أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله عيسى - الكسندر بلوك :مغنّي الضوء















المزيد.....

الكسندر بلوك :مغنّي الضوء


عبدالله عيسى

الحوار المتمدن-العدد: 7025 - 2021 / 9 / 20 - 15:25
المحور: الادب والفن
    


الكسندر بلوك : مغنّي الضوء


كان مقدّراً للشاعر الروسيّ الكسندر بلوك أن يستلهم في إبداعاته تراث بوشكين وليرمنتوف ونيكراسوف ، ويطوّر ما أتتْ على إنجازه من تحوّلات جماليّة ، و أن يذكِّر بالعصر الذهبي للقصيدة الروسية الذي خطّوهُ بعبقرياتهم الفذّة، و أن يصبح أحدَ أهمِّ منابعِ الأدبِ الروسيّ الجديد.
فقد كانت تجربتهُ الإبداعيّة حصيلةً للانتقال من القصيدةِ الصوفيّة إلى القصيدة الّتي عبرت عن مكنوناتِ الحسِّ الشعبي و تفاعلاته. وهذا ما جعلَ نتاجاته بمثابةِ يوميات ٍ للشعب الروسيّ بحساسيةٍ شعريّة فريدة،و اعتُبرَ أحدَ أهمِّ شعراء روسيا المُخلصين.

لقد كثّف بلوك في رسالةٍ إلى المسرحيّ الشهير قسطنطين ستانسلافسكي تفاعلاتِ روحه حين قال: "إنّ موضوعةً واحدةً تملأُ كياني: الموضوعةُ الروسيّة . أهبُ أفكارها حياتي بوعي و دون تراجع. يبدو لي جليّاً أنّها سؤالُ الأسئلة.. أتلمّسها، منذ زمن طويل ، منذ بدايات وعيي لحياتي ،و أعتقد أنّ سبيل طموحي ، بالضبط ، كسهمٍ مباشرٍ وحقيقيّ. فقط، يمكن أن يكون سهمي غيرَ مصقول... وعلى الرغم من حالات قلقي ، سقوطي، شكّي ، وندمي أمضي .ليس عبثاً. هذا يمكن فقط بعفوية ظاهرة، وربّما بتشتّت ظاهريّ أحمل اسمَ: روسيا.و هنا يكمن السؤال: الحياة أو الموت.السعادة أو الشهادة".
لقد عاش بلوك حياةً قصيرة،عُمرها أربعون عاماً .لكنّ عالَمهُ الإبداعيّ يتمتّعُ بعبقريّة و حساسيّة غير عاديّة، وبعمقٍ و أمانةٍ واضِحيَنْ عبّر عن سِني مصيرِ روسيا الأكثر قساوة.
لقد عاصر نهاية القرن التاسع العاشر و بدايةَ العشرين ، وشهدَ الثّورة الروسيةَ الأولى، و فترة ما بَيْن الثَوْرتين ، و أخيراً ثورةَ أوكتوبر..هذه المُنْعَطفاتُ المَلْحَميّة الّتي اِلْتَقطَها الشاعر و كثّفها بعبقريّةٍ شعريّةٍ في مَلحمته" الاثني عشر" لتكونَ ديوانَ مصيرِ الشاعر و وطنه.
إذن لا يمكنُ فهمَ عالَمِ بلوك الإبداعيّ خارجَ فَهْم تفاعلاتِ روسيا جميعها. وعلى الرغم أنّ بلوك لم يكَن ، قط،شيوعياً، ولم يقدّمْ طلبَ انتسابٍ للحزب و يكون احد أبواقِهِ السّلْطَوِيّة ؛إلّا أنّ رموز السُلطة السوفيتية أدركوا أهميّته , حتّى أنّه اُقترِحَ أن يكون أحد أعمدة تحرير "دار الآداب العالميّة" الّتي أشرف عليها مثقف النظام مكسيم غوركي، فقد أقرَّ الجميع أنّ بلوك : مُغنّي روسيا الأصيل.


