|
جدلية العلاقة ما بين الوطنية والأمن الإنساني
ليلى موسى
الحوار المتمدن-العدد: 7019 - 2021 / 9 / 14 - 22:42
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كثيراً ما تتبع السلطات والدول استراتيجيات طويلة الأمد، استراتيجيات تكون مئوية في بعض الأحيان، استراتيجيات تشمل كافة مناحي الأمنية والعسكرية السياسية والاقتصادية والتعليمية.....إلخ. مع تسخير ميزانيات وطاقات بشرية هائلة لتنفيذ تلك الاستراتيجيات، متبعين أدوات ووسائل وتكتيكات شتى، لتهيئة المجتمعات وتشكيل الحاضنة الاجتماعية، ومن أجل قبول تلك الاستراتيجيات دون عوائق وعراقيل تحول دون تطبيقها عبر تعبئة الجماهير ايديولوجياً وفكرياً مستهدفين اياهم بكافة الوسائل الإعلامية المسموعة منها والمرئية والمقروءة وعبر مناهج مؤدلجة ودورات فكرية وثقافية لإقناعهم بأنها تساهم بالدرجة الأولى في خدمة الوطن والشعب. والتي من المفترض أن تساهم في بناء الأوطان وازدهارها وتقدمها، ولكن على العكس تماماً يوماً بعض يوم تغوص مجتمعات اتباع تلك الاستراتيجيات في مستنقع التناقضات والتي غالباً ما تنتهي بمشاكل وأزمات مستعصية، مختلفة أثارها التدميرية يمتد تداعياتها لعقود من الزمن. السؤال الذي يطرح نفسه، هل الخلل يمكن في بنية تلك الاستراتيجيات، أم في التطبيق؟ بالرغم في الكثير من الأحيان تطبيق تلك الاستراتيجيات تؤمن حالة أمن واستقرار شبه مطلق، وتقلل حالات الجرائم والجنايات إلى أدنى مستويات، وتحقق قفزة نوعية في بعض المجالات الاقتصادية، ولكنها تفتقد إلى تحقيق الأمن والطمأنينة النفسية لأبنائها مترافقة مع تراجع اجتماعي وأخلاقي وفكري وإبداعي وانعدام الثقة وحياة شاحبة. هذه الاستراتيجيات التي توضع بحنكة ودراية لغايات وأهداف محددة خدمة لفئات وشريحة معينة في المجتمعات، وهذا ما لم يتحقق إلا عبر آلة العنف والاستبداد ومجتمع مستبعد، لذا يزداد الهوة يوماً بعد يوم بين طبقات المجتمع، مع تأكل واضح للطبقة الوسطى، التي تشكل خطاً دفاعياً وسداً منيعاً أمام انهيار المجتمع، وتزايد حجم الطبقة الفقيرة. استراتيجيات تستند إلى سياسة التجويع واركاع الشعوب، سياسة تقتل الطموح والأهداف العليا، وتعمل على إبقاء الإنسان ضمن إطار تأمين احتياجاته الأولية، ومحور تفكيره تأمين لقمة العيش والبقاء على قيد الحياة. سياسة تزرع في العقول بأن الدولة والجيش ملكاً للطبقة الحاكمة أو مختزلة بالشخص الحاكم، سياسة تزرع في العقول بأن مساحة ملكك وانتماءك تختصر ضمن إطار المنزل ورصيف أمام باب المنزل لذا يجب الا نستغرب حين نجد مواطناً يهتم بنظافة بيته والرصيف فقط لا يعير اهتماماً بنظافة بلده، سياسة تزرع الرعب والخوف وفقدان الأمان على مبدأ "الحياط لها آذان". كل ذلك كان كفيل بخلق شخصيات نمطية، اجترارية، ذو أفق فكرية وثقافية ضيقة، تعيش أقصى درجات الاغتراب في أوطانها. استراتيجيات وضعت لتحقيق الأمن الاقتصادي، والمائي، والسياسي، والعسكري......إلخ، إلا أنها كانت تخلو من تحقيق الأمن الإنساني وهي الحلقة الأولى والأهم في ضمان وتحقيق ما تبقى من مجالات الأمن. فسوريا على سبيل المثال كانت من الدول قل نظيرها من ناحية الأمن والاستقرار التي كانت تتمتع بها، بينما كانت تمارس الجرائم والفساد والسرقات من قبل من يتمتعون بالحصانة وفئات من السلطة الحاكمة أو حاشيتها. وكانت من بين الدول تتميز لفترة من الفترات بوجود فئة بسيطة ممن يعيشون تحت خط الفقر، كان من الممكن تفاديها أم الآن فقط تجاوزت 80% ممن يعيشون تحت خط الفقر، مع ذلك كانت تعيش أعلى دراجات من التناقضات بسبب قبضتها الأمنية واستراتيجياتها التي كانت تخلو من الوطنية والأمن الإنساني. وخير دليل على ذلك بعد اندلاع الأزمة السورية وجدنا ولاءات وانتماءات للشخصيات والعشائر والفصائل والدول، مع وجود شريحة لا بأس بها تميزت بالانتماء الوطني. طبعاً هنا بكل تأكيد لا نقلل من أهمية الشخصيات والعشائر والعائلات بل على العكس كان من المفترض بأن يوحد هذا الغنى والتنوع الانتماء الوطني. ففي