|
طالبان : الأرهاب الذي صدرناه : الجزء الأول
اسماعيل شاكر الرفاعي
الحوار المتمدن-العدد: 7006 - 2021 / 9 / 1 - 20:47
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
طالبان : الارهاب الذي صدرناه
الجزء الأول
هذا المقال يتحاشى الانحياز لواحدة من الاكذوبتين الشائعتين : الوسطية ، و ، التطرف ، في الاسلام وينظر إليهما كتجل لمحور دائم الدوران ، هو محور الصراع على السلطة بين المسلمين . لقد كرس المسلمون لهذا المحور جل وقتهم بما يفوق بآلاف المرات الوقت الذي خصصوه لهمومهم الروحية . كم دقيقة تأخذ منهم صلواتهم الخمس كل يوم بمقابل كم ساعة يخصصونها لأعمالهم ؟ وهل ينصرفون في رمضان لرياضات روحية يتجاوز وقتها : الوقت الذي ينفقونه في الاسواق وفي المطابخ ، لشراء ولإعداد طعام إفطارهم ؟ ولو أحصينا خسائر الحروب ، وعدد الذين يموتون في المعارك من اجل حيازة السلطة ، لاكتشفنا بان قتلى هذه الحروب يزيد بآلاف المرات أولئك الذين دفعتهم همومهم الروحية الى مخالفة الإجماع ( الكاذب ) والتعبير عما يفور في أعماقهم من رؤى دينية : كالحلاج ، او رؤى سياسية : كابن المقفع : اللذين اشار الفقهاء على الخلفاء بقتلهم . لكن الناس تمدح هذا التجاوز على الحق الاول من حقوق الانسان : وهو حق العيش بأمان وحق الاعتقاد بما يشاء من غير خوف . يسمي الناس ، نتيجة فتاوى الفقهاء ، حكم السلطات الدينية التي لا تكف عن مصادرة حقوق الانسان وقتلهم : وسطية . فيما يصفون افكار ( مجرد افكار وليس ميليشيات مسلحة ) رجل كمعبد الجهني والدمشقي : بالشاذة والمتطرفة ، يستحق صاحبها القتل . وهم لا يدركون ان هذين المصطلحين اوجدتهما السلطة وفقهائها ، لحماية الذات وشرعنة قراراتها ، ولتوجيه مدافع نقدها الى المعارضة تمهيداً لقتلها ...
1 - ما ان صار واضحاً ان حركة طالبان في طريقها الى الاستيلاء على السلطة والسلطان في أفغانستان ، حتى استقبلتها الصحافة العربية بعاصفة من المقالات الرافضة لعودتها . تناول بعض هذه المقالات ماضي طالبان الإرهابي في الحكم : 1996 - 2001 ، الذي احتضن القاعدة ، وتسبب بالحدث الجلل في 11 سبتمبر . وتناول البعض منها : خوف العرب على حقوق الأفراد المدنية من تطبيق طالبان المتشدد للشريعة الاسلامية . فيما احتوى قسم من هذه المقالات على شئ من الحسد لطالبان ، للسهولة التي تميزت بها عودتها الى الحكم ، من غير دماء ...
2 -
طالبان حركة سياسية دينية ، تمكنت امريكا ، حين غزت افغانستان عام 2001 ، من طردها من الحكم ، ولكنها لم تتمكن من عزلها عن مسرح الاحداث ، فظلت نشطة آيدلوجياً وعسكرياً . يزيد من جاذبيتها فساد الحكام الذين جاؤوا الى السلطة من بعدها : اذ ما ان أعلنت امريكا انسحابها ، حتى انهاروا ، واختفوا عن السلطة قبل مؤسسات حكمهم . على مدى عشرين عاماً ، ظلت حركة طالبان -بغياب معارضة وطنية متماسكة - تحمل لواء المعارضة ، مسترشدة بالمفهوم الديني للمعارضة السياسية : القاضي بمقاتلة الاحتلال الأجنبي حتى إجلائه عن ارض الاسلام . ومما زاد من مساحة حضورها على ساحة المعارضة الوطنية : استمرار المجتمع الأفغاني في اعادة إنتاج ذاته التقليدية التي هزتها الحروب الطويلة ، فأنتجت : أمراء حرب وميليشيات ، لكن لم تهز المجتمع حركة تحديث اقتصادية وثقافية عميقة