أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - دوستوييفسكي والعبث














المزيد.....

دوستوييفسكي والعبث


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 7026 - 2021 / 9 / 21 - 11:24
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


أركيولوجيا العدم
٨٦ - دوستوييفسكي والعبث


يحلل ألبير كامو في أسطورة سيزيف رواية " ألمأخوذون " لدوستوييفسكي، وهي الرواية التي يدين فيها الحركة الثورية الروسية وينعت ألمجموعة العدمية - الثورية التي تدور في فلك نيتشاييف وباكونين بالممسوسين. وقد كان كامو معجبا بهذه الرواية ذات الطابع الرجعي وضد الثورة لدرجة أنه حولها إلى مسرحية. ودرس شخصية كيريلوف المهندس الذي نظر لفكرة الإنتحار المنطقي، أو الإنتحار العقلي الغير عبثي. يريد أن ينتحر ليحقق فكرته، والتي تتلخص في أن الله ضروري وواجب الوجود، ولكنه يعرف بأنه غير موجود ولا يمكنه أن يكون موجودا، وهذا في رأيه يشكل سببا كافيا للإنتحار ليؤكد حريته الرهيبة في غياب المتعالي، وبذلك يصبح إلها ليشغل هذا العدم الروحي والأونطولوجي. وهذه صورة مكثفة للعبث بحد ذاته، أن يقتل كيريلوف نفسه ليصبح إلها، بطبيعة الحال هو لا يتكلم عن الإله - الإنسان، وإنما عن الإنسان الذي أصبح إلها أي المسيح الذي تعذب ومات مسمرا على الصليب بدون مبرر ومن أجل لا شيء. لقد عاش المسيح وسط الكذب ومات من أجل كذبة، ولذلك يجسد المسيح المأساة البشرية والداء الذي ينخر الإنسان من الداخل لأنه حقق الوضع الأكثر عبثية. ويرى كيرولوف أن أي إنسان يمكن أن يصلب ويخدع مثل المسيح، والألوهة التي يبحث عنها هي ألوهة الإنسان الذي يرفض الرضوخ والإستسلام والطاعة والتبعية. إنه بالأحرى موقف المتمرد الوجودي أو الأناركي وليس العبثي. فإذا كان الله موجودا فهو الذي يتحمل مسؤولية ما يحدث وما نقوم به، يمكن أن نسرق ونقتل ونغتصب أموال الناس ونبرر كل ذلك بمشيئة الله ،لأن كل شيء متوقف ومرتبط بمشيئته وإرادته والإنسان مجرد أداة لتنفيذ هذا المخطط. أما إذا كان الله غير موجود فإن كل شيء سيتوقف على إرادة الإنسان وحده وهو الذي سيحمل صليبه ومساميره ومطرقته فوق ظهره ولا أحد يمكنه مساعدته، وهذا يناقض تماما فكرة دوستوييفسكي المعروفة " في غياب الله كل شيء ممكن". يسأل ستافروجين كيريلوف : هل تؤمن بالحياة الأبدية في العالم الآخر؟ ويجيب كيريلوف : كلا، بل أؤمن بالحياة الأبدية في هذا العالم. الإنسان ابتدع فكرة الله والحياة الأبدية وبقية الأساطير لكي لا يقتل نفسه، وكيريلوف أراد إنقاذ البشرية من الله ومن الإنتحار وذلك بإقدامه على الإنتحار هو نفسه. ورغم التناقض السطحي في هذا الأمر، إلا أن إنتحار كيريلوف ليس عبثيا، وربما لا يوجد أصلا أي إنتحار عبثي على الإطلاق، لأن الإنتحار نابع عن إختيار والإختيار هو ممارسة حرية الوجود، وهذا وحده يعطي معنى للحياة وللموت. إنتحاره يشبه التضحية بحياته من أجل أن يثبت للعالم عدم ضرورة الإله وعدم ضرورة الإنتحار لغياب هذا الإله، وذلك عن طريق التأكيد بوجود طريق الحرية، بدلا من الإنصياع والتبعية والإستسلام. ألبير كامو كان مهتما بفكرة الحرية، مثله مثل دوستوييفسكي، ويضع الحرية الفردية المباشرة في مواجهة العدالة والتاريخ، ولهذا اتخذ طريق تثمين القيم الإنسانية العامة، مثل حقوق الإنسانية وإلغاء عقوبة الإعدام وحرية التعبير والحريات البرجوازية عموما والتي في النهاية تمكنت من مسخ هذا "الإنسان الحر" المنعزل في زنزانته الذاتيه إلى مجرد "مستهلك" و"مشاهد" و"مستمع" و"ناخب"، ولم يعد له أي وجود إجتماعي حقيقي قادر على صناعة التاريخ أو تغيير العالم.

يتبع



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القطيعة بين الفن والفلسفة
- عن العبث والحرية
- العلاقة بين العبث واللامبالاة
- نسبية العبث النظري
- براءة القاتل
- محاكمة القاتل
- نفس المواطن السيء الحظ
- الجريمة والعبث
- رواية الغريب
- كامو الغريب المنتمي
- شكوى مواطن سيء الحظ
- سعادة سيزيف
- ألبير كامو
- حبوب منع الملل
- كيفية الحياة في عالم يحتضر
- الحياة، حادثة مميتة
- الشاهد
- مسقط الرأس
- بيكيت ونفي العدم
- الزنزانة رقم ٢٢


المزيد.....




- معلقا على -عدم وجوب نفقة الرجل على علاج زوجته-.. وسيم يوسف: ...
- مشتبه به يشتم قاضيا مرارًا وسط ذهول الأخير وصدمة متهم آخر.. ...
- نائب رئيس الوزراء الصربي: لست -عميلا روسيا-
- -نيويورك تايمز-: التدريبات المشتركة بين روسيا والصين تثير قل ...
- بالضفة الغربية.. مقتل 5 فلسطينيين برصاص القوات الإسرائيلية ...
- -معاناتي لم تنته بخروجي من السجن، لكن فقط تغير شكلها- - أحد ...
- شاهد: الرضيعة ريم أبو الحية الناجية الوحيدة من عائلتها الـ11 ...
- صحيفة SZ: بولندا لم تقدم أي مساعدة في تحقيق تفجيرات -السيل ا ...
- بولندا والولايات المتحدة توقعان عقدا لشراء 96 مروحية -أباتشي ...
- -إسرائيل ترغب في احتلال سيناء من جديد-.. خبراء: لا سلام مع ت ...


المزيد.....

- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج
- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - دوستوييفسكي والعبث