|
رواية: هدى والتينة (15)
حسن ميّ النوراني
الإمام المؤسِّس لِدعوة المَجْد (المَجْدِيَّة)
الحوار المتمدن-العدد: 7003 - 2021 / 8 / 29 - 22:22
المحور:
الادب والفن
(حكاية رجلٍ يشتهي الحبَّ ولا ينالُه!) - "أين ألقى الوطن، يا هدى؟!".. - "في قلب امرأة تَهديك وترويك وتزرعها وترويها!".. - "أين هي؟!".. - "أنا هي!".. - "ما وطني يا حورية؟!".. - "شوقك ورجاءُك!".. - "فأين هو؟!".. - "في أحلام صحوك ومنامك!".. ظل طوال حياته يحلم!! يعيش حلما له أجنحة من خيال، ولا سواعد أو أرجل له!!.. - "المعلمون لا يغيِّرون العالم، يا صديقي؛ التلاميذ المؤمنون المخلصون يغيِّرون!".. - "المعلمون حالمون ومغامرون، لا ييأسون ولا يكِلّون ولا يملّون!".. - "النساء يعشْنَ الواقعَ وأنتَ تعيش في الخيال!".. - "أشتهي أنثى، أعانقها تعانقني، فتحملني وأحملها إلى سديمية الوجود!".. - "أنتَ تشتهي أنثى من روح الوجود ونبض الحياة!".. - "أشتهي أُمّا لي، أنا الطفل التائه عن أمِّه!".. - "أنتَ تشتهي الحريّة!".. - "أجلْ؛ أريد امرأة أُمّا لأطفالي!".. - "أنتَ كل الناس أطفالك!".. - "نحن ضائعون شاردون في هوّة الضياع الغائرة الفاغرة!".. **** رجاء، امرأة مثل كل النساء: "تريد زوجا، لا يغادر قفصها؛ أمّا أنا فمغامر منفلت!".. - "المغامرون المنفلتون لا يسلِّمون رؤوسهم للشباك، يا هدى!!".. قال لرجاء في المكالمة الطويلة بينها وبينه: "لو نجح مشروع زواجي منك، فإنني كنت سأحتفظ بالبيت الذي أقيم فيه، وتُواصلي أنت الإقامة في بيتك الذي تمتلكيه!!".. فهمت رجاء أن قوله، يعني أنه متشبث بالبقاء في بيت ذكرياته مع "الحبيبة"!.. لهذا شأن عنده؛ لكن السبب الرئيسي يعود إلى أنه يريد التشبث باستقلاليته.. في الواقع، هو يدرك تماما أن استقلاليته، تتحقق بتشبثه بمبدأ الحرية: - "أرفض التملك قولا وفعلا يا هدى!".. - "الحرية دين يا الإمام الأبيض!".. - "الحرية نور وحب وعدل وسلام وبهجة!".. - "من حق الإنسان أن يمتلك لحظته فقط؛ ما زاد من التملك عن اللحظة، ينقلب إلى عدوانية تنتهك حق الآخرين في الحرية!!".. - "الأنثى حرية!".. - "الأنثى حقل من عِطر الورد، أو ليل من قَحْلٍ وبرْد!".. **** هل كانت رجاء ستوافق على مبدئه؟! يشك في ذلك!! ولا تزال رجاء تشغله رغم أنه اعتقد لوقت، أن دورها انتهى من حياته، وبسرعة!! يحب في أيام الجمعة أن يقضي الوقت في غرفة نومه، التي لا تزيد مكوناتها عن ثلاث مراتب إسفنجية فردانية ملقاة على حصيرة مهترئة.. تتمدد المرتبة التي يرقد عليها، في وسط الحجرة، فيما تحاذي المرتبتان الأخريان جدارين متعامدين وفي زاويتهما القائمة يحتفظ بوسادة ولحافين، أحدهما لحاف طفل، ورثه عن أمّه، وكان يلتحف بهما في الشتاء، ومعهما بطانية قديمة، وهبتها له امرأة جمعته بها علاقة أبوية روحية.. ينطوي في الغرفة في بؤس رجل يفتقد امرأة: "تُرى؛ هل تمتلك رجاء جسما جذابّا؟!".. استدرك: "لن تكون لي، "فلماذا أشغل نفسي بها؟!".. اليوم هو رابع