يمكن ان تنتج فئات اجتماعية لها مصلحة في تحديث المجتمع وتنميته ، فتلعب دور الطبقة الوسطى المتنورة الحاملة لبرنامج سياسي منافس لطالبان . وكل المجتمعات التي أحجمت - لأسباب مختلفة - عن القيام بثورة تحديث اقتصادية وثورة ثقافية عميقة : دخلت في نفق ظلام انتاج الميليشيات والحروب الأهلية ، كمجتمعات العراق وسوريا ولبنان واليمن والسعودية وعموم دول الخليج . فقوى المجتمع الجديدة في أفغانستان لا تتكون من طبقة وسطى حديثة بل من أمراء حرب تشكلوا في الحرب ضد الاحتلال السوفياتي لبلادهم ، وحين انسحب الاتحاد السوفياتي عام 1989 ، دخل أمراء الحرب فيما بينهم بحروب على السلطة : لم تنته الا بصعود طالبان الى المسرح السياسي : مدعومة من باكستان ودولارات النفط الخليجية وامريكاً فصفت جميع أمراء الحرب ( ما عدا الجبهة الشمالية بقيادة احمد مسعود ) واستبدت بالسلطة ، دامجة آيدلوجيتها الاسلامية بالسيطرة القومية للبشتون : نافية ومهمشة القوميات الاخرى وخاصة ؛ الهزار . وفي هذا تكون طالبان اكثر انسجاماً مع مرجعيتها الدينية : فهي رفضت الأخذ بالآليات الانتخابية طريقاً الى السلطة : وهو الموقف الذي اتخذته جميع الحركات الاسلامية في بداية تأسيسها لاعتقادها بأن السلطة لا تقرر نتيجتها : احصاء اصوات العامة ، بل يقرر نتيجتها النهائية السيف ومشورة الدائرة الضيقة من اركان حرب السلطان الجديد ، وهذا الموقف نابع مما استقر عليه الاسلام السني ، بعد الأشعري والغزالي ، من القول بالجبرية التي تنفي عن الانسان امتلاكه لادنى قدر من ارادة تقرير افعاله ، وتنفي عن عقله القدرة على التمييز الصحيح بين الأشياء واختيار الفعل المسؤول . مفهوم الانسان الحر ، المسؤول عن افعاله : ليس جزءً من موروث الاسلام الفلسفي والفقهي والسياسي ، وهذه واحدة من الإشكاليات الكبرى التي يتوجب على الحركات السياسية الدينية ، التي قبلت بالانتخابات ، لكي تكون صادقة مع نفسها ، الاجابة عليها : كيف يمكن ممارسة السياسة على قاعدة حرية الارادة والاختيار ، والإنسان في فكر اكبر الفقهاء وعلماء الكلام ، مسيراً لا مخيراً . وانطلاقاً من هذه الخلفية ، نرى بأن طالبان اختارت الاستراتيجية الأقرب الى موروثها الديني : استراتيجية الجهاد وليس الانتخابات ، في اجلاء الاحتلال الامريكي . والجهاد هو الاصل الذي قامت عليه دولة النبي محمد في يثرب - المدينة : فعن طريق الغزوات والسرايا أمكن توفير الغذاء لجماعة النبي التي يتوسع عددها باستمرار ، وامكن تجميع القوة وفرض الهيبة . ودولة الجهاد هذه لا بد وان تكون دينية ، ترفع السيف تحت راية : لا اله الا الله ، محمد رسول الله ، واذا لم تقم بذلك يتم تكفيرها وإسقاطها . بهذه الرؤية السياسية المتمسكة بثابتين : ثابت قتال المحتل حتى اجلائه ، وثابت الحكومة الدينية ، أمضت طالبان عشرين عاماً في وضع الخطط والاستراتيجيات لغزو المدن والاستيلاء على السلطة فيها . وفي المدن التي لم تستطع طالبان الاستيلاء عليها ، عملت بطرق مختلفة لأن تكون هي الدولة العميقة التي يتقيد الموظفون الحكوميون سراً بأوامرها . ( وهو ما يجري بالضبط في العراق من تقيد اصحاب القرار ومنهم : رئيس مجلس الوزراء ووزرائه ، وخاصة وزير ماليته بطلبات وأوامر الاحزاب والتيارات الدينية والميليشيات) ...
