أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - داود السلمان - السعادة بين ابن خلدون و دوستويفسكي














المزيد.....

السعادة بين ابن خلدون و دوستويفسكي


داود السلمان

الحوار المتمدن-العدد: 7030 - 2021 / 9 / 26 - 16:58
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


ابن خلدون صاحب المقدمة الشهيرة يعتبر أن السّعادة تحصل للفرد من خلال كسب المال والحصول على المزيد من الثروة؛ وهو عادة ما يحصل لأهل التملق من المتزلفين الذين يتقربون للحاكم وللسلطان، بحسب تعبيره، ولكل من يمتلك جاه وثروة يمكن له من خلال ذلك أن هو ايضًا سيكسب مثل تلك الثروة، وبرأيه أنَّ ذلك الانسان المتملق سيصبح ثريًا، معتقدًا أن تلك الثروة ستمنحه السعادة، تلك السعادة التي ينشدها جميع البشر.
ابن خلدن يؤكد على أنَّ هناك كثير من الناس الذين يرون أن في كثرة المال وتكدسَه تكمُن السعادة، إذ بالمال يوصلون الى الجاه، وبه تتحقق السعادة.
يقول ابن خلدون: "...أنّ الجاه يفيد المال لما يحصل لصاحبه من تقرّب النّاس إليه بأعمالهم وأموالهم في دفع المضارّ وجلب المنافع. وكان ما يتقرّبون به من عمل أو مال عوضا عمّا يحصلون عليه بسبب الجاه من الأغراض في صالح أو طالح. وتصير تلك الأعمال في كسبه وقيمها أموال وثروة له فيستفيد الغنى واليسار لأقرب وقت. ثمّ إنّ الجاه متوزّع في النّاس ومترتّب فيهم طبقة بعد طبقة، ينتهي في العلوّ إلى الملوك الّذين ليس فوقهم يد عالية. وفي السّفل إلى من لا يملك ضرّا ولا نفعًا بين أبناء جنسه وبين ذلك طبقات متعدّدة حكمة الله في خلقه بما ينتظم معاشهم وتتيسّر مصالحهم ويتمّ بقاؤهم لأنّ النّوع الإنسانيّ لا يتمّ وجوده وبقاؤه إلّا بالتّعاون بين أبنائه على مصالحهم، لأنّه قد تقرّر أنّ الواحد منهم لا يتمّ وجوده وإنّه وإن ندر ذلك في صورة مفروضة لا يصحّ بقاؤه".
فالحرص والجري وراء جمع الاموال والثروة في رأي ابن خلدون قد تحصل الانسان الى المفسدة، وتسيئ ربما اخلاقه، وبالتالي لا نحقق السعادة المنشودة. ابن خلدون رغم يشرحه لوسائل المكسب وهو امر مشروع ومباح للجميع، لكن لابد أن تحصل بالنتيجة المفسدة، وبدل أن نريد طلب السعادة ربما يحصل الهم والغم.
لكن السعادة لدى الكاتب الكبير دوستويفسكي شيء مختلف جدًا عما يراه ابن خلدون؛ السعادة يراها دوستويفسكي تكمن بمعرفة الله حينما تطلب شيئاً فلا تجد من يلبيه لك سواه الله، ويوعز السعادة ايضًا للحب؛ كأن نحب بعضنا بعضًا، كأن نحب الفقير والمحتاج بأن نسعفه بما نقدر عليه، او نحب من هو يريد السعادة والمحبة لنا، وتسعده سعادتنا. يقول دوستويفسكي "إن السعادة لا يصنعها الطعام وحده، و لا الثياب الثمينة، ولا الزهو والحسد، وإنما يصنعها حب لا نهاية له". فالغذاء الجيد والملبس الجيد والزهو بالنفس، لا من باب التكبر والغرور، هو من يصنع السعادة، فأحيانًا تجد من متوفر لديه كل هذه الاشياء، بل وحتى لو امتلك سيارة فارهة وبيتًا جميلاً، وثروة طائلة وبناء يحيطون به، وهو لا يشعر بطعم السعادة، ولا يجد أثر للسرور يغازل شغاف قلبه، بل تجده حزينًا مهمومًا منعزلا عن الآخرين، منزويًا في ركن ركين في عزلته، وبالمقابل تجد ازاءه من لا يمتلك كل هذه الاشياء المادية التي يمتلكها هذا الشخص، الا أنه منشرح مسرور لا يعبأ لشيء. لإذن، السعادة لا تتحقق بهذه الاشياء وانما تتحقق براحة البال وبالانشراح وبالتعايش مع الآخرين خصوصًا حينما تستطيع أن تنجز لهم عملا ما انت باستطاعتك أن تفعله ففعلته.
ويطرح الروائي الكبير هذا السؤال: "هل يستطيع المرء أن يحب جميع أقرانه البشر بغير استثناء؟ ذلك سؤال طرحته كثيراً على نفسي، فكان جوابي: لا، حتماً! حتى أن ذلك ينافي الطبيعة، وما حب الإنسانية إلا معنى مجرد، من خلاله لا يحب المرء إلا نفسه".
ذلك لكون الانسان اناني بالطبع، ودائمًا ما يفضّل نفسه على الآخرين في كل شيء، بما فيها الاشياء البسيطة من التي قد لا تعني له شيء، لكن كون المقابل هو بأمّس الحاجة لها، فأنه يحاول أن يضمها الى نفسه ويكون أشد الحرص عليها.
وعليه نجد دوستويفسكي يؤكد على ما نوهنا عليه على لسان أحد ابطاله في رواية العظيمة "الاخوة كرامازوف"، "إنني أحب الإنسانية، غير أن هناك شيئا في نفسي يدهشني: كلما ازداد حبي للإنسانية جملة واحدة، نقص حبي للبشر أفرادًا... إنه ليتفق لي كثيرا أثناء اندفاعي في الأحلام أن تستبد بي حماسة شديدة ورغبة عارمة جامحة في خدمة الإنسانية، حتى لقد أرتضي أن أصلب في سبيلها إذا بدأ هذا ضروريًا في لحظة من اللحظات. ومع ذلك لو أريد لي أن أعيش يومين متتاليين في غرفة واحدة مع إنسان، لما استطعت أن أحتمل ذلك، إنني أعرف هذا بتجربة، فمتى وجدت نفسي على صلة وثيقة بإنسان آخر أحسست بأن شخصيته تصدم ذاتي وتجور على حريتي، إنني قادر في مدى أربع وعشرين ساعة أن أكره أحسن إنسان. فهذا في نظري يصبح إنسانًا لا يطاق لأنه مسرف في البطء في تناوله الطعام على المائدة، وهذا يصبح في نظري إنسانًا لا يطاق لأنه مصاب بالزكام فهو لا ينفك يمخط، إنني أصبح عدوًا للبشر متى اقتربت منهم... ولكنني لاحظت في كل مرة أنني كلما ازددت كرها للبشر أفرادًا، ازدادت حرارة حبي للإنسانية جملة".
إذن، مفهوم السعاد فيه تفاوت ما بين فيلسوف، وفيلسوف، ما بين مفكر، ومفكر، ما بين كاتب وكاتب آخر، فالسعادة لها عدة مدلولات بمفهوم معيّن. لذلك نرى نحن أن السعادة تكون في ترك شؤون وخصوصيات الآخرين، والانتباه الى ما يعنينا وندع ما يعني الآخرين، لأن كلّ فرد مشغول بما هو يعنيه، وليس للفرد وصايا على الآخرين، وعدم تدخله في ذلك يعني صفاء ذهنه وعدم تشويه باله. فاذا صفا الذهن يستطيع الانسان أن يفكر بما هو في مصلحته، واذا لم ينشغل البال لا تتسرب اليه غيوم الهم السوداء.



