صحية او اصيب بوباء كرونا ، في خامس يوم من الغياب تم الاتصال بالزوجة ، عرفوا انها مسافرة الى مدينة اخرى لزيارة الوالدين، جاء اخو الزوجة طرق الباب بعنف يوقظ الموتى من القبور ، ضغط على زر الجرس ، لا مجيب ولا حركة ، لا خطوات تنتشله من خميلة الصمت،اطلت عليه بعض الخادمات، احداهن طاعنه في السن اخبرته ان صاحب المنزل لم يظهر مند مدة ، وان سيارته ذات الدفع الرباعي ظلت رابضة بدون حراك،انهالت على المخيلة ذبذبات القرف والحيرة، احتار في الامر تدافعت في الراس شكوك كثيرة ، ليس من عادة يوسف مدير شركة تامين الاختفاء والتغيب عن العمل، هاتف رجال الشرطة في حدود الساعة الحادية عشرة صباحا ، طاف احد المخبرين على الفيلا بحثا عن منفذ ، تقدم لحام محترف ادخل وتدا حديديا في قفل الباب، ضربات متلاحقة انخلع القفل ، انفتح الباب على مصراعيه ، غابات اسئلة وسفوح عالية من الغموض تتكدس فوق الجثتت ، من اين دخل القاتل ، ما علاقته بالقتيلين، هل هناك معرفة سابقة اوعداوة، هل نسي اغلاق الباب الخارجي وتسلل مترشد او مدمن مخدرات ، قد يكون القاتل استعمل مفتاحا معدلا او دخل من نافذة واعاد غلقها بعد تنفيذ الجريمة، طرق المحقق عدة منازل بحثا عن دليل ، سماع صراخ ، حركات مريبة ، طرقات في جوف الليل، محرك سيارة انطلق، نباح كلب في الدور المجاورة ، حضور غرباء في الشارع في اوقات معينة ، في الخارج حشود غفيرة من الجيران والعابرين الذين شدت انظارهم عدد سيارات الامن والشريط الاصفر المشير الى وقوع جريمة ويمنع الاقتراب، لا وقت للطمانينة ليفرد الناس أجنحة الهدوء والامن، في المطبخ وجد بقايا طعام فوق المائدة ، الثلاجة مفتوحة الابواب، زجاجات خمر من النوع الجيد استهلك نصفها تقريبا تركت على المائدة ، زجاجة نبيذ فارغة مكسورة في سلة المهملات، جميع الحجرات مرتبة، لا شيئ مهشم او ملقي على الارض، يقف على دقات التفكير ، يستعيد الادلة والاستنتاجات المهزومة، القاتل شديد الاحتراس عابر في تجاعيد الانزواء والتخفي٠--------
جلس فوق الكرسي محاط باكوام من الملفات ، قضايا الاغتصاب والسرقة والقتل، المكتب كئيب كراسي مهترئة وحاسوب من الجيل الاول، الطابعة فارغة من المداد، بحث في القماطر عن صحيفة مداد بدون فائدة،كل صباح يستنشق وجوها مسربلة بالشر،وجوه لم تشبه شيئا ، لكنها تشبه الخارجين من المسلخ،خلف العيون الجاحظة والنظرات الحادة تنمو الجريمة متمترسة،يقيم بوليتسي حفلا للقصف، الجريمة المزدوجة تضغط على فريق المحققين، ولا خيط يقود الى حل اللغز، من شملتهم حملات التمشيط من السكارى والمنحرفين وذوي السوابق لا علم لهم بالجريمة ، زوجة الضحية اثبتت التحريات انها تتواجد بمدينة تبعد بمائتي كلم، الدوامة تشحذ أظافرها، والحيرة تغزل صليل التيهان، تمتزج الحسرة بالدم المتخثر في الاجوبة الخسيفة ، الادلة فارغة من حشوة الحقيقة ،حفنة رماد في قبضة تبكي شح المعلومات، فظاعة الأمس تغوص في أوج الايام القاتمة، يقلب الملفات بحثا عن جريمة مشابهة، متكئ على ومضة الصدف، وصاحب الشان يرغي ويزبد ، النواح مصبوغ بالنوبات والتهديد ، وكلام موشوم برائحة الغمز واللمز ، الضغط يولد الانفجار ، الصحافة تشن حملة مسعورة على رجالات الامن، مقالات تندد وتستنكر وتتهم الجهاز بالفاشل وعديم الفائدة، عائلة الضحية تطالب بالعدالة ، الكل يردد في طابور منسق ان الادارة تنقصها الكفاءة والخبرة والتجربة لفك شيفرة جرائم قوية٫--------

