نصر حسن
الحوار المتمدن-العدد: 1651 - 2006 / 8 / 23 - 07:29
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في خطاب الرئيس بشار أسد الطنان الفالت اللسان والعقل والعنان , وضع لبنان أولا ً والمقاومة ثانيا ً والعرب ثالثا ً و عملية السلام وأطرافها المحليين والدوليين رابعا ً أمام حالة حرابة سياسية إذا جاز التعبير , كان أول المعنيين هو لبنان لأنه عنوان وجوده وبوابته الوحيدة الباقية التي ينتقل خلالها الرئيس إلى شرق أوسطهم أو شرق أوسطه الجديد الممتد من بيروت إلى دمشق إلى طهران ويضم تحت أجنحته كل امتدادات الحريق التي أعمت بدخانها المنطقة وانعدمت الرؤيا وأصبح الجميع تائهين وعاجزين وعبثا ً يحاول البعض منهم إطفاء أو حصار مساحة ولهب الحريق.
جاء خطاب الرئيس أشبه بالماء الساخن جدا ً قذفه بيده اليمنى بوجه كل الأطراف اللبنانية والعربية , ولوح بيده اليسرى بالسلام و " جند الشام " والخلايا القعقاعية النائمة في لبنان,وفرض على اللاعبين أن يختاروا بين السلام والإستقرارالذي يريده الرئيس , وبين الفوضى غيرالخلاقة التي سوف تضرب أطنابها وتزيد الحريق اشتعالا ًوتزيد مساحته اتساعا ً لتحرق الأخضرواليابس,حتى يتراجع ويعترف اللاعبون بأن الرقم الصعب في قصر المهاجرين ومن هنا تتحدد أية خريطة سوف يرسمون ,وأي شرق يهندسون وفي أي إتجاه سوف يولون وجوههم أدبارا .
والذي قاله الرئيس يؤكد أن الأمورعلى الساحة اللبنانية والفلسطينية والعربية تمشي بمسارين أحدهم ظاهر نشاهده كل يوم في فلسطين وغيرها وشاهدناه برعب في لبنان سابقا ًولاحقا ًً, ومسار باطن موازي للأول يلتقيان في نقطة واحدة هي موضوع السلام العربي مع " إسرائيل " ولكل مسار عربانه وعرابيه ومفرادته وأدواته وضحاياه وكلهم على حساب الأرض العربية والدم العربي مع بعض الأغطية التي تحتاجها عملية استمراراللعبة على أمل الوصول.!.
وعلى غراركل محطة في عملية السلام , يمرالوصول إليها عبرهزيمة عربية عسكرية ونفسية, وإزاحة أي طرف عربي يشكل إعاقة للسير على طريق السلام الذي حددته القرارات الدولية ومؤتمر مدريد للسلام والقرارات ( 242,338,1397,1515) , والقرار( 1559) وأخيرا ً القرار (1701) الذي توقفت الحرب العدوانية على لبنان على أساسه قبل أيام , ويبدوا أن قطارالسلام لايتحرك سوى على وقود ضياع الأرض العربية والدم العربي , هكذا بدأت اتفاقات كامب ديفيد بعد كارثة/ 1973/ وهكذا بدأ مؤتمر مدريد بعد تحرير الكويت , وهكذا أصبح لطريق السلام روافد فرعية بعد عام/ 2000/ ومارافقها من اتفاقات مع هذا الطرف العربي أوذاك ,وخروج " إسرائيل " من لبنان,وبنفس التواترتجري الأمورالآن وفق القاعدة القائمة على الهزيمة العربية أولا ً وفرض السلام على العرب من موقع الهزيمة دائما ً ثانيا ً.
والحرب العدوانية على لبنان لم تشذ عن هذه القاعدة والكثير من اللاعبين يعرفون أن هناك حرب ! والقليل الباقي قد يعرف بإستقراء تطور الأحداث الحاجة إلى تسخين معين وقد لايعرف , تسخين هدفه تحمية فرقاء السلام وتحريكهم للجلوس على الطاولة من جديد , وهذا القليل هو بيت القصيد في كل الحروب العربية مع" إسرائيل" ومستقبلها, والكثير من هذا القليل هو المقاومة الفلسطينية ومن معها حقيقة ًوليس من يتاجرفيها ويقودها إلى المقصلة .
