أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - موت البرامج السياسية















المزيد.....

موت البرامج السياسية


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 6993 - 2021 / 8 / 19 - 12:10
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


هناك ملمح عالمي يجمع بين الاندياح الطالباني في أفغانستان عقب الانسحاب الأمريكي، وبين هجوم النظام السوري على درعا البلد ومحاصرتها، هذا الملمح هو تراجع قيمة السياسة والفكر السياسي لصالح قيمة واحدة هي القوة المجردة، أو هو، بكلام آخر، موت البرامج السياسية في العالم غير الديموقراطي.
تقادم أو اندثر التصور الذي يربط بين القوة السياسية والفكرة السياسية، بمعنى أنه لم يعد ثمة مكانة أساسية للصواب السياسي أو للبرامج الحزبية، ولا للدعاوة والتحريض وما إلى ذلك في حيازة القوة السياسية. لم تعد البرامج المناسبة وسيلة الحزب إلى تحصيل القوة الجماهيرية. انتفت اليوم في العالم غير الديموقراطي، العلاقة بين صواب الطرح السياسي وملاءمته لحاجات المجتمع، وبين القوة الجماهيرية لصاحب الطرح، فلم يعد الصواب السياسي يستجر القوة الجماهيرية، كما ساد الاعتقاد طويلاً. الثقافة أيضاً غير مستثناة من هذا التحول. القوة لا تكترث كثيراً بالتوافق مع الثقافة السائدة في المجتمع المستهدف. ليست الثقافة الإسلامية مثلاً هي التفسير الكافي لقوة الجماعات الإسلامية التي تسيطر على المشهد السياسي.
في السنوات التي سيطرت فيها طالبان على أفغانستان (1996 – 2001) عرضت نموذجاً كارثياً من الحكم، ارتكبت مجازر بحق مدنيين، منعت فنون الرسم والتصوير والموسيقى والسينما، حرمت النساء من الدراسة، ومن العمل، وصار على المرأة، كي تخرج إلى مكان عام، أن تلبس البرقع وأن يرافقها ذكر قريب، تحت طائلة الجلد أو الإعدام، وقامت طالبان بإبادة ثقافية شملت تماثيل يعود تاريخها إلى أكثر من 1500 سنة، ومارست تمييزاً سلبياً ضد الأقليات العرقية والدينية ... الخ، وها هي اليوم، مع ذلك، تتقدم كالنار في الهشيم في مقابل قوات الحكومة المنتخبة والتي تمثل، على فسادها، صلة أفضل بالعصر. على الأقل هناك نساء أفغانيات، في ظل الحكومة غير الطالبانية، وصلن إلى البرلمان، وتمكنّ، مثلاً، من الظفر بتسجيل اسم الأم على بطاقة الهوية، الأمر الذي ترفضه طالبان على أنه "مشروع غربي".
الذي يفسر هذا التقدم العاصف لحركة طالبان هو قوتها القتالية. السؤال إذن: من أين تنبع القوة القتالية؟ ولماذا ينهار الجيش الأفغاني بمعداته الحديثة وتنظيمه الحديث، والذي يقال إن أمريكا أنفقت على إنشائه وتدريبه أكثر من 83 مليار دولار؟ (ربما لو أنفقت أمريكا هذا المبلغ الهائل على البنية التحتية في أفغانستان وعلى التنمية الاقتصادية فيها، لكان ذلك أنفع في صد طالبان، بحسب أحد التعليقات الذكية على هذا الخبر).
قوة طالبان ليست مستمدة فقط من بنيتها التنظيمية ومن توفرها على موارد وعلى علاقات دعم خارجية ... الخ، بل مستمدة أساساً من العصبية الدينية والقومية التي تشد أفراد التنظيم، أي إنها قوة مستمدة من كل شيء سوى الأفكار السياسية وملاءمتها للمجتمع الأفغاني. العصبية في عالم اليوم تحيل الأفكار إلى الهامش، لأن الأفكار لا تولد العصبيات التي تولدها الهويات الانتمائية ولاسيما منها الدين والقومية. لذلك تموت الأفكار السياسية حين تحيا العصبيات.
الشيء الوحيد الذي كان يقف في وجه طالبان هو "القوة" الأمريكية. أمام كلا القوتين، لا تشغل قناعات الناس ووعيهم دوراً مؤثراً. حين تخرج هذه القوة، تتقدم القوة الأخرى، وكأن موضوع القوتين (الشعب الأفغاني) بلا أي حضور أو وزن. لا نشر الوعي "الطالباني" الإسلامي وقف في وجه القوة الأمريكية، ولا نشر الوعي الأمريكي العلماني يقف في وجه تقدم طالبان.
وجدنا الحال نفسه في سوريا. لم تتقدم أي جهة في الصراع بسبب أفكارها السياسية، على العكس من ذلك، القوى التي تقدمت هي القوى التي تعبد القوة ولا تقيم وزناً للفكر السياسي. لم يثبت نظام عائلة الأسد لأنه يمثل قيمة سياسية ما، أو لأنه يلبي تطلعات معينة للشعب السوري، بل لأنه قادر على البقاء بالقوة المستمدة، على الطريقة الطالبانية، من الاستثمار في العصبية وتقاطع هذا الاستثمار مع مصالح حلفاء داعمين وقادرين على الدعم. كلام الكثيرين من مسايري النظام عن الحفاظ على الدولة مثلاً، هو مجرد غلاف لا يكاد يستر التبعية للقوة والالتحاق بالقوي، تماماً كالحديث عن الحرية في جهة مسايري الإسلاميين الذين يواجهون قوات "الدولة". لب الموضوع بعيد بالكامل عن الفكرة السياسية، وكامن في العصبية التي هي بالتعريف مضادة للفكر.
لن يقودك الفكر السياسي، مهما كان متقدماً أو ملائماً، إلى أن تحوز على قوة متماسكة، فلحيازة مثل هذه القوة، تحتاج أن تحرض عصبية ما وتستثمر فيها. ومعلوم، في هذا الزمن، أن من ينفق قوة ناجمة عن عصبية انتمائية، مهما تكن، فإنه لا يشتري فكراً ولا حرية ولا خيراً للناس، بل يشتري سلطة تقمع الفكر وتصادر الحرية وتنكب حياة الناس.
النتيجة التي تتجلى دائماً لمن يتأمل في العالم غير الديموقراطي، هي إنه ليس الفكر السياسي المناسب هو ما يستجر القوة الجماهيرية، بل القوة القتالية، بالأحرى، هي ما تستجر فكراً سياسياً تلفيقياً يناسبها.
على سبيل المثال، فيما يخص الوضع الحالي في درعا التي لا يستطيع نظام الأسد أن يرميها بتهمة انفصالية أو تهمة تطرف ديني، ويحاصرها ويحشد لاقتحامها دون أن يكون في جعبته السياسية سوى القمع والتجويع والانتقامات، يمكن لأحد أن يقول إن من الطبيعي لقوات هذا النظام أن تهاجم درعا البلد لأنه من غير الطبيعي أن تبقى مناطق من سوريا خارجة عن سيطرة الدولة. صاحب هذا القول يمرر تبعيته "الفكرية" للقوة تحت ستار كثيف توفره مفردة "الدولة". لا يجد صاحب هذا القول ما يدعو إلى التأمل في ما أصبحت عليه هذه الدولة في علاقتها مع "الشعب"، أو ما يدفع إلى التفكير في أن الناس المحاصرين والمعرضين للهجوم لا يطالبون، في الواقع، سوى بدولة، على أن تحمل حدوداً ولو دنيا من مفهوم الدولة، وليس دولة يقتصر مفهومها على القسر، وتنحط علاقتها بالمحكومين إلى حدود الاستعباد والانتقام.
في غياب العلاقات الديموقراطية تصبح الكلمة العليا للقوة، ولا يتوفر على القوة سوى من يستثمر في عصبيات هي بطبيعتها غير سياسية ومنافية للديموقراطية. هكذا تدخل أطراف قوية "عصبياتية" إلى ميدان الصراع السياسي وتسيطر عليه وتفسده فتجعله صراع سياسي (صراع على السلطة) لا سياسي (يتغذى من عصبيات أكثر مما يتغذى من تفضيلات سياسية للشرائح الاجتماعية) في الوقت نفسه.