#داود_السلمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة اولية في فكر الدكتور خزعل الماجدي/ المقدمة
- قراءة اولية في فكر جوستاف لوبون 4/ 4
- قراءة اولية في فكر جوستاف لوبون 3/ 4
- قراءة اولية في فكر جوستاف لوبون 2/ 4
- قراءة اولية في فكر جوستاف لوبون 1/ 4
- الاخلاق عند دوستويفسكي3/ 3
- ما هي الرسالة التي أراد ايصالها دوستويفسكي في (المقامر)
- الاخلاق عند دوستويفسكي2/ 3
- تجربتي مع كورونا- مقال ذاتي لا يخلو من فلسفة1 /2
- تجربتي مع كورونا- مقال ذاتي لا يخلو من فلسفة2 /2
- (دعِ النّارَ) نص الشاعر أمير الحلاج.. والنتيجة الابيقورية
- الاخلاق عند دوستويفسكي1/ 3
- اسبغ وضوء القصيدة
- (ليلة اغتيال محسن المجنون) للقاص أحمد السلمان.. وميشيل فوكو
- (أحوال الزهرة) نصوص طالب حسن.. وفلسفة الجمال الكانتية
- قصة (الحصاوي) للقاص سعدي عوض الزيدي خطوب بطعم الالم
- (كم مضى من الوقت؟) لوليد حسين وفلسفة التاريخ
- قصيدة (غذّ سيّرك) للشاعر سرحان الربيعي ومبدأ الشك الديكارتي ...
- في (وصايا العائد) عمر السراي ماذا قال للطلقة التي قتلت حُلمن ...
- في قصيدته - قرب حانة (المرايا)- عبد الحُرّ يؤرخ للجنون وللذك ...


المزيد.....




- أعاصير قوية تجتاح مناطق بالولايات المتحدة وتسفر عن مقتل خمسة ...
- الحرس الثوري يكشف عن مسيرة جديدة
- انفجارات في مقاطعة كييف ومدينة سومي في أوكرانيا
- عشرات القتلى والجرحى جراء قصف الطيران الإسرائيلي لمدينة رفح ...
- القوات الأوكرانية تقصف جمهورية دونيتسك بـ 43 مقذوفا خلال 24 ...
- مشاهد تفطر القلوب.. فلسطيني يؤدي الصلاة بما تبقى له من قدرة ...
- عمدة كييف: الحكومة الأوكرانية لا تحارب الفساد بما فيه الكفاي ...
- عشرات الشهداء والجرحى في غارات إسرائيلية متواصلة على رفح
- الجامعات الأميركية تنحاز لفلسطين.. بين الاحتجاج والتمرد والن ...
- بايدن يؤكد لنتنياهو -موقفه الواضح- بشأن اجتياح رفح المحتمل


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - داود السلمان - السعادة بين ابن خلدون و دوستويفسكي