ملهم جديد
الحوار المتمدن-العدد: 7000 - 2021 / 8 / 26 - 09:25
المحور:
الادب والفن
كان جدي على عداء مع السيارة ، ليس لأنه ضد التحضر ، فقد كان أول من قال لجدتي " أحبك " على مسمع من الجميع ، و أول من اعترض على عادة تقبيل يد الشيخ لأنه حسب قوله " لا أحد يعرف أين كانت يد الشيخ قبل أن يمدها من أجل التقبيل " ، و كان أيضا أول من اشترى راديو ترانزستور في القرية . و قد تحول عداؤه للسيارة إلى تطرف لم يكن من طبيعته المرحة ، فقد كان يرفض دعوات السائقين لتوصيله عندما كانوا يرونه على أحد الطرقات يتمشى باتجاه القريه بعد قضاء حاجة ما في واحدة من القرى المجاورة ، و غالبا ما كان ذلك يحصل في أيام الجمع التي لم يكن يستخدم فيها حماره أبدًا ، محافظا بذلك على وعده للحمار بأن يكون يوم الجمعة يوم عطلته الرسمية ، و قد كان جدي معروفًا بالوفاء بنذوره و الإلتزام بوعوده للبشر و الحمير دون تفريق . و في الحقيقة ، لم يكن عند جدي مشكلة مع السيارة كآلة ، مشكلته كانت مع البنزين الذي تسير عليه السيارة ، بالأحرى القول ، لم تكن عنده مشكلة مع البنزين كوقود ، مشكلته كانت في وضع الدولة يدها على البنزين و مسؤليتها عن توزيعه ، فجدي و سيرا على نهج آبائه الذين كانوا يتحدرون من عائلة من قطّاع الطرق منذ أيام العثمانيين ، كان لا يثق بأية سلطة ، الرجعية منها و التقدمية على حد سواء . و كانت حكمته في رفض ركوب السيارة ، و الإستمرار باستخدام حماره للتنقل هي : حمار في يدك علفه خير من سيارة بنزينها في يد الحكومة. و عندما كان الحاضرون يزمّون شفافهم مستجهنين ، و يتحمس أحدهم فيتساءل " معقول هالحكي " كان جدي، و بعد أن يدلق في فمه ما تبقى في كأس العرق، و يمسح شاربيه الكثين الأبيضين بمنديله القماشي، يقول " تاريخ الحمير من تاريخ هذه الضيعة ، فإذا كان هناك حمار واحد خيّب ظن أي منكم أو أي من آبائكم أو أي من أجدادكم فليرفع اصبعه !" فيلتزم الجميع الصمت ، فيكمل جدي " و الآن ليرفع اصبعه كل من خيبت الحكومة ظنّه ! " فيرفع الجميع أصابعهم . و لم يكادو يخفضوا أصابعهم حتى علا نهيق حمار جدي المربوط خلف الدار ، فسأل أحدهم " ماذا يقول حمارك " فأجاب جدي " حتى الحمير تحب الإطراء ، إنه يشكرنا جميعا و يتمنى لنا مساء سعيدا " .
#ملهم_جديد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