|
دار الافتاء - ترقع - غشاء البكارة
منى نوال حلمى
الحوار المتمدن-العدد: 7032 - 2021 / 9 / 28 - 00:27
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
لا أصدق ما قرأته منذ أيام ، على لسان مدير ادارة الأبحاث الشرعية ، أمين الفتوى ، " أحمد ممدوح " ، فى دار الافتاء المصرية ، بخصوص ترقيع غشاء البكارة . قال : " ان ترقيع غشاء البكارة مشروع فى بعض الأحوال مطلوب ومشروع ، كأن تكون الفتاة تم اغتصايها ، أو التغرير بها ، وتريد أن تتوب وتفتح صفحة جديدة ، الترقيع هنا من باب الستر ولا يغرر بأحد ". وردت هذه الفتوى ، للاجابة على تساؤل احدى الطبيبات التى تقوم بترقيع غشاء البكارة . أهذا كلام معقول ، ومنطقى ؟؟. أول شئ يدهشنى ، هو أن دار الافتاء ، التى تمثل الدين الاسلامى ، تتدخل فى أخص خصوصيات المرأة ، أو الفتاة ، " جسدها ". ولا أعتقد أن هذا أمر صائب ، أو ايجابى ، أو مطلوب ، فى دولة المفروض أنها " مدنية " ، وتريد تحقيق المجتمع المدنى فى عام 2022 . أما الفتوى نفسها تعامل الفتاة التى تم اغتصابها ، أو التغرير بها ، وهى هنا " الضحية " ، " المعتدى عليها " بالاغتصاب أو التغرير ، كأنها سيئة السمعة،" ماشية على حل شَعرها " ، لأنها تقول فى اجازة الترقيع " تريد أن تتوب وتفتح صفحة جديدة " . شئ غريب جدا ، أن تلبس الفتاة " التهمة " هكذا فى عرض النهار ، على الملأ ، ويتم تصويرها أنها " منحرفة السلوك " ، لكننا سوف نعفو عنها ، لأنها تريد التوبة ، وصفحة جديدة . ما هذه الأوضاع المقلوبة ؟؟. ما هذا التزوير العلنى فى جرائم انسانية ، مثل الاغتصاب أو التغرير بالفتيات ؟؟. الفتوى لم تذكر كلمة عن " الفاعل " المغتصب ، الجانى الأصلى ، أو الذى ضحك على عقل فتاة صغيرة . ماذا نسمى هذا ؟؟. لا أصدق أن دار الافتاء المصرية ، تأخذ من موارد الدولة ، 298حاليا ، 295 مليونا ، و510 ألف جنيها ، فى بلد موارده محدودة ، وبزيادة 76 مليونا جنيها ، ( 34 % ) عن العام الماضى ، لكى تصدر للشعب المصرى ، مثل هذه الفتاوى ، التى لا تتفق مع العقل السليم ، ومع العدل . فتاوى تبرئ الجانى ، وتفترى على الضحية وتتهمها . فتاوى تناقض جوهر الشرف الحقيقى ، ووضوح الأخلاق ، والصدق ، والاعتراف بالحقيقة . وبما ان الفتوى جاءت على رد احدى الطبيبات ، التى تقوم بترقيع غشاء البكارة للفتيات ، فهذا معناه ، أن هذا الترقيع أصبح " بيزنس " للتكسب ، مسلحا برخصة شرعية ، من دار الافتاء المصرية . وتقول الفتوى ، أن هذا الترقيع ، من باب الستر ، ولا يغرر بأحد . كيف ؟؟. اذا كان كل هذا الترقيع ، من أجل أن تكون الفتاة عذراء ، عند الزواج ، ألن يكون الزوج هنا " مغررا به " ، حيث يتأكد أن الفتاة لم يمسها رجل غيره ؟؟. مشهد مضحك ، ويدعو الى الأسى فى آن واحد . فى ليلة الدُخلة المباركة الشرعية ، يستلم العريس عروسته البكر ، البتول ، سعيدا لأنه " البطل المغوار "الأول ، الذى اخترق حصن الغشاء المقدس ، والعروسة تضحك من أعماقها ، على زوجها الساذج المخدوع المضحوك عليه ، بالشرف المزيف ب " غُرزة " شرعية ، مقننة . فى ليلة الدُخلة المباركة الشرعية ، ينام الجميع ، مطمئن القلب ، على " الشرف " الرفيع ، الأسرة والعائلة وطبيبات الترقيع ودار الافتاء ، تلك " المحمية الطبيعية " بالترقيع . لا أعتقد أن هناك مجتمعات مثل مجتمعاتنا، مؤرقة فى نهارها وليلها ، بالجدل حول «شرف البنت» و«شرف المرأة» و«عذرية الفتاة»، ومنشغلة على مر عصورها وأزمنة السلف الصالح، وغير الصالح، بــ«مراقبة» ماذا تفعل المرأة بـ«النصف