أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مزهر جبر الساعدي - عندما تغلق ابواب الحلم















المزيد.....

عندما تغلق ابواب الحلم


مزهر جبر الساعدي

الحوار المتمدن-العدد: 7043 - 2021 / 10 / 10 - 01:35
المحور: الادب والفن
    


(عندما تغلق ابواب الحلم)
أنظر وأنا مسحورا بهذا الجمال، الى البعيد، الى جزيرة تُرى من هذه المسافة، لا يفصلها عن الساحل سوى بضعة كيلومترات. لا ادري ما الذي جعلني اتذكر رواية زوربا، وكيف أنسحر زوربا بهذا الغروب، لقد رقص فاردا ذراعيه للهواء والسماء والبحر وللوجود؛ في لحظة تجلي للحرية ومعانقة هذا الوجود. زوربا لم يكن مطاردا، ولم يكن هاربا، كان فقد عاشقا للحرية والبحر والسماء والسفر، كان متحررا من ضغوطات الواقع، وخوانقه. البحر في امتداده اللانهائي؛ جميل جمالا اخاذا ينبض بروعة الوجود. الشمس في الافق البعيد؛ بدت كتلة ملتهبة من نار وحرائق، كأن فيها شياطين تتراقص، او هي تتصارع مع بعضها، انما هي تقاوم الغرق في مياه البحر. ثمة تغريد كما الموسيقا الكونية على مقبرة مني؛ كانت هنا عصافير وطيور ونوارس، تحلق وهي تتابع تغريدها، او زقزقتها، او هدلها، لا فرق. المهم كان المكان يتدفق بالجمال اللاهي. الشمس غطست في مياه البحر، وراء الجزيرة، لكنها تركت خلفها ظلال حمر وصفر وبرتقالية. تتدفق الاصوات وهي اصوات بشرية من اعماق البحر، اصوات نحيب او بكاء، او صرخات. اصدقائي او اصحابي لا فرق في هذا، كانوا مجموعة شكلوا بتنوعهم، أو الامكنة التي جاءوا منها؛ لوحة فسيفساء جميلة، سوري ويمني وعراقي من بلدي، وليبي وفلسطيني. المهم كان هناك جدال او نقاش بين هؤلاء الاصدقاء، او لوم، أو مناجيات للذات. انما اصواتهم خلقت ضجة؛ سلبت من هذا السكون سكونه.. اسمع طرقات على الباب في ساعة متأخرة من الليل، كنت اخاف من هذه الطرقات وفي القطع الاخير من الليل، لقد اخذوا اخي قبل سنة، ولم يعد ابدا، ولم نعرف اين هو وفي اي مكان، ومن هم الذين انتزعوه من سرير نومه. ارتفع نشيج اشبه ما يكون بنواح النادبات في المأتم. تدفق من قاع البحر. اسمع الآن بكاء امي، انها لم تزل تواصل النواح في الليل كما في النهار. عندما فتحت امي الباب بعد اشتداد الطرقات؛ كنت اقف وراءها. من ثم اختفت الاصوات حين اختفى البحر في الظلام، وعم الصمت المؤلم الكون. كما ان الجزيرة قد اختفت تماما. العصافير والنوارس وبقية الطيور نامت او هجعت في اعشاشها، او انها غادرت الى اي مكان في هذا البحر الذي لا حدود مرئية له. اشتد عليَ وجع روحي، في هذا الليل وهذه العتمة التي هبطت في التو، وهذا الخوف المخبأ في البحر، وفي السماء، وفي السفينة التي لا قائد لها ولا مقود فيها.. ثم اخذت أحاورني، عندما هدأت العاصمة وعم السكون، البحر والسماء، التي اختفت فيها النجوم.. السماء فوقك ملبدة بالغيوم. لا مطر ينزل منها. البحر، لا حدود له، في هذا الليل. سواء السماء التي بدت لك معتمة حتى انها اشد عتمة من دمس الليل. لاوجود للقبطان في هذه السفينة التي انت الان تبحر فيها وحيدا، الا من الآمل والرغبة الجامحة في اعماق روحك، في البقاء حيا. سماء مظلمة وبحر اشد سواد من ظلام ليل اسود. لا تتذكر، وانت الآن وحيدا، على سطح سفينة، تتمايل مع تموجات هادئة لأمواج البحر؛ العاصفة الهوجاء، التي تلاعبت بالسفينة التي كنت انت مسافرا فيها، حتى انت بت قاب قوسين او ادنى من الغرق او الموت في قاع هذا البحر، لم تسافر يوما على ظهر سفينة فيه. لا نجوم في السماء، والسفينة يأخذها البحر الى حيث يريد. موج البحر، قد هدأ تماما، بعد عصف جعلك وحيدا. تسمع في سكينة البحر وهدوء هذا الليل المجلل بالخوف والترقب؛ اصوات في اعماق السماء البعيدة. تقول مع ذات نفسك: هل هي اصوات البحر ام اصوات السماء. تعاود القول لنفسك: هل انا نمت ام غفوت، لو للحظة؛ صرت لا تدري، في اي ساعة انت، وفي اي يوم. مضت ايام، ربما عشرة، وربما اكثر، وربما اقل. نظرت الى سطح مياه البحر، الذي كان في هذه الساعة، وفي هذا التيه، الذي لا افق له ولا حدود، هادئا؛ متأملا صوت السكون الكوني، الذي حمل لك الخوف والوحشة، وحياة هربت بها، حملتها على كتفيك؛ لتستمر في البقاء حيا، ولو الى وقت ما، لكنها الآن مهدده بالفناء في بحر فيه؛ جميع ادوات الفناء والانمحاء من الوجود. فتشت هنا وهناك في بطن السفينة، في غرفها الكثيرة، في غرفة القبطان؛ لعلك تعثر، ولو على كسرة خبر يابس؛ تسد فيها رمقك؛ لم يكن هناك من شيء فيها يؤكل. الجوع كافر قلت لنقسك في لحظة يأس من البقاء حيا في هذا التيه الذي لا حدود له.