الغالب يرجع ضعف الانتماء الوطني إلى واقع الأمن الإنساني، وباعتقادنا هناك علاقة جدلية وثيقة ما بين الوطنية والأمن الإنساني. كلما تضمنت الاستراتيجيات مشاريع وأولت الاهتمام بالأمن الإنساني كلما كانت هناك روابط وطنية وثيقة تزيد من الانتماء الوطني والارتباط مع الأوطان. فالأمن الإنساني يبدأ من تأمين احتياجاته الغرائزية البيولوجية الأولية إلى الأمنية وتوفر الفرص وأخرها التقدير الاجتماعي. يضمن للإنسان الاستمرارية بالبقاء على قيد الحياة، حياة مليئة بالطمأنينة والتمتع بالحقوق والحريات، مجتمع يوفر له مكانة اجتماعية يضمن له الاحترام والتقدير والكرامة. لكن ما تعيشه غالبية المجتمعات الشرق الأوسطية، وكسوريين على وجه الخصوص، لم يكن الوطن بالنسبة لهم سوى سجن مفتوح سجن قيد حرية التفكير والرأي وحقوق مسلوبة، يدار بقضبة من الحديد والنار، مواطن يخشى الحديث بحرية هو داخل بيته على مبدأ "الحيان لها آذان". فأي استراتيجية لا توضع الأمن الإنساني في مقدمة أجنداتها، ستكون هشة وضعيفة ومنبع لخلق الأزمات وتدمير البلدان والإنسان والعالم، وتهديداً للسلم والأمن الدوليين والحياة مليئة بالأمثلة. كالمرتزقة السوريين الذين تحولوا إلى فوبيا تخشاهم البشرية جمعاء على سبيل المثال وليس الحصر. لذا، فبناء الأوطان وتماسكها وازدهارها ورفاهيتها الاقتصادية وتقدمها العلمي، يبدأ من بناء الإنسان عبر توفير منظومة تضمن وتحقق له الأمن الإنساني. بيئة يعيش فيها المواطن بحالة طمأنينة نفسية، يستطيع التفكير والتحدث بصوتٍ عاليٍ، معبراً عن وجهات نظره وآراءه، بيئة تمنحه الشعور بأن جزء منها والعكس صحيح يعيش أعلى درجات الوئام والتأقلم معها، بيئة توفر له تناغم وانسجام بين العواطف والعقل محقق استقراراً نفسياً. ومحققة بذلك توفيراً للوقت والجهد والإمكانيات يعود بالفائدة للجميع. حينها نستطيع القول بأن تلك المجتمعات لها مستقبل ويكتب لها ولمحيطها الإقليمي حتى الدولي النجاح والرفاهية.
#ليلى_موسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المعارضة السورية الإسلاموية نحو المزيد من الإفلاس
-
طالبان... والأيديولوجية المناهضة للديناميكية والتغيير.
-
درعا... والعودة إلى المربع الأول
-
الحوكمة الرشيدة كاستراتيجية لحل الأزمات
-
السيناريو السوري.. خبايا استثمار أردوغان لأزمة اللاجئين الأف
...
-
أفغانستان.. نهاية التطرف، أم بؤرة لتجميع الإرهاب ؟.
-
لا بديل لسوريا عن اللامركزية
-
اللاجئون السوريون في تركيا نحو المزيد من الاستغلال والاضطهاد
-
الإدارة الذاتية سفينة النجاة لإيصال سوريا إلى بر الأمان
-
لا للإبادات العثمانية بحق الإيزيديين
-
النهضة؛ تساقط آخر أحجار الدومينو الإخواني
-
الاستبداد والإرهاب.. وجهان لعملة واحدة
-
المقدمات الخاطئة لا تفضي لنتائج صحيحة
-
ثورة المرأة: عودة إلى الذات بعد زمن الاغتراب
-
المرتزقة حصان طروادة الطغاة
-
عفونة ذهنيكم ترهق أرواحنا
-
الفقر.. البيئة الحاضنة للتطرف والاستبداد
-
ازدواجية المعايير الدولية
-
المرأة هي الحياة الحرة
-
صراع على المعابر بذرائع إنسانية لتمرير مشاريع سياسية واقتصاد
...
المزيد.....
-
اصطدمتا وسقطتا في نهر شبه متجمد.. تفاصيل ما جرى لطائرة ركاب
...
-
أول تعليق من العاهل السعودي وولي العهد على تنصيب أحمد الشرع
...
-
بعد تأجيله.. مسؤول مصري يكشف لـCNN موعد الإفراج عن فلسطينيين
...
-
السويد: إطلاق نار يقتل سلوان موميكا اللاجئ العراقي الذي احرق
...
-
حاولت إسرائيل اغتياله مرارا وسيطلق سراحه اليوم.. من هو زكريا
...
-
مستشار ترامب: نرحب بحلول أفضل من مصر والأردن إذا رفضتا استقب
...
-
الديوان الأميري القطري يكشف ما دار في لقاء الشيخ تميم بن حمد
...
-
الجيش الإسرائيلي يواصل عملياته العسكرية في الضفة الغربية ويق
...
-
بعد ساعات من تعيينه رئيسا لسوريا.. أحمد الشرع يستقبل أمير قط
...
-
نتانياهو يندد بـ-مشاهد صادمة- خلال إطلاق سراح الرهائن في غزة
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|