محمد حبش كنو
الحوار المتمدن-العدد: 7002 - 2021 / 8 / 28 - 10:35
المحور:
الادب والفن
ناولته كأس نبيذ أحمر قانيا كأنه كبد كبش فتي ترعرع بين الفيافي والحقول .
مرر يده على الكأس ثم نظر إلى بريق عينيها .. كانت مقلتاها عسليتين تلمعان مع الضوء الأحمر الخافت حيث احمر المكان كله بلون الضوء الأحمر المخيم في ظلام تلك الحانة الصغيرة .
ابتسم لها وابتسمت له .. كانت شفتاها حمراوين أشبه بعناب ساخن .. تتهاديان كما يتهادى عرجون العنب في كرمه مع نسمات الصيف .. مد يده إلى الكأس فألقته الذاكرة بعيدا مع أول رشفة من ذلك النبيذ الأحمق .
كان طفلا يتمرغ في سجادة حمراء حنونة في بيته القديم .. يضع خدوده على صوفها وينظر إلى النار الحمراء المتوهجة في المدفأة والدنيا تتزين بثلج أبيض في الخارج كأنه قطن ناعم فلت من محلجه .
تذكر التربة الحمراء التي كانت براعم الزهور تبتسم فيها للرائي حيث تتلألأ شقائق النعمان بين السهول وعلى أطراف الجبال فيتطاير العصفور ذو الذيل الأحمر بين جنباتها ليرتشف الرحيق هنا وهناك .
تذكر كنزته الحمراء وسترته الحمراء ولحاف رقبته الأحمر ومنديله الأحمر حين بدأ وعي المراهقة يشده نحو الفكر الثوري اليساري ثم تذكر وطنا تخضب كله بعد ذلك بلون الدم الأحمر .
تذكر ترابا أحمر سقي دما بانتظار المجهول وشوارع تشربت دما لتصبح موئلا للغريب .. ذلك الغريب الذي لا تشبه رائحته رائحة المكان ولا تتفق مشيته مع أحجارها ولا يخفق قلب الأرض لخطوته ولا تتذكر الزوايا الحنونة مشهد وجهه .
تذكر شمس الغروب حين كانت تصبح حمراء كبيرة تودع نهارا كله ألق وحب ولعب وجنون .. تذكر أشياء أبسط من ذلك حين جالت بخاطره فجأة الفليفلة الحمراء مشوية كانت أو معجونة في الشمس فرائحة النبيذ ألهبت جوانحه .. تذكر ختيار الكبة ذو القلب الأحمر وهو يأكله في جلسة تريكس وصوت شريكه يعلو كأنه انفجر مثل بركان أحمر .. تذكر الصباح و الخبز الذي تعلوه طبقة حمراء من ذلك الوهج الأحمر المنبعث من الفرن المبني من الطوب الأحمر .
تذكر الفانوس الصغير ذا الضوء الأحمر وتذكر حبيبته ذات الشفاه الحمر والخدود الحمر والرداء الأحمر . .. تذكر وطنا حتى ذكرياته محقونة باللون الأحمر .. تذكر وتذكر حتى احمرت عيناه جزعا فانهمرت منهما دموع لمعت مع أضواء الحانة وغاصت في لهيب الكأس والأجواء من حوله كأنها صيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق فانكسر الكأس من ضغط يديه فجرح كفه واختلط الدم الأحمر بالنبيذ الأحمر كمدا على وطن أحمر .
#محمد_حبش_كنو (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