المخطط الجهنمي : لبنان نموذجا (3)

خليل قانصوه
طبيب متقاعد
(Khalil Kansou)

الحوار المتمدن-العدد: 7065 - 2021 / 11 / 2 - 12:14
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

من البديهي أن الأهداف التي وضع "مخطط جهنمي" من اجل بلوغها في لبنان لم يعلن عنها ، وبالتالي لا مفر لنا من استقراء تجارب البلدان التي طبق فيها لعل ذلك يتيح لنا تصور بعض ما يمكن وقوعه . لا سيما أن ما يجري هو بالقطع مرتبط بشكل أو بآخر ، بالقضية الفلسطينية أي بالمشروع الغربي الإستعماري الإحتلالي الإستيطاني الدائم في شرق البحر الأبيض المتوسط وانعكاساته المباشرة على سورية و العراق بالإضافة إلى مصر .

إن مثل هدا البحث يتطلب تفاصيل لا يتسع لها المجال هنا ، لذا سأقتضب قاصرا البرهان و الدلالة على التطورات التي طرأت في العقود الأخيرة في العراق و البلدان السورية ،تحديدا تلك التي تلازمت مع انهيار الاتحاد السوفياتي ، كما لو كان استمرار مراوحة الأوضاع في مكانها في هذه البلدان ضمن حدود معينة ، مرتبطا باستمرار و مراوحة الإتحاد السوفياتي في مكانه أيضا :

ـ من المعروف ان التدخل الأميركي الأطلسي في العراق ظهر إلى الضوء فاقعا مع اشتعال الحرب العراقية الإيرانية حيث أفضى في سنة 2003 ، بعد حصار تجويعي و إبادي ، إلى احتلال البلاد واسقاط شبه الدولة وإلى محو الهوية الوطنية و إحلال الهويات الطائفية و العرقية و العشائرية مكانها . أغلب الظن ، استنادا إلى ما يفيد عنه الاعلام ، انه لم يبق في العراق مسيحيون و لا إيزيديين ولا صابئة مندائيين . بكلام آخر ، يفهم مما نشر عن العراق أنه تحول إلى مجمع معسكرات ، أي ألى ما يسمى دولة فاشلة تجثم فوق حطام مجتمع كسيح .هذه إذن ، بعض من تجليات المخطط الجهنمي في العراق .

ـ لن اطيل في موضوع سورية ، فهو ذو تفاصيل ، فاكتفي بالقول أن الأوضاع عادت و استقرت فيها بفضل الروس ، وما يزال الجيش التركي يحتل شريطا حدوديا في شمال البلاد ، بينما تنشر الولايات المتحدة قواعد لها في منطقة الجزيرة و في التنف بالقرب من ملتقى الحدود مع العراق و الأردن ، أضف ألى حضور الطيران الإسرائيلي التي يكثر من غاراته ، على الأرجح في إطار تفاهمات روسية ـ أميركية ـ اسرائيلية ، من المتوقع ان تشكل في المدى المنظور ، قاعدة لتسويات تشمل مجمل المنطقة . هنا لا بد من الإشارة أيضا إلى الضرر الكبير بحسب تقديري ، الذي لحق بالمجتمع الوطني السوري . فلا يخفى أن أنشقاقات مجتمعية حدثت ، فتجسدت بنزوح أعداد كبيرة من الناس ، و بانضمام سوريين إلى الجماعات والجيوش الأجنبية جاءت لمحاربة شبه الدولة و اسقاطها و لتقسيم البلاد في سياق سيرورة الغاية منها محو الهوية الوطنية السورية و استبدالها بهوبات عرقية و طائفية دينية .

ـ أصل في هده المقاربة إلى الحالة الفلسطينية . لا أجازف بالقول أن ما أنجز من المخطط الجهنمي ليس بالقليل . فنحن في الواقع حيال أربعة مسميات يدل كا منها على وضع الفلسطينيين ، هي فلسطينيي الشتات و الداخل و الضفة و قطاع غزة . أعتقد في هذا السياق أن التواصل بين هذه الأجزاء الأربعة ليس سهلا بل يكاد أن يكون ممنوعا و مقطوعا . تحسن الإشارة هنا إلى أن السلطات الإسرائيلية تنفي الهوية الفاسطينية عن اللاجئيين إلى الدول المجاورة و عن سكان قطاع غزة أيضا . يتميز هذا الوضع أيضا بوجود سلطتين فلسطينيتين مختلفتين جوهريا من حيث طبيعة كل منهما . سلطة في رام غير ديمقراطية معترف بها دوليا على اساس اتفاقية أوسلو الموقعة بين منظمة التحرير الفلسطينية و الدولة الإسرائيلية حيث يوفِر لها المجتمع الدولي إمكانية ممارسة إدارة ذاتية ، بالتنسيق مع سلطة المستعمرين ، من خلال جهاز حكومي مدني و آخر أمني شرطي . في المقابل هناك سلطة فلسطينية في قطاع غزة افرزتها الإنتخابات التشريعية في 2006 التي لم يقربها المجتمع الدولي . نجم عنه فصل الضفة عن القطاع الذي حوصر تحت قانون الغيتو من الجانب الإسرائيلي الذي يصفه " بالكيان غير الفلسطيني المعادي " بينما يصفه المراقبون الذين يتمكنون من زيارته " بالسجن غير المسقوف " .ينبني عليه أن التفكر في المعطيات التي تتوفر للباحث في القضية الفلسطينة بما هي قضية تحرير وطني تقوده إلى الإستنتاج بأنها لم تعد قضية مجتمع وطني موحد ، كون هذا المجتمع تفسّخ إلى أربعة أجزاء لكل منها قضيته وما يزيد الأمر تعقيدا أن التنسيق فيما بينها ممنوع!(يتبع)

#خليل_قانصوه (هاشتاغ)       Khalil_Kansou#          

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات