كوسلا ابشن
الحوار المتمدن-العدد: 7023 - 2021 / 9 / 18 - 22:25
المحور:
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني
في مثل هذا اليوم ( 18سبتمبر 1921) أعلن جيش تحرير الريف بقيادة القائد محمد عبد الكريم الخطابي, عن قيام جمهورية الريف (جمهورية إتحاد قبائل الريف), و هي جمهورية دمقراطية قائمة على الأسس الحداثية للدولة المعاصرة.
السياق التاريخي:
كانت سنة 1921 كارثية على الجنرال المتغطرس سيلفستر وعلى جيشه الإستعماري, فقد إنهزم الجيش الاستعماري أمام ثوار جيش التحرير الريفي أشر هزيمة في معركة ذهار أوبرن في 1 يونيو 1921, الإنتصار الذي حفز على إنشقاق الجنود الريفيون في القوات الإستعمارية والإنضمام الى ثوار جيش التحرير بقيادة الخطابي, كما تدفق مقاتلون جدد من أيت توزين, وتمسامان, وأيت ورياغيل, و أيت عمرت, و أيت جميل, و أيت بو إفراح, و أيت عطفت, مما زاد من قوة وعدد قوات جيش التحرير الذي قفز إلى ما بين 3000 و4000 جندي بحلول منتصف يونيو . لقد كان ذهار أوبرن, بداية اتحاد قبائل الريف ضد الإستعمار وإعلان الجمهورية المستقلة.
في 22 يوليو 1921, دحر جيش التحرير الريفي القوات الإستعمارية في معركة أنوال, التي فقد فيها الإسبان آلاف الجنود ما بين قتيل و أسير, بما فيهم مقتل الجنرال المتغطرس سيلفستر والكولونيل موراليس, وغنم الثوار أسلحة و ذخيرة و أدوية و مؤونة , كما أجبرت أنوال, الجيش الإستعماري عن الإنسحاب من المناطق الغير المحصنة وتراجع الى الإختباء وراء الأسوار. كانت معركة أنوال كارثية على الإسبان والأوروبيين, فقد كانت أحدى أعظم الهزائم التي لحقت بقوة إستعمارية أوروبية. كارثية أنوال و ما تلته من إنتصارات على الجيش الإستعماري, قد أسرعت في الإعلان عن تأسيس الجمهورية.
جمهورية الريف:
في 18 سبتمبر 1921, أعلن قائد جيش التحرير الريفي, محمد عبد الكريم الخطابي عن تأسيس جمهورية مستقلة دمقراطية و حداثية (جمهورية الريف). بموجب الإعلان عن النظام السياسي الجديد (الجمهورية), وجه رئيس الجمهورية محمد عبد الكريم الخطابي خطابا الى الدول المشاركة في مؤتمر الجزيرة الخضراء, جاء فيه:" نحن, حكومة جمهورية دولة الريف, المعلنة في يوليو 1921, نعلن ونبلغ القوى المشاركة في مؤتمر الجزيرة الخضراء سنة 1906, أن التوجهات التي تحكمت في هذه الاتفاقية لا يمكن تحقيقها, وكما بين التاريخ, وارتباطا بالخطئ الأولي بأن بلدنا يشكل جزءا من المغرب. جغرافيا, بلدنا جزء من القارة الإفريقية, ولكنه مختلف, فقد شكل من الناحية الإثنية عرقا مستقلا عن باقي الأعراق الإفريقية, كما أن لغتنا مختلفة عن باقي اللغات, ... ومن خلال هذا الإعلان ندعو جميع الأشخاص من مختلف مناطق العالم ومن مختلف الدول القدوم لاكتشاف المناطق المجهولة عبر علماء وجيولوجيين وكيمياويين ومهندسين لأهداف تجارية وليس لأهداف حربية...". و يضيف "خلال يوليو 1921 أبلغنا سفراء بريطانيا وأمريكا وفرنسا وإيطاليا في طنجة أنه أعلنا جمهورية الريف ونحن نخوض حربا رابحة ضد اسبانيا للدفاع عن استقلالنا, وسنستمر في ذلك حتى تحقيق السلام والحرية والاعتراف باستقلالنا بما في ذلك جميع مناطق الجمهورية، الممتدة من الحدود مع المغرب حتى البحر الأبيض المتوسط ومن ملوية إلى المحيط الأطلسي".
في أبريل 1922, بعث رئيس جمهورية الريف برسالة الى عصبة الأمم مطالبا الإعتراف الرسمي بالجمهورية, إلا أن طلبه قوبل بالرفض, بإعتبار العصبة لم تكن إلا أداة فض النزاعات بين الدول الإستعمارية ( جهاز إستعماري).
رغم عدم الإعتراف الدولي, فإن دولة الريف أسست جهاز "دبلوماسي" , موزع بين الدول يمثل حكومة دولة الريف. كان في الجزائر ( قائد حدو بن حمو), و في منطقة الحماية الفرنسية (سي محمد بن محمد الحسن الوزاني), وفي طنجة (سي عبد الكريم بن الحاج علي, وسي العربي الوزاني, ومولاي علي الخمليشي) وفي باريس (أحمد بلول). كان في لندن (سي محمد بوجيبار).
كانت الجمهورية الفتية بكوادر شابة, مثلوا الجيل الجديد في الريف المختلف عن الأسلاف, جيل حلم بإخراج الريف من البنية التقليدية (السوسيو-إقتصادية) والموروثات البالية الغير المسايرة للعصر الجديد. كان جيل الثورة أكثر تعليما و إنفتاحا على مستجدات العصر(المكننة والتعليم العصري), وفي هذا السياق حاول محمد عبد الكريم تحديث الجمهورية, فقد ألغى القوانين التقليدية المتخلفة مع الحفاظ على ما هو تقدمي فيها, وقام بإصلاحات في المجال القانوني و الإقتصادي والإجتماعي و السياسي.
لقد كان تنظيم الجيش و التعليم من بين الأولويات الخطابي, ولهذا فكر الرئيس في التنظيم العسكري العصري المنضبط والمدرب, وقد إستفاد الرئيس من الجنود الريفيين الهاربين من الجيش الإسباني و من خبرة بعض الجنود الأمميون الذين إنضموا لجيش التحرير الريفي, و بفضل جندي أسباني (أنتونيو), إنضم لجيش التحرير الريفي, و شقيق الرئيس أمحمذ, تم إقامة شبكة هاتفية ربطت معظم القبائل والمراكز العسكرية, وبهذا كان الرئيس يعلم في وقت وجيز بما يحدث على الجبهات و في نواحي الجمهورية ويصدر أوامره. مثلت جمهورية الريف, أول محاولة ناجحة لتأسيس نظام سياسي مركزي في المنطقة, تم تعيين ضباط المراقبة في كل تراب الجمهورية للحد من قوة القواد المحليين. عملت شبكة من المواقع العسكرية على السيطرة بشكل أفضل على مناطق القبائل. ظروف الحرب لم تمهل للرئيس الوقت الكافي لبناء جيش عصري يتوفر على السلاح الجوي والبحري والمشاة, كما كان يطمح إليه. وفي ميدان التعليم أنشأت الحكومة الريفية بعض المدارس العصرية و من ضمنها مدرسة للبنات تدرس المواد العصرية, القادرة على إنقاذ الريف من التخلف بعيدا عن الكتاتيب القرآنية المنتجة للجهل والتخلف.
الحرب الاستعمارية (التحالف الفرنكو-الإسباني والبيدق العروبي), لم تمنح الجهمورية زمن النمو والرقي والإستمرارية, إلا أن الجيش الريفي قاوم ببسالة وألحق بالجيوش الإستعمارية هزائم فادحة. في الحرب الريفية-الاسبانية كانت فرنسا في أول الأمر أعلنت الحياد وذلك آملا في الحصول عن ممتلكات جديدة على حساب الإسبان, الا أن إنتصارات ثوار جيش تحريرالريف المتتالية أرعبت الحكومة الفرنسية الإستعمارية, وأحست بأن إنتصارات الريف قد تأثر على مستعمراتها في شمال افريقيا كلها, وبهذا أتخذ في باريس قرار تدمير جمهورية الريف. بدءا بالإستلاء في صيف سنة 1924 على وادي ورغة الخصب, مصدر الحبوب لمنطقة الريف, سعيا الى خنقها وسحقها بالجوع. في ابريل 1925 قامت قوات جيش التحرير الريفي بهجوم معاكس حرر المنطقة حتى إقترب من حصن القوات الاستعمارية الفرنسية بتازا. وكما هو الحال في أنوال, فعل الريفيون ما لم يكن أحد يعتقد أنه ممكن, ففي 12 أبريل 1925, بدأت قوات الريفية المنظمة, التي تراوح قوامها بين 4000 و 6000 جندي, تقدمها على جبهة عريضة واخترقت الخطوط الفرنسية. في الشرق حاولت القوات الريفية قطع الاتصال بين فاس وتازا ووجدة وفي الغرب هددت وزان. في يوليو 1925, كانت القوات الريفية على بعد 30 كيلومترا فقط من فاس.