من ثم اتعبتك المناجاة، لذا، اضطجعت متعبا جدا، في لحظة يأس، على ظهر السفينة،؛ تتأمل السماء التي شكلت خيمة من عتمة وظلام.. كنت أحلم، انما كانت جميع الدروب الى الحلم، مغلقة النهايات او لا نهاية لها، او انها مسدود بجدران، اغلقت امامي جميع ابواب الحلم. لكن مع كل هذا الاخفاق، واصلت السير على دروب الحلم، دروب كانت هنا في رأسي، وليس لها وجود في الواقع، الذي كنت احلم به، فقد كان واقع صلبا غير قابل للاختراق. مع هذا، في الليل حين اخلو بنفسي. ربما مضت عشرة ايام او اكثر كثيرا او اقل قليلا، لأن حساب الايام كان قد ضاع مني، او اني ضيعت بفعل الجوع، والعطش، حساب الايام. صياح وربما صراخ، على مقربة مني. لم اعر اية اهمية لصياح كان على مقرب مني. كنت اراقب المشهد، كان مشهدا لم ار مثله في حياتي. سفن حربية ليس لها عدد او اني لم اعد اتعرف عليها او على عددها، لكنها كانت مع هذا سفن كما بدى لي، سفن حربية. ضجة فيها الكثير من الرعب. اقدام راكضة او هي في رعب وخوف، او اي شيء اخر من هذا القبيل، او اني كنت على هذه الصورة ارى المشهد. تعالت اصوات الرطانة، من على سطح السفينة، وفي قاع السفينة، وفي الغرف على سطحها. كما في طيف حلم، كنت انا، اريد النهوض والوقوف بكامل قامتي؛ كي ارى، لكني لم استطع. انما في لحظة رغبتي هذه، وقبل ان اشد عزمي حتى اقف على اقدامي؛ تلقيت ضربة شديده على وجهي، جعلتني لا ابصر اي شيء، حتى جدران الغرفة، والضابط الذي كان قبل دقيقة يحاول ان يستنطقني، غاب، لم يكن في الغرفة، بدت الغرفة جرداء الا من الجدران. الذي قام بضربي، ظل في وقفته، ربما لثانية ومن ثم عاود الضرب، لكنه في هذه المرة، لم يكتف بضربة واحدة، بل استمر بمواصلة الضرب. افترت الجدران، او سقطت، او ان الغرفة تعرضت الى زلزال، جعلها تتحول الى ركام، حتى الذي كان يقف امامي يتابع ضربي، انمحى، تبخر وجوده. لكن صوته ظل يرن في اذاني رنينا قويا، كما المطرقة التي كانت حينها، تواصل الضرب على هامتي : قل كل شيء، ولا تخفِ اي شيء مهما كان صغيرا. هذه الكلمات التي تدور في رأسي، كطاحونة تطحن دقيقا، لم تتوقف ابدا، على الرغم من اختلاطها مع كلمات قادمة، او كأنها قادمة من مكان بعيد، أو انها كانت قادمة من اعماق روحي، او انها جاءتني من اعماق البحر. ثم اختفى الصوت تماما، كأنه لم يكن. حل محله صوت البحر، وضجيج مرعب، يثير الرهبة. يمتزج في تزامن، مع اسئلة لناس يتسألون او انهم يسألون بعضهم البعض، لم افهم اي كلمة منها، رطانة لا اعرفها. احد الضباط وكان برتبة جنرال، وعلى ما يظهر كان هو القائد للسطول السفن الحربية اليونانية، التي عثرت على السفينة، عرفت؛ انها عسكرية ويونانية، لاحقا عندما استعدت قوتي، قال لي: لقد وجدنا في احد جيوبك هذه الورقة. وضعها على المنضدة الصغيرة التي كانت بالقرب من رأسي. من ثم قال: لقد ترجمناها، سكت وانصرف من دون ان يضيف شيئا. كانت الورقة عبارة عن تبليغ؛ بأهمية حضوري في الغد.. كانت هي الليلة التي سبقت الغد المشؤم. وكانت هي ايضا اخر ليلة لي في بيتي، خرجت متسللا من دون حتى ان اودع امي وابي واخوتي واختي الوحيدة. تاليا بعد عدة شهور؛ كنت اجلس كل يوم قبل الغروب بقليل، على صخرة في الساحل الذي بدى في تلك الاماسي، في غاية الجمال والروعة. الافق البعيد في كل مرة اجلس على الصخرة التي ارتبطت معها بعلاقة عشق فريدة، يتلون بالوان سماوية خلابة، البنفسجي والاحمر والاصفر، في حين كان قرص الشمس الذي كان في كل غروب، او هكذا تصورته؛ يقاوم مقدمات اول جحافل الليل. كنت حينها وفي اللحظات التي تتجلى فيها؛ جميع الخسارات والحسرات والفقدان؛ أتذكر ابي وامي واخوتي، لكن كنت اتوقف كثيرا امام اختي، متألما، ومتسائلا؛ كيف سيكون وقع الصدمة عليها او وقع فقداني، عليها. فقد كانت علاقتي بها اكثر كثيرا من بقية اخوتي وحتى امي وابي.



