أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - الحياة، حادثة مميتة














المزيد.....

الحياة، حادثة مميتة


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 7013 - 2021 / 9 / 8 - 12:55
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


أركيولوجيا العدم
٧٣ - فكرة الموت والعدم

"لا أحيا إلا لأن في وسعي الموت متى شئت. لولا فكرة الإنتحار لقتلت نفسي منذ البداية."
إيميل سيوران

الحياة ظل الموت، فالحياة هي الحالة التي يمكن ان يوجد فيها الموت. والموت ليس نقيضا للحياة حيث لا يستطيع القضاء على الحياة قضاء تاما لأنه بذلك يقضي على نفسه ايضا، فالموت حد للحياة كما ان الحياة هي بداية الموت.
الموت يمكن ان يقابلك عند اول زقاق تنعطف نحوه ويجلس أمامك على أي طاولة منزوية في أي مقهى شعبي لا يفصلك عنه سوى صدفة في غاية البساطة وفي غاية السخف أيضا. فنحن لا نستطيع إدراك المعنى الحقيقي للحياة دون إدراك طبيعة الموت، والمذاهب الفكرية الحقيقية لم تظهر الى الوجود الا وهي طافية فوق أكوام الجثت وأنهار وبحار من الدم.
وقد أدرك العديد من المفكرين والفلاسفة هذه الحقيقة مثل أبوحامد الغزالي، المتصوف الفارسي قبل عشرة قرون هذه الحقيقة، فقرر ان معرفة الحياة شرط لإدراك الموت، ولم يستطع بطبيعة الحال ان يذهب الى حد اعتبار إدراك الموت هو الشرط الوحيد لإدراك الحياة. ولقد أدرك العديد من المفكرين فيما بعد هذه الحقيقة، دوستويفسكي أدرك بعمق معنى ان يكون المرء حيا ثم ينطفئ فجأة مثل عود الثقاب، وتحدث طويلا عن حقيقة الحياة ومعنى ان يكون المرء واقفا يستشعر البرد ثم فجأة يلف العدم كل شيء وينطفئ احساسه بالشمس ورائحة الأشجار والتراب، الانسان يدرك ذلك لحظة يجثو عللى ركبتيه أمام المقصلة ويتحسس بعنقه ملمسها البارد، بينما تمتد صحراء سيبريا الثلجية أمام البصر حتى تعانق الافق. وغريب كامو" ميرسو" أدرك هو الآخر مقدار حبه للحياة وروعة أن يكون المرء حيا، يقضى اماسيه في التدخين وقراءة الصحف أو الإسترخاء على الرمال الدافئة على الشاطيء، أدرك ذلك حين يتطلع إلى السماء من خلال فتحة ضيقة في زنزانته المظلمة حيث ينتظر خطوات جلاده بين لحظة واخرى. فالإنسان لايكتشف وجوده الحي والبالغ الثراء الا في لحظات الوجود الكبرى، لحظات الوجود المكثف وهذه لا تظهر كاقوى ما هي الا في مواجهة الموت. فالموت ليس موضوعا يغلف الحياه من الخارج، بل هو كائن في أعماق الدقائق اليومية المتكررة للحياة، وحين يكتشف المرء ان الموت باطن في الحياة وانه ملتصق به كجلده، يبدأ في التساؤل، هل تستحق الحياة حقا ان تعاش؟ والإجابة على هذا التساؤل هي البداية لكل فلسفة حقيقية. فجميع الذين استشعروا الموت، وتحسسوا اطرافه باصابعهم، اكتشفوا ان حريتهم المزعومة مجرد كذبة ملونة، فنحن حقا لنا الحرية المطلقة، ولكن داخل هذه الزنزانة وليس خارجها، فالموت يحد الحياة، حدا قاسيا لا سبيل إلى اجتيازه، بل لا سبيل إلى نسيان وجوده. وقد بحث الكثيرون عن فتحة ما في جدار الرعب هذا، ولقد ظن الكثيرون انهم توصلوا إلى حل ما، بينما اعلن بعضهم بكل برود بانه لا توجد فتحة على الإطلاق، بل يجب ان نتمرد على وضعنا الحالي وبذلك نقهر اللامعنى في الحياة. في حين أعلن آخرون بأن هذا التمرد بدوره مجرد حيلة برجوازية لامعنى له. فالحل الوحيد هو تقبل الموت كحقيقة وجودية، كما هو وبذلك نعيش الحياة التي تعودنا عليها قبل أن نتعلم حرفة التفكير، أو نشنق انفسنا. أما الغزالي وغيره من اللاهوتيين فانه تخيل وجود شيء ما خلف الجدار وكان يمتلك من القوة ما جعله ينسى" الفتحة" ولايهتم الا بما هو موجود خارج حدود واقعة. وبذلك تخلص من الخوف والقلق من الحياة، وبحث في الفلسفة والشعر والحياة والموت، ولكن بدون انفعال لأنه كان ينطلق من الحل الديني الذي بين يديه، فلم ينظر إلى الموت على انه مشكلة على الاطلاق بل نظر اليه كنظرة سقراط، فلا يهرب من الموت وان كان لايسعى اليه أيضا.
والموت كما يحلله الدكتور عبد الرحمن بدوي : إشكالية ومشكلة. والاشكالية تطلق على كل ما يحتوى على تناقض في ذاته، والموت كله تناقض، فهو فيه قضاء على كل فعل، وهو علم مطلق من حيث كونه لابد واقع، وجهل مطلق من جهة زمنية وقوعه. وهو أيضا كلي مطلق وجزئى مطلق في آن واحد. فالموت حقيقة كلية يعانيها كل الأحياء ولكن كل فرد يموت وحيدا في جزيرته المعزولة عن الآخرين. ومن هنا كان الموت إشكالا من ناحية المعرفة حيث لا أحد يستطيع إدراك الموت. كل ما ندركه هو الميت، حالة انسان يموت اما حالة الموت نفسه فلم يدركها أحد قط، فكل الذين ادركوها ماتوا. ولكن الموت لايكون مشكلة الا في حالة ارتباطه بالوعي، أى حين يعى الانسان"اشكالية الموت" ويحاول التخلص من هذه الإشكالية، فالموت ليس مشكلة الا بالنسبة لمن يعي وبعمق أغوار نفسه. ومن هنا كان الشعور بالموت وإدراك نتائجه الأنطولوجية على الفرد، يتطلب شيئا رئيسيا هو الشعور بالذات وذلك يتطلب الاحساس بالحرية والقدرة على الفعل.



