أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - لكي تكون الديموقراطية ممكنة















المزيد.....

لكي تكون الديموقراطية ممكنة


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 6989 - 2021 / 8 / 15 - 11:34
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ترتطم الديموقراطية كل يوم بهذا السؤال: كيف تحسم معارك اختبارات القوة في الشارع خارج المؤسسات؟ نقصد المعارك التي لا تخضع لسلطة مقرِّرة ولا لمبدأ الحسم بالتصويت. في فرنسا مثلاً، حيث لا يكف الشعب عن الاحتجاج، ماذا لو لم تستجب الحكومة لمطالب المتظاهرين أو المضربين عن العمل؟ الاحتجاج لا يمكن أن يكون لا نهائياً، ولا توجد وسيلة أخرى لفرض مطالب المحتجين على الحكومة، فما المخرج؟ من هو الطرف الذي سوف يقبل التراجع أو الهزيمة؟ وكيف يمكن أن تنتهي الأمور إذا رفض كل طرف التراجع أمام الطرف الآخر؟ هل يمكن، تحت ضغط الاحتجاجات، أن تتحطم مؤسسات الحكم الديموقراطي حين لا تستجيب لمطالب المحتجين، أو أن ترتد هذه المؤسسات بالعنف حتى تخمد الاحتجاجات؟
قد يبدو هذا السؤال غليظاً على ضوء المنطق الديموقراطي، أو قد يبدو سؤالاً "ديكتاتورياً" على النظام الديموقراطي، ذلك لأنه (السؤال) ينطلق من مبدأ الغالب والمغلوب، من مبدأ أن الصراع يجب أن ينتهي لصالح أحد الطرفين، في حين أن نتيجة الصراع في النظام الديموقراطي تجمع الطرفين بطريقة "التسوية" التي فيها من التأليف أكثر مما فيها من الكسر، أي كما لو أن هناك طرفاً ثالثاً تنتهي إليه النتائج، وهذا الطرف يمثل محصلة الصراعات، وما يمكن أن يعبر بالعموم عن "المصلحة العامة" التي تستقر على توازن دقيق تحققه آليات النظام الديموقراطي.
لا تستطيع السلطة المنتخبة في نظام ديموقراطي مكتمل الأركان، أن تتمادى في صد الشارع وعدم الاصغاء له، لأنها في النهاية تستمد سلطتها منه. كما أن الشارع لا يستطيع أن يتمادى في الاحتجاج زمنياً، لأن الاحتجاج ليس "وظيفة" لها مردود تعيش عليه الأسرة، ولا بد من العودة إلى العمل لكسب العيش، أو يتم تخصيص العطلة الأسبوعية للاحتجاج، وهذا بدوره ليس بلا حدود. الأمر نفسه ينسحب على الإضرابات العمالية التي يتوقف خلالها دخل المضربين. ومن ناحية ثانية فإن الاحتجاج لا يتجذر ليتحول إلى العنف، نظراً لما لهذا التحول من رفض عام، دون أن يمنع هذا من وجود نسبة متزايدة من العنف في الاحتجاجات مردها إلى أن الاحتجاج السلمي الهادئ أقل تأثيراً على الحكومات قياساً بتأثير الاحتجاج العنيف، مثل التكسير والحرق وبعض الاحتكاك مع الشرطة، ويشكل هذا سقف العنف الذي تشهده الاحتجاجات.
من نافل القول أن أجهزة الحكومة، في الأنظمة الديموقراطية الراسخة، قادرة على قمع الاحتجاجات التي تخرج ضدها، ولكنها لا تفعل، ولا يعود ذلك بالتأكيد إلى طبيعة "سامية" للحكام في هذه البلدان، بل إلى حسابات سياسية تدرس ردود الفعل المحلية وانعكاسها على حكوماتهم، وتدرس ردود الفعل الخارجية للحكومات التي ترتبط مع حكومتهم بالمجال الجيوسياسي. حتى لو شاءت نخبة حاكمة في نظام ديموقراطي أن "تخون" الديموقراطية وتتفلت من نواظمها، فإنها تجد الباب موصداً في وجهها، وتجد أن مصلحتها تكمن في عدم التمادي في القمع، وفي التقيد بحدود معينة من احترام حقوق الناس في التظاهر والاضراب وأشكال الاحتجاج المختلفة، وفي إيجاد تسوية ما مع المحتجين الذين بدورهم يدركون حدود الاحتجاج ويقبلون التفاوض والتسويات، ويبقون جاهزين للوقوف عند حقوقهم.
هناك إذن حدود داخلية تضبط الصراع، ويمكن أن ينعكس عدم احترام هذه الحدود سلباً على الطرف الذي ينتهكها. لا يعني هذا أن هذه الحدود الداخلية تجعل الصراعات تسير على صراط مستقيم، فالغالب في سياق هذه الصراعات أن تميل الكفة إلى هذه الجهة أو تلك، لكن دون أن ينكسر الميزان. في غياب الحدود الداخلية المذكورة يفقد النظام الديموقراطي معناه "الديموقراطي" وقد يتحول إلى نظام قمع ظاهر أو مستور، أو قد يتفكك إلى فوضى.
غير أن ثبات هذه الحدود وقدرتها على منع تحول الصراع إلى صراع غير تسووي، أو إلى صراع سيطرة، يحتاج أولاً إلى توضع أو تنصيب مكتمل للنظام الديموقراطي، سواء في العلاقات البينية بين المؤسسات، أو في الوعي العام.
من أجل ذلك، لا غنى عن توفر عنصرين مترابطين، الأول هو النسيج الهوياتي المشترك للشعب (شعور بهوية مشتركة وبوحدة المصير)، والثاني هو حدود دنيا من القيم المشتركة، ليس فقط بمعنى الإيمان المشترك بقيم مجردة، بل الأهم هو الإيمان بهذه القيم تجاه كل شرائح وفئات المجتمع وعدم القبول أو التساهل بانتهاك هذه القيم مع جماعة دون أخرى (سياسية أو قومية أو عرقية أو دينية أو مناطقية ... الخ). توفر هذين العنصرين يمنع التباينات السياسية بين شرائح المجتمع من تمزيق النسيج المشترك، ومن أن تتحول إلى صراعات إلغاء وسيطرة.
في الصراعات بين الحكومة والمحتجين ضمن النظام الديموقراطي، يوجد دائماً طرف ثالث لا يشارك مباشرة في الصراع ولكنه حاضر وفاعل فيه مع ذلك، هذا الطرف هو بقية الشعب. إذا كان طرفا الصراع في لحظة معينة هما أبطال المسرح، فهذا الطرف الثالث هو الجمهور، وهو حاضر في ذهن طرفي الصراع. غالباً لا يملك هذا "الجمهور" موقفاً واحداً من المتصارعين، بعضه ينحاز إلى هذا الطرف، وبعضه للطرف الآخر، وبعضه لا مبال أو ليس له موقف محدد أو منته، ولكنه يشترك في رفض تجاوز "الحدود الديموقراطية"، ما يجعل طرفي الصراع محكومين، إلى حد لا بأس به، لهذه الحدود. هذا يكرس الحدود الداخلية للصراع على المستوى الشعبي والسياسي، فضلاً عن دور المؤسسات القضائية الراسخة التي تحيل هذه الحدود إلى قوانين جاهزة لمحاسبة من يتجاوزها.
غياب الشعور العميق بانتماء مشترك قادر على مسك النسيج المجتمعي بكل تبايناته السياسية وغير السياسية، يهدد القيم المشتركة نفسها. رفض قتل البريء مثلاً هي قيمة مشتركة، حين يقتصر احترام هذه القيمة على دائرة من المجتمع دون غيرها، أي حين نجرّم قتل برئ هنا، ونتجاوز أو نتساهل أو نبرر قتل بريء في مكان آخر أو من جماعة أخرى ... الخ، فإننا نقتل هذه القيمة. أي يتفوق الموقف السياسي أو الطائفي أو القومي على هذه القيمة الأساسية.
يوجد علاقة أو تغذية متبادلة بين توضع نظام ديموقراطي في مجتمع وبين وجود نسيج مشترك وقيم مشتركة ذات احترام عام غير تمييزي. النظام الديموقراطي يقوي النسيج الاجتماعي المشترك ويعزز القيم المشتركة، وهذا بدوره يوفر ركيزة أكثر ثباتاً للنظام الديموقراطي.