- اعتقلنا عشرات المدمنين والمشتبه فيهم حققنا معهم بدون نتيجة
- ضرورة تكثيف الجهود لا نريد ان نصبح اضحوكة
- حاضر سيدي
- عليكم بالنوادي الليلية والحانات٠-- الخمرة تفك عقد الالسن
- حاضر سيدي

الشابة القتيلة متزوجة وفي خلاف دائم مع الزوج،اشتغلت في صالون للحلاقة، وجدبت لميدان الدعارة بسبب الفقر والحاجة، اربعة ايام في المخفر خضع للتحقيقات المكثفة، القي عليه القبض داخل حانة خارج المدينة، وحيدا يراقب ضجيج السكون وخواء التقارير ، تمتزج الصور البشعة والمقرفة مع دخان السيجارة، الجمجمة فجوة ملأى بالتاوهات والصراخ، في دوامة يدور حفر بحزم في الارشيف ليل نهار بحثا عن دليل يقود الى الوحش الحر الطليق،يركض على سفوح الاذى،في الظلام الكثيف يستقصي ليوقع الضحايا٠
تمضي الايام رتيبة محملة بالتوبيخ والتقريع الممل، لا جديد تحت الشمس ، تدخل الجريمة المزدوجة جب النسيان، بوليستي انهزم انهزاما كليا، على أبواب المكاتب تاتي الضحكات بغير حساب، شعار الرجل الفاشل في المكان المناسب يطارده صباح مساء، رجل الامن لايمكن ان يكون الاها يتواجد في كل مكان ولديه قدرة سحرية عجيبة على سحب القتلة من وسط الجموع، لا سلطة له على اقتحام وتفتيش ادمغة المنحرفين ،يحنط القدر العبثي المخيلة ويجره الى بحر الضياع الواسع، يقف وحيدا منكسرا في وسط الطريق، الشك يتسلل الى الجسد، عشرات المنحرفين خضعوا للتحقيقات والتعنيف والسحل والضرب المبرح بلا فائدة ، تلوح في الفضاء كل ملامح استحالة الوصول الى الذئب المفترس، اكوام من المحاضر غربلت بحثا عن معلومة شاردة اشارة شاحبة، لم يبق سوى الغوص تحت الارض لايجاد النعجة الضالة ، في الطريق الى المنزل تلقى مكالمة هاتفية تدعوه للعودة فورا للادارة.

- وقعت جريمة اخرى مشابهة
- اين ٠-؟
- في نفس الحي
- الضحايا
- ثلاث طالبات في كلية الاداب