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشاهد
- مسقط الرأس
- بيكيت ونفي العدم
- الزنزانة رقم ٢٢
- ثلاثية بيكيت
- ويتقشر الليل
- بيكيت والنازية
- لماذا كل هذه التفاهة
- صامويل بيكيت
- عقم التفكير السليم
- العدم أفق البشرية وليس نهايتها
- القلق عند سارتر
- جنية البحر
- عن الخوف والقلق وما بينهما
- تشنجات الحبل المتأرجح
- الكلمات المفترسة
- هايدغر والسقوط في تفاهة العالم
- بين الأسود والأبيض
- بين فكي القلق
- صلاة لهُبل


المزيد.....




- بايدن يعترف باستخدام كلمة -خاطئة- بشأن ترامب
- الجيش الاسرائيلي: رشقات صاروخية من لبنان اجتازت الحدود نحو ...
- ليبيا.. اكتشاف مقبرة جماعية جديدة في سرت (صور)
- صحيفة هنغارية: التقارير المتداولة حول محاولة اغتيال أوربان م ...
- نتنياهو متحدثا عن محاولة اغتيال ترامب: أخشى أن يحدث مثله في ...
- بايدن وترامب.. من القصف المتبادل للوحدة
- الجيش الروسي يدمر المدفعية البريطانية ذاتية الدفع -إيه أس 90 ...
- -اختراق شارع فيصل-.. بداية حراك شعبي في مصر أم حالة غضب فردي ...
- بعد إطلاق النار على ترامب.. بايدن يوضح ما قصده في -بؤرة الهد ...
- ترامب يختار السيناتور جي دي فانس لمنصب نائب الرئيس


المزيد.....

- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج
- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - الحياة، حادثة مميتة