أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - الأسد المقدس















المزيد.....

الأسد المقدس


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 7060 - 2021 / 10 / 28 - 13:08
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


أركيولوجيا العدم
100 - إسحاق لوريا

سيأتي الوقت الذي سيحاول فيه رجال العلم ، في بحثهم عن الحلقة المفقودة بين الإنسان والحيوان، اعتبار القرد هو الشكل الحي الذي منه تطور الإنسان.
إسحق لوريا، شجرة الحياة
‏Tree of Life, Gate 42, Ch. 1


كان الحاخام إسحاق لوريا محترما للغاية وموقرا من قبل أتباعه، وتلاميذه نسبوا له العديد من الخوارق والمعجزات، وأعتبروه قديسا - إلوهي elohi، وهذه الكلمة ليس مصطلحا فخريا متواردا في الثقافة اليهودية، لوريا هو الوحيد الذي أطلقت عليه صفة التقديس هذه. نظم الحاخام إسحاق لوريا حياة تلاميذه ومريديه في الأحياء المعزولة من صفد، فعلى سبيل المثال في صباح كل أيام السبت، كان ينظم موكبا دينيا لإستقبال ما يسمى بالروح الأثيري لملكة السبت la reine de Chabbat في الحقول المجاورة، بعد هذه الفسحة الروحية يعطى لوريا دروسا وتفسيرات بخصوص نظريته وعقيدته.
أصبحت "القبالة" حسب مخطط لوريا الفكري، مدخلا لعلم اللاهوت المعاصر ومدخلا للفلسفة وعلم النفس، وتكونت له آراء في خلق الإنسان وفيما يسمى بـ "الفراغ الميتافيزيقى" والذي سنوضحه فيما بعد، وكذلك في الحكمة الإلهية Theosophy التي هي في رأيه بمثابة الشرارة في الإنسان، وكلما تحرر الإنسان من سجن الجسد كلما توهجت تلك الشرارة، واستعلى على قيود المادة وكثافتها، وحقق مستويات أعلى من الكشف والصفاء الروحى والمعرفة والإدراك المباشر الذي يسمى في المصطلح الصوفي وكذلك الفلسفى بـ "الحدس" intuition، والحدس هو إدراك يلمع فجأة يبرهن على غيره ولايحتاج هو نفسه إلى برهان – أى أنه إدراك غير مسبوق بما يمهد له، أن الوعي هو العامل الأساسي في تنمية الحدس، ويساعد في ذلك كثرة التعايش والمعرفة بالعوامل المحيطة بنا والإدراك المعرفي، وهو عند إسحاق لوريا إلهام أو وحى من عند الله، وهو بذلك يتفق مع ابن سينا ( ٩٨٠ - ١٠٣٧م ) الذي يعتبر الحدس على انه قدرة نبوية يتم الوصول إليها بالمعرفة والإدراك الذي يستند على يقين داخلي.
إن تصوره للعالم متأثر بشدة بالقضايا التي تعبر المجتمع اليهودي في ذلك الوقت، والمعاناة التي تلت صدمة إجلاءهم وطردهم من إسبانيا ووكذلك أعمال محاكم التفتيش الوحشية. الحاخام إسحاق لوريا تخيل تفسيرات غريبة ومذهلة ولكنها منطقية ومتماسكة، وتتنبأ بنهاية معاناة الشعب اليهودي، وهذا أحد الأسباب الذي يفسر نجاح أطروحاته وتفسيراته وسرعة إنتشارها الواسع. بالنسبة لعذاب اليهود والمذابح التي يتعرضون لها، أجاب بأن الموت المادي هو مجرد خطوة أو مرحلة في رحلة طويلة، وحياة كل فرد على الأرض لها هدف محدد. ويرى أن خطايا الناس تلطخ وتلوث المسيح وتساهم في تأخير قدومه، وتبعا لذلك أبتدع عدة طقوس تطهيرية للإسراع في ظهور المسيح الحقيقي.
درس لوريا كتاب الزوهار وكتابات علماء الكابالا الأولين وكتابات عالم الكابالا موسى كوردافيرو (موسى القرطبي 1522-1570) الملقب "بالراماك" والذي كان من علماء الكابالا اللامعين في جيله وفي عصره. وقد شاعت دراسة كتاب الزوهار ضمن المجموعات الصغيرة بشكل مفتوح في أيام عالم الكابالا الآري وازدهرت وانتشرت المعرفة لمدة مئتي عام من رحيله. الحقبة التاريخية المعروفة لدراسة منشورات الزوهار كانت من عام 1750 وحتى نهاية القرن التاسع عشر حيث وُجدَ الكثير من الباحثين والمعلمين لعلم الكابالا في العالم وخاصة في بولندا وألمانيا وروسيا والمغرب والعراق واليمن والعديد من البلدان في العالم، ولكن بعد ذلك وفي بداية القرن العشرين بدأ اهتمام الناس بهذه المعرفة يتضاءل حتى تلاشى هذا الاهتمام تماما.
كان لمذهب لوريا الجديد في القبالة الأثر الواضح على فلسفة هيجل (1770 – 1831)، فناقش هيجل مذهب لوريا في القبالة في محاضراته عن "التاريخ والفلسفة والدين"، كما كان له أيضا الأثر الواضح على فكر سيجموند فرويد في اتجاهاته في مجال علم النفس والتحليل النفسي. وأصبح أتباع مدرسة القبالة اللوريانية من متصوفين وفلاسفة يبحثون عن تطوير دائم للدلالات النفسية والفلسفية لمبادئ ورموز القبالة بمفهومها السابق على إسحاق لوريا مستخدمين منظومته الفكرية في النقد التحليلى، فكانت النتيجة هي إثراء الدراسات المقارنة والحوار بين التصوف اليهودى والتقاليد الفلسفية والدينية للدين اليهودى والديانات والمذاهب الأخرى بما فيها الهندوسية والبوذية والأفلاطونية والغنوصية Gnosticism.
كما نشأ على أصول مذهب لوريا في القبالة بعض الجمعيات السرية منها الماسونية في مرحلتها الثانية (بدأت سنة 1770). ومن تلك الجمعيات السرية أيضا جمعيات تبحث في القوى الخفية والسحر عن ملاذ وملجأ صوفي هروبا من الواقع المرير، كالثيوصوفيا (رائدتها مدام بلافاتسكي - Helena Blavatsky)، فوجدوا في مذهب القبالة قديمه وحديثه ضالتهم، وانتشرت فنون السحر واستحضار الأرواح وقراءة الكف والعلاج بالخوارق، وانتشرت كتب السحر وقراءة الطالع وتأثر بها الكثير من اليهود وغيرهم.
ترك لوريا النظام الأساسي في البحث والدراسة في علم الكابالا والذي ما زال يستخدم في يومنا هذا. فمن يعض كتاباته ومدوناته الشهيرة التي تركها كتاب "شجرة الحياة" - وكتاب "مداخل النوايا" - و"مراحل دورة النفس" والكثير أيضًا من النصوص والكتابات الأخرى. رحل الآري وكان ما يزال في أوجّ شبابه عن عمر يُناهز الثامنة والثلاثين سنة، وسُجلت جميع مؤلفاته ومدوناته حسب رغبته وطلبه في المحافظة عليها وعدم إظهارها للعامة قبل حلول الوقت المناسب لنشرها. لقد قدّم كبار علماء الكابالا نظرية خاصة للدراسة والبحث وقاموا على تعليمها بكافة تفاصيلها وبراعة إتقان أسلوبها ولكنهم علموا بأن أجيالهم لم تكن على مستوى الوعي الكافي والناضج لتقدير قيمة هذه المعرفة الثمينة وفهم مدى فعاليتها وقوتها ولهذا السبب كانوا يلجؤن إلى إخفائها عن العامة وأحيانًا كثيرة إلى إتلاف الكثير من المدونات والنصوص أيضًا، فإننا نعلم أنّ عالم الكابالا يهودا أشلاغ الملقب بصاحب السلم أحرق وأتلف القسم الكبير من مؤلفاته. إذ أنّ هناك سرًا هامًا يكمُنُ في واقعية المعرفة المدونة على الورق وقدرتها على التأثير في سير الأحداث، وبالتالي ضرورة إتلافها حتى لا تتناقص فعاليتها، لأنه في حال إظهار هذه الحكمة ثانيةً في زمان آخر في المستقبل، فإن ذلك يُخفف من قوة تأثيرها على عالمنا هذا. ولذلك فإنّ عالم الكابالا خاييم فيتال Rabbi Hayyim Vital أمر بإخفاء ودفن جزء كبير من مُدونات وكتابات الآري، فقد أوثق جزء منها في يد إبنه والذي أعاد ترتيب هذه المدونات المشهورة تحت عنوان "البوابات الثمانية" وبعدها بفترة طويلة نقب حفيد خاييم فيتال بصحبة مجموعة من تلاميذه ليظهر جزء آخر من كتابات ومدونات الآري التي كانت مدفونة سابقًا.

