|
الدولوزية - من أجل فكر فلسفي مقاوم
محمد بقوح
الحوار المتمدن-العدد: 6990 - 2021 / 8 / 16 - 08:51
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
1- موت الفلسفة حاول دولوز في فلسفته المختلفة، بجعل التكرار منتجا للمعنى الفلسفي، أن يفهم ويؤول معطيات الفلسفة، من خلال قراءته المستفيضة والدقيقة للتاريخ الفلسفي، بدءا من الفترة القديمة، مرورا باللحظة الحديثة، و وصولا إلى المرحلة المعاصرة. وذلك، بجعل الفلسفة ممكنة. أي بكونها، معرفة نقدية في طور سيرورة الحياة، باعتبارها أكسير الوجود في صيرورة وضعنا البشري، لأنها تقوم على أساس الفكر المحض الذي هو نتاج قوة العقل، الملازم الأكبر لجوهر الفلسفة. ومن تم، فمسألة موت الفلسفة أو نهايتها، أو اكتمالها، حسب تلك الصرخة التي أعلنها هيغل في القرن 19، لم تكن سوى، حسب دولوز، وهما يدل على سوء تقدير الفيلسوف المهادن، أو طعما دسما، لصناع سياسات الفكر القطيعي، سعيا للاستمرار في السيطرة على الإنسان، والهيمنة على خيرات العالم.. منها أنوار العقل البشري. 2- مسألة الرغبة للرغبة في الأطروحة الفلسفية الدولوزية بعدا وجوديا يستحضر عمق الفكر السبينوزي، كما أنه ينشد تأسيس قيم الطرح النيتشوي. هكذا، نتحدث هنا عن نظرية الرغبة كنظرية فلسفية، وليس فقط كظاهرة نفسية. من هنا، يمكننا اعتبار استعمال مفهوم الرغبة عند دولوز بمثابة الطرح الفلسفي المحايث بامتياز، بسبب تأكيده الفلسفي على الطابع التجريبي للوعي بالحياة، ضد الطرح المفارق. إضافة، أن مفهوم الرغبة في التصور الدولوزي بعيد كل البعد، إن لم نقل يتناقض مع الطرح السيكولوجي المدرسي الذي كان يهيمن في عصره (ق20)، باعتباره يتضمن دلالات كثيرة، يتفاعل فيها ما هو سياسي واجتماعي ومعرفي، كما ينحو المنحى المضاد تماما لمفهوم اللذة، الذي يعد أساس الفهم النفسي في الطرح التقليدي السيكولوجي لمسألة الرغبة. 3- تاريخ الفلسفة يبدو أن الهاجس الأساسي الذي تحكم في الأطروحة الفلسفية الدولوزية، باعتبارها فكر فلسفي محايث جديد ومختلف، هو نزعته الإنقلابية في فهم وتأويل تاريخ الفلسفة برمته، قديمه وحديثه، وحتى في زمنه المعاصر. لهذا، قبل أن يعمل دولوز على تقديم تصوره الفلسفي عن (ماهي الفلسفة)، وهو أحد العناوين الأساسية لأهم كتبه، بحث ونقب عن تاريخ الفلاسفة، ليس تبعا لمسألة التحقيب والعصور التي يرفضها دولوز نفسه، بل وفق قيمة المفاهيم الفلسفية التي عالجها كل فيلسوف على حدة. من هنا كانت الأبحاث الفلسفية الدولوزية، من الأولى حتى آخرها، تغطي نوعين من الفلاسفة: -الأول، الفيلسوف المهادن، المنخرط في مشاريع السلطة السائدة والمهيمنة، مثل ديكارت وهيغل وكانط الذي اتخذه كنموذج، من منظورنا، وكتب عنه كتابه الهام (فلسفة كانط النقدية) سنة 1963. -الثاني، الفيلسوف الثائر ضد مشاريع السلطة، مثل سبينوزا وبرغسون و نيتشه وفوكو.. وقد كتب دولوز كتبا في غاية الأهمية عن هؤلاء الفلاسفة جميعهم، وهم طبعا كانوا من فترات تاريخية مختلفة، لكن دولوز قرأ أطاريحهم الفلسفية، كما لو كانوا كلهم ينتمون إلى بيت فلسفي واحد، بإستثناء بعض الفروق الخاصة غير الفلسفية، المرتبطة بالشروط العلمية للمرحلة.. 4- فلسفة الحدث يبدو لي أن المنعرجات الفلسفية الدولوزية أكثر صعوبة من رفقة نيتشه أو سبينوزا لوحدهما، باعتبار أن دولوز يشعرك في فلسفته أنه حرباء فلسفية، يتلون حينا بلون نيتشه، بحمل مطرقته الفلسفية، ليهوي بها على رموز تاريخ الفلسفة، وتراه حينا آخر، يتلون بلون سبينوزا، بوضع قناعه الفلسفي المكتنز بالفكر الطبيعي المحايث، الذي لا تعرف المهادنة والمساومة طريقهما إلى نفسه. لنحصل هنا، في نهاية المطاف، على فلسفة دولوزية بطعم أقصى درجات الهدم.. هدم الخرافة والتكرار..