أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - القلق عند سارتر














المزيد.....

القلق عند سارتر


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 6997 - 2021 / 8 / 23 - 14:07
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


أركيولوجيا العدم
٦٦ سارتر

سارتر بدوره أهتم بظاهرة القلق وربطه بالعدم والحرية، وحينما يتسائل : لكن ماذا يجب أن تكون حرية الإنسان إذا كان العدم يدخل من خلالها إلى العالم، نعرف أن العدم دائمًا يفصل الإنسان عن جوهره، ليست الحرية ملكة أو قدرة من قدرات الإنسان تضاف إليه من الخارج، أو ملكية من بين أشياء أخرى، تنتمي إلى جوهر الإنسان. إن كينونة الإنسان ذاتها التي هي حرية، لا فرق بين كينونة الإنسان و "كونه حراً". والشكل الذي يتخذه وعي الحرية هو ما يسميه - القلق L’angoisse، وفي القلق يدرك الإنسان حريته.
يذكر سارتر التمييز الذي أكتشفه Kierkegaard بين المشاعر المختلفة التي يمكنني الشعور بها : الخوف تجاه الكائنات الأخرى في العالم، والقلق تجاه نفسي. ويحلل سارتر يدوره الفرق بين الخوف والقلق، على سبيل المثال، أنا خائف من الهاوية كشيء خارجي يهددني وأحاول تفاديه وعدم السقوط في الهاوية، لكني أشعر بالقلق كلما أرى هذه الهاوية أو مجرد التفكير في وجودها في الشارع الذي أمر منه، لأنني أخشى أن أقفز وألقي بنفسي فيها بدون مبرر. أو في حالة الحرب، القصف يخيف الجندي لأنه يهدده بالموت أو الإعاقة، ولكن القلق ينشأ، عندما يحاول التكهن بسلوكه في حال تعرضه للقصف، هل يهرب مثلا أو يغمى عليه أو يصاب بالشلل. فالقلق هنا هو قلق تجاه نفسي وعدم قدرتي على تكهن السلوك الذي سأتخذه في مواقف معينة.
لتجنب القلق، يجب عل الإنسان أن يقيم في داخله ما يسميه سارتر بالحتمية النفسية déterminisme psychologique، حيث الدوافع هي التي تحدد سلوك الفرد، لأن الفرد على وجه التحديد يشعر بالقلق لأن سلوكه "ممكن" فقط وإحتمالي وليس حتميا وأكيدا. لذلك يكشف القلق الإنسان لنفسه ويعريه ككائن حر متروك لنفسه. الإنسان يعاني القلق لأن حريته تضعه أمام عدد هائل من الإحتمالات عليه أن يختار واحدا منها، وبالتالي ينفي ويعدم بقية الإحتمالات، وهذا بطبيعة الحال سبب للقلق. للهروب من القلق، نحاول الإيمان والإقتناع بالحتمية وبعدم وجود العرضية. على سبيل المثال، لاعب الكازينو الذي يتخذ قرارًا أخيرا بينه وبين نفسه للتوقف عن المقامرة نهائيا ويضع قانونا داخليا بينه وبين نفسه بعدم القمار مهما حدث. لكنه في مواجهة السجادة الخضراء، ينتابه القلق، لأنه سيفهم أنه بعد أن قام ببناء السدود والجدران بصبر وشيد حصنا من الإرادة للتوقف عن المقامرة، وسجن نفسه في الدائرة السحرية للقرار، يدرك بقلق أن لا شيء يمكن أن يمنعه من اللعب والمقامرة من جديد، لأنه هو السجين وهو السجان في الوقت نفسه. ونفس الشيء يحدث للشخص الذي يتخذ قرارا حاسما ونهائيا بالتوقف عن التدخين، والذي سيشعر بالقلق في كل صباح عندما يشم رائحة القهوة، لا أحد يستطيع أن يمنعه من التدخين حتى هو نفسه.
ومع ذلك نادرًا ما يظهر القلق في الحياة اليومية وإلا لأمتلأت المصحاة العقلية بالمرضى والمجانين، على الرغم من أن الحرية هي جوهر الإنسان وهو حر على الدوام، ذلك لأن حريتنا لا تُدرك إلا بالتأمل وعقليا وفي بعض الحالات النادرة من الوجود المكثف. ما دمت عالقًا في الحدث ومندمجا في الحياة اليومية، فهي لا تظهر ولا تتموضع. ومع ذلك يتسائل سارتر كأخلاقي : ألا توجد قيم يمكن أن توجهنا في اختياراتنا وتزيل القلق من حياتنا ؟ في الحقيقة، حريتي هي الأساس الوحيد للقيم، وبالتالي لا شيء، لا شيء على الإطلاق، يبرر تبني هذا المقياس أو ذاك من القيم. في الواقع، القيمة هي المثال المتعالي وليست الكينونة، لذلك لا تكشف القيمة نفسها أمام الحدس، ولكنها خلقت بواسطة حريتي. هناك قيم لأننا أحرار. وهذا بدوره يولد القلق، لأنه إذا لم يكن هناك أساس آخر للقيم غير حريتي، فلا يوجد سبب لاختيار سلوك دون آخر: حريتي قلقة لأن تكون الأساس بدون أساس للقيم. “ ma liberté s’angoisse d’être le fondement sans fondement des valeurs”. وهذا ما جعل كييركجارد يلجأ للإيمان ضد القلق، فهو الحل الوحيد المتاح أمام البشرية. غير أنه في العالم المعاصر خلق الإنسان آلاف الضمانات - بالإضافة للإيمان ـ ضد القلق : منبهات ومهدئات، إشارات وإرشادات من كل نوع، ونماذج وعقود وأختام، أنظمة وقوانين وشرطة ومحامين وشرائع، وأحكام وأعراف من كل نوع مما يعطي وهم بالحتمية وبأن كل شيء في مكانه الصحيح وعدم وجود إمكانية للخطأ في الإختار،فالمجتمع والقوانين والأعراف أختارت في مكاننا وقررت ما يجب عمله وكيفية التصرف في كل موقف، الإختيار الوحيد هو الطاعة وتتبع القطيع. لكن فجأة يكتشف الإنسان نفسه بأنه ربما يريد أن يسير في الإتجاه المعاكس، وهو الذي يعطي معنى للاستيقاظ، الشخص الذي يستطيع أن يمنع نفسه أو يسمح لها، بإطاعة إشارة المرور أو عدم إطاعتها، من السير على العشب أو قذف علبة سجائره الفارغة في الشارع أو على الرصيف ... إلخ. فهو الذي يصنع القيم، أما القانون فما هو إلا وهم وخدعة جماعية لمواصلة الزحف نحو الهاوية واحدا واحدا .. ولكل دوره. وأخيرًا، يجب في كل الظروف أن أحقق معنى العالم وجوهر كينونتي : وهو قرار أقرره وحدي، غير مبرر وبدون عذر، هذا هو ما يخلق القلق وإستحالة تجاوز القلق، وهو ليس أكثر من وعي انعكاسي للحرية بواسطة الحرية ذاتها.
الحل الوحيد لتجنب هذا القلق هو إنكار حريتنا كما سبق القول بواسطة الحتمية النفسية والتي هي أولاً وقبل كل شيء سلوك تبريري، أو، إذا صح التعبير، أساس كل سلوك تبريري. إنه يحاول إقناعنا بأننا يمكن أن نوجد ككائن في - ذاته، أي كشيء من الأشياء كحجر أو ككرسي محاصر ومنغلق في كينونة مطلقة، ونتنازل عن حريتنا في أن نوجد ككائنات تتمتع بالوعي والحرية والمسؤولية.