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في الحاجة إلى مركزية مضادة
- العرض التونسي للمشاهد السوري
- -نريد وطناً-
- هل يمكن تجاوز الانقسام السوري؟
- بين إرهاب قادر وإرهاب قاصر
- عن العنف وصعوبة السياسة
- الجزائر اليوم، سوريا المستقبل
- بين الكميون والبرميل
- كيف صارت سوريا إلى ما هي فيه؟
- خدعة التبسيط وبؤس الجذرية
- قلوب بيضاء تحت ستار أسود
- لوحة كئيبة بلون واحد اسمها سوريا
- على ماذا يبتهجون؟
- حين تصبح -الديموقراطية- وبالاً على الناس
- الربيع العربي، إشكالية العلاقة بين الشعب والنخب السياسية 2
- الربيع العربي، إشكالية العلاقة بين الشعب والنخب السياسية 1
- الديموقراطية الإسرائيلية وسيلة اغتصاب
- ناديا مراد طه تشكو اغتصابها لمغتصبيها
- طرائف سوداء
- الوجه والقناع


المزيد.....




- بلينكن يزور مصر في أول زيارة إلى الشرق الأوسط لا تشمل إسرائي ...
- الجيش الأمريكي يكمل انسحابه من النيجر بعد حوالي سنة من انسحا ...
- لحظة واحدة أنقذت ترامب.. فوهة البندقية كشفت ريان ويسلي روث
- الجيش الأميركي يعلن اكتمال انسحابه من النيجر
- البيت الأبيض يعلق على منشور إيلون ماسك المحذوف عن بايدن وهار ...
- -ديلي ميل-: بريطانيا غير جاهزة على الإطلاق لتصعيد الصراع مع ...
- إصابات في حادث انقلاب حافلة سياحية عائدة من موقع -ماتشو بيتش ...
- الكابينيت الإسرائيلي يعتمد إعادة سكان الشمال لمناطقهم أحد أه ...
- هل عادت خطة تخفيف الأحمال في الكهرباء بمصر؟ -الإدارة المحلية ...
- بايدن يجري محادثة هاتفية مع ترامب بعد محاولة الاغتيال


المزيد.....

- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .
- الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ / ليندة زهير
- لا تُعارضْ / ياسر يونس
- التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري / عبد السلام أديب
- فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا ... / نجم الدين فارس
- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي
- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ... / نصار يحيى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - لكي تكون الديموقراطية ممكنة