أيام العيد؛ يرتدي جلابية سماوية اللون.. يعشق اللون السماوي.. كانت هذه الجلابية، هدية من امرأة عرفها قبل عدة سنوات؛ تساءل: "لماذا لم تتصل بي لتهنئتي بالعيد؟!".. كانت امرأة الجلابية تحبه، واعتادت، أن تهنئه بمقدم العيد، في الصباح الباكر، من أول أيامه؛ مرّ العيد، هذا العام، دون اتصال منها، أو زيارة! قالت حورية: "تمتلك النساء حدسا قويا، زودتهن الطبيعة به؛ أنت تُلقي مِرساتك الآن، عند مرفأ رجاء!".. - "كلّكنّ على قلب واحد: أنتَ لي أو الموت لك يا زوجي.. يا صيدي!!".. - "أنت تريد امرأة وطنا لك؛ الحرية وطنك!".. - "النساء اللواتي عرفتَـُهن، لا يرغبْن في رجل يدير ظهره للواقع، ويجري نحو وادي الأوهام!!".. - "سأظلّ أحلم بالحرية!".. - "أنا أحلم بالحب!".. - "الحب حرية يا حورية!".. قالت هدى: "في حورية وحرية أربعة حروف مشتركة! أمّا الواو الزائدة في حورية، فهي واو الوصل والضمّ والوفاء والوجد!".. - "أحلم بأنثى تحل فيها روحي؛ فتغدو هيكلا ربيّا أقوم في محرابه وأركع وأسجد وأقعد وأرتّل آيات الحب والحرية!".. - "أنت تحلم بالأنثى ربّةً تصدح معها فتغنِّيان أنشودة الحياة، وترقصان معا، رقصة المجد والخلود!".. - "أحلم بالأنثى جسما وسماءا يهواه القلب ويطلقني روحا جامحة منفلتة!".. - "جسم الأنثى مصلى عِشْق وشهوةٍ وبركانِ الروح!".. سأل نفسه: "هل تُطلق رجاء روحي، من أغلالها، هل رجاء أنثى سيهواها قلبي؟!".. - "أرأيتَها؟!".. - "كلّا.. لكن الأذن يا حورية، تعشق قبل العين أحيانا!".. - "بل قُلْ: الحرمان أيها الماجن الشقيّ البائس!".. - "أحلم بالعودة إلى رحمٍ طردني، وصدر هجرني!".. - "ما الحياة يا هدى؟!" - "بهجة حب، يا نبيّها!".. - "هنا، في هذا الشيء مما يسمونه الوطن؛ الحياة مغدورة ترسف في أغلال الموت، مصلوبة فوق خوازيق من نار ودمار.. الحياة هنا جحيم من ظلام همجي وعدوان جاثم فوق صدري.. الناس هنا مصنوعون من حقد وجهل يغلقان شرايين القلوب والعقول معا فيُظلمان؛ ولكن النور وطني!".. - "النور حرية؛ وهنا ذكور مخصيّة ومقموعون قامعون جائرون، وإناث مشوَّهة مسلوبة خانعة بليدة، في الليل راقدة مقموعة قامعة، تقمع الأنوثة والذكورة معا!".. - هنا إناث تخصي وسجن نتن قاعه شوك شرس وسميك الجدران تحت سقف واط عفن!".. - "هنا صحراء حارقة قاحلة خراب خواء لا هواء فيها لا ماء فيها ولا شراب ولا أمل ولا سرابا!".. - "هنا ذكور وإناث تنهش وتكذب وتنافق وتغدر وتجهل وتموت!".. - "هنا سُرّاق ووقحون بشعون وقاتلون أغبياء!".. - "هنا وطن الأصنام المعبودة من دون الله!".. - "باعوا الوطن وباعوا الأحلام وصلبوا براءتك يا هدى ودفنوك وكان قلبك لم يزل ينبض بالحب والحياة والحرية والسلام!".. - "ونهضتُ إذْ سمعتُك من علائي تنادي: المجد للحرية!".. - "باعونا بثمن بخس واغتصبوك يا حورية وقد جاوزتِ الثمانين ثم رجموك فقتلوك وأنت العفيفة الطاهرة الحكيمة الصابرة!".. - وتنزّلتُ عذراءَ خضراءَ إذْ جلجل صوتك يا الأبيض في