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جنية البحر
- عن الخوف والقلق وما بينهما
- تشنجات الحبل المتأرجح
- الكلمات المفترسة
- هايدغر والسقوط في تفاهة العالم
- بين الأسود والأبيض
- بين فكي القلق
- صلاة لهُبل
- مقدمة لمفهوم القلق عند هايدغر
- بين الفلسفة والعلم
- الرسم بالحروف المنتحرة
- كييركجارد ومفهوم القلق
- مرة هي قهوة الصباح
- كييركجارد .. القسيس الكئيب
- الكلمات فقدت سطورها
- الشرخ في ذات الله
- السفر مع أليس
- الكلمات الغائبة
- عن الفن والدولار والرأسمالية
- تمتمة الشفاه المعقمة


المزيد.....




- نجوم مسلسل -شارع الأعشى- يلتقون الجمهور في العيد
- كورى بوكر يحطم الرقم القياسي في مجلس الشيوخ بخطاب استمر 25 س ...
- قتلى وجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي طال عيادة تابعة للأون ...
- مقتل عشرات الغزيين بقصف مكثف بعد إعلان إسرائيل توسيع عملياته ...
- عبر الخريطة التفاعلية.. الجيش الإسرائيلي يوسع عمليته العسكري ...
- استمرار عمليات البحث عن ناجين وسط الدمار الذي خلفه زلزال ميا ...
- مظاهرات تمتد من الولايات المتحدة إلى أوروبا لإسقاط تسلا
- تداعيات حرمان لوبان من الترشح على المشهد السياسي الفرنسي
- أميركا تدرس مقترح التفاوض الإيراني وتعزز قواتها بالمنطقة
- غارات أميركية على اليمن والحوثيون يستهدفون ترومان مجددا


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - القلق عند سارتر