طوقت الفيلا بالحواجز الحديدية ، اغلقت المنافذ المؤدية الى الشارع، مناجل الحصاد تقطع رؤوس العوسج ، الف متر تقريبا بين مسرح الجريمة الاولى والثانية ، ارتفع جدار الخوف بين الناس ، الذئب جائع متمرس في اصطياد الطرائد، وشهية مفتوحة لصنع اللحود ، السكون يغمر المنازل والشرفات ، النسائم تلهو بأَطراف الستار ، ثرثرات الخائفين تشهق بمطالب الامن والحماية ،كلمات تسقط كالجمر لتحرق الأعصاب المتورمة ، ثمة عائلات اوصدت الابواب والنوافذ وغادرت على عجل الى وجهة اخرى، القتيلات غريبات عن الحي الراقي ، صاحب الفيلا اختفى عن الانظار، جزت اعنقاهن وطعنن طعنات كثيرة، كبلت الاطراف والافواه بالاشرطة اللاصقة ، وجوههن مخضبة بخشوع الصلوات البائسة، عدسات المصورين تلتقط التفاصيل الصغيرة والكبيرة، بوليستي يرغي ويزبد يسب ،يلعن، العمل القذر الذي يقتات منه، الضغط يزداد ويتغلغل الفشل داخل رائحة التعاليق، محققون عاجزون عن اعتقال مصاص الدماء، امنيون لا يصلحون سوى لسحل الابرياء وجلدهم في الشارع العام، جهاز يستهلك ولا ينتج، تلاحقه اصوات الغمز والطعن من الخلف، تشنف اسماعه عبارات التقريع والتجريح، ترسم في النهار ربقة المشانق،يغوص تحت نفسه من الخجل، تتمزق القناعات والفرضيات في حدود الفشل ، عشرات المحققين يسابقون الزمن للعثور على تاجر الذهب، السيارة السوداء ذات الدفع الرباعي لم يظهر لها اثر، مسرح الجريمة لم يكشف عن ادلة تساعد في الاهتداء الى القاتل الذي خرج من العدم واصبح اشهر من نار على علم، بولستي طائر اعمى في مهب رياح البحر، الحيرة متراس منتصب يلعلع في عرس السراب، جميع التخمينات تولد كسيحة، والقتلى هربوا جميعا من الاقفاص الذهبية، وحده يسارع الزمن لاكتشاف الحقيقة، كبر بقلب طفل يطارد في الحقول الفراشات، واصبح يطارد القتلة والمجرمين والمدمنين وتجار المخدرات، يحاول تهجي الدروب والاسماء وتقاسم السعادة مع الاخرين، الأموات يحملون الأحياء اكبر من طاقاتهم، مات فيه بعد سنين المحقق المهووس الشغوف بحل القضايا المستعصية، الادارة تكافؤ الفاشلين والممتملقين والمنبطحين ، لكي ترتقي عليك ان تكون فاشلا ، لا جدوى من الاجتهاد وسط الفاسدين، ان تكون افضل الناس فانت بالضرورة مدان، لان الانسانية والاخلاص لا يتماشيان مع منطق الزمن الكسيح، وما اصعب لقمة العيش في الوطن المكنوب، الدوران في الحلقات المفرغة رياضة يومية، الضغط القوي يتكاثر على شعبة مكافحة الجريمة، بوليستي في مفرمة المسؤولين الكبار، الاقالة من المنصب سيف ديموقليس مسلط على الاعناق، غالبا ستقطف رقاب الصغار وينجو الكبار، استعاد في المقهى تفاصيل الجريمة الثانية، نفس الاسلوب ونفس التفاصيل ، التوقيع بدون شك لنفس القاتل، تساءل عن القاسم المشترك بين القتلى، اربعة نسوة ورجل واحد، والخامس مدون في سجلات الغياب ، تذكر افادات عامل المرقص الليلي ( الوردة السوداء)حين عرضت عليه اضمامة صور القتلى، استيقظت الروح وارتفعت المعنويات ، انطلق مسرعا الى المكتب، ارتقى الادراج العشرين في لمح البصر، اعاد فتح المحاضر والتهم شهادة العامل، القتلى زبناء المرقص ، يطفو على سطح نور الشمس، يقترب من قطف ثمار الامل و حل اللغز، هل يكون القاتل زبون للمرقص وتربص بالضحايا ، هل يعرفونه حق المعرفة وتشارك معهم الليالي الملاح، تنفس الصعداء اول خيط رفيع يقود الى المبتغى، من رحم الظلام ينبلج النور،يتدفق الضوء من الثقوب كالشلالات المجنونة ، الموسيقى صاخبة وحلبة الرقص غاصة بالوجوه الفرحة والمرحة، فتيات شبه عاريات يغازلن السكارى، موائد ممتلئة بقناني الخمر، حاولت بعض المومسات المحترفات جره الى حلبة الرقص لكنه رفض ، ظل يرتشف من كوب الماء ويرمق الاجساد العارية تتداخل ، شاهد العامل يحمل الزجاجات الفارغة،اشار له باليد ان ياتي، الكرة الكبيرة المعلقة في السقف تقيئ ضوئا بالوان قوس قزح، تتلاشى المخاوف وتسقط جدران التردد، للحزن جذور فى أعماق الانسان، لكي يتحرر من الغضب والخوف المستلقي في كهوف الذاكرة يغرق في الممنوعات، الملل شيطان يسكن الاشلاء يضغط على الفراغ الداخلي،الملل من دفع الكائنات العطشى التي لا تكف عن التداخل والتلاحم وكرع الكؤوس والرقص بهستيرية ، تسقط الاقنعة والمكانة الاجتماعية، تتفتت الرواسب الإنسانية ، يشع النهم وتفقس الرغبات والشهية اللامحدودة ، الساحة غارقة في حضرة اللحم الانثوي، يتلوى، يتعرق، ينشف، تنافس خفي في الرقص والاستدراج، اجسام مممدة على الارائك، محاطة بكل انواع الخمور، يزداد العطش وتشرب المزيد من الانخاب، تلمع فى عينيه دوائر المرح و يضمحل في حلقات الدخان، تتدلى النجوم من سقف المخيلة ، يشعر بالنشوة ويتدحرج من كومة الضغط ، يطير عاليا يعانق السحاب ، نسي بعد ساعتين رائحة العفن والموت ، المرقص الليلي عالم غريب وعجيب، شتان بين بشر الليل وبشر النهار المسلوخ حتى الجلد ، تنشرح الاسارير وينطلق المحبوس في القفص، سحقا لضرب الاخماس في الاسداس ،ذاب وسط المجموعات واستجاب للدعوات،المخيلة تحنط الوجوه واحدا واحدا،يمشي الهوينى في حقول الشوك، متلفعا بالاحتراس كي لا ترصده اعين الاشتباه وينحبس البوح وينطلق النذير،كله في سبيل البحث في مفاصل القضية، اثقن دور السكران واندمج كلية مع السكارى وبنات الليل، العامل قدمه للزبناء على انه مدير شركة صيد في اعالي البحار ، يتحذر من عائلة جنوبية ثرية٠

