|
الفقر والمحتل الأجنبى وسُلطات الذكور
منى نوال حلمى
الحوار المتمدن-العدد: 7014 - 2021 / 9 / 9 - 02:59
المحور:
الادب والفن
-----------------------------------------------
قليلة هى الأعمال الفنية ، التى تبنى قيما جديدة ، للعلاقات بين البشر ، تكون أكثر انسانية ، وعدلا ، وحرية . وبالتالى تخلق حضارة مغايرة ، يمكنها اسعاد الانسان ، والارتقاء به . هذا بالطبع ، دون أن تكون فجة ، غير جذابة ، تخل بشرط توافر المتعة ، والبهجة .
وهذا أمر ، تشترك فيه ، كل بلاد العالم . مما يوضح ، كم هو صعب جدا ، أن يتورط مثلا ، فيلم ، فى اقناع البشر ، بأن حياتهم كاذبة ، مزيفة ، عنصرية ، وأن عليهم ، فعل شئ ما ، لتغييرها ، ورغم ذلك ، يستمتعون بالفيلم ، على مدى ساعتين . وربما يشاهدونه ، أكثر من مرة.
" الثورة " ، مع " المتعة " ، هذا هو التحدى ، أو السهل الممتنع ، فى أى عمل فنى .
ان المتعة فى العمل الفنى ، متعة ، تحرض على التفكير ، فى آفاق جديدة ، وعلى اعادة طرح الأسئلة ، وعلى غربلة العواطف ، والمشاعر الانسانية ، بشكل بشكل خفى ، ناعم ، تماما مثل ، آشعة الشمس ، فى الخريف ، التى تتسلل الى الجلد ، فى هدوء ، وسلاسة ، ونعومة .
وكل هذا ، لابد أن ينبع ، من قيم الجمال ، والاستمتاع ، والسرور . والا أصبح العمل الفنى ، غير فنى ، وقبيحاً ، ومنفراً ،وفاشلاً .
يُقال أن افتقاد العمل الفنى ، للمتعة ، والجمال ، والنعومة ، يجعله مباشرا ، مثل الخطب السياسية ، والأغانى الوطنية الحماسية. لكننى أرى ، أن الخطب السياسية ، والأغانى الوطنية ، الحماسية ، حتى تكون مؤثرة ، لابد أن تكون ، مثل العمل الفنى ، ممتعة ، و جميلة ، و هادئة ، و سلسة .
أتخيل لو مثلا ، منذ ثلاثينيات القرن الماضى ، كنا نشاهد أفلاما سينمائية ، تقدم لنا ، التحدى الأكبر ، والسهل الممتنع ، أى الثورة ، مع المتعة ، لكان لدينا تيار جماهيرى واسع ، وأجيال متتالية ، ورأى عام شعبى ، متقدم ، يقف الى جانب الحرية ، والعدالة ، والجمال . وكنا خطونا ، خطوات واسعة ، على طريق الرقى الحضارى .
لكن بكل أسف ، هذا لم يتحقق.
ودعونى أضرب مثلا واحدا ، بقيمة الشرف فى مجتمعاتنا . كل الأفلام العربية ، كلها ، دون استثناء ، اعتبرت أن شرف الزوج ، هو خيانة الزوجة ، وشرف الأب ، أو الأخ ، أو شرف كبير العائلة ، الذكر ، لا يُقاس بسلوكياته ، وأخلاقه ، هو شخصيا . ولكن بفقد الأنثى ، لعذريتها ، قبل الزواج .
