|
رواية ديستوبيا 13، حين يتفرد الكاتب بالساحة الأدبية التونسية
ياسين حسان خضراوي
الحوار المتمدن-العدد: 7059 - 2021 / 10 / 27 - 10:56
المحور:
الادب والفن
حقيقة، لم يطلب مني المؤلف مباشرة كتابة تقديم لروايته، ربما لم يفكر حتى في تقديمها، فهل يستحق الجوهر المتوقد في العادة توطئة؟ أو، هل نستطيع صناعة حيز زمني لافتراس المفتحات في حين أننا في لهفة من أمرنا للمرور للطبق الرئيسي، ربما لأننا أمضينا سنوات بعيدا عن الوطن، والوطن هنا ربما يكون نطاقا جغرافيا، أو أمٌّ، أو ربما كلمة وطن أصلا لا تصف الحيز الجغرافي الذي ننتمي له ولا تعبر عنه كما ينبغي أو كما يجب، فالوطن كلمة صعبة وقاسية لا تتسع لها الروايات والمعاجم.
ربما التوطئة نفسها لم تكن ضرورية، لكن، هل يستقيم المرور مباشرة إلى المائة مليار خلية عصبية، التي صاغت أفكار الكاتب وبلورها في رواية، ربما كُتِبت بالدم والدموع؟ هل هي ضرورية؟ ربما! بل لا أعرف! هل بكت حمامة المعري أم غنّت؟ لا أعرف!
ديستوبيا 13، أول عمل روائي للكاتب، أو ربما هكذا أعرف. في حقيقة الأمر لا أستوعب البتّة، كلمة "أول" هنا، فالأول بالضرورة له آخر أو نهاية، لكننا هنا أمام سديم أدبي تشكل ربما مع بداية الكون، ولكن هل نعلم فعلا بداية الكون لنحدد النهاية؟ كذلك الأمر بالنسبة للفكرة، تجد نفسك في وسطها، في جوهرها وتستقل قطار الفكر الذي لم يبدأ أصلا، لكن ساقه الزمن الذي تولد مع الإنفجار الكبير، ليس له بداية ولا نهاية لكنه متواصل في الزمن، لن تستطيع كبرى المعادلات الرياضية أصلا تصوره، أو حتى تصوره نطاقه الزمني.
رقم 13 هنا ربما يمثل لغزا للبعض أو للجميع بدون استثناء، فلقد عودتنا الديستوبيا على التجرد من كل أمر عقلاني، وبالتالي لم تتحدد في الزمان ولا في المكان، لا برقم ولا بمعادلة، على العكس، هي مليئة بالتناقضات، وربما جرفها الغبار الكوني مع ما جرفه من تشكل الحياة، وكما نعلم - بعضنا على الأقل - أن الزمان يتدفق في اتجهاين، فبالضرورة للديستوبيا حيزها الزماني عكس اليوتوبيا. نطاقين متضادين، لكن يصبان وجوبا في وعاء التاريخ والوقت الذي لا يتوقف.
في هذه الرواية، عانق الرقم 13 الديكتروفوبيا، فلطالما وصف الإغريق هذا الرقم بأنه ينشر خوفا غير عقلاني، فيما ذهب الآشوريون والكلدانيون إلى أنه رقم مشؤوم، إضافة إلى أن يوم الأحد هو يوم راحة كوني منذ نشأة التاريخ، فاعتقدوا فيما اعتقدوا أنه من يعمل يوم الأحد، فستحل عليه لعنة ما، ويصيبه الحزن الأبدي الذي لا ترياق له سوى الموت، ومن يعمل يوم الأحد فلن يتوفق في عمله أبدا وسيصيبه غضب الله ولن يفارقه. وبمعادلة بسيطة، فالقوة العددية ليوم الأحد هي 13، حيث أن الألف رقم واحد والحاء رقم 8 والدال رقم 4، وبذلك يكون مجمع القوى العددية ليوم الأحد هو 13.
فهل تُحَدد الديستوبيا برقم معين؟ هل يناسبها رقم 13 أكثر من رقم 7؟ وهل إن غيرنا الرقم فسيكون وقعها أقل شدة؟ ربما! وربما لا أيضا؟ لازلنا نجهل إن بكت حمامة المعري أم غنت، ربما المعري نفسه لا يعلم ومات بحسرته.
تصور الرواية جوانب مظلمة من الحياة اليومية للبشرية، أو لعلها لمجموعة معينة مسقطة، لكن إن أخذنا مجموعة عشوائية من ألف شخص، فهل سنجد فقط الغني، والراقي والمثقف والمتعلم، وصفوة المجتمع، زبدة المجتمع؟ لا أظن ذلك طبعا، فالعشوائية عادلة أكثر من البشر وأنظمتهم، بل ربما أعدل من الديستوبيا نفسها، لا بل أعدل منها!
ربما، مع أول صفحة ستدرك أنك في رواية تصور الحياة اليومية في تونس، لكن الكاتب بريء من تلك التصورات، والقارئ وحده مسؤول عن ذلك، فكل تشابه بين الأحداث والأسماء، ماهو إلا محض صدفة، ومحض تخيلات القارئ وفصِّه الصدغي.
هل هنالك مخرج من الديستوبيا تحو يوتوبيا ما؟ أو هل هنالك حتى متنفس صغير نحو سور المدينة الفاضلة؟ ربما! من يحدد طول المخرج ووجوده من الأساس؟ الكاتب؟ قطعا لا! القارئ؟ ربما! الزمن؟ ربما! كيف للديستوبيا أن تملك رقما خاصا بها؟ هل تمردت على التاريخ واستقلت بذاتها؟ هل وهل وهل؟ ربما! لا أعلم! ولا أظن أن الكاتب يعلم، لكن مجددا، لديك مخ بمائة مليار خلية عصبية، نظام معقد لنقل البيانات، وخزان هائل، يسبح في سائل عصبي، قادر على أن ينير عتمك يومك، وربما عتمة الديستوبيا، ليؤسس بذلك يوتوبيا خاصة بك وحدك، فتمتع بها، إن ملكك الآن ولن ينازعك فيها أحد، لا الكاتب ولا غيره .. -
#ياسين_حسان_خضراوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رواية ديستوبيا 13، حين يتفرد الكاتب بالساحة الأدبية التونسية
المزيد.....
-
القبض على مغني الراب التونسي سمارا بتهمة ترويج المخدرات
-
فيديو تحرش -بترجمة فورية-.. سائحة صينية توثق تعرضها للتحرش ف
...
-
خلفيات سياسية وراء اعتراضات السيخ على فيلم -الطوارئ-
-
*محمد الشرقي يشهد حفل توزيع جوائز النسخة السادسة من مسابقة ا
...
-
-كأنك يا أبو زيد ما غزيت-.. فنانون سجلوا حضورهم في دمشق وغاد
...
-
أطفالهم لا يتحدثون العربية.. سوريون عائدون من تركيا يواجهون
...
-
بين القنابل والكتب.. آثار الحرب على الطلاب اللبنانيين
-
بعد جماهير بايرن ميونخ.. هجوم جديد على الخليفي بـ-اللغة العر
...
-
دراسة: الأطفال يتعلمون اللغة في وقت أبكر مما كنا نعتقد
-
-الخرطوم-..فيلم وثائقي يرصد معاناة الحرب في السودان
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|