- وجدوا جثة تاجر الذهب في الغابة
- متى ٠-
- صبيحة اليوم اشتبه احد الرياضيين في السيارة المركونة في الغابة واقترب وهاله المشهد الفظيع واتصل بالشرطة.
- ساحضر حالا

تتراكم في المخيلة صور وأشلاء القتلى، ولم تفك طلاسم الجرائم بل ازدادت تشعبا وتقعيدا، صور تصفية تاجر الذهب الملتقطة في السيارة نسخة طبق الاصل من الجرائم السابقة ، التقطت صور لاثار اقدام اتجهت الى عمق الغابة، كاميرات تحاصر عن بعد مسرح الجريمة، السيارة الرباعية الدفع تخصع لتفتيش دقيق، حملت الجثة الى سيارة الاسعاف، ولا اثر خلفه القاتل سوى شعيرات سوداء في مقعد السائق، و لا علامات لمن ازهق الروح وسفك الدماء،وحطم القلوب الفرحة والهانئة، نشر الرعب ومشى مزهوا في الجنازات، الادارة الامنية تغلي، اجتماعات مسترسلة، انشات خلية ازمة، جاء من الادارة المركزية محققون بالعشرات ببدلات وربطات العنق اخر صيحة ، احذية سوداء اكثر لمعانا ،حملت جميع المحاضر الى غرفة خاصة، مئات الصور للقتلى ومسارح الجريمة ،اعيدت قراءة شهادت الزوجات والاصدقاء والاعداء وحتى الخليلات، افادات المخبرين والمنحرفين والمتسولين وساكنوا العراء ، بوليستي يقدم خدمة الشهور السابقة مرغما ، الفشل معلق على أبواب الشفاه ، مرات عدة عانى من الام السحق لكنه لا يستسلم ، يعرف ان هؤلاء المتانقين اشبه ببئر مصابة بالجفاف، اجاب على عشرات الاسئلة بمعية فريقه الصغير، خريف عابر يلقي بالجهد فوق النار، انتكست في رمشة عين راية القيمة ، وفرت عصافير الاحلام في الترقي، والريح تحمله قهرا الى ساحل الغياب ، دنياه دارت وتدور على الجريمة والدم والموت، حتما سيتهم بعد حين بالتقصير وقلة الخبرة ، بوليستي مدان مع سبق الاصرار لانه فشل في الاهتداء الى القاتل المتسلسل، خرج من الادارة صافحه الهواء النقي واحس بالثقل ينداح من على الظهر ويتمنى من جميع الجوارح ان تفشل اللجنة في الوصول الى القاتل، ودون سابق انذار لعلعلت في الدماغ فكرة، انهم يبحثون عن قاتل ذكر لربما تكون انثى ، التكهنات لم تعد كافية لمحاصرة الوحش، فريقه والفراغ على قدم المساواة .