وهو الأمر ، الذى يستوجب قتلها ، سترا للعرض الذى تم انتهاكه ، والتخلص من أكبر عار يمكن أن يلحق بالأسرة أو العائلة ، واستعادة للشرف ، الذى تمت استباحته . وجاءت جريمة شنعاء مقززة ، اسمها " جريمة الشرف " ، تعبيرا ماديا مجسدا ، لهذا التفكير الهمجى البربرى ، والمضحك أيضا . يزيد على هذا المفهوم المتدنى لمعنى الشرف للانسان ، سواء كان رجلا ، أو امرأة ، أن الذكرالذى استغل حب ، وثقة ، الفتاة ، الضحية ، يذهب حرا ، دون عقاب ، دون أى نبذ ، اجتماعى ، أو قانونى ، أو أخلاقى . على العكس ، فهو يعتبر الدونجوان الذى يجب الزهو به ، والصياد الماهر للفتيات والنساء ، الواجب تقدير براعته فى رسم الخطط للايقاع بهن . وربما يصبح قدوة ، للشباب المحبط المكبوت ، أو غير المحبط ، والغير مكبوت ، للتصرف مثله ، حتى ينالون المديح الذى يلقاه الدونجوان ، أو صيًاد الفتيات والنساء . وحتى يكون الفيلم ، متمردا ، على هذا المفهوم غير الشريف لمقياس الشرف ، لابد أن تكون كل أسرة الفيلم ، الكاتب ، والمخرج ، والأبطال ، والمنتج ، يؤمنون برسالة الفن ، فى التغيير ، والقيادة ، والريادة ، وضرورة كشفه ، للقيم ، والعلاقات ، والأخلاق ،التى تكرس للظلم ، والفساد ، والانحلال ، والذكورية ، والقبح ، والتفرقة ، وازدواجية المقاييس .
والحق يُقال ، أن السينما المصرية ، قدمت أعمالا كثيرة ، كشفت قبح ، وقهر ، وتسلط ، وفساد ، القيم الطبقية ، حيث " الأعلى " ، ماديا ، واجتماعيا ، يستغل ، ويقهر " الأدنى ". كما قدمت السينما المصرية ، أفلاما كثيرة ، عن مقاومة الشعب المصرى ، وتوحده ، ضد الاحتلال الأجنبى ، والاستعمار الخارجى . والسينما المصرية ، متخمة بالأفلام التى تقف الى جانب الأمانة ، والوفاء بالكلمة ، والاخلاص فى العمل ، ونزاهة اليد ، ونظافة الذمة .
لكننا لا نجد أفلاما ، كشفت بالقدر نفسه ، وبالدرجة نفسها ، قبح ، وقهر ، و تسلط ، وفساد ، القيم الذكورية .
والشئ الجدير ، بالملاحظة ، أنه اذا وجدت بعض الأفلام النادرة ، تصور الفتاة ، أو المرأة ، اذا تمردت على القيم الذكورية ، فانها فى آخر الفيلم ، لابد من عقابها ، بالقتل ، والموت ، أو يحدث لها حادث ، يشلها ، ويقعدها عن الحركة ، طوال حياتها ، أو يطولها النبذ الاجتماعى ، والأخلاقى ، لتعيش مأساة أو عدة مآسى ، وحيدة ، بائسة .
أو يتم ترويضها ، لتدخل ، مرة أخرى ، الحظيرة الذكورية ، وقد ندمت أشد الندم ، على تمردها ، وعدم طاعتها .
لا يوجد فيلم عربى واحد ، يصور امرأة ، لا تطيع الازدواجية الأخلاقية ، وتفضح غياب العدالة بين الزوجة وزوجها ، وتتمرد على سلطات الذكور فى الأسرة أو العائلة ، وتكون نهايتها ، حياة هادئة ، سعيدة ، ناجحة. والسؤال ، لماذا يكون التمرد على التفرقة الطبقية ، بين الفقراء ، والأغنياء ، أو التمرد على سُلطة المستعمر المحتل الخارجى ، أمرا مستحسنا ، يؤيده الجميع ، ويرفع صاحبه الى قمة البطولات ، بينما التمرد على التفرقة بين النساء والرجال ، وعلى سُلطات الذكور ، داخل الزواج ، وخارجه ، أمر مستهجن من الجميع ، مجرم ، ومكروه ، ومحرم ، وينزل بصاحبته ، الى قاع النبذ الاجتماعى .