الأسفل» من جسدها، وإصدار الأحكام الأخلاقية والاجتماعية والثقافية والدينية. نظرة سريعة إلى حال مجتمعاتنا وتفزعنا الحقيقة. الكل يتسابق ليدلى بدلوه فى قضية شرف البنت. الكل متحفز لقول كلمته عن شرف المرأة. فالتقاعس عن ذلك يعتبر من باب الخيانة التى لا تغتفر، فشرف البنت، أو شرف المرأة، فى عرف المجتمع الذكورى هو شرف الأسرة، وبما أن الأسرة هى نواة المجتمع الأولى يكون «شرف» المرأة هو شرف المجتمع الذكورى كله بالضرورة، والكل «طواعية» مدفوعًا بنوازع الوطنية، وحماية الأخلاق، وشرف البلاد، يدخل فى «المزايدات» حول جسد المرأة وعذرية المرأة، والتى تعكس ثقافته ومصالحه ومزاجه وفكرته عن الشرف والأخلاق وعفة الجسد . الكل يقول كلمته حول جسد المرأة وشرفها إلا المرأة نفسها، صاحبة الجسد، ومالكة الجسد . تظل المرأة مختبئة وراء أنواع من «الأحجبة»، سواء من القماش أو من القيم، صُنعت تاريخيًا ، لكى تتلقى مبتسمة رأى الذكور فى جسدها وحكم الذكور فى أخلاقها ووصاية الذكور عن شرفها وعذريتها. قُدّر للمرأة أن تحمل لعنة الجسد الملتصق بها، تعانى ما يحيطه من قيم الأنوثة المزيفة، وما يسببه من أوجاع شهرية وتغيرات هرمونية ومضاعفات الحمل والولادة وعبء تنظيم النسل وأضرار العنف الجسدى وابتذال العرى لترويج السلع فى المحلات والإعلانات والمهرجانات والحفلات. كل ذلك دون أن يكون لها حق ملكية هذا الجسد، أو شرعية التحدث باسمه و الدفاع عنه ، أو حتى مجرد الغضب مما تبثه أنظمة التسلط الذكورية.
وتتجدد دائمًا، حوادث «العذرية» و«اغتصاب» الفتيات، وكم أفزعتنى وأدهشتنى الآراء التى قيلت عن كيفية «إعادة العذرية»، وبالتالى استرجاع الشرف للفتاة المغتصبة، حتى لا يقتلها الزوج فى ليلة الزفاف. إن «إعادة العذرية» بالخياطة وعمل غرز ليست فقط جريمة «طبية» ولكنها فى المقام الأول جريمة «أخلاقية» و«إنسانية» فى حق الفتاة المُغتصبة. ألا يكفى أن الفتاة قد تعرضت لاعتداء جنسى ، قد يصيبها بعقد جنسية ونفسية ، لا حل لها؟ . إن الاغتصاب اعتداء من فرد عليها ، واعتداء قد أُجبرت عليه. لكن «إعادة العذرية» بالخياطة والغرز والترقيع الشرعى ، اعتداء جماعى من المجتمع بأسره مدفوعة إليه باختيارها، وعلى ملء سمع وبصر الجميع. والكارثة الكبرى، أنه «اعتداء» يتم تحت اسم الشرف والأخلاق والفضيلة. الكارثة الكبرى أن الفتاة المغتصبة من «ذكر» فالت الشرف ، متسيب الأخلاق معدوم الفضيلة، هى الضحية المجنى عليها، ولكنها هى المطالبة من قِبل المجتمع بأن تدفع ثمن عدم الشرف وعدم الأخلاق وعدم الفضيلة للجانى. يطالبها المجتمع وهى الضحية ، بأن تضع جسدها المغتصب ، على مائدة الشرف المزيفة وتخضعه لعمليات القص واللزق والترقيع غير الأخلاقية ، برخصة من دار الافتاء المصرية ، المتحدثة بما يجب أن يكون ، وفقا للدين الاسلامى . أما الذكر القائم بالاغتصاب فهو حر تمامًا، وجسده فى مأمن ومحاكمته متهاونة، رقيقة، متفهمة للنوازع الكامنة، والدوافع الغريزية والكبت المتراكم وحقيقة موروثة تقول «الراجل ميعيبوش إلا جيبه». إن شرف البنت أو شرف المرأة ، ليس «غرزة» يتم ترقيعها أو عدم ترقيعها. إن شرف البنت أو شرف المرأة، ليس مكانه النصف الأسفل للجسد. إن الشرف، حتى يكون حقًا «شرفًا» أو فضيلة، أو أخلاقًا، لا بد أن تطبق معاييره على جميع البشر، دون تفرقة بين رجل وامرأة، بين غنى وفقير، بين أبيض وأسود . معايير واحدة لكل الأديان والملل والمذاهب والعقائد والأفكار. شرف الإنسان لا بد أن يكون واحدًا، ولا بد أن يكون مرتبطًا بالنصف الأعلى