أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - بيكيت ونفي العدم















المزيد.....

بيكيت ونفي العدم


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 7010 - 2021 / 9 / 5 - 14:53
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


أركيولوجيا العدم
٧٢ - بيكيت ليس عبثيا

في دراسة ليوسف عبد المسيح ثروت، بعنوان "عالم بيكيت ودلالاته الفكرية" نشرت في العدد السابع لمجلة الناقد سنة ١٩٧١، يحلل فيها مسرحية "في إنتظار جودو" ومسرحية "نهاية اللعبة" وعدة نصوص أخرى لبيكيت، معتبرا أن " ماهية الوضع الإنساني، في واقعه المشخص، ووجوده التاريخي لا تمتاز بشيء ـ على رأي بيكيت ـ قدر إمتيازها بعنصر الفراغ الذي يلازم القلق والإستسلام والعزلة والفجيعة : لأن الوجود كله بما فيه الوجود الإنساني عديم الهدف، دائري المسار، مفقود القيم، هلامي التكوين، عبثي المضمون، ذلك أن الإنسان ـ الظاهرة الغريبة ـ في هذا الكون الغريب، كيان وجد بالمصادفة وقذف به إلى العالم بالمصادفة ذاتها، فوجد نفسه في فراغ رهيب ليس له يد في وجوده، ولا لهذا الفراغ يد في بعث الحياة فيه ." لا شك أن هذا التشخيص ليس جديدا وليس تشخيصا يتعلق ببيكيت وحده، ولكن هو ما ردده هايدغر وسارتر وإلى حد ما ألبير كامو وغيرهم من مفكري القرن العشرين الذين عاصروا مجازر الحرب العالمية الثانية وشراسة الرأسمالية في الدفاع عن مصالحها وفضاءها الحيوي. وهو تشخيص للفكر السائد في هذه المرحلة العصيبة من تاريخ أوروبا، وقد سبقهم إلى ذلك نيتشة وغيره. غير أن بيكيت كان مبدعا ومنتجا في المجال الأدبي والفني ولم يكن منظرا أو فيلسوفا، وهو كفنان وشاعر لم يدع يوما أنه يكتب مسرحيات فلسفية تعبر عن هذه الفكرة أو تلك، لأن التعبير ذاته عن فكرة معينة يلغي برنامجه الشعري الأساسي وهو إفساح المجال للغة لتأخذ كل المساحة التعبيرية بدون إستثناء وبدون اللجوؤ إلى عملية "التسيمتسوم" الكابالية. إنه يصف مواقف معينة لشخصيات معينة على خشية المسرح أو في صفحات كتاب، وهناك كلمات وجمل وأصوات ينطقونها، والكلمات تتكائر وتخلق بعضها البعض في سرد له منطقه الخاص وله منحنياته وتعرجاته ودقاته الخاصه، نوع من المونولوج الداخلي لشخصيات تعيش في الفراغ وتمارس نوعا من الحوار الأخرس فيما بينها وبينها وبين الكاتب من جهة وبينها وبين القاريء من جهة أخرى. إنها ليست محاورات فلسفية أو فكرية، بقدر ما هي لوحات وصور شعرية مجردة، ألوان وخطوط تتقاطع وتتوازي وتتشابك في عالم هلامي متحرك ومتطور على الدوام، ليس فقط داخل الكتاب أو المسرحية الواحدة، بل تنتقل الشخصيات من عمل لآخر ومن كتاب لكتاب وتتحاور فيما بينها. يبدو واضحا أن الهدف الأساسي لبيكيت في أغلب أعماله الروائية والمسرحية هو معالجة إشكالية الصورة عموما وإشكالية الصورة اللغوية بشكل أكثر تحديدا "أنا في الكلمات، مصنوع من الكلمات، كلمات الآخرين، ما الآخرون ". أما الإشكاليات الفكرية والفلسفية، مثل العبث واللامعقول والعدم والموت واللامعنى والفراغ إلخ، فهي إشكاليات يفرزها العمل الفني وتظهر على سطح النص عندما يفقد النص فعاليته الخيالية، ويعالج ويحلل فكريا من قبل النقاد والمحللين للأعمال الفنية والأدبية. فإنه من المستحيل نظريا إستخراج أو إستنتاج فكرة العدم والعدمية من أي عمل من أعمال بيكيت، أو من أي عمل أدبي آخر. ذلك أن العدم لا يمكن التعبير عنه بأي صورة من الصور، ونحن نعرف ذلك منذ بارمينيدس، فالذي لا يكون لا يمكن الكلام عنه. العدم ليس ظاهرة وجودية أو تجربة يمكن أن يعيشها الإنسان مباشرة كالخوف والقلق والغثيان أو الحب والشوق والحزن والفرح .. إلخ
غير أن الناقد يوسف عبدالمسيح ثروت (1921-1994)، والذي له الفضل الكبير في تعريف قراء العربية بتيارات المسرح الغربي الحديث وما يسمى بمسرح العبث بكتبه وترجماته المتعدده، يواصل تحليله الفكري - المتخيل لأعمال بيكيت : "الإنسان الحي ظاهرة زائفة، لأن الحياة ـ في مجمل وجودها السكوني ـ زيف مفتعل، تخاذل مستمر أمام قوى الطبيعة والمجتمع الحيواني ـ إنه يجد نفسه عفوا ويفقدها عفوا، من غير إرادة تحركه أو طموح يستفزه أو فعالية تستثيره أو هدف يستحثه، ومن ثم يهبط كابوس العدمية على صدر الإنسان ليبقى جاثما هناك طوال حياته. العدم محيط بنا من كل جهة يزحف نحونا مضيقا الخناق علينا في كل لحظة بهبوب العواصف الثلجية وأعاصير النار واندلاع البراكين الهاجدة ( … ) ولما كان الموت - الموت الحقيقة الوحيدة في الحياة ـ يزداد عبء الإنسان ثقلا كلما أقترب منه لأنه عند حافته فقط سيعرف حقيقة نفسه .. "، هكذا يبدو العدم هنا كظاهرة طبيعية وخارجية كالعاصفة والإعصار تهبط على الإنسان فجأة من السماء وتلفه في طياتها الباردة، ويبدو العدم كـ "حادثة" لها بدايتها ونهايتها الزمنية وتقارن بالموت. بطبيعة الحال هذا النوع من الشاعرية المفرطة لا يساعدنا على الإحاطة لا بظاهرة العدم ولا بظاهرة الموت، وهو تحليل لا تحتمله نصوص بيكيت بأي حال من الأحوال، وهي أفكار وتأملات قد تكون صحيحة نظريا ولكنها مضافة من الخارج وبطريقة مفتعلة على شخصيات بيكيت دون أن تكون على مقاسها.
وإعتبار الموت الحقيقة الوحيدة في الحياة هي فكرة بعيدة عن بيكيت، رغم إهتمامه بالموت ومعالجته له كواقع إنساني محتمل وليس كحقيقة وحيدة، ذلك أنه بالنسبة لبيكيت، الحقيقة الوحيدة هي الحياة ذاتها متجسدة في اللغة. ولا شك أن قضية الموت ملتصقة بطريقة ما بالعدم، مما يجعل كاتبا مثل ألبير كامو يعتبر الإنتحار كقضية أولوية في الفلسفة، بإعتبار الموت وأهميته في الفكر الفلسفي. لكن حقيقة الأمر غير ذلك، فكما أن المستحيل ليس نقيضا للممكن، وإنما الضروري هو نقيض الممكن، كذلك الموت ليس نقيضا للحياة، ذلك أن الحياة هي البيئة التي يولد فيها الموت وينمو ويصل إلى نهايته. الموت ليس نقيضا للحياة وإنما حدها الأقصى فيما يخص الأفراد واحدا واحدا، أما في العموم فالحياة لا نقيض لها رغم بدايتها البعيدة تاريخيا في لحظة ما ونهايتها المحتملة في لحظة أخرى. ومن المهم هنا أن نؤكد على الإستحالة المنطقية لجعل الموت مرادفا للعدم أو نقيضا للحياة، الحياة والموت والعدم هي صيغ وأنساق وأشكال لكينونة الكائن المتمتع بالوجود والواعي بوجوده، وبالتالي بحياته ونهايته وبالعدم الذي يبثه في العالم. ذلك أن هذا الإنسان ككائن غريب، هو كائن المسافات البعيدة والأزمنة القادمة، الآن الحاضر يبدو دائما في غير مكانه ومتأخرا عن موعده، ويتسائل هذا الإنسان على الدوام متى سيكون مطابقا لذاته، متى سيأتي الآن ؟ ويدرك أن الآن يتحدد بما هو غير كائن، بما لم يأت بعد، وهو يعيش هذا التوتر بين الحاضر وفيما بعد، بين الآن وما كان في الأمس، وهذا التوتر هو أحد مصادر القلق الذي يعاني منه الإنسان منذ عهود بعيدة.

