|
الثقافة النقدية والنقد الثقافي
نبيل عودة
كاتب وباحث
(Nabeel Oudeh)
الحوار المتمدن-العدد: 1643 - 2006 / 8 / 15 - 09:35
المحور:
الادب والفن
اشغلني موضوع النقد الأدبي في ثقافتنا العربية في اسرائيل من جوانبه المختلفة ، وخاصة جانب المتابعات النقدية للأعمال التي يصدرها الأدباء المحليين . ربما يكون بعض الأدباء من المتعاملين مع النقد او الابداع ، ، يرون في كتاباتي ومواقفي اتجاها عكس التيار ، ومهما بدى ذلك صحيحا الا انه بعيد عن الصواب . لا يستطيع احد ان ينفي الجهود التي كرستها للمبدعين الشباب ، ومتابعة انتاجهم في ظل تجاهل كامل تقريبا ، للحركة النقدية المحلية ، لكتاباتهم ، وكان التجاهل نفسه هو دافعي للتورط في الكتابة النقدية.. واعترف اني غير نادم ( رغم ما تعرضت له من هيجان غاضب ) اذ اعطاني ذلك ادوات عدة في التعامل مع النصوص ، وتطوير قدراتي الذاتية في على تحسس الأبداع ، والتمييز بين المبدع الجاد والموهوب وبين مدعي الابداع ، الضحلين نصا وفكرا ، وتشكيل آرائي النقدية والثقافية والابداعية العامة ، حول كل ما يتعلق بالثقافة من امتدادات فكرية واسلوبية .. كان النقد وقفا على نخبة ، لا انفي اهليتها له ، ولكن ما التزموا به من انغلاق نقدي ثقافي ترك ترسبات سلبية ، وهي تجربة ذاتية عبرتها ، دفعتني في لحظة ما الى الاهتمام بالنقد ، وكتابة المراجعات النقدية والثقافية ، ومحاولة استجلاء العالم الفكري الواسع للثقافة ، ليس بمضمونها الروحي فقط ، كابداع نثري او شعري ، انما بمضمونها الفكري والفلسفي العام .. بصفتها شكل من اشكال الوعي الاجتماعي ، ومحورا للنهضة الفكرية والثقافية العامة لمجتمعنا خاصة ، ولكل المجتمعات العربية التي نتواصل معها بحكم اللغة والواقع السياسي والانتماء القومي والحلم الواحد . يمكن نصنيف ما قمت به ضمن مفاهيم " الثقافة المضادة " التي تقود الى خلق موجات متعددة من ردود الفعل الثقافية . نسبيا كاد الامر ان يكون قريبا من الانجاز . . لكن غياب المنابر القادرة على التماثل مع هذا الزخم المضاد ، والتلون الفكري لدى العديد من المثقفين ، والجبن الذي يميز البعض ، مع الأسف الشديد .. حال دون تحقيق اندفاعة مؤثرة للثقافة المضادة ، لدرجة تسمح بتحولها الى رافد ثقافي آخر في مواجهة " الثقافة النخبوية " التي روجت عن طريق وكلاء حزبيين .. دخلت وقتها في نقاشات حادة مع ممثلي تيار الثقافة النخبوية ، كان نقاشا حادا وممتعا كشف الضحالة الفكرية التي يعتمدها ممثلي هذه الثقافة، او من تبوأ "الدفاع " عنها ، دون ان يعي اللعبة الثقافية وراء دوافعي ، حيث انني سياسيا كنت من نفس التنظيم ، وهذا كشف لي حقائق كثيرة ، ساعدتني فيما بعد بتكوين شخصيتي الثقافية والسياسية والفكرية المستقلة .. من المستهجن انه حتى الذين لهم مصلحة شخصية في ما حاولت ان اعطيه من دفعة للثقافة المضادة ، في مواجهة الثقافة النخبوية ، التي لم تسلم من انتقاداتهم .. لم يصل وعيهم للأسف الى مستوى يجعلهم يشكلون رافدا ثقافيا قادرا على فرض نفسه في الساحة الادبية ، كتيار ثقافي مضاد ، ولا اقول معاد ، لأن الثقافة تفترض التكامل ، وألأضداد في الثقافة تقود الى الوحدة الثقافية ، عبر خلق ديناميكية من النشاط الفكري والثقافي المتعدد الوجوه . هذه هي على الأقل رؤيتي وقناعتي الفكرية ، بدون حوار لا تطور , التماثل المطلق يخلق الركود ( وهذا ما قضى على الثقافة النخبوية ) .. حتى في الفلسفة ، احد القوانين الفلسفية الاساسية ، يتحدث