وعليه فإن الحرب العدوانية على لبنان هي واقعة بغض النظرعن الذريعة وهي مرتبطة بسخونة الأحداث في المنطقة ومستقبلها ,ولبنان هي الساحة الأكثر سخونة والأكثر تداخل بين اللاعبين , وبكل الأحوال لم تكن مفاجأة كاملة وهي أتت في إطار معرفة أطراف الصراع والنظام السوري أحدهم ,والمستهدف الأساسي فيها هوسلاح المقاومة وأبعاده اللبنانية والإقليمية وأثره على تحريك مسيرة السلام المتعطلة منذ سنوات , من هذه النقطة التحريكية جاء خطاب الرئيس , ولهجة الخطاب مصدرها هو أن الحرب على لبنان لم تجر كما تشتهي سفن الرئيس و" إسرائيل " معا ً ,فارتبكوا كل على طريقته وطاشوا في التعبير عن هذا الإرتباك , وعكس ذلك همجية العدوان الذي لم يستطع من تحقيق مايريد على الأرض ,فاستخدم الجو ليصب حممه على كل لبنان البشر والحجر ليغطي الفشل العسكري والسياسي الذي وجد نفسه به على غير عادة .
وانطلاقا ً من نهاية الحرب وجريا ًعلى العادة جاء خطاب بشار طائشا ً ,لأن فشل العدوان في نزع سلاح المقاومة أرجعه إلى الوراء إلى المواجهة مع موضوع سلاح المقاومة واستمرارها في الجنوب اللبناني ,وهذا موضوع يجب أن يحسم بهذه الحرب أو بنتائجها أو بحرب جديدة لأنها الخطوة الأساسية التي تؤدي إلى إحياء عملية السلام الميتة , وهوموضوع تم التعويل على العدوان وصمت النظام السوري عليه لحسمه بسرعة وهذا لم يحدث ...!.
والغريب أن بشار حاول أن يعطي الموضوع أبعادا ً أخرى وهي كلها هامشية أمام الأساس الذي هو نزع السلاح من كافة المسارات واستئناف عملية السلام, لكن الجديد الذي أربك الجميع هو صمود المقاومة مما حرف الحرب عن مقدماتها وأفرزت واقع جديد على كل الأطراف والرئيس بشار أحدهم , هذا الواقع الجديد دفع الرئيس إلى الإلتفاف السريع لتجميع أوراق النصر والهزيمة معا ًبين يديه محاولا ً إستباق تطورات الحرب بدق طبول حرب جديدة أو بالإعتراف بدوره الذي يوفر له البقاء في الحكم والبدء بحل نهائي لموضوع الصراع على أن يكون النظام السوري طرفا ً فيه,وهذا يعني بقاء ً يحلم به ويعمل عليه منذ عقود .
ولايخفى على أحد أن النظام السوري أجهض كل موازين القوى المادية بين العرب و"إسرائيل " بدءا ًمن الساحة السورية حيث أضعف الجيش السوري بشكل كبيروألغى خيار المقاومة بل وحاصرها في سورية ولبنان وفلسطين وأغلق الحدود السورية أما مها وأصرعلى سلوك المقاوم لكن على أرض لبنان ودماء لبنان.
من هنا نفهم ماذا قاله الرئيس, ولماذا هذا الإصرارعلى لهجة المقاومة والتمسك اللفظي بها ؟, بكل تأكيد لأن وجوده أصبح مرتبطا ً بالدور الذي يجب أن يقوم به في عملية السلام المقبلة , لذلك رجع إلى محاولة لملمة أوراق قوته والإرتكاز على الأرض اللبنانية والمقاومة اللبنانية عبر تصوير أن الذي يقرر في لبنان هي المقاومة ومن يدعمها وأن فريق قوى الرابع عشر من آذار الذي يمثل تقريبا ً نصف لبنان متهمون بالخيانة وهذا يعني في عرفه قرار تصفية ,ليعود لبنان ساحة له كما كان قبل طرده منه, وهذا لم ينساه وشكل له عقدة تحركه بكافة الإتجاهات .