#مزهر_جبر_الساعدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طبخات التسويات للاوضاع العربية، والجوار العربي
- رقصة الافعوان
- امريكا واسرائيل والمنطقة العربية: خيدعة الناتو العربي، ومقاو ...
- الصفقة النووية؛ مفاوضات صعبة ومعقدة
- قراءة في رواية المقاومة للروائي جوليان فوكس
- امريكا: القتل الاستهدافي؛ تحطيم لجدران السيادة
- امريكا: هزيمة وانسحاب مذل واستراتيجية جديدة
- محنة التنوير في الوطن العربي
- امريكا وحركة طلبان: تصريحات علنية وسيناريوهات خفية
- هزيمة الولايات المتحدة في افغانستان.. اعادة حسابات وترتيب لل ...
- صراخ على ايقاع الخسارة
- ايران وامريكا واسرائيل: ضربات تحت الحزام
- اللعب على الجراح
- رامسفيلد: مكانك اسفل سافلين في مكبات سفالة التاريخ
- اخراج القوات الامريكية: ماذا والى اين
- لعبة القدر
- صورة.. في نهار الليل
- ما بين الصفقة النووية والانتخابات الايرانية: علاقة اطارية لج ...
- الاطماع التركية في العراق وسوريا
- التهديد الاسرائيلي لإيران..لعبة اعلام


المزيد.....




- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...
- انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
- -سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف ...
- -مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
- -موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
- شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
- حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع ...
- تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو ...
- 3isk : المؤسس عثمان الحلقة 171 مترجمة بجودة HD على قناة ATV ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مزهر جبر الساعدي - عندما تغلق ابواب الحلم