- انتم مجموعة فاشلين ....الشارع يسخر منا٠... تبا لكم جميعا حسابي معكم سيكون عسيرا٠..

لعنه في الخيال وتمنى له الذبح من الوريد الى الوريد، سليط اللسان ارتقى الى المنصب المهم لقربه من وزير ، من كثرة الجلوس على الكرسي استكرش من الامام و الوراء ، اكول من الدرجة الاولى، الوطن يحارب الكفاءات والاطر المتمكنة ويسيره المشعوذون والمرابون وحفدة ابي جهل، الزبونية والمحسوبية جراح اعمق ما يكون ، القيح ينخر الادارة واجهزة الدولة ، وحدهم الفقراء من يحضن الوطن ساعة النداء والتضحية ، جلس في اول مقهى في الشارع العام ، تصفح بعض مقالات في الجرائد الالكترونية كما كل يوم ، كتابات ركيكة وتحليلات مملة، مقالات تجر من حبال الضحك ، عقول فارغة حبيسة التفاهات ، فالقاتل جني مسلم يحارب الرذيلة وسماسرة الجنس ،كائن فضائي يحيى بشرب الدم البشري، ودجال يمتلك قدرات على التخفي واختيار ضحاياه بعناية ، اسلامي متشدد يتربص بالزناة والعاهرات لتطبيق شرع الله ، وذهب قراء الودع الى اعتبار الجرائم مخطط خارجي يستهدف الاستقرار بالوطن، ابتسم للاستنتاجات السخيفة التي زادت من ترويع ساكنة اصبحت اشد احتراسا ، ورغم الدوريات الامنية المكثفة ليل نهار الخوف استوطن القلوب والعقول ، الابواب تغلق مباشرة بعد غروب الشمس، اضيفت الاقفال واشتريت الكلاب المدربة وركبت الكاميرات واجهزة الانذار ، ظهر في الحي حراس الليل باجساد من فولاذ مدججين بالهراوات ، عتبات الابواب تظل مضاءة طوال الليل ، شددت الرقابة على علب الليل والفنادق، يوميا يعتقل عشرات المشبوهين، السيارات الموشومة تمزق الدروب والازقة وتخيطها بحثا عن الجاني، رجالات خلية الازمة يسابقون الزمن للقبض على الذئب قبل ان يفترس نعاجا اخرى ، لكن و لا صدى لعويل في الطرقات ، محققون يمضغون في نرفزة اجوبة قاصرة ومعيبة، اسمرت السحنات وداهمهم العياء الشديد ، استبدلت البدلات وربطات العنق والاحذية اللامعة بسراويل الجينز والقمصان والاحذية الرياضية، ولا طريق يقودهم إلى فردوس النهاية السعيدة ، لينتصبوا شامخين مع رقصة خيوط الشمس ، وفوق المحاضر المثخمة بجرائم مستعصية على الفهم ، يقتات كبيرهم على تعرجات الفشل حين اشتد صهيل المتاريس، يستدعي على عجل الى الادارة المركزية، مات الرجل القوي في سرواله على تخوم ساحة المسائلة ، ارتبك بشدة حين سكب اسمه على طاولة التقريع ، بل شفتيه برشفة من رحيق الانزلاق ، وسقط دفعة واحدة من رحم الاهمية ، اطلق بوليستي ابتسامة عريضة ونفخ في السماء زفير الارتياح ، اذا عمت هانت تقول تقاسيم الوجه.

