حسن مدن
الحوار المتمدن-العدد: 7038 - 2021 / 10 / 5 - 19:49
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
كما في السياسة، كذلك الحال في الثقافة، فإن القوي أو الغالب هو من صنع التاريخ. إن الدعوة إلى التعددية الثقافية لا تنبع فقط من الرغبة في الاعتراف بواقع راهن قائم، من سماته تعدد روافد الثقافة الإنسانية المعاصرة، وإنما أيضاً من الرغبة في الاعتراف بأن للتعددية الثقافية تاريخاً يمتد بعيداً، لولاه ما كان للثقافة الإنسانية الغنى الذي هي عليه اليوم.
واقع الحال يكشف عن أن طريقتي كتابة وتدريس تاريخ الثقافة مقيدتان بمقدار كبير بفكرة أن الرجال البيض، الرجال حصراً وليس النساء، هم من صنعوا هذه الثقافة. والإصرار على الرجال نابع من أن الاتجاهات والنزعات النسوية المعاصرة في الغرب تشكو هي الأخرى من تجاهل دور المرأة عامة، والمرأة في الغرب خاصة، بالنظر إلى أن هذه الاتجاهات تنشط في الغرب، في «خلق»، الثقافة الإنسانية، على أن الأساس في هذا التجاهل هو نفي أو تجاهل مساهمات الشعوب الملونة، في هذه الثقافة.
الانتقادات الموجهة للأسلوب الذي يتم به تدريس التاريخ والدراسات الثقافية حملت العديد من العلماء الأمريكان ذوي الأصول الإفريقية على القول بأن أصول الحضارة الغربية هي في إفريقيا، وإن العديد من الأفكار التي نعتقد أنها أتت من البيض إنما أتت في واقع الأمر من علماء ملونين أو سود.
وبالمثل أيضاً، فإن هذه الدعوة ترافقت مع دعوة أخرى إلى ضرورة الاعتراف بثنائية الثقافة، بمعنى أن النساء شاركن بمقدار لا يقل عن مشاركة الرجال في صنعها عبر التاريخ الإنساني المديد، فإسهامات المفكرات والفنانات والشاعرات والكاتبات وغيرهن قد تم التقليل من شأنها ومن قيمتها.
وفي نتيجة تزايد نضال أولئك الأكاديميين والمفكرين المنتمين إلى مدارس النقد الثقافي الجديدة، فإن بعض الجامعات والكليات في الولايات المتحدة، وفي بلدان أوروبية أخرى وسعت من مقرراتها في تاريخ الحضارة، وأضافت أعمالاً للمفكرين والفنانين الذين لا يتحدرون من العرق الأبيض، وسط مقاومة ضارية تطلقها الاتجاهات المحافظة التي تجادل في أن تكون هناك أسماء ومساهمات مهمة خارج أوروبا أو الغرب عامة وجرى تجاهلها.
وتكشف بعض الدراسات عن ميول متنامية لمعاقبة الأساتذة الجامعيين والكتاب ذوي الميول الديمقراطية الذين يدعون إلى توسيع نطاق الثقافة ليشمل من هم ليسوا بيضاً، تحت ذريعة أنهم «يؤدلجون» الثقافة أو يحطون من مكانتها، وهذه ليست سوى ذريعة للتستر على نزعات عنصرية محكومة بعقدة التفوق الغربي.
#حسن_مدن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