3-
استولت طالبان على السلطة بطريقة لا تشبه طريقة استيلائها على السلطة في التسعينيات ، حين استخدمت العنف وقاتلت أمراء الحرب ، إنما جاء استيلائها على السلطة بطريقة ثالثة ، اضطرت اليها الامبراطورية الامريكية بسبب تغيير استراتيجيتها الكونية ، او بسبب من النفقات الأسطورية التي أنفقتها في بناء جيش افغانستاني قوي ، مجهز بأسلحة تكنولوجية متطورة ، او بسبب من فساد السلطة السياسية التي نصبتها بعد إسقاط طالبان ، أو ان جميع هذه الأسباب تضافرت وضغطت على امريكا وأجبرتها على اتخاذ قرار الانسحاب من أفغانستان ودعوة طالبان للحوار . لكن نتيجة هذا الحوار غريبة جداً : اذ حصلت طالبان من محاورها الديمقراطي على حكم افغانستان لوحدها من دون شريك ، ومن دون ان يشترط المفاوض الامريكي عليها فترة زمنية انتقالية تجري بعدها انتخابات عامة . وقد أعلن الناطق الرسمي باسم الحركة بوضوح بأن طالبان لا تعتمد مبادئ الديمقراطية الغربية في تشكيل حكومتها . وطالبان في هذا التصريح ، تعبر عن احترامها لذاتها ولموروثها ومرجعياتها الدينية ، لتثبت مرة اخرى ، بأنها منسجمة مع نفسها ، وانها اكثر مصداقية في هذا التصريح : من الكثير من الحركات الاسلامية في الدول العربية : من حزب النهضة في تونس الى حزب الدعوة في العراق ، اللذين يمارسان آلية الانتخابات في الوصول الى السلطة ، وهما لا يؤمنان بها ويحرم عليهما موروثهما الفقهي ممارستها : لأن الموروث الفقهي الاسلامي : ينظر الى الانسان نظرة جبرية ، لا تقر له بقدرته على تقرير مصيره السياسي بنفسه ... اما خوف بعض المقالات على الحقوق المدنية للفرد الأفغاني التي سيصادرها تطبيق طالبان للشريعة الاسلامية ، فهو خوف لا مبرر له ، لأن الشريعة الاسلامية هي مصدر التشريع في جميع الدساتير العربية -ما عدا الدستور التونسي - ولا يجوز تشريع قانون يتعارض مع أحكامها كما تشير الى ذلك : الفقرة الثانية في جميع الدساتير العربية - ما عدا السودانية . . كما تفتتح هذه الدساتير موادها بالمادة التي تنص على ان الاسلام هو دين الدولة ، والدول العربية هي الدول الوحيدة في العالم التي لها دين ( راجع موسوعة دساتير العالم على محرك البحث : گوگل ) ... فما الداعي للخوف من تطبيق طالبان للشريعة ؟ هل لانها تريد تطبيق عقوبة الإعدام ، وهي سارية المفعول في كل الدول العربية ، ام لانها تريد قص يد السارق : وهي مطبقة علناً في ايران ومملكة آل سعود ؟ ولا يوجد نص قانوني يحرمها ويحرم الرجم كعقوبة في اي دستور عربي . ام ان الخوف نابع من كونها تريد حجب شعر النساء : المحجوب اصلاً في كل القرى والمدن والعواصم العربية من : المدن ( الذكية ) في الخليج الى مدن العراق الكارهة لاستضافة التكنولوجيا ؟ لماذا اذن تحضى دساتيرنا بالقبول رغم وجود المادة الثانية : التي تمنع اي تشريع يخالف الشريعة ؟ ولماذا يتم رفض دستور طالبان القادم ، لانه سيتضمن تطبيق الشريعة ؟
#اسماعيل_شاكر_الرفاعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الزعيم والقطيع
-
عاشوراء وميلان كونديرا والبصل
-
لبنان / بيروت
-
انا اقف الى جانب ايران
-
لو كان الفقر رجلاً لقتلته
-
عن شبهة : الحوار الاستراتيجي
-
تونس : البرلمانية ليست هي الديمقراطية
-
حول الاتفاقية العراقية اللبنانية
-
التفجيرات ثقافة اسلامية أصيلة وغير مجلوبة
-
حكومة الكاظمي : صفر حقيقة
-
عن حلم مقتدى الصدر
-
الجزء الرابع من مقال : موقفي ككوزموبوليتيني من حرب حماس والل
...
-
موقفي ككوزموبوليتي من حرب اليمين الفلسطيني والاسرائيلي / الج
...
-
الجزء الثاني من مقال : موقفي ككوزموبوليتي من حرب الليكود وحم
...
-
موقفي ككوزموبوليتي من حرب : الليكود وحماس ( 1 )
-
6 من 7 من مقالنا : السياسة والحب
-
5 من 7 من مقالنا : السياسة والحب
-
مع من سأعيد ، مع السنة أم مع الشيعة
-
السياسة والحب : 3 و 4 من 7
-
السياسة والحب 1 و 2 من 7
المزيد.....
-
-أجمل كلمة في القاموس-.. ترامب يفرض رسومًا جمركية على المكسي
...
-
وسائل إعلام: ترودو يعقد اجتماعا طارئا بشأن رسوم ترامب
-
ترامب يوقع أمراً بفرض رسوم جمركية على السلع المستوردة من كند
...
-
فنزويلا تفرج عن 6 مواطنين أمريكيين بعد لقاء مبعوث ترامب بالر
...
-
نتنياهو يتوجه إلى الولايات المتحدة لعقد اجتماع هام مع ترامب
...
-
مسؤول مصري: لا أحد يستطيع الاقتراب من الحدود.. حدودنا مؤمنة
...
-
إيلون ماسك يحصل على الحق في الوصول إلى نظام الدفع الفيدرالي
...
-
الحدث البركاني الأقوى في النظام الشمسي!
-
محاذير تناول المكسرات
-
أنباء عن تأجيل مفاوضات صفقة التبادل إلى ما بعد اجتماع نتنياه
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|