، لكنه هدم مؤسس لقيمة الإنسان كقدرة لا متناهية، ومؤسس كذلك لقيمة الحياة،كواقع وضع طبيعي بشري مشترك، استمراريته رهينة بفكرنا الحي، يعني بوعي الإنسان القائم على فكر التشارك الإيجابي، والانفتاح على الاختلاف، لأنه هو الأصل، وليس المطابقة و التكرار الذي هو من بنات صورة الفكر، وليس الفكر.. تلك التي حاربها دولوز بشراسة، من خلال فلسفته الطارحة لسؤال التفلسف كحدث صيرورة، وفكر مضاد مختلف محايث.. 5- فلسفة الممكن إنها إحدى التسميات التي تطلق على فلسفة دولوز، إضافة إلى تسميات أخرى، باعتبارها معرفة فلسفية تنفتح على الممكن المختلف الدائم. يعني أن الدولوزية هنا، من جهة، تعيد إنتاج مفهوم الإمتداد السبينوزي الذي ميز فلسفة صاحب الإتيقا، لتنجح في صياغته على شكل مفهوم جديد، الذي هو الممكن أو الإمكان. ومن جهة ثانية، يرد به دولوز على مطلق هيغل الذي حكم على الفلسفة بالموت، بسبب نهاية شروطها الموضوعية، وفق تصوره. أي اكتمالها الذي بدا لدولوز كنوع من التفكير الخرافي، المغالط لحقيقة الأشياء، لأن الفلسفة معرفة إنسانية، وليست عضوا من أعضاء الطبيعة الحية، حتى ينطبق عليها نفس التفكير النمطي التطوري الذي ينطبق على الكائن الحي. وبالتالي، فلا يمكن للفلسفة أن تموت أو تنتهي، مهما طال الزمان. لهذا السبب اعتبر دولوز فلسفته هيغلية مضادة. من هنا، دعت الدولوزية إلى التفكير في الفلسفة بطريقة مختلفة، أي بصيغة مفهومية لصالح الفلسفة، ولمستقبل الإنسانية، حفاظا على إمكانية التواصل معها. يعني أن الفلسفة ممكنة دائما وأبدا، مادام الإنسان ممكنا، والوجود ممكنا، والتاريخ ممكنا، لأن الحياة البشرية بدون الفلسفة، لابد أن تنتهي إلى الوضع التراجيدي العدمي الذي انتقده نيتشه، ونعيش راهنا مؤشراته، بسبب تراجع منظومة القيم بشكل فظيع. ومن تم، يتحول العالم المجتمعي إلى واقع تسوده الفوضى، و يهيمن عليه فكر العبث والعنف والعنف المضاد الذي لا يطاق.. أي عالم بدون العقل النقدي الذي يفكر بطريقة تشاركية عادلة بين الجميع.. بعيدا عن منطق السيطرة و الإقصاء والاستعباد. من هنا، فالفلسفة إبداع وليست معطى ثابتا.. لهذا فوجودها كوجود أكسير الحياة.. 6-قوة الإبداع يمكن تشبيه ما قام به الفيلسوف الفرنسي دولوز، بخصوص بصمته الفلسفية النوعية في تاريخ الفلسفة، كمن أحدث ثقبا في جدار سميك دخل منه هواء الفلسفة الأنيق.. لهذا، في نظرنا المتواضع على الاقل، تنعت الدولوزية بفلسفة الحدث، باعتبار الحدث هنا قوة الإبداع التي مكنت الفلسفة من الخروج الضروري من مأزق التكرار، والإنفتاح أكثر على أفق التفكير الفلسفي المحايث الذي يجعل التفلسف في خدمة المجتمع اولا، و في صالح الإنسان والحياة عامة، أخيرا. 7-الفكر وصورة الفكر يعتبر دولوز أهم الأعطاب التي عانت منها الفلسفة والتاريخ الفلسفي، عدم التمييز بين الفكر الذي يجب أن يكون منتجا للعقل الفلسفي النقدي، وصور الفكر، كتأثراته الزائفة التي لا علاقة لها بمفهوم الفكر، بمعناه الدولوزي. ومن هنا، أثر هذا الخلط بين المفهومين على الذات القارئة و المفكرة، كذات الفيلسوف المفارق، مثل أفلاطون و ديكارت وهيغل، كما أثر على ذات الإنسان العادي الذي يقرأ معطيات الحياة، من منطلق وضع صور الفكر، يعني تأثراته الإنفعالية، وليس من منطلق الفكر، كطاقة خالصة ومحركة ومنتجة للأفكار، أي للمعرفة العلمية الخاصة بالإنسان..
#محمد_بقوح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سعيد ناشيد: محنة الفكر المضاد في المغرب
-
الفلسفة والحق في العيش المشترك
-
كورونا كمنعطف للتفكير الفلسفي
-
رهان العلاقة بين التربوي والإداري في المغرب
-
الإرتقاء بالفعل القرائي عند المتعلم في السلك الإبتدائي
-
نيتشه راقصا على جليد جثامين المدينة
-
سوس ماسة في القرن التاسع عشر من خلال كتاب: أخبار ابراهيم الم
...
-
كورونيات (9)
-
كورونيات (8)
-
كورونيات (7)
-
كورونيات (6)
-
كورونيات (5)
-
كورونيات (4)
-
كورونيات (3)
-
كورونيات (2)
-
كورونيات (1)
-
دشيريات (٣)
-
دشيريات (٢)
-
دشيريات (١)
-
الكبش مسعود
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|