|
الاساءة الى - سُمعة الوطن - وصاية ارهابية
منى نوال حلمى
الحوار المتمدن-العدد: 7063 - 2021 / 10 / 31 - 09:09
المحور:
الادب والفن
الاساءة الى " سُمعة الوطن " ... وصاية ارهابية موروثة
--------------------------------------------------------------
اتهام فيلم " ريش " بالاساءة الى " سُمعة مصر " ، وصاية على الفكر الحر ، وارهاب للابداع ، ونمط عتيق للرقابة ، موروث من أزمنة العبودية ، التى من المفروض أنها انتهت . الحجة المتكررة ، المستهلكة ، وغير المنطقية ، المستخدمة لغسل المخ ، وترسيخ الوصاية ، والسيطرة الفكرية ، أن مراقبة الابداع ، " فلتر" ضرورى ، للتنقية ضد الملوثات ، وللحفاظ على الفضيلة ، والدين والعادات والتقاليد والموروثات ، والمسلمات ، وقيم الأسرة ، وسُمعة الوطن . إن كلمة " رقابة " ، أو " وصاية " ، وكل توابعها من حذف ورفض ومصادرة ومنع واتهام وإدانة، من قاموس العبودية القديم . انتهت العبودية بشكلها المباشر، التقليدى . نجد الآن ، بدلا منها ، الثقافة الطبقية الأبوية ، السائدة عالميًا، والذى أنتجت فى الأساس عصور العبودية . لكنها متطورة ومتشابكة ومعقدة ، سياسيًا، واقتصاديًا، وتنظيميًا، وثقافيًا، واعلاميا ، وتعليميا ، وتكنولوجيًا. والقارئ للتاريخ يكتشف كيف أن الطبقية، والأبوية، أى العبودية ، قد حدثتا فى الوقت نفسه ، عند اكتشاف أبوة الرجل ، أو دوره فى عملية إخصاب المرأة . فمعرفة الرجل لأبوته ، كان أمرا غير ممكن ، الا اذا فُرض على المرأة، زوج واحد . والرجل لا يقبل الإنفاق، أو توريث أملاك، لابن لا يعرف نسبه . هذه هى فكرة الزواج الأحادى للمرأة، والغاية منه. وليس له أى منطق أخلاقى. لكنه منطق " اقتصادى " بحت . وهذا يفسر لماذا عدم خلط الأنساب ، ضرورة شرسة ، غير قابلة للمسائلة ، ومحاط بأكبر هالات " التقديس ". مع نشأة العصور العبودية الأولى ، واستمرارها ، كان من الضرورى استخدام لغة ، تعبر عن هذا الوضع ، وترسخه ، وجود أسياد يملكون ، ويأمرون ، " الطرف الأعلى " ، ووجود عبيد لا يملكون ، ويطيعون " الطرف الأدنى ". نجد كلمات خاصة بالطبقة الأدنى، مثل: خضوع.. طاعة.. تكيّف.. الصبر.. الامتثال- الاستسلام.. وغيرها مما يعنى الضعف ، والاستكانة ، والدونية . وكلمات عكسية خاصة بالطبقة الأعلى مثل: سيطرة.. أوامر.. منع.. عقاب.. مصادرة.. تفتيش.. وصاية .. رقابة، وغيرها. مما يعنى القوة والدرجة العليا. العبودية البدائية انتهت . لكن جوهرها الذى يستلزم طرفا أعلى ، يأمر ، وطرفا أدنى يطيع ، مازال موجودا فى أثواب عصرية ، حديثة . اذن " الوصاية " على الابداع ، واتهامه ، ارث قديم ، تبدأ بافتراض أنها الطرف الأعلى، وأصحاب الإبداع هم الطرف الأدنى. الوصاية ، تستغل الأوتار الحساسة لدى الشعب، وهى حماية الفضيلة ، والقيم الدينية والعادات والتقاليد والمسلمات والموروثات والأسرة ، وسُمعة الوطن . لا أحد لديه الحق فى أن يحدد للناس ، ما يقرأونه ، وما يسمعونه ، وما يشاهدونه . إن الشعب ليس طفلا " قاصرا " ، وليس فى " عُهدة " أحد. والوطن وطن، وليس " مركز أحداث " ، شعاره " الوطن تهذيب وإصلاح " . وبالنسبة الى مصر ، فلا يمكن للشعب الضارب فى جذور التاريخ ، والذى ينتج ، ويحارب ، ويبنى ، ويعمر ، ويقاوم الارهاب ، أن يكون عاجزا عن التمييز . الشعب الذى هزم الاخوان المسلمين ، وخرج بالملايين ، لتحرير الوطن ، لا يُعقل أن يكون عاجزا عن تذوق الفنون . هكذا ترتقى البشرية . هكذا يصبح الابداع بكافة أشكاله ، قاطرة أساسية نحو التقدم ، والحرية . الإبداع لا يعرف قواعد، ولا يؤمن بالأشكال والمضامين المحددة. الإبداع فى جوهره " صرخة تمرد " ، ولا يقبل بأى سلطة. إن حرية الابداع ، مثل الصهيل للخيل. لكنهم يريدون خيولًا لا تصهل. لا سلطة دينية، ولا سلطة ثقافية، ولا