- لقد استدعي الرئيس الى الادارة العامة
- عادي لانه فشل وفريقه المتانق في اعتقال القاتل المتسلسل
- ستكون هناك تغييرات مرتقبة
- ليس لدينا ما نخسره٠... واي مسؤول سنتعامل معه وفق استراتيجية العمل المحددة٠
- صحيح

التحق فريق اخر من المحققين حين رفع الفريق الاول راية الاستسلام ، خمسة اشهر انقرضت عن اخر جريمة، تنفس المحققون الصعداء لكنهم لم يعزفوا على حبر البحث اناشيد النصر، القاتل لازال حرا طليقا٠.
في صبيحة احد الايام تقدمت سيدة ورجل عجوز الى المخفر الامني، في الاستقبال بوليستي حين جلسا على الكراسي المهترئة بدا في سرد حكاية غريبة شدت الانتباه ودقت ناقوس الاستشعار، اطلقا زفرات الحرقة بين مخالب الكلمات، ظل المحقق فاغرا فاه، لايصدق ما تسمع اذناه، فتحا غرفة الابن في غفله عنه، استبد بهما الخوف والقشعريرة ، احسا بالعرق يهبط من الابطين ، اشرطة فيديو مرعبة لعملية قتل فتيات ورجال، عشرات الصور الفظيعة في حاسوب الابن، قصاصات من مقالات بالجرائد الورقية، انتفض المحقق من مكانه وسحب الزوجين الى الخارج، السيارة تنهب الطريق، عشرات الاسئلة تزدحم في المخيلة كركام الاحجار ، في حي شعبي ترجل الثلاثي، دفع الرجل المفتاح في القفل، صعد الادراج التسعة، في الطابق الاول دفع بولستي باب غرفة بقوة وانخلع ، رائحة الجريمة تندفع من اركان الحجرة الواسعة ، رزم من الشعر المستعار مختلف الاحجام والالوان، ادوات التجميل ،مرهمات، احمر شفاه، صباغة الاظافر، اقلام لرسم الحواجب، عطور وملابس داخلية نسائية ، فتح جهار الحاسوب ضغط على علامة شريط فيديو، سحب الهاتف واتصل بفريق المحققين، اقل من عشرة دقائق تقاطرت على المنزل جميع الوان الطيف الامني، السيارات الموشومة تحاصر الحي، جماهير غفيرة تشرئب، بسرعة البرق اصبح الخبر على كل لسان، حج المئات من المراسلين والمصورين، افرغت الحجرة عن اخرها من جميع المحتويات وختمت بالشمع الاحمر، اصدرت مذكرة بحث في حق الشاب بلبل المعروف بانحرافه الجنسي، صور القاتل المفترض في صدر الصفحات الاولى شانه التقطيع والتمزيق والتحقير ، مقالات تنبش في تاريخ الشذوذ الجنسي في الوطن، تحدث الجيران عن السيارات الفارهة التي تظهر في الحي، متيمون بعطر الغلمان والليالي الملاح، ظهرت الصور في القنوات التلفزية وفي شبكات التواصل الاجتماعي، بوليستي اصبح بطلا قوميا، ينزوي بين التبجح والغرور ، المسؤول الجديد يشيد بكفائته العالية، ينكمش الوافدون من المركز ، جباه مخضبة بالخجل، والمجرم اختفى عن الانظار ، السباق المحموم يشتد بين المحققين ، الوصول الى بلبل مطلب ملح ، اخضع الابوين لتحقيقات مطولة ، كثفت حملات التمشيط ومداهمات اوكار الدعارة ، اعتقل حراس السيارات وبضعة مروجين للخمور والممنوعات، ولا احد اجاب عن سؤال اين مكان المطلوب رقم واحد في المدينة، مصدر الازعاج والخوف ، الجميع يهفو لمغادرة الفوضى والهلع المدينة النائحة ويعم الهدوء، الجرح غائر وما زال ينزف حسرات ودموع، وموبوءة في الرؤيا المسافات والامكنة ، بشر يتحسس الاصوات ، محموم منتكس في المتاهات، الشوارع فارغة من الضجيج، والاشاعات تنتشر بسرعة البرق تخيط الافواه الحالمة، بلبل اصبح بعبعا يرعد الفرائص ويلبد المخيلات، يغرق الفريق في الحسابات واستنطاق الادلة الكثيرة ، اعاد بوليستي عرض اشرطة الفيديو، مسرح الجريمة يتحدث ويرسم الآهات ، السكين تلعب في الاجساد تستبيح الاشلاء، ينفجر الدم ، يسيل على الافرشة، تتلوى الابدان ولا صرخات الافوام مكممة بالاشرطة اللاصقة، الموسيقى الصاخبة تصدح في ارجاء الفيلا، تتكرر المشاهد الدموية في مسارح الجريمة، الشريط الثاني والثالث يظهر القاتل يتفنن في طعن الضحايا بدماء باردة، قفازات في اليد وقناع على الوجه، شاب رياضي مفتول العضلات، تجحظ العيون وتسافر النظرات المرعبة الى صقيع العدم ، تسمع دندنة خفيفة و ضجيج يخبو في ذاكرة المحو، لن يفهم الرعب سوى الذين مروا بالتجربة القاسية ، يرنو إلى الهياكل تفرغ من الدماء ، القطاف يقترب من قبض نبض الروح ، ران الخلاض على جفني الشابة والرجل وغشاهما الهدوء، يخسران المعكرة امام قوة ضاربة، تخور القوى وتخمد الاجساد ولا حركة.

- يا الاهي٠--- اي وحش هذا واي جنون
- قد يكون تحت تاثير العقاقير المهيجة
- الله اعلم بالدوافع

جميع التحريات والمعلومات تقود المحققين الى الطريق المسدود، اعين النواطير تحرس منزل بلبل ليل نهار، لا سبيل لترميم وتعقب خطوات القاتل،مضى في منعرجات البحث يصارع في الفراغات ، تردد على النادي الليلي( الوردة السوداء) العامل المخبر لم يقدم اجابات عن الاشخاص المقربين من بلبل، اقر انه شاذ جنسي وله زبائن مهمين اغلبهم من علية القوم،ينفقون عليه بغير حساب،لكنه لا يعلم ان كان فاعلا ام مفعولابه، المرقص غاص بالزباء، الضجيج يرتفع، الموسيقى تصم الاذان تتلاشى الاحاديث الثنائية ، شابة تتقيؤ امعائها بحرقة، الخمرة لعبت في راسها ، تسرع صديقاتها الى حملها الى دورة المياه لتستكمل مهرجان القيئ ، السكارى والعاهرات والشواذ متحابون ، الحواس متيقظة تنفتح كالمسامات لتشفط الثرثرات ، ترتفع في المخلية مشاهد التقطيع ويلعن من سرق معنى الوجود، سلب ارواح ابرياء لارواء عطش متكلس في الضلوع ، استعصاء في حل دوافع استباحة الدم والجراة على اقتراف الفظائع ، فعل اغرب من الحقيقة والخيال،انبرى اطباء نفسانيون يحللون القاتل الذي تعرض للإذلال والانتهاك والقمع في الطفولة ، وجود مستويات مرتفعة من المنغنيز والنحاس والحديد في الجسم يؤدي الى تغيير سلوكي، القاتل المتسلسل يبحث في الغالب الاعم عن الإثارة، بينما ذهب اخرون الى اعتباره يعاني من اضطرابات عقلية او انفصام في الشخصية ،ومن خلال المعطيات المتوفرة من الجيران والاصدقاء فقد خلص احد الاطباء ان بلبل يقتل بدافع الاستمتاع ، اراء كثيرة ومقاربات مختلفة، مطالب بوضعه في مصحة عقلية واخرى متشددة تطالب بالاعدام ، بلبل مقاولة متنقلة فتحت شهية الكتاب والصحافيين والاطباء والجمعيات الحقوقية ومناهضو الاعدام للادلاء بالدلو ٠ النقاش وجع وخراب واستعراض للعضلات، الكل ينفث اوجاعه على صخرة الكلام وينحت فراغ العبارات من زمنه القاسي الذي حشرجته نهارات الانتظار بحثا عن فرصة للظهور ، يرقات تستعير من انكسارات الاخرين اجنحة لتطير ، بلبل يخلق الضجة، يقسم المتحذلقين الى فرق ، يترك غناءه المرعب والغامض في المساءات ، صورة الوجه الطفولي الهادئ خدشته اصابع العتمة القاسية٠