يتبع



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تماثيل الملح
- النوارس وحدها لا تركب القوارب
- كابالا - إسحق لوريا
- مسرح الجريمة
- المركبة النارية
- مكعب الحديد
- المربعات الليلية
- الكابالا وفيثاغوراس
- طلاسم الطلاسم
- يا جهلاء العالم .. أتحدوا
- ويفوتك القطار
- الثقب
- صحافة كلاب الحراسة
- الكابالا وكتاب الزوهار
- نابليون والخنزير
- كوكايين الشعوب
- المسرح الإجتماعي الواقعي
- التصوف اليهودي
- الحرية والموت
- رسالة إلى القتلة


المزيد.....




- وقف إطلاق النار في لبنان.. اتهامات متبادلة بخرق الاتفاق وقلق ...
- جملة -نور من نور- في تأبين نصرالله تثير جدلا في لبنان
- فرقاطة روسية تطلق صواريخ -تسيركون- فرط الصوتية في الأبيض الم ...
- رئيسة جورجيا تدعو إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة
- وزير خارجية مصر يزور السودان لأول مرة منذ بدء الأزمة.. ماذا ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى تحتية لحزب الله في منطقة جبل ...
- برلماني سوري: لا يوجد مسلحون من العراق دخلوا الأراضي السورية ...
- الكرملين: بوتين يؤكد لأردوغان ضرورة وقف عدوان الإرهابيين في ...
- الجيش السوري يعلن تدمير مقر عمليات لـ-هيئة تحرير الشام- وعشر ...
- سيناتور روسي : العقوبات الأمريكية الجديدة على بلادنا -فقاعة ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - الأسد المقدس