كانت الحكومة الفرنسية غير راضية عن المارشال ليوتي. في يوليو 1925 كان عليه أن يسلم قيادة القوات الفرنسية في المورك للجنرال ناولين. إلى جانبه جاء الجنرال المارشال فيليب بيتان. استقال ليوتي من منصب المقيم العام وعاد إلى فرنسا.
كان سبتمبر 1925 نقطة تحول في حرب الريف. فقد زادت إسبانيا قوتها العسكرية إلى 200000 جندي. و على الحدود الشمالية للمحمية الفرنسية كان هناك حوالي 160.000 جندي فرنسي مقابل حوالي 60.000 إلى 80.000 من مقاتلي جيش الريف. نجح الفرنسيون في طرد جيش الريف من مناطق المحمية الفرنسية بين 11 و 15 سبتمبر 1925. بدأ جيش الريف يقاتل على أربعة جبهات من الشرق والجنوب الفرنسيون والغرب و الشمال الإسبان. حشدت إسبانيا وفرنسا 800 ألف جندي ضد جمهورية الريف, بما في ذلك جنود ال علوي, بحجة الدفاع عن السلطنة والإسلام ضد المتمردين.
في 18 مايو 1926, استعاد الإسبان نقطة البداية لحرب الريف, أنوال. بعد يومين كان الاتصال مع الوحدات الفرنسية على جبهة أجدير ناجحا, ثم سقطت تارغيست في 23 مايو 1926, بدأت البلدات الريفية تسقط واحدة تلوى الآخرى. في 27 مايو 1926, استسلم الرئيس محمد عبد الكريم الخطابي للقوات الفرنسية, وبعد سنة ألقت آخر قبيلة من قبائل الريف السلاح. أنفقت فرنسا وحدها تكلفة الحرب 1.8 مليار فرنك. كان لدى كل من القوتين الاستعماريتين 300 طائرة ، بما في ذلك سرب من الولايات المتحدة.
نفي الرئيس و عائلته الى جزيرة لارينيون, وقضى هناك 21 سنة, بعيدا عن بلده الريف و شعبه وأحداثه ومقاومته. و في سنة 1947, أثناء نقله الى فرنسا للإستقرار بمرسيلسيا, توقفت باخرة كاتومبا بميناء بورسعيد, وهناك تمت مؤامرة خطفه مع عائلته من السفينة من طرف الحركة الكولونيالية العروبية, و أجبر الرئيس على المكوث بمصر تحت الإقامة الإجبارية حتى إستشهاده.
مئة سنة كاملة على تأسيس جمهورية الريف. و رغم فشل مشروع تقرير مصير الريف, لأسباب متعددة, قد أعدها الرئيس, أولها التزمت الظلامي الإسلامي المنتشر في الريف أنذاك, ففي مقابلة معه, منشورة في 5 نوفمبر 1926 في مجلة المنار, قال: "كان التعصب الديني هو السبب الرئيسي لفشلي, إن لم يكن السبب الوحيد. لأن زعماء الإخوان لهم تأثير في الريف أكبر مما لهم في المغرب أو في بلاد الإسلام".
ثانيا: الزمن القاهر لخوض حرب تحررية وتقرير مصير الشعب الريفي في أوج قوة وغطرسة القوى الاستعمارية, وكما قال ع. الكريم "، لقد أتيت مبكرًا جدًا, لكنني مقتنع بأن آمالي ستتحقق عاجلاً أم آجلاً, بقوة الأشياء وتسلسل الأحداث".
ثالثا: الحرب الكيمياء المدمرة الوحشية للقوى الاستعمارية ( إسبانيا وفرنسا و بيدقهم العروبي) ضد الريف, و التي خلخلت ميزان القوى بين قوة الارادة الريفية في الدفاع عن الأرض والنفس وتقرير المصير وبين اللاعدالة العدة والعدد الحربي الاستعماري, و خصوصا إستعمال السلاح الكيميائي الفتاك الذي إستهدف تدمير أرض الريف و إبادة الشعب, فقد قصف بهذا السلاح المحرم دوليا, مواقع الجيش و المدنيين العزل في الأسواق والحقول الزراعية والمنازل, و يكون السلاح الكيميائي هو العامل الذي أدى الى الإستعجال في فتح مفاوضات وقف إطلاق النار والإستسلام.
كيفما كانت أسباب الفشل سيبقى المشروع التحرري الذي قاده جيش التحرير الوطني الريفي, ما زال حي في ذاكرة الاحرار, ومازال قابل للتنفيذ في لحظة إنضاج شروطه الموضوعية والذاتية.
#كوسلا_ابشن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