تحركت عشرات السيارات الموشومة الى خارج المدينة، جسد معلق بدون حركة في شجرة كاليبتوس ، صعد رجل مطافئ في سلم ، قطع الانشوطة وتدلت الجثة ، مددت على الارض ، في جيب داخلي وجدت رسالة، بلبل افزعته المتاهة مذ حاصرته الفخاخ وطاردته اللعنات وجيوش الخوف وسماء ملبدة بالوحدة ، بدد في لحظة انهيار الافكار العابثة وزيف الكلام، اسكت من يوقدون النار في الرميم، الرسالة لم تقل الشيئ الكثير، لم تقدم اعتذارا ولا اسفا ولا ندما، بوليستي احس بالصفعة كان يراه طوال الوقت قضية تومض في الافق، جره لعدة شهور من حبال الاسئلة ، النرفزة ، السهر ، الارق، ما الحقيقة الضائعة في رسالة بلبل، لماذا يامرهم بالبحث عن الحقيقة ، امر يندلق من زهرة العقل الى شوك الهذيان ، يشعل شرارة المخاوف في الرؤوس، يكرس طقوس النكوص لا الانتصار ، يدفع الى دهشة العودة الى الملف وتمحيصه ٠
جلس امام الحاسوب في نرفزة واضحة ، شغل الاشرطة الواحد تلو الاخر، ثمة شيئ غريب لم ينتبه له ومر عليه في المرات السابقة مرور الكرام ، مرآة صوان الملابس عكست ظلال شخص اخر في الفيلا الثانية ، اعاد الشريط الى الوراء و ابطا الحركة ، ضغط على الزر وحنط الظل الذي يظهر في المرآة، كبر الصورة وقربها، اصابع ممسكة بسيجارة ، الدخان يصعد الى السقف ، تذكر قول والدي بلبل انه لا يسكر ، لا يدخن ، لا يتعاطى الممنوعات، لاحت صورة بقايا السيجارة في غرفة النوم، يا الاهي بلبل دون الحقيقة قبل الانتحار٠

انتهت يوم 3-11-2021



#الحسان_عشاق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- متناضل في المزاد الانتخابي
- بوشخرا زعيم عصابة مناعي الخير
- الجعواق واعوانه وموقعة شبكات التواصل
- فلفول والنوخو وفوفو حراس مملكة سدوم
- حفار القبور والعجائز الثلاثة
- الطاكسي 69 والديوث
- رواية ( حفيان الراس والفيلة)
- السياسي والحمار
- مول الزرواطة والبائع المتجول
- موعد مع الموت البطيئ
- مسيلمة الكذاب
- المستشار الكارطوني ومسكر الماحيا
- رواية اقطاعية القايد الدانكي
- بولحية ولد رقية
- فلفول كبير المفسدين
- كلب الحزب
- صرخات المنسي
- رواية ( الولي الطالح بوتشمعيث)
- الشكام
- مول الشفنجة


المزيد.....




- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الحسان عشاق - قاتل اخر الليل