رزان الحسيني
كاتبة ادبية وشعرية، ومترجمة.
الحوار المتمدن-العدد: 7041 - 2021 / 10 / 8 - 02:36
المحور:
الادب والفن
كان للدكتور أوربينو، في الحب في زمن الكوليرا، ببغاءً ابتاعتها زوجته، كانت كأي ببغاء، تقوم بترديد بعض الكلمات، لكنّها علاوةً على ذلك كانت مَلَكيةً، ذكية، ذات صوت بشريّ، قادرة على حفظ مختلف المعلومات وتعلّم مختلف اللغات، حتى أنها مرّة أنقذت القصر عند تعرّضهم للسرقة أثناء الليل حين صرخت بأعلى صوتها: نشّالين، نشّالين!
ولكن ذلك ببساطة ما دُربت على حفظه، أمّا البعض من البشر حين يقومون بحفظ ما يُلقى عليهم، وابتلاع المعلومات أو النظريات، دون أن ينبسوا ببنت شفة لنقاشها أو تقليبها قبل هضمها، يظنُّون أنهم بشر، في حين أن بشريتهم قد انمسخت إلى ببغاوية.
لأن الإنسان لا يجدرُ به اعتناق الأفكار الخارجية وارتدائها دون أن يكون له رأيٌ بذلك، بل ويعتقد أحياناً أن رأيهُ هو اعتناقها. لأنّهُ جُبِلَ على الجدل، والنقاش، والتفكير، ذلك ما يُفرّقه عن ببغاء الدكتور أوربينو، لأنه مهما كانت المعلومات التي يُرددها مُهمة وعبقرية، لا يزال ببغاء. وليس له الفضل بذلك، لأنه لم يفكّر، بل تم تلقينه. وهذا ما يقودنا إلى موضوع آخر هو العبودية الفكرية، وبما أن الإنسان حرٌ في طبيعته، ويرفض العبودية والإهانة، فقد غفل عن العبودية الفكرية منها، لأنها بطيئة، وتجري بهدوءٍ دون شعورهِ بالإذلال، بل أحياناً بشعور الكفاءة والذكاء.
فهمنا الآن معنى التفكير النقدي بشكلٍ غير مُباشر من خلال المعنى الضدّ، وهو التلقين. أما مفهومه المُباشر هو أن يكون المرء قادراً على استخدام منطقه الشخصيّ، لتحليل الظواهر والمواقف والتجارب. أي ببساطة، هو إمكانية الفرد على "التفكير"، بمنطقية وعقلانية، وتحليل كل ما يقع البصر عليه، بطريقة مستقلّة عن المؤثرات، بالتالي يكون الفرد -على عكس ما تعلَّمهُ في المدارس والجامعات- متعلّماً، لا مُتلقياً فحسب.
نحتاج أن نفكّر بنقدٍ حتى لا نُساهم بصنع التفاهة، وفي زمن الحداثة، نحتاج ذلك أكثر من أي وقتٍ مضى، فعملية التأكد من المعلومة، والخبر، والحديث، والرواية، وتحليلها، أهم من المحتوى نفسه. بالإضافة الى فحص المعروض وتحليل جماليته، وبناءه ومصداقيته، سواء كان أدباً أم فناً أم علماً أم تاريخاً أم أي جانب آخر من الحياة، ونعني هنا النقد البّناء فحسب. واسأل نفسك كل ليلة، هل كنت اليوم ببغاء، أم إنسان؟
#رزان_الحسيني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