عن وحدة وصراع الاضداد ، وهو بالمفهوم الفلسفي ، قاعدة التطورفي كل مجالات الحياة .. فهل تكون الثقافة شواذا لا تخضع لهذه القاعدة ؟! من المهم ان يترسخ وعي اساسي بان الثقافة ليست للنخبة الاجتماعية او السياسية ، وليست لنخبة يختارها حزب ما او دولة .. مررنا على هذه التجربة .. وما تركته لنا اليوم فقر فكري وثقافي .. وحياة ثقافية بائسة . ان العملية النقدية تشترط ما هو أعظم وأكثر امتدادا من مجرد تكرير اصطلاحات ، او الادعاء الذي يكرره البعض: " بأني اكتب واتعامل مع النصوص حسب معايير نقدية .. الخ " لا يا اصحابي ، هذا ادعاء فارغ !! العملية النقدية تحتاج الى رؤية اكثر اتساعا من موضوع العمل الذي نتناوله بالتحليل او الاستعراض النقدي . النقد هو عملية فكرية اكثر اتساعا من صفحات الكتب موضوع النقد ، النقد له سياقه الفكري وله امتداداته الاجتماعية . كل التقدير والاحترام للمناهج الأكاديمية في النقد ، ولكن هذه المناهج تتحول الى سجون للتفكير وفيود على الوعي وتشتيت للذائقة الادبية ، اذا لم نحولها الى منطلق فكري ننطلق منه نحو الأصالة والتجديد في رؤيتنا الثقافية العامة . ما يحدث في نقدنا المحلي ، بما فيه من يدعون الاكاديمية في نقدهم ، هو خلق نظام نقدي منغلق على ذاته ، ومنفلق على القارئ المفترض ان يتواصل مع الابداع ومع النقد . ما يحدث ان الناقد يكتب رسالة شخصية لصاحب العمل موضوع النقد ، وارضاءه هي المهمة النقدية للناقد ، وهي القيمة الكبرى للكتابة النقدية . الثقافة ، ابداعا او نقدا ، يجب ان تكون فعل اجتماعي وعمل لاثراء الوعي التقافي والفكري للانسان . والنقد هو احد الادوات الهامة في هذا الفعل . اما نقدنا المحلي في السنوات الاخيرة ، فيتميز بأكثريته المطلقة بالعلاقات العامة ، والتشريفات الاجتماعية والدهلسة والنفاق .. ويفتقد للقيمة الثقافية كمعيار هام للعملية النقدية . النقد اذا لم يتحول الى تيار ثقافي قائما بذاته ، وليس كتغطية فقط لبعض الاعمال الادبية ، يظل ظاهرة غير مجدية ومضرة ، تحول النقد الى ظاهرة سلبية يجب مواجهتها ثقافيا . هناك علاقة عضوية بين النقد والايديولوجيا ، واعني بالايديولوجيا ليس فقط المنظومة الفكرية ، انما القدرة على الربط بين الثقافة والمجتمع ، بين الثقافة والانسان . وهذا هو الغائب الكبير عن الممارسات النقدية .. وعن فكرنا وثقافتنا عامة !!
#نبيل_عودة (هاشتاغ)
Nabeel_Oudeh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بطولة المقاومة .. والواقع المأساوي للعرب !!
-
قبل ان تصمت المدافع
-
قصة : الحاجز
-
ارهاصات ولادة شرق اوسط جديد
-
هل توجد سياسة اعلامية عربية؟
-
بعد اسبوعين من الحرب الهمجية - الى اين نتجه؟
-
اسهال في النقد وتفاهة في المضمون
-
كتب جديدة .......نادر ابو تامر و4 قصص مصورة للأطفال
-
ماذا تبقى لكم؟
-
موقف بلا عمود فقري، لا يخدم الشعب اللبناني - تعقيب على بيان
...
-
بين الثقافة والفكر
-
حتى لا نفقد الاتجاه من دروس مأساة لبنان
-
الفيتوري : في هذا الزمن الساقط ، يسقط حتى الشعراء
-
بصراحة مؤلمة : من يملك شرعية القرار في فلسطين ولبنان ؟
-
الكاتب سامي ميخائيل العراقي الذي صار اسرائيليا
-
كنت معها - قصة
-
حتى لا يدفع الابرياء ثمن الجنون السياسي !!
-
ذباب على موائد الادب
-
خلفية الاجتياح الاسرائيلي للقطاع
-
دراسة علمية رصينة حول اليهودية بقلم مفكر وناقد عربي
المزيد.....
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|