من الجسد، أى بالعقل والتفكير. فالعقل هو الذى يعطى الأوامر للجسد، والتفكير هو الذى يميز بين الأدب وانعدام الأدب. والتفكير مكانه النصف الأعلى من الجسد وليس أسفله. شرف الإنسان «رجلًا أو امرأة» هو قدرته على الاستقلال الاقتصادى والنفسى، هو القدرة على مواجهة العالم بما نؤمن به ونفعله، وليس إخفاؤه تحت اسم «الخوف من التقاليد»، أو «إعادة العذرية»، أو «ديكور الأخلاق». الشرف هو القدرة على السباحة ضد التيار ودفع ثمن اختلافنا. إن شرف المرأة هو فى عقلها وشخصيتها وفلسفتها، لتغيير ذاتها من كيان تابع مقهور إلى كيان حر مستقل. شرف المرأة هو رؤيتها النقدية لمجتمعها لتغييره إلى الأشجع والأعدل والأجمل والأصدق. إن مفهوم مجتمعاتنا عن «الشرف» مخجل ومضحك ومحزن فى آن واحد. كيف للإنسان العربى «الرجل العربى والمرأة العربية» أن يواجه مشكلاته الحاضرة وتحدياته المستقبلية ، وهو مقتنع بأن الأخلاق والفضيلة ، فى أسفل أجساد النساء، مشاريع «غرز» محتملة ؟؟. كيف للرجل العربى أن يثق فى مجتمعه ، ويشعر بالانتماء إليه ، ومجتمعه يطالب أخته أو ابنته أو خطيبته الفتاة المغتصبة «من رجل آخر»، بأن تخفى الأمر بـ«الترقيع» ، وتمارس الكذب الشرعى ؟؟. ما هذا المجتمع الذى يتعاطى الكذب والترقيع باسم الشرف؟. وما هذه المجتمعات التى تختصر المرأة الإنسانة العاقلة المفكرة الرشيدة ، فى «غرزة» ؟. لقد تعودنا على " الترقيع " فى كل القضايا . مافيهاش حاجة يعنى ، لما نرقع غشاء البكارة . على رأى المثل : " يعنى غشاء البكارة هو اللى وقع من قعر القفة ؟. بكامل الترقيع . احقاق الحق ، وعدم التمييز ، وتطبيق العدالة ، يجعلنا نتبنى شعار " الترقيع للجميع " .
-------------------------------------------------
#منى_نوال_حلمى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ربنا يستر
-
تزوجتك أيها القلم قصائد
-
- أريد امرأة حرة - هكذا يتكلم الرجل الحر
-
- رائحة الوطن - بينى وبين - نوال - أمى
-
ابحث عن امرأة غيرى ........ قصائد
-
المجتمع المدنى وحرية الاعتقاد أو عدم الاعتقاد
-
- رَجُلْ - أهم وأجمل وأرقى من الحب قصة قصيرة
-
راحلة فى - الخريف - الى حضارة - البحر - و زمن - الماء -
-
الانسان أهم من رأس المال
-
السيد درويش البحر .. اسرار وعنفوان وطزاجة وخلود - البحر-
-
الفقر والمحتل الأجنبى وسُلطات الذكور
-
السنبلة الممتلئة بالقمح
-
القٌبلة اختصار
-
هيا يا مصر افعليها ولا تخافى خفافيش الليل وخفافيش النهار
-
عقليات وأخلاق بعض أصحاب التعليقات على الكُتاب والكاتبات
-
أربع قصائد
-
كلمات الرئيس السيسى عن اعادة التفكير فى المعتقد الدينى
-
قصة حب ترقص على ايقاعات المستحيل
-
أسلمة أوروبا وخدعة فصل الدين عن الدولة
-
قصيدة ما أحتاج اليه
المزيد.....
-
الملكة رانيا تهنئ الأمير هاشم بعيد ميلاده العشرين
-
انتشال 30 جثة حتى الآن لضحايا كارثة مطار ريغان في واشنطن
-
الدفاع الروسية تعلن حصيلة جديدة لخسائر قوات كييف في كورسك
-
فوائد -مكملات الحمل- في تقليل مضاعفات الولادة
-
ماذا نعرف عن وحدة الظل في كتائب القسام المسؤولة عن تأمين الر
...
-
-مخاوف من سيطرة دينية على الحكم في سوريا- - جيروزاليم بوست
-
سانا: الرئيس أحمد الشرع سيلقي خطابا موجها للشعب السوري مساء
...
-
شاهد: فرحة أسرة الأسيرة أغام بيرغر بعد أن أفرجت عنها حماس
-
انهيار صخري في أعماق كاليفورنيا يكشف أسرار تكوّن القارات
-
سر -طبيب الموت- ولغز -عاصمة التوائم-!
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|