هكذا !
يعبرونَ..خُطاهمُ جبّارةٌ..واثقةْ
خلفهمْ جروٌ جائعٌ
يعبرون، إذن،قُدُماً
باللواء المُدمّى
و لا
لا نرى خلف عاصفةِ الثلج.
ولامحضَ بشرى
تردّدها الطلقاتُ الّتي تقتفي خطّ آثارِنا.
بدبيبٍ يسيرُ على جنباتِ الأديمِ.
بخُطى تتوّحدُ برذاذِ الثلوجِ اللؤلؤيّ
أماماً..أماماً
أيّها المسيحُ المُقدّس.
حين أنهى الشاعر ألكسندر بلوك خاتمة ملحمته"الاثنا عشر" هذه، كتبَ في مُذكّراته: "أشهدُ اليوم أنّني عبقريٌ".لكنّ هذه العبقريّة لم تكن محض صُدفة أو نتاجَ فعلٍ فجائيّ.
فقد وُلِدَ الكسندر بلوك في 16 تشرين ثاني 1880 لأبٍ محامٍ ذي شخصيّةٍ فريدة و مُدّرّسٍ جامعيّ، لكنّ صورتَهُ في ذاكرةِ الابن الكسندر ظلّت غائمة: فقد انفصلَ مُبكّراً عن أمه الكساندرا، ابنة عالِمٍ شهيرٍ و مدير جامعة بتربورغ، المدينة التي وُلد فيها الشاعر.
لقد ترك الجدُّ العالِم ،و الجدّةُ الأديبة المُترجِمة ، و الّتي ارتبطتْ بعلاقاتٍ طيّبة مع أشهر رموز عصرها الثقافيّين مثل غوغول وتولستوي و دستويفسكي، أثراً عميقاً في حياة شاعر المستقبل بلوك الّذي كتب: "لقد ورثتُ عن جَدَّي حبَّ الأدب ".
و فضلاً عن حبّ الجَدّيْن و تعلّقهما ومعرفتهما بالأدب فقد كانا مُحافِظَيْن ، يُنافِحان عن الأفكار والتطلّعات الإنسانيّة و اللّيبراليّة ن فقد كانتْ رؤاهما بمثابةِ النافذة الّتي فتحتْ عقلَ الشاعر ، منذ الطفولة ، على التساؤل ؛لكنّ أمَّهُ حاذقة الذكاءالحالمة ، بروحِها القلقة، وتعاطفِها المعلن مع الرموز الثوريّين آنذاك ساهمتْ في تشكيل روحِهِ، ممّا جعله يصفها فيما بعد بقوله:"أُمّي كانت ضميري"، ويعبِّر عن عالمِهِ نحوها شعراً بقصيدةٍ أهداها إليها، بعنوان : أمّي.
يا شقيقةَ روحي ،
انظُري
كيف يجري قطيعُ الغيومِ الكتيمةِ في السهلِ السماويّ،
تحت ظلّ القمرِالشاردِ
هل ترينَ ضوءَها الشاحبَ ،
الكتيمَ،
الفارغَ
يعبرُ مخترقاً هُيولى الفضاءِ.

كفى نظراً في بحرٍ من النجوم
كفى سعياً إلى القمرِ الباردِ
غيرُ كافيةٍ هذه السعادةُ في المرتعِ الدنيويّ؟
ألا يكفي هذا اللهيبُ في نارِ القلبِ؟

لم يستجبْ لكِ الهلالُ الباردُ
ليسَ به عزمٌ للصعودِ إلى مدارِ النجومِ القصيّةِ،
و في هذه البلادِ النائيةِ لا يزالُ يضيء
و بردُ القبرِ يُلاقيكِ حيثما حللتِ.

و يلتهبُ قلبُ بلوك، و هو في السابعةِ عشر من عمره عشقاً بالسيّدة كيسينا سادونكايا، ذات السابعةِ والثلاثين من العمر ، و كانت أمّاً لثلاثة أطفال، ويظلّ يهبَها خلاصةَ روحِهِ الشعريّة حتّى يلتقي بالحسناء لوبوف مندلييفا الّتي تستحوذ على كيانِه، فيتزوجَها؛لكنّ روحَ الشاعر فيه التائقةَ إلى الانعتاق تحرّضه مراراً على هجرها،ثمّ من جديد العودةَ إليها متأججَّاً بعشقها و التوق إليها.
لقد كتب: " لديَّ امرأتان فقط .الأولى لوبا ( اسم الدلع من لوبوف )، والثانيةُ النساءجميعاً.
لكنّ لوبوف تقع في حبّ الشاعر أندريه بيلي، صديق بلوك الحميم،و تهجره معه ، ثمّ تعود إليه، وتلد طفلاً.فيهبُ بلوك الطفلَ لقبَه، و حبّاً أبوياً عزيزاً.