السماوات الدانية والعاليات: تمجَّدي يا حياة!.. وهتف الثلاثة، من حنجرة واحدة، بقلب واحد: "المجد للحب.. المجد للإنسان!".. **** نهض من فراشه، قضى حاجته، حملت الجارة إليه فنجان قهوة، وهمست بغنج، وهي تقف وجِلة أمام النافذة المشرّعة: دكتور، تفضل؛ تسلل نور الشمس الصباحي المبكر، فعانق نور نفسه! جلس تحت التينة، رفع راسه، حدّق في شرفة "الحبيبة" الهامدة.. مرّت صور نساء كثيرات في مخيلته، كانت إحداها مبهمة: - "أهذي رجاء؟!".. شرب ماءا، لا يزال يحتسي قهوة الجارة، بمذاق الغنج المشتهي المستهى: "هل رجاء أنثى شهيّة مشتهية؟! وهل تكون رجاء هي الظل لي والماء؟!".. رجاء سحابة عابرة، مرّت بقلبه المحزون، فأحبها دون أن يراها!! قالت حورية: "قلوب المحرومين الحزانى تلوذ بالخيالات، وتصنع منها جنات من الإناث الحسناوات المبهجات الساخنات المثيرات المسخَّرات الدائمات!".. تساءل: "هل الحب خيال يملأ ما في نفوسنا من حاجة للامتلاء بالأمن الذي نفقده لحظة انفصالنا عن أمنا عند الولادة؟!".. رجاء تحلم بالأمن لا برجل تعصف الريح به من كل صوب وتذروه! وهو في أعماقه الملتاعة يصرخ: "أربد امرأة تمنحني البهجة!!".. - هل في غزة يا حورية، نساء يمنحن البهجة؟!".. - "كيف يمنحنها وهنّ لم يعرفنها؟! - "الحياة هنا مجدبة.. هل تزرع رجاء الورد على ضفتي نهري الراكد؟!".. - "رجاء تستسلم للموروث وأنت يا الإمام الأبيض، ثورة على الاستسلام للموروث!".. - "أجل، لن يسعنا بيت واحد!".. لكنه لم يزل يحلم؛ تمتم بصوت مكتوم: "تُرى، ماذا تخفي يا قدري في طيِّ امرأة قفزت إلى خيالي؛ وزلزلتني؟!".. ****
#حسن_ميّ_النوراني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رواية: هدى والتينة (14)
-
رواية: هدى والتينة (13)
-
رواية: هدى والتينة (12)
-
رواية: هدى والتينة (11)
-
رواية: هدى والتينة (10)
-
رواية: هدى والتينة (9)
-
رواية: هدى والتينة (8)
-
غَزَلِيّاتٌ نُوراحَسَنِيَّة
-
من رواية: هدى والتينة
-
رواية: هدى والتينة (7)
-
رواية: هدى والتينة (6)
-
رواية: هدى والتينة (5)
-
رواية: هدى والتينة (4)
-
رواية: هدى والتينة (3)
-
رواية: هدى والتينة (2)
-
رواية: هدى والتينة (1)
-
الحب حق فانصروه ينصركم!
-
الملحد أفسد عقليا من المتدين، وكلاهما يؤمنان بإلاه!
-
لليهود حق تاريخي ديني في فلسطين، ولا يحق لهم إقامة دولة لهم
...
-
ما هو السر وراء تديُّن النساء رغم امتهان الأديان لهن؟!
المزيد.....
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
-
شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
-
حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع
...
-
تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو
...
-
3isk : المؤسس عثمان الحلقة 171 مترجمة بجودة HD على قناة ATV
...
-
-مين يصدق-.. أشرف عبدالباقي أمام عدسة ابنته زينة السينمائية
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|