يتبع



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الزنزانة رقم ٢٢
- ثلاثية بيكيت
- ويتقشر الليل
- بيكيت والنازية
- لماذا كل هذه التفاهة
- صامويل بيكيت
- عقم التفكير السليم
- العدم أفق البشرية وليس نهايتها
- القلق عند سارتر
- جنية البحر
- عن الخوف والقلق وما بينهما
- تشنجات الحبل المتأرجح
- الكلمات المفترسة
- هايدغر والسقوط في تفاهة العالم
- بين الأسود والأبيض
- بين فكي القلق
- صلاة لهُبل
- مقدمة لمفهوم القلق عند هايدغر
- بين الفلسفة والعلم
- الرسم بالحروف المنتحرة


المزيد.....




- الرئاسة السورية: زيارة مرتقبة للرئيس أحمد الشرع إلى فرنسا
- قوات الدعم السريع تستهدف بورتسودان... والعدل الدولية ترفض دع ...
- ميرتس يتوقع نيل ثقة البرلمان لمنصب المستشار من الجولة الأولى ...
- جرافات إسرائيلية تهدم منازل في الضفة الغربية
- محامو السويداء يطالبون بتحقيق شفاف وعاجل في أحداث صحنايا وجر ...
- اتحاد نقابي يحث صندوق النرويج السيادي على سحب استثماراته من ...
- نتنياهو يشرف على الغارات الإسرائيلية في اليمن من مقر وزارة ا ...
- نقص التغذية يعصف بأطفال غزة والمستشفيات لا تملك حلولا
- هل يغير القصف الإسرائيلي على الحديدة معادلة الردع مع الحوثيي ...
- السودان يستقبل مساعدات إنسانية جديدة من تركيا


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - بيكيت ونفي العدم