في الإطارِ القريبِ إليّ على الطاولةْ
تلألأ وجهُكِ.
قدْ حلّتِ الساعةُ القاحلةْ
حين غادرتِ
مُهْمِلًةً خلفكِ البيتَ
أذكرُ..
في هدأةِ الليلِ
كيف رميتُ، مع الريحِ ، خاتمَكِ القُدسيّ
لأنّكِ أسلمتِ غيري مزايا أنوثتكِ المُذْهلةْ.

ويتأثّر بلوك بالفكر المسيحيّ كفلسفة من خلال تعلّقه بالمذهب الرمزيّ، وبالأفكار الفلسفيّة لأفلاطون و أرسطو، كما تأثّر بصديقه أندريه بيلي أيضاً؛ لكنّ الأثر الأكبر عليه،كما يعترف في سيرته، كان للفيلسوف الروسي فلاديمير سالافيوف الذي أكّد في كتاباته أنّ الأرض انعكاس لعالَم الغيب، و قد وجد بلوكأنّ أفكار سالافيوف تجيب على معظم الأسئلة التي حيّرت صباه.
و على الرغم من تأثّر بلوك بالفكر المثالي المسيحي ،إلّا أنّه كان يُفرِّق بين الدين والتصوّف،إذ اعتبر أنّ الدين لا ينسجم مع تطلعات الفنّ، لأنّه اتحاد الشرّ ضدّ العالَم،لكنّ التصوف خلاصةٌ لاتحاد العالَم ضدّ التعبيرات الدنيويّة، ولعلّ هذا كله جعل شعر بلوك في تلك الفترة مشحوناً بطاقاتٍ تعبيريّةٍ رمزيّة، مُعبِّراً عنه بصورة شعريّة مفعمة بسحريّة غامضة ، و أحياناً بغموضٍ ساحرٍ.

في الليلِ،
حيث يسكنُ الهاجسُ،
و تتلفّعُ المدينةُ بسديمِ العتمةِ.
كمْ لدى الربّ من الموسيقا،
و أيّ الأصواتِ تعمّ الأرضَ؟!.

يا زوبعةَ العمرِ!
ماذا لو أنّ وروَدكِ تضيءُ لي وتحترقُ.
أيّ الدموعِ البشريِّة تنطفئُ
عندما يتوّردُ الغروبُ؟!.

يا حاكمةَ العالمِ
بالدمِ
والويلاتِ ،
والأضرحةِ!
تقبّلي شهوةَ قدحي الأخيرةَ
من عبدٍ ليسَ جديراً.

و مع ذلك، فإن روح بلوك ظلّت محتفظة برومانتيكيّة عذبة ،لأنّه آمن أنّه لا يوجد شيء في الكون لا يستحق أن نغنّي له منشدين.
ولعلّ العواصف التي ارتجّت لها روسيا مزّقت روح الشاعر القلقة، كان أهمّها وقائع الأحد الدامي في عام 1905 ، عام الثورة، حيث أطلق عسكر القيصر النار على الجمهور الثائر ، وفق روايات مؤرّخين ، فقتل المئات وجرح الآلاف، وهذا ما حفّز الشاعر على الانتقال من أفق القصيدة المتصوّفة إلى القصيدة الّتي تقترب من حركة الواقع والحسّ الإنسانيّ.
و لأنّ بلوك كان قد كتب: " يمكن أن يغفرُ العصر للفنان كلَّ أخطائه ، عدا خطيئةً واحدة و هي خيانته لروح عصره"، فقد جسّد شعره إيقاع زمنه وبشّر بالثورة، و عبّر عن آفاقها.
وعلى الرغم من الانكسارات المتكرّرة، و الإحباطات الّتي عانتها روسيا وثوراتها، إلا أنّ روح الشاعر ظلّت تنعم بالتفاؤل ،وتبتسم للغد الآتي.