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- انقسام جديد بين السوريين
- لكي تكون الديموقراطية ممكنة
- في الحاجة إلى مركزية مضادة
- العرض التونسي للمشاهد السوري
- -نريد وطناً-
- هل يمكن تجاوز الانقسام السوري؟
- بين إرهاب قادر وإرهاب قاصر
- عن العنف وصعوبة السياسة
- الجزائر اليوم، سوريا المستقبل
- بين الكميون والبرميل
- كيف صارت سوريا إلى ما هي فيه؟
- خدعة التبسيط وبؤس الجذرية
- قلوب بيضاء تحت ستار أسود
- لوحة كئيبة بلون واحد اسمها سوريا
- على ماذا يبتهجون؟
- حين تصبح -الديموقراطية- وبالاً على الناس
- الربيع العربي، إشكالية العلاقة بين الشعب والنخب السياسية 2
- الربيع العربي، إشكالية العلاقة بين الشعب والنخب السياسية 1
- الديموقراطية الإسرائيلية وسيلة اغتصاب
- ناديا مراد طه تشكو اغتصابها لمغتصبيها


المزيد.....




- لماذا يحذر فائزون بنوبل من تولي ترامب رئاسة أمريكا مجددا؟
- إسرائيل تعلن مقتل -عنصر في الجهاد-.. و-أطباء بلا حدود-: كان ...
- بالونات القمامة من كوريا الشمالية تؤخر الرحلات بمطار سيئول
- إبرام عملية تبادل أسرى بين روسيا وأوكرانيا بوساطة إماراتية
- نيجيريا تستخدم الذرة المعدلة وراثيا لسد أزمة الغذاء رغم مخاو ...
- تحذيرات دولية من مجاعة بلغت حدا -حرجا- في غزة
- مع إعلان الاحتلال قرب انتهاء الهجوم برفح.. احتدام المعارك جن ...
- لأول مرة منذ عام.. وزير الدفاع الأميركي يتحدث مع نظيره الروس ...
- توقيف 4 أشخاص في بريطانيا لاقتحامهم حديقة منزل رئيس الوزراء ...
- باتفاق لإطلاق سراحه.. أسانج يقرّ بالذنب أمام محكمة أميركية


المزيد.....

- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ... / نصار يحيى
- الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت ... / عيسى بن ضيف الله حداد
- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب
- ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - موت البرامج السياسية