منى نوال حلمى
الحوار المتمدن-العدد: 7003 - 2021 / 8 / 29 - 23:27
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
منى حلمى
------------
كلمات الرئيس السيسى عن اعادة التفكير فى المعتقد الدينى
-----------------------------
وقعت كلمات الرئيس السيسى عن اعادة التفكير فى المعتقد الدينى ، كالصاعقة غير المتوقعة ، على أصحاب التعصب الدينى ، والجمود الدينى ،وقهر الحريات باسم الدين
وهم مع الأسف بالملايين ، بفضل الدعاة والشيوخ المنتشرين فى الاعلام الأرضى ، والفضائى .
وكما أسماهم الكاتب الراحل د . محمد فُتوح ، عن حق ، وواقع نشهده ، وكعنوان لأحد كتبه ، " الشيوخ المودرن وصناعة التطرف الدينى " ، عام 2004 .
لكن كلمات الرئيس السيسى ، على الجانب الآخر ، وقعت مثل المطر الذى طال الانتظار له ، من أرض ملت الجفاف ، وتعبت من عطب الحصاد .
قال الرئيس السيسى كلمة واقعية واضحة ، أننا ورثنا الدين بالوراثة ، لأنه مكتوب فى البطاقة الشخصية ، و لم يفكر أحد فى معتقده الدينى الموروث ، وحان الوقت لاعادة التفكير واكتساب المزيد من الوعى.
انها دعوة جسورة من الرئيس ، الى " التفكير " ، و تأمل السؤال الكبير المحرم علينا ، ألا وهو " كيف نفكر ؟ ".
وأقول " جسورة " ، لأن الرئيس السيسى ، يدرك كم أصبحت العقلية المصرية ،والعربية بشكل عام ، وخاصة فى الأمور الدينية ، هي في حال لا تُحسد عليها . ويعلم علم اليقين ، كيف أن هذه العقلية ، هى أكبر عائق فى سبيل التقدم الحضارى ، ذلك التحدى الكبير ، والمحاط بالكثير والعديد من المشكلات الاقليمية والعالمية ، التى تتشابك ، وتتعقد كل يوم .
ان دعوة الرئيس للتفكير ، واعادة التفكير ، يجب أن تؤخذ بجدية كاملة ، وأن يتم تدعيمها بكل الوسائل .
ان التفكير ، واعادة التفكير ، ينتجان " الفكر " ، والفكر بدوره يؤدى الى انتاج القيم ، ويحدد الأولويات ، ويتبنى السياسات .
" الفكر " ، هو القوة الدافعة ، والمحرك الأساسى للبشر . هو " الدينامو " الذى يجب أن يبقى مشحونا دائما ، مشحونا بالتجديد ، والابداع ، والتجربة ، والجسارة فى القول ، وفى الفعل .
ان الصراعات السياسية ، والاجتماعية ، والدينية ، على مدى التاريخ ،وحتى الآن ، هى فى الأصل ، صراع بين أنواع من الفكر . والفكر ، هو الفلسفة ،هو " طريقة التفكير " ، أو " كيف نفكر " .
ومن الطبيعى ، ومن المنطقى ، أن تعبر السلوكيات ، أو الأفعال ، عن اختيارات " طريقة التفكير " ، وانحيازات " كيف نفكر " . وينتج من هذا ما نسميه ، الثقافة ( الفكر + الفعل ) .
كل فرد اذن ، له ثقافته . وكل مجتمع ، له ثقافته . وهذه الثقافة ، فى حركة ، مستمرة ، تلائم تغيرات الحياة ، وهى مكون أساسى من مكونات حضارات الشعوب .
وبالتالى ، وتوافقا مع دعوة الرئيس السيسى ، الى التفكير ، واعادة التفكير ، أرى أننا بحاجة الى ما أسميه ، الثورة " الدينية " ، بعد ثورة 30 يونيو 2013 ، والتى وضعت المسمار الأول ، والأقوى ، فى نعش الاخوان المسلمين ، وكل الحالمين باعادة الحكم الدينى ، واستعادة الخلافة الاسلامية .
ان الثورة الدينية ، الناتجة عن اعادة التفكير ، تعنى " التغيير الجذرى " ، فى نظرتنا الى مفهوم الدين ، وعن حرية الاعتقاد الدينى ، أو عدم الاعتقاد ،وكذلك وتصورنا لمفهوم الله ، ووظيفة الطقوس الدينية ، وعلاقة الدين بالحياة .
منذ دعوة الرئيس لتجديد الخطاب الدينى عام 2014 ، لم يحدث إلا مجرد تغيير وجوه الشيوخ ، والفقهاء ، والآئمة ، وعمل الفتاوى الكترونيا ، وتوجيه انفاق أكبر لانشاء دور عبادة جديدة .
هذه سلوكيات أشبه ب " ترقيع " ، الثوب القديم . بينما نحن نحتاج ، بشدة ، وبشكل عاجل ، الى ثوب " جديد .
ان الثورة الدينية ، التى نحتاج اليها ، لابد أن تجيب على أسئلة أساسية .
هل الدين فى خدمة الحياة ، أم الحياة فى خدمة الدين ؟ . هل الدين ، يحتاج الى" وسيط " بين الانسان ، وربه ؟؟.
