في المُدرَكْ السوسيولوجي لجغرافيا العراق 1

علي وتوت

الحوار المتمدن-العدد: 1644 - 2006 / 8 / 16 - 07:59
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    

استهلال:
هذه محاولة في استكناه المُدرَكْ السوسيولوجي لجغرافيا العراق، بأبعاده المختلفة، السياسي والتاريخي والديموغرافي والإيكولوجي، وكيف أثرت هذه الجغرافيا في صياغة تاريخه الحديث وإشكاليات حاضره، مثلما تساهم في صياغة مزاج أفراده وجماعاته، وصناعة أنساقهم Systems، وأساليب حياتهم Styles of Their Lives. وسنحاول أن نعرض في مقالنا هذا لكل بعدٍ منها. فالطبيعة الجغرافية والمناخية للعراق لعبت دوراً حاسماً ليس في تاريخه بل حتى في تكوين مجتمعه، مثلما يشير أحد الباحثين( ).

أولاًً - في البعد السياسي للجغرافيا:
بصرف النظر عن التعرجات الواقعة على الحدود الشمالية، فإن المتتبع لخارطة العراق، عند تأسيس الدولة الحديثة فيه عام 1921، يجد أنها تشـبه مثلثـاً متساوي الأضلاع( ).
أما رسـمياً، فإنَّ العراق الذي تشكلّ حدوده التخوم النهائية للبلدان العربية في قارة آسـيا، هو بلـدٌ يقع في جنوب غرب هذه القارة. لكنه يكون أقصى الشـرق لبلاد العالم العربي، فتحده أكثر من ألف كيلومتر شـرقاً مع إيران. بينما تشكلّ حدوده الشـمالية مع تركيـا الحدّ قبل الأخير لقارة أوربـا، وهو يقف في الجنوب على رأس الخليج بمشاركة إيران. فيما تحده من الغرب سوريا والأردن والسعودية والكويت بالتتابع.
وكانت المساحة الكلية لأرض العراق عند تأسيس الدولة الحديثة تبلغ (453500) كيلومتراً مربعاً( ). لكن هذه المساحة نقصت مئات الكيلومترات المربعة بعد أن قامت أنظمة الحكم المتعاقبة بالتخلي عن، أو توزيع أجزاء مهمة من المساحة الكلية للعراق إلى دول الجوار.
على سبيل المثال قام البريطانيون بالتخلّي عن بلدة (دير الزور) إلى سورية، قبل عام من قيام الدولة العراقية الحديثة. كما أعيد رسم الحدود العراقية مع دول الجوار (العربية خاصةً) أكثر من مرة في العهد الملكي. لكن الضياعات الكبرى في مساحة العراق حدثت في عهد صدام حسين ونظامه الدكتاتوري، حين قام بتوزيع الكثير من الكيلومترات من حدود العراق إلى دول الجوار بشكل هبات ومنح أو تحت ضغط القرارات الدولية التي أعقبت حروبه المتهورة مع تلك الدول. فقد قام صدام بإلغاء معاهدة 1937 مع إيران المتعلقة بتوزيع مياه (شط العرب) العراقي، ومنح مياهه مناصفة لإيران، وذلك وفقاً لـ (خط التالوك)، وهو خط وسط المجرى الرئيسي الصالح للملاحة عند خفض المنسوب ابتداءً من النقطة التي تنزل فيها الحدود البرية في شط العرب حتى الخليج، مثلما منح إيران بضعة كيلومترات من الحدود الشرقية بأعقاب اجتياحه دولة الكويت الشقيقة، وبعد رضوخه في العودة إلى اتفاقية 1975. في حين تم منح دولة الكويت بضعة كيلومترات غنية بالنفط، فيما تركت بين الدولتين بضعة كيلومترات عراقية وضع فيها مراقبين دوليين لمراقبة الحدود، وذلك وفقاً للقرارات الدولية التي أعقبت حرب تحرير الكويت التي قادتها أمريكا مع تحالف من أكثر من ثلاثين دولة. أما السعودية والأردن فقد منحهما النظام الدكتاتوري بضعة كيلومترات من الأرض العراقية ترضيةً أو هبةً، فاستولت السعودية بأعقاب حرب تحرير الكويت على منطقة الحياد التي كان هناك اتفاق بين السعودية والعراق ينظم السيطرة عليها منذ عام 1938، مثلما استولت على كيلومترات عراقية أخرى من حفر الباطن، واستولى الأردن على بضعة كيلومترات من الحدود العراقية. في حين منحت سورية عدة قرى حدودية. ولم تكن حظوظ تركيا بأقل من دول الجوار الأخرى للعراق فاستولت في عقد التسعينات المشؤوم على بضعة كيلومترات من الحدود العراقية بدعوى مطاردة حزب العمال الكردستاني)، لكن تركيا (العلمانية) لا زالت تظن أن ولاية الموصل العثمانية تابعةٌ لها، ولذا لا زالت وزارة المالية التركية تخصص بنداً باسم (ولاية الموصل).
بناءً لكل ما سبق، وصلت مساحة العراق بحسب تقدير أخير (435052) كيلومتر مربع( ). وهي تظل على الرغم من ذلك كله مساحة (كبيرة) نسبياً، تتميز ببنية مناخية وتضاريسية متنوعة تشكل مصدر جذب للسكان وحركتهم وتنوع في الثروات الطبيعية.
وكما هو واضح مما سبق، فإن حدودنا الشرقية الطويلة التي تربطنا بإيران سهلية في معظمها، فيما تمتد حدودنا مع دول الجوار العربي في هضبةٍ ومنطقةٍ صحراوية تشكل منفذاً للبداوة، إذ تمتد البادية الغربية العراقية حتى غربي العراق فتتصل بالحدود الأردنية والسورية والسعودية، ابتداء من (البوكمال) السورية التي تقابلها (القائم) العراقية أو (حصيبة الغربية) وتمتد حتى (التنف) ثم تتصل بحدود الأردن والمملكة العربية السعودية حتى المنطقة التي تلتقي فيها حدود العراق بنجد في منتهى منطقة الحياد من الشرق، والتي تمتد حتى الكويت شرقاً وهي بهذا الامتداد تحادد ست محافظات (الأنبار، كربلاء، الديوانية، السماوة، الناصرية، البصرة). وأدناه جدول يبين أطوال حدود العراق مع دول الجوار:

جدول يبين دول الجوار العراقي وأطوال
حدود العراق مع كلاً منها
دول الجــوار الطـول/ كـم %
ســورية 600 17.5
الأردن 140 4.1
السـعودية 812 23.7
الكويـت 195 5.7
تـركيـــا 377 11
إيـــران 1300 38
المجـمـــوع 3424 100


( ) سليم مطر: العراق وخصوصيات الموضع والموقع (مقالات في الهوية)، بغداد، صحيفة الصباح، الثلاثاء، 20/ يناير/ 2004
( ) طه الهاشمي: جغرافية العراق، بغداد، مطبعة المعارف، ط2، 1936، ص7
( ) نفسه، ص12
( ) http://www.arifonet.org.ma/data/about/About11_ar.html
( )المصدر: http://www.darbabl.net/geographical.htm، نقلاً عن وزارة التخطيط العراقية، 1984.

#علي_وتوت (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات