|
معطف أبي
نجاة زعيتر
الحوار المتمدن-العدد: 7012 - 2021 / 9 / 7 - 14:35
المحور:
الادب والفن
كثيرا ما كنت أتردد في الكلام، أبدأ بالتحديق جيدا في محدثي لا أكترث لملامحه، أستعد للرد ثم أتراجع. لكنني هذه المرة كنت بحاجة للكثير من الشجاعة لأتفوه بما قد يزيدني درجة أخرى من درجات العلم التي أسعى إليها منذ سنوات. لم أتحسس وجهي و لم أخرج مرآتي الصغيرة لأتفقد مكياجي و هل سال الكحل من عيني؟ و أحمر الشفاه هل انتقل إلى أسناني ليثير سخرية محدثي؟ استعدت ثباتي، فالوقت ليس للزينة !و أنا هنا لأتحدث عما كتبته و بحثت فيه منذ سنوات و هؤلاء ليسوا حكاما في مسابقة للجمال، لكنهم أساتذة مهمتهم تقييم بحثي و منحي درجة استحقاقي. لكنني عدت أشك في حسن اختياري لملابسي. كان علي أن أرتدي الطقم الأزرق الغامق مع حذاء بكعب و شعري يا للكارثة لم يكن من الصواب أن أتركه على طبيعته بل كان علي أن أجمعه فلا يزعجني و لا أضطر لإبعاد خصلات الشعرعن وجهي! ثم عدت إلى الحديث عن الشعر الأندلسي و حاولت أن لا أكترث للأعين المركزة على تلعثمي. حاولت أن أبدو واثقة من نفسي بعيدة كل البعد عن ذرات الخوف و التوتر التي تقيدني تلف كامل جسدي فأتحول الى شرنقة من التوجس ترتجف أصابعي ينتفض قلبي و يزفني اليهم وسط تطبيلاته المباغتة أشعر بألم في بطني و في رأسي فالتفت حولي أبحث عن نافذة مطلة على أي منظر لا يثير توتري.
في غرفتنا الصغيرة كنا خمسة أنا و إخوتي نتقاسم المكان بالتساوي أنا و أختي ننام في فراش واحد و إخوتي ينامون كل في سريره. كنا صغارا و كان يفصلنا عن غرفة أبي و أمي ما يشبه الرواق لم يكن الليل صديقا ودودا و أكبر اخوتي يتلذذ بجلدنا بقصص الرعب التي تترافق مع الليل و الظلمة و الأشياء التي تتحرك لوحدها و الأبواب التي تفتح دون مسبب و المرأة المقطوعة الرأس التي تسكن سقف بيتنا و الرجل التي تتجول في رواق بيتنا و تفتح الأبواب و تدخل علينا في عز نومنا! و معطف أبي الذي هو في الواقع شبح يترصدنا وراء الباب، ثم لأن المصائب لا تأتي فرادى فقد كان أكبر إخوتي يجري علينا قرعة" أحجية الليل" يحكيها واحد منا كل ليلة اذا ما الحظ أخطأه و سقطت عليه القرعة. و لا أدري لما كانت القرعة لاتخطئني في أغلب الليالي؟ فأجد نفسي حكواتي لإخوتي ينكمشون في دفئ أسرتهم و ينامون على صوتي أقص عليهم أو أعيد ما أحفظه من أحاجي جدتي. وبين أحجية و أخرى أتفقد جمهوري الصغير لأكتشف أنهم ناموا من أول قصة و تركوني أواجه الصمت ووحوش الليل دون حماية. أسحب الغطاء على رأسي و ألتف على نفسي خوفا من الرجل المبتورة و المرأة مقطوعة الرأس و الأصوات التي تنادي على إسمي و تدق باب الغرفة مطالبة بدمي! لم أكن أجرؤ على مغادرة فراشي بمفردي و لو اضطررت إلى الذهاب إلى المرحاض مثلا فسأوقظ اختي و باقي اخوتي رفقائي في الغرفة بعد أن أتوسل إليهم مرارا مرافقتي في تلك الرحلة الليلة! أعود بعدها إلى فراشي أبعث بمخيلتي تسعفني بأجمل ما تملك أفترشه و أتغطى به و أنام مدرعة ضد الاشباح. و في الصباح أنسى كل ما عانيت ليلة أمس! أنسى معطف أبي خلف الباب, و أنسى ستارة النافذة الوحيدة و الصغيرة جدا و التي تتحول في الليل إلى حفرة مشرعة على الخوف بينما حين يأتي النهار أحلم بنوافذ كثيرة لغرفتي أطل منها على الأولاد و البنات و هم يلعبون في الشارع وفي المساء أترقب منها عودة أبي محملا بفاكهة الموسم. أما في الشتاء فأجلس خلفها لأتسلى يتساقط الثلوج و الأمطار. لكم تأسفت و أنا صغيرة لأن غرفتي بدون نافذة تطل على الحياة و الشارع بينما هذه النافذة الصغيرة تطل على وسط البيت و لا أرى منها سوى حنفية الماء الجافة في الغالب. تأتي رائحة الفطائرمن مطبخ أمي آذنة ببداية اليوم و انسحاب سكان الظلام من غرفة نومنا التي ستتحول بعد قليل إلى غرفة المعيشة نأكل فيها و نلعب و قد نستقبل فيها الضيوف أيضا. أقف بثبات و دون تلعثم أجيب بثقة أبعث بمخيلتي تلتقط لي بعض الأمان، معطف أبي لا يزال خلف الباب و رائحة الفطائر من مطبخ أمي تملأ ذاكرتي فلا مبرر للخوف.
#نجاة_زعيتر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مرح العنادل
-
الفيزا
-
القناع
-
الإبتسامة المخنوقة
-
رائحة الموت
-
في إنتظار النبي
-
الوردة أنت
-
قطعة الموسلين الخضراء
-
سؤال الجواب
-
رحلة إنسانية
-
المفقود
المزيد.....
-
أساطير الموسيقى الحديثة.. من أفضل نجوم الغناء في القرن الـ21
...
-
السعودية.. رحيل -قبطان الطرب الخليجي- وسط حزن في الوسط الفني
...
-
مصر.. كشف تطورات الحالة الصحية للفنان ضياء الميرغني بعد خضوع
...
-
-طفولة بلا مطر-: المولود الأدبي الأول للأكاديمي المغربي إدري
...
-
القبض على مغني الراب التونسي سمارا بتهمة ترويج المخدرات
-
فيديو تحرش -بترجمة فورية-.. سائحة صينية توثق تعرضها للتحرش ف
...
-
خلفيات سياسية وراء اعتراضات السيخ على فيلم -الطوارئ-
-
*محمد الشرقي يشهد حفل توزيع جوائز النسخة السادسة من مسابقة ا
...
-
-كأنك يا أبو زيد ما غزيت-.. فنانون سجلوا حضورهم في دمشق وغاد
...
-
أطفالهم لا يتحدثون العربية.. سوريون عائدون من تركيا يواجهون
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|