هل نحن جادون فى تحرير النساء من القهر الذكورى ؟ . هل نؤمن حقا بالدور الكبير للفنون ، والابداع ، فى هذه الثورة الفكرية الدينية ؟؟.
هل الشعب المصرى يشتهى فعلا " الحرية " والتخلص من أوصياء الدين، والمتاجرين به ، والغاء خانة الديانة ، واقرار زواج مدنى موحد ؟؟.
هل نحن مستعدون ، لمناقشة الثوابت ، والمسلمات ، الموروثة ؟؟.
البعض يريد أن يفكر ، بدون المساس بالثوابت . ولكن هذا مستحيل استحالة منْ يريد النزول بالبحر ، دون أن يبتل . أم كمنْ يريد الطيران ، بدون أجنحة .
مازالت الغالبية من الناس ، ترفض أى جدل عابر ، يسأل " لماذا " ؟ ،
فيما يرتبط بالثوابت القوية ، أو حتى الثوابت الهشة ، الدينية .
بل ان كلمة " لماذا " ، فى أى قضية سياسية ، أو ثقافية ، أو أسرية ، تعتبر من الكلمات " غير المرغوب فيها ، و " مشبوهة " ، و" سيئة السُمعة ".
نخلص من هذا ، أن " التغيير " ، أصلا فى أى " فكر " ، أو " سلوك " ،
مع الأسف ، " غير وارد " ، للغالبية . أو على الأقل ، هو طريق ، مفروش بالأشواك ، والألغام . ومن هنا ، تنبع أهمية دعوة الرئيس السيسى ، للتفكير ، واعادة التفكير فى المعتقد الدينى .
لقد نجحت التيارات المتأسلمة الطامحة للحكم السياسى ، فى الغاء العقل ، وفى تشويه قدرته على البحث العميق ، وربط الظواهر بعضها بالبعض ، وتخويف كل منْ يجرؤ على الحفر تحت خنادق الدين العتيقة .
وكانت النساء البداية . فمن المعروف أن تخلف المجتمعات يبدأ بتخلف المرأة ، وتقدم الأمم يبدأ بتقدم المرأة .
يكفى جدا اذن كما فعلت التيارات المتأسلمة ذات الأسماء الكثيرة ، أن تستهدف النساء ، وتعمل على شدهن الى الوراء ، حيث عصور الاستعباد ، والسلف الغارق فى ظلامه وذكوريته .
وفعلا ، لو نظرنا الى المرأة المصرية الآن ، نجد الكوارث المخططة بعناية ، فى التفكير ، وطريقة اللبس ، والهدف من الحياة ، ونظرتها الى نفسها ، والى زوجها ،وطريقة تربيتها للأطفال فى الأسرة . أسرة اخوانية سلفية متشددة متطرفة عنصرية ذكورية ، خارج مسار التقدم ، وأى امكانيات للنهضة .
عندما انتصر الشعب المصرى فى 30 يونيو 2013 ، على الفاشية الدينية ، قال أحد قادتهم المهزومين شر هزيمة : " على الأقل نجحنا فى تحجيب فتيات ونساء مصر ".
هو يعلم جيدا ، أن تحجيب المجتمع يبدأ بتحجيب المرأة ، وأن كل الأحلام الارهابية بدأت بتغطية النساء ، وأن مفتاح التقدم أو التخلف ، فى أى بلد ، هو المرأة.
وبكل أسف ، فان الحديث عن تجديد الفكر الدينى ، سيظل يفشل ، ويعيد انتاج الفكر المتخلف القديم ، طالما أنه لا يمس " تغيير المرأة " ، و لا يستهدف مناقشة موروثات قبيحة مثل " تقديس الطاعة " ، و " قوامة الرجل " ،
و " اذن الزوج " . والمدهش ، أن هذه الأوامر المفروضة على المرأة ، لا تجد مصدرا لها ، الا الموروث الدينى .
الآن ، قرأنا عن تغيير شامل فى منظومة التعليم كلها ، التى تشمل المناهج ، والمقررات ، وربط التعليم بحاجات السوق ، وادخال التعليم الالكترونى الحديث .
كل هذا " خير وبركة " . لكننى أرى أن بدون مقرر أساسى فى مناهج التعليم ، يبدأ من الصغر ، اسمه مادة " مناقشة الثوابت " ، و " المسلمات " ، خاصة وبشكل مكثف ، فى الثقافة الدينية ، لن يتغير شئ جذرى ، فى طريقة التفكير ، التى هى أصل الداء .
ولا يمكن أن نتوقع تجديدا فى الفكر الدينى ، ونحن لدينا شئ اسمه " ازدراء الأديان "، و " التطاول على الثوابت " ،سيف مسلط من قبل المزايدين على الدين ، والتدين ، والفضيلة ، وحماية الاسلام . بعضهم عاطل عن العمل ، والمواهب ، يرفع هذه القضايا ، للشهرة ، واثارة الاعلام ، والهاء الناس ، وتشويه أصحاب التنوير ،وقبض الفلوس من القنوات الفضائية . وبعضهم مأجور ، تستخدمه وتدفع له ، تيارات الدولة الدينية ، وحلفاؤها فى الداخل ،
وفى الخارج . لماذا نسمح لهم ؟؟؟؟؟؟؟.
#منى_نوال_حلمى (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