تحظى المرأة الفقيرة ، بمنْ يتعاطف معها ، ضد الفقر ، وضد ُسلطة المحتل الأجنبى ؟ . ولا تحظى بأى تعاطف ، حين تقف ضد سُلطة الذكر . ان القهر الواقع على النساء من مهانة الفقر ، أو مذلة احتلال المستعمر الخارجى ، ليس أهون من مهانة ومذلة الوقوع تحت سٌلطات الذكور .
هناك فارق جوهري، شاسع ، بين نجوم السينما ، أو الفن عامة ، و نجوم التغيير الحضارى المتقدم .
هناك فارق كبير ، بين موهبة فطرية ، و جهد واع ، لدور الموهبة ، فى تغيير الحياة .
هذه هى محنة ، و أزمة ، و مأساة ، الفن ، فى مجتمعاتنا ، وربما فى العالم كله ... المواهب كثيرة ، متعددة . لكنها لا تحمل رؤية لعدل المقاييس المختلة . هى تكتفى ، بتقديم التسلية ، الممتعة . وهذا فى حد ذاته ، هدف لا غبار عليه . ولكن الى جنب الأعمال المسلية الممتعة ، لابد أن تكون هناك أعمال فنية ، خاصة فى السينما ، تقدم التسلية الممتعة ، ومعها تثير التساؤلات الممنوعة ، وتحرض على الشك فى المسلمات والموروثات والاجابات المعلبة الجاهزة ، وتحفز العقول النائمة على اعادة تأمل الحياة ، وتمنح نورا كان خافيا ، أو محجوبا بجدران أسمنتية مسلحة . على أن يتم ذلك ، دون الاخلال بشرط الجمال ، و تقديم المتعة ، ورقى المستوى الفنى لكل العناصر المشتركة ، لاكمال العمل المبدع .
#منى_نوال_حلمى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السنبلة الممتلئة بالقمح
-
القٌبلة اختصار
-
هيا يا مصر افعليها ولا تخافى خفافيش الليل وخفافيش النهار
-
عقليات وأخلاق بعض أصحاب التعليقات على الكُتاب والكاتبات
-
أربع قصائد
-
كلمات الرئيس السيسى عن اعادة التفكير فى المعتقد الدينى
-
قصة حب ترقص على ايقاعات المستحيل
-
أسلمة أوروبا وخدعة فصل الدين عن الدولة
-
قصيدة ما أحتاج اليه
-
تدوس على الخطوط الحمراء ولا تشرب من كوكتيلات الترقيع
-
السيطرة على - ألم البشر والسيطرة على - حرية - البشر
-
قصيدة نختبئ تحت الغطاء
-
ثلاث قصائد
-
- أسلمة - الموجة الحارة بضاعة فاسدة قاربت على الافلاس
-
أديب يكتب لنا من تحت التراب
-
3 أغسطس ... ميلاد رجل يفرحنى
-
نقد الاجماع المتواتر للفكر العلمانى
-
امرأتان
-
التوأم الفاسد
-
أحوال الفن والأدب بعد 69 عاما من ثورة 23 يوليو 1952
المزيد.....
-
اصدارات مركز مندلي لعام 2025م
-
مصر.. قرار عاجل من النيابة ضد نجل فنان شهير تسبب بمقتل شخص و
...
-
إنطلاق مهرجان فجر السينمائي بنسخته الـ43 + فيديو
-
مصر.. انتحار موظف في دار الأوبرا ورسالة غامضة عن -ظالمه- تثي
...
-
تمشريط تقليد معزز للتكافل يحافظ عليه الشباب في القرى الجزائر
...
-
تعقيدات الملكية الفكرية.. وريثا -تانتان- يحتجان على إتاحتها
...
-
مخرج فرنسي إيراني يُحرم من تصوير فيلم في فرنسا بسبب رفض تأشي
...
-
السعودية.. الحزن يعم الوسط الفني على رحيل الفنان القدير محم
...
-
إلغاء حفلة فنية للفنانين الراحلين الشاب عقيل والشاب حسني بال
...
-
اللغة الأم لا تضر بالاندماج، وفقا لتحقيق حكومي
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|