وعليه إن الذي قاله بشار أسد لبنانيا ً هو قرار استمرار اللعب بلبنان وإحداث فتنة بين كل الأطراف الوطنية الداخلية ومنها المقاومة وحشرها في موقفه , بصراحة إنه التمهيد لحرب أهلية جديدة يكون فيه الجميع خاسرين وأولهم المقاومة , وبحكم موقفه المتخاذل في الحرب حيث لم يقدم للمقاومة سوى نصائح الإنتحار,ارتضى الآن الحضور على الساحة اللبنانية ولكن ليس كفاعل بل كمفعول, كورقة بيد المقاومة هذه المرة وتلك مفارقة في سلوك النظام السوري تعبرعن حالة الضعف والمأزق الداخلي والخارجي الذي وصل إليه .
وعربيا ً قال العجائب وسطر الغرائب ولأول مرة في تاريخ العلاقات العربية يتخذ الرئيس السوري علنا ً موقف شق الصف العربي وتتفيه النظام العربي وتفكيك ماتبقى من التضامن العربي, ووزع التهم للزعماء العرب بمايشكل أكثر من قطيعة بل وصل درجة إعلان الحرب عليهم , وكلمة أنصاف الرجال هي ليست ذلة لسان بل ذلة عقل وتعبير عن فك إرتباطه بالعرب والتمهيد لمحور آخر هو المحور الإيراني, لقد قال الرئيس بوضوح فراقا أيها العرب وطلاقا ً أيها التضامن العربي مكررا ً الذريعة تلو الذريعة التي يريد بها أن ينقل سورية من الفضاء العربي إلى الفضاء الإيراني .
وإسرائيليا ً قال الأسد بصراحة أنه هو وكيل أصيل للسلام والحرب , والجولان شاهد صامت وهدد بأنه سيتكلم إذا لم يبقى من خيار آخر, ورغم أنه راوغ وأطال كثيرا ًعن خيار السلام وخيار المقاومة لكنه كان بمنتهى التناقض الذي يفرض سؤال الرئيس : من الذي أجبره على خيار السلام الذي لم يحرر الأرض ؟ ومن الذي منعه عن بناء المقاومة وأرضه محتلة منذ عشرات السنين ؟ ولماذا فشل بالخيارين معا ً ؟ ومن أوصل سورية إلى هذا المستوى من العجز المهين التي أصبحت فيه ورقة في يد اللاعبين الإقليميين؟.
ودوليا ً قال الرئيس أنا هنا في سورية ولبنان وفلسطين والعراق ومعي عمق إيراني نووي وعليكم أن تختاروا بين الإعتراف بدوري وحمايتي والحرص على بقائي في الحكم ,أو الفوضى التي سوف تطال كل الساحات وكل المصالح , وسيكون مشروعكم الشرق أوسط الجديد وهما ً, وسيكون مشروع الرئيس الشرق أوسط الإسلامي المقاوم الجديد هو البديل وعليكم أن تتحملوا تبعات خياركم.
واخيرا قال الكثيروبشكل مقصود حينا ً وغيرمقصود حينا ً آخر , ومنه تحويل النصر العسكري للمقاومة إلى نصر سياسي وهذا يعني قتل الديموقراطية وعودة الوصاية على لبنان , و اتهامه لقوى الرابع عشر من آذاربأنها " منتج إسرائيلي " وهذا هو مقدمة الحرب الأهلية ,وتحويل لبنان إلى مختبربشري لمغامراته والإصرارعلى عسكرة الحياة في المنطقة وإدخالها في سياسة المحاور وتعميق التطرف والعنف وضرب التضامن العربي وإهانة رموزه بشكل لايليق برئيس سورية ,ومنه أيضا ً أن هذه الحرب ليست الأخيرة وبهذا ينطق بمايريده الإسرائيليون واستراتيجيتهم المبنية أساسا ًعلى عدم استقرارالمنطقة وهذا يمثل جزء من استراتيجية النظام السوري على كافة المستويات .
#نصر_حسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