نحن التقينا في المعبدِ،
و نعمنا بالعيشِ في روضٍ سعيدٍ،
لكنّ اللعنةَ
والمعاناةَ
وصلتْ إلينا عبر البوّاباتِ العَفِنَةِ.
و عبرنا كلّ البوّاباتِ
وفي كلّ منها رأينا نافذةً
حيث تستلقي على الظهورِ المنحنيةِ
أحمالٌ ثقيلةٌ.

لكنّ الأمل بروسيا ظلّ يملأ روح بلوك مغنّي روسيا الخالد.
و بقي المسيح كرمزٍ للخلاص الأبديّ ،صورة جماهيرها التائقة ، أبداً إلى الانعتاق.



#عبدالله_عيسى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشاعر الفلسطيني عبدالله عيسى يكتب : تساؤلاتُ أيمن عودة في ح ...
- في مديح أنثى الضاد
- الشاعر الفلسطيني عبدالله عيسى يكتب : خطبة خضر الظفيري في حضر ...
- الشاعر الفلسطيني عبدالله عيسى يكتب : جرعة ٌ زائدةٌ من الوقت ...
- الشاعر الفلسطيني عبدالله عيسى يكتب : زيارة أخرى لعابر أعمى آ ...
- الشاعر الفلسطيني عبداله عيسى يكتب: أشجار تتألم
- اغفري لي
- ذاك هو الحب
- سماء أخرى نظيفة
- آنا أخماتوفا : في ذلك الوقت ، ضِفتُ على الأرض .
- الشاعر الفلسطيني من بين ثلاثة شعراء حول العالم في كتاب عام ا ...
- الشاعر الفلسطيني عبدالله عيسى يكتب : في ذكرى النكبة : مازلنا ...
- وسام الثقافة والعلوم والفنون الفلسطيني يمنح لعدد من الكتاب ا ...
- المركز الروسي - القدس- متضامناً مع الشعب الفلسطيني : الممارس ...
- الرئيس الفلسطيني محمود عباس : المسجد الأقصى حق إسلامي خالص
- سفير فلسطين في روسيا عبد الحفيظ نوفل : المجلس الوطني الفلسطي ...
- سفير فلسطين في روسيا عبد الحفيظ نوفل : نثق بدور روسيا ، وندع ...
- الشاعرالفلسطيني عبدالله عيسى يكتب : علي دوابشة ، النبي ابراه ...
- الشاعر الفلسطيني عبدالله عيسى يكتب : أنا النهاية أروي لأبقى
- سفير فلسطين في روسيا عبد الحفيظ نوفل في يوم القدس العالمي : ...


المزيد.....




- أصيلة تناقش دور الخبرة في التمييز بين الأصلي والمزيف في سوق ...
- محاولة اغتيال ترامب، مسرحية ام واقع؟ مواقع التواصل تحكم..
- الجليلة وأنّتها الشعرية!
- نزل اغنية البندورة الحمرا.. تردد قناة طيور الجنه الجديد 2024 ...
- الشاب المصفوع من -محمد رمضان- يعلق على اعتذار الفنان له (فيد ...
- رأي.. سامية عايش تكتب لـCNN: فيلم -نورة- مقاربة بين البداوة ...
- ماذا نريد.. الحضارة أم منتجاتها؟
- 77 دار نشر ونحو 600 ضيف في معرض مكتبة الإسكندرية للكتاب
- رحيل الممثلة الأمريكية شانين دوهيرتي بعد معركة مع مرض السرطا ...
- مبروك مقدما.. خطوات الاستعلام عن نتائج الثانوية العامة اليمن ...


المزيد.....

- الرفيق أبو خمرة والشيخ ابو نهدة / محمد الهلالي
- أسواق الحقيقة / محمد الهلالي
- نظرية التداخلات الأجناسية في رواية كل من عليها خان للسيد ح ... / روباش عليمة
- خواطر الشيطان / عدنان رضوان
- إتقان الذات / عدنان رضوان
- الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد ... / الويزة جبابلية
- تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً / عبدالستار عبد ثابت البيضاني
- الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم ... / محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
- سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان / ريتا عودة
- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله عيسى - الكسندر بلوك :مغنّي الضوء