|
فكرة الله في التصوف الكابالي
سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي
(Saoud Salem)
الحوار المتمدن-العدد: 7062 - 2021 / 10 / 30 - 14:58
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
أركيولوجيا العدم ١٠١ - فكرة الله في الكابالا
الله هو إين سوف Eyn Sof باللغة العبرية אין סוף، يترجم حرفيا، بـ "بلا حدود"، "بلا نهاية"، وعلى نطاق أوسع "اللامتناهي" أو « infini ». يؤهل الكابالا بهذا المصطلح الجوهر الخفي المتعالي الذي لا يمكن نطق إسمه المقدس - HaShem - هاشم. إين سوف هو الجوهر الأسمى، مبدأ المباديء، أصل الأصول، وسبب الأسباب، فهو أصل كل شيء وهو الإرادة المطلقة. هو الواحد - Ahad- بالمعنى المرتبط بالإفلاطونية الجديدة لهذه المقولة، والذي يتجاوز المفهوم الذاتي والشخصي للجوهر المطلق. مبدأ مجهول هو أصل كل الكينونة، ولذلك "لا يمكن مطابقة هذا المبدأ مع إله المعتقدات والممارسات الدينية. لا شيء يمكن أن يعرّفه أو يسميه، ومفهوم الوجود ذاته لا ينطبق عليه. لذلك كان المريدون الكباليون يتسائلون عن كيفية التأكد من أن هذا المبدأ البدائي والخفي والمجهول، الذي لا يعرفون حتى ما إذا كان موجودًا أم لا، كيف يمكن أن يكون له معنى بالنسبة لهم وبالنسبة للبشر؟ باعتبار الإنسان هو الذي يعطي معنى للكلمات والأشياء التي يختبرها. وفقًا لبعض المأرخين، ليس لمبدأ السمو المطلق أي فائدة وهو لا شيء rien، بل يُطلق عليه أحيانًا إسم "العدم - néant". تميز الكابالا بوضوح بين هذا الكائن اللامتناهي "إين سوف" الجامد، وانبثاق هذا الكائن من خلال قواه التأسيسية أو السيفيروث (Sefiroth) التي تنشط في تكوين وخلق العالم، وفي الكشف عن "القانون" الذي ينظم الكون وهو التوراة la Torah، وكذلك لاسترداد وشراء هؤلاء الذين يحبون ويطبقون هذا القانون أي الشعب اليهودي المختار. تحاول تعاليم الكابالا التأكيد على العلاقة المتناقضة بين محدودية الكائنات أو المخلوقات ولانهائية الخالق، وهما قطبان مختلفان ومتناقضان لدرجة لا تقاس، الأمر الذي يجعل الكاباليون يولون لهذا الأمر اهتمامًا معرفيا كبيرًا. إن عقيدة En-Sof هي نقطة البداية لكل التكهنات االكبالية. الله هو الكائن اللامتناهي اللامحدود ، والذي لا يمكن ولا يجوز أن ينسب إليه أي صفة من الصفات على الإطلاق ولا يمكن بالتالي أن يتم تحديده بأي شيء سوى أنه En-Sof، أي أنه فقط "بلا نهاية". ومن ثم ، فإن فكرة الله لا يمكن افتراضها إلا بشكل سلبي : فنحن نعرف ما هو "ليس الله"، ولكننا لا نعرف ما هو عليه أو ما هي طبيعته. جميع الإسهامات الإيجابية محدودة، أو كما صاغها سبينوزا لاحقًا، في انسجام مع الكابالا " كل تحديد هو نفي "omnis determinatio est negatio." لا يمكن للمرء أن يعطي الله لا إرادة أو نية أو كلمة أو فكر أو فعل ولا يمكن لأحد أن ينسب إليه أي تغيير أو تحول أو تعديل أو تبدل، لأنه ليس شيئًا محدودًا : إنه نفي كل نفي، اللانهائي المطلق، فهو En-Sof. فيما يتعلق بفكرة الله هذه ، ينشأ السؤال الصعب المتعلق بالخلق، والمشكلة الرئيسية للقباله، والنقطة التي نوقشت كثيرًا في الفلسفة الدينية اليهودية، إذا كان الله هو En-Sof - أي إذا لم يكن هناك شيء خارج الله - فإن السؤال الذي يطرح نفسه، كيف يمكن تفسير الكون؟ لا يمكن أن يكون هذا موجودًا مسبقًا كواقع أو مادة أولية؛ لأنه لا يوجد شيء خارج الله : إن خلق العالم في وقت محدد يفترض مسبقًا تغييرًا في ذات الله، مما يؤدي به من حالة الثبات والكينونة الجامدة والهامدة وهي حالة عدم الخلق إلى فعل الخلق. لكن التغيير من أي نوع في En-Sof هو، كما ذكرنا، غير وارد؛ وكل ما لا يمكن تصوره هو تغيير في الفكر من جانبه، والذي كان من الممكن أن يحدث فقط بسبب أسباب مطورة أو معترف بها مؤخرًا تؤثر على إرادته، وهو وضع مستحيل في حالة الله اللامتناهي. ومع ذلك، فليس هذا هو السؤال الوحيد الذي يجب الإجابة عليه لفهم العلاقة بين الله والعالم. يجب أن يكون الله، بصفته كائنًا غير محدود، أبديًا، وضروريًا ، يجب أن يكون بالضرورة روحيًا بحتًا وبسيطًا وعنصريًا elemental. كيف يمكن إذن أن يكون قد خلق العالم المادي المركب دون أن يتأثر بالتلامس معه؟ بمعنى آخر، كيف يمكن للعالم المادي أن يأتي إلى الوجود، إذا لم يكن جزء من الله مدمجًا فيه ؟ بالإضافة إلى هذين السؤالين حول الخلق والعالم المادي، فإن فكرة الحكم الإلهي للعالم، أو ما يسمى بالعناية الإلهية، تظل لغزا يصعب فهمه. يفترض النظام والقانون اللذان يمكن ملاحظتهما في العالم، حسب الكابالا، وجود "حكومة إلهية واعية" لمراقبة المؤمنين وتسيير أمورهم وأمور العالم الطبيعي. تفترض فكرة العناية الإلهية وجود العليم؛ والعليم يفترض وجود صلة بين العارف والمعروف، بين الحاكم والمحكوم، بين الشاكر والمشكور ..إلخ. ولكن ما هو الرابط الذي يمكن أن يكون بين الروحانية المطلقة اللامحدودة من جانب، والأشياء المادية المركبة والمتناهية والفانية للعالم من ناحية أخرى؟ إن وجود الشر في العالم، مثل كل شيء آخر، موجود من خلال الله، الأمر الذي لا يقل إثارة للحيرة عن العناية الإلهية. كيف يكون الله الكامل المطلق سبب الشر؟ يسعى علم الكابالا للإجابة على كل هذه الأسئلة من خلال افتراض ما يسمى بـ : الإرادة البدائية أو الأولية The Primal Will. أرسطو، الذي أثر كثيرا في الفلاسفة العرب واليهود وتبعه العديد منهم، أكد بأنه فيما يخص الله فإن التفكير والمفكر والموضوع المفكر فيه يعتبرون شيئا واحدا تمامًا ولا فاصل بينهما. تبنى أصحاب الكاباله هذا المبدأ الفلسفي بكل أهميته، وخطوا خطوة أبعد من خلال طرح اختلاف جوهري بين طريقة تفكير الله وطريقة تفكير الإنسان. بالنسبة للإنسان، يظل موضوع التفكير مجرّدًا، وهو شكل من أشكال الموضوع، له وجود ذاتي فقط في عقل الإنسان، وليس وجودًا موضوعيًا خارجه بالضرورة. من ناحية أخرى، يفترض فكر الله وجودًا روحيًا ملموسًا. إن مجرد الشكل هو في نفس الوقت مادة روحية بحتة وبسيطة وغير محصورة بالطبع، لكنها لا تزال ملموسة محددة وعينية concrete ؛ لأن الاختلاف بين الذات والموضوع لا ينطبق على السبب الأول المطلق، ولا يمكن افتراض أي تجريد. هذه المادة هي أول نتاج للسبب الأول، تنبثق مباشرة من الحكمة التي تتطابق مع الله لكونها فكر الله. ومن ثم فهي أبدية مثل الحكمة، وهي أدنى منها في الدرجة فقط، ولكن ليس في الوقت؛ ومن خلال هذه المادة الأولية تم إنتاج كل شيء وترتيب كل شيء باستمرار. يعبر زوهار عن هذه الفكرة بطريقته الخاصة : "تعال وانظر! الفكر هو بداية كل ما هو كائن؛ ولكن على هذا النحو هو يكون داخل نفسه وغير معروف. الفكر الإلهي الحقيقي مرتبط بـ "En-Sof" ولا ينفصل عنه أبدًا. هذا هو معنى الكلمات "الله واحد، واسمه واحد"
يتبع
#سعود_سالم (هاشتاغ)
Saoud_Salem#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لغة الأحجار
-
الأسد المقدس
-
تماثيل الملح
-
النوارس وحدها لا تركب القوارب
-
كابالا - إسحق لوريا
-
مسرح الجريمة
-
المركبة النارية
-
مكعب الحديد
-
المربعات الليلية
-
الكابالا وفيثاغوراس
-
طلاسم الطلاسم
-
يا جهلاء العالم .. أتحدوا
-
ويفوتك القطار
-
الثقب
-
صحافة كلاب الحراسة
-
الكابالا وكتاب الزوهار
-
نابليون والخنزير
-
كوكايين الشعوب
-
المسرح الإجتماعي الواقعي
-
التصوف اليهودي
المزيد.....
-
تحقيق CNN يكشف ما وجد داخل صواريخ روسية استهدفت أوكرانيا
-
ثعبان سافر مئات الأميال يُفاجئ عمال متجر في هاواي.. شاهد ما
...
-
الصحة اللبنانية تكشف عدد قتلى الغارات الإسرائيلية على وسط بي
...
-
غارة إسرائيلية -ضخمة- وسط بيروت، ووسائل إعلام تشير إلى أن ال
...
-
مصادر لبنانية: غارات إسرائيلية جديدة استهدفت وسط وجنوب بيروت
...
-
بالفيديو.. الغارة الإسرائيلية على البسطة الفوقا خلفت حفرة بع
...
-
مشاهد جديدة توثق الدمار الهائل الذي لحق بمنطقة البسطة الفوقا
...
-
كندا.. مظاهرات حاشدة تزامنا مع انعقاد الدروة الـ70 للجمعية ا
...
-
مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في
...
-
مصر.. ضبط شبكة دولية للاختراق الإلكتروني والاحتيال
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|