سلطة أخلاقية، ولا سلطة نقدية، لها حُكم على الإبداع. للإبداع ، والفنون ، حرية التحليق ، والا لماذا نردد دائما ، أن مصر رائدة ، بفضل " قوتها الناعمة ". لا أدرى ، كيف يمكن لخيال ، أو رؤية فنية ، فى فيلم أو رواية، أو قصيدة، أو حلم فى لوحة تشكيلية، أن يسئ الى الدين، والأخلاق والتقاليد وسُمعة الوطن، إلا إذا كان الدين، والأخلاق، والتقاليد، وسُمعة الوطن ، ديكورًا من ورق. إن الإبداع الذى لا يصدم شيئًا، ليس إبداعًا. هو تسلية، تعيد إنتاج الواقع بأمراضه ، وعيوبه ، وتناقضاته . ليس الابداع اخفاء للقاذورات تحت السجادة ، وبئر السلم . لكنه تعريتها لتنظيف البيت وتطهيره . وليس تسترا على أعراض المرض ، بل كشفها ، لكى يتم العلاج السليم ، ويتحقق الشفاء والصحة . إن الإبداع مرآة فاضحة للتناقضات، و صوت ضد ثقافة " الستر " ، ورؤية تحتج على الواقع ، الكاذب الخادع والمخدوع ، ومواجهة لأعراض المرض . ولهذا فان إن المبدعات، والمبدعين، فى أى مجال ، هم أكثر حبًا للوطن، وللإنسانية. فهم بإبداعاتهم، يكتشفون الطريق نحو المزيد من النظافة ، والشجاعة والاتساق مع الذات . ---------------------------------------------------
#منى_نوال_حلمى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رجل فى بيتى لا أتذكره ..... سبع قصائد
-
انتقام من وراء الكواليس
-
حياتى .. السًفاح الجلاًد .. ثمالة .. وردة قلبى ........ أربع
...
-
الى - نوال - امى فى يوم ميلادها 22 أكتوبر
-
بدمى أكتب
-
ابن الريف وابنة المدينة ....... قصة قصيرة
-
اللصوص .. رؤساء التحرير .. أوراق الشجر ثلاث قصائد
-
أنعيها .... كأننى أنعى نفسى
-
الاثنين 13 أكتوبر 2008 ..... قصيدة
-
لم نلتق الا فوق سحابات المنام - قصة قصيرة
-
أنا قلبى دليلى قاللى ده أنور وجدى
-
الأمومة - المقدسة - مشروطة بانتفاخ بطن المرأة !
-
ليس ماذا نأكل ؟ ولكن الثمن الذى ندفعه لنأكل
-
الغرور والالتواء والتبرير لنساء يزعمن التنوير
-
- غاندى - زعيم ساحر عجيب من أرض السِحر والعجائب
-
لا أحب - التفكير العلمى - .. أحب - التفكير العادل -
-
دار الافتاء - ترقع - غشاء البكارة
-
ربنا يستر
-
تزوجتك أيها القلم قصائد
-
- أريد امرأة حرة - هكذا يتكلم الرجل الحر
المزيد.....
-
الحلقة الاولى مترجمة : متي يعرض مسلسل عثمان الجزء السادس الح
...
-
مهرجان أفينيون المسرحي: اللغة العربية ضيفة الشرف في نسخة الع
...
-
أصيلة تناقش دور الخبرة في التمييز بين الأصلي والمزيف في سوق
...
-
محاولة اغتيال ترامب، مسرحية ام واقع؟ مواقع التواصل تحكم..
-
الجليلة وأنّتها الشعرية!
-
نزل اغنية البندورة الحمرا.. تردد قناة طيور الجنه الجديد 2024
...
-
الشاب المصفوع من -محمد رمضان- يعلق على اعتذار الفنان له (فيد
...
-
رأي.. سامية عايش تكتب لـCNN: فيلم -نورة- مقاربة بين البداوة
...
-
ماذا نريد.. الحضارة أم منتجاتها؟
-
77 دار نشر ونحو 600 ضيف في معرض مكتبة الإسكندرية للكتاب
المزيد.....
-
الرفيق أبو خمرة والشيخ ابو نهدة
/ محمد الهلالي
-
أسواق الحقيقة
/ محمد الهلالي
-
نظرية التداخلات الأجناسية في رواية كل من عليها خان للسيد ح
...
/ روباش عليمة
-
خواطر الشيطان
/ عدنان رضوان
-
إتقان الذات
/ عدنان رضوان
-
الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد
...
/ الويزة جبابلية
-
تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً
/ عبدالستار عبد ثابت البيضاني
-
الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم
...
/ محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
-
سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان
/ ريتا عودة
-
أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة
/ ريتا عودة
المزيد.....
|