|
دكان القرائين الصغيرة في مندلي
احمد الحمد المندلاوي
الحوار المتمدن-العدد: 6975 - 2021 / 7 / 31 - 03:13
المحور:
الادب والفن
في ضباب الحُلْم طوّفتُ مع السارينَ في سوقٍ عتيقِ غارق في عطر ماء الورد،وامتدّ طريقي وسّع الحُلْم عيوني، رش سُكْرًا في عروقي ثملت روحي بأشذاء التوابلْ وصناديق العقيقِ وبألوان السجاجيد، بعطر الهيل والحنّاء، بالآنية الغَرْقى الغلائلْ سرقت روحي المرايا،واستداراتْ المكاحلْ كنتُ نَشْوى،في ازرقاق الحُلْم أمشي وأسائلْ أين دكّان القرائين الصغيرةْ أشتري من عنده في الحلم قرآنًا جميلاً لحبيبِي يقتنيه لحن حبٍّ، قَمرًا في ليلةٍ ظلماء، خبزًا وخميرةْ عندما في الغد يَرْحَلْ من مطار الأمس والذكرى حبيبي يتوارى وجهه خلف التواءات الدروبِ **** سرتُ في السوق, إذا مرّ بقربي عابرٌ ما, أتمهّل ... ثم أسألْ: سيّدي في أي دكّان ترى ألقى القرائين الصغيرةْ أيّ قرآن, سواءٌ أحواشيه حروف ذهبيّةْ أم نقوش فارسيّةْ أي قرآن؟..... وفي حلمي يقول العابرُ لحظة يا أختُ, قرآنكِ في آخر هذا المنحنى, في (مندلي) إسألي عن (مندلي) فهو دكان القرائين الصغيرةْ ويغيب العابرُ... وجهه في الحُلْم لونٌ فاترُ... ثم أمضى في الكرى باحثةً عن (مندلي) حيث أبتاعُ بما أملك قرآنًا وأهديه حبيبي حينما يرحلُ عني في غدٍ وجه حبيبي وتغطيه المسافاتُ وأبعاد الدروبِ حيث أبتاع من الدكان قرآنًا صغيرًا لحبيبي ثم أهديه له عند الوداعْ ليخبّي ضوءه في صدره بُرْعَم طيبِ وليؤويه إليه حرز حبي وعصافيري المشوقاتِ، وتلويح ذراعي ، واختلاجاتِ شراعي **** سرتُ في حلميَ في السوق قريرةْ أسّرتْ روحي السجاجيدُ الوثيرةْ وأواني عطرِ ماء الورد، والكعبةُ صورةْ نعستْ ألوانها في حضن حانوتٍ، وفي حلمي مضيتُ في دمي شوقٌ لدكان القرائين الصغيرةْ وحلمتُ وحلمتُ بقرائينَ كثيراتٍ, وأختارُ أنا منها، وأهدي لحبيبي في صباح الغد قرآنًا، ويؤويه حبيبي صدرَهُ تعويذةً تدرأ عنه الليلَ والسَّعْلاة في أسْفَارِهِ تزرع اسم الله في رحلته، تسقيه من أسرارِه **** كان كلّ الناس لي يبتسمون وعلى لهفة أشواق سؤالي ينحنونْ زرعوا حلمي ورودا وسّعوا السوقَ زوايا وحدودا كلهم كانوا يشيرون إلى بعض مكانٍ غامض إذ يعبرونْ يهمسون: إسألي عن (مندلي) إبحثي عن (مندلي) دكّة في آخر السوق وتُلْقين القرائين الصغيرةْ أطعموا قلبيَ من نكهة كُتْبٍ عنبريّاتٍ كثيرةْ بينها ألقى عصافيري القرائين الصغيرةْ حيث أختارُ وأهدي لحبيبي واحدًا يحميه من ليل الدروبِ ووشايات المغيبِ واحدًا يحمله في الطائرةْ باقةً من زنبق الله، وسُحْبًا ماطرةْْ **** سرتُ طول الليل في حلمي،لكن أين ألقى (مندلي)؟ شَعَّب السوق حناياه، ترامَى، وتَمدّدْ صار عشرين، دوربًا وزوايا وفروعًا وخبايا وتعدّدْ ... وتعدّدْ حيرتي أبصرتها طالعة من قعر آلاف المرايا قذفتني الامتداداتُ ومصتني الحنايا وأنا أشرب كوبًا فارغًا،والسوق مُجْهَدْ تحت خطوي، ودمي يلهث شوقًا وأنا أعطش في أرض الرؤى، أذرعها غربًا وشرقًا لستُ أُسْقى، لست أُسْقَى ضاع مني (مندلي) ضاعَ، لا القرآنُ، لا الأشذاء لي ما الذي بعد عطوري, وقرائيني تَبَقَّى **** مرَّ بي في سوق حلمي ألفُ عابرْ كلهم قالوا: - وراء المنحنى التاسع يحيا (مندلي) حيث قرآني وعطري المتناثرْ حيث أَلْقَى (مندلي) (مندلي) يا أنهراً من عَسَلِ يا ندًى منتثرًا فوق بيادرْ يا شظايا قمر مغتسلِ في دموعي، يا أزاهير من الياقوت نامت في غدائرْ يا هتافاتِ أذان الفجر من فوق منائرْ (مندلي) يا (مندلي) اسمه فوق الشفاهْ فلّة غامضة اللون، وشمعٌ، وتراتيلُ صلاهْ وزروعٌ ومياهْ وأنا مأخوذة الأشواق أدعوه ولكن لا أراهْ وأنا من دون قرآن حبيبي ومع الفجر سيرحَلْ في انبلاج الغَسَق القاني حبيبي وشفاهي صلواتٌ تترسَّلْ وعناقيد دموع تتهدّلْ انبثق يا عطش السوق انبثق يا (مندلي) يا قرائين حبيبي ،يا ارتعاشَ السّنبلِ في حقول الحلم من ليلى العصيبِ **** أين مني (مندلي)؟ والبائع المصروع من عطر القرائينْ؟ ذاهلاً مستغرقًا في حُلُمِ؟ ضائعًا هيمان مأخوذًا بأفق مبهمِ يتشاجى، وجدُهُ سُكْرٌ وتلوينْ صاعدًا من ولهٍ في عالم من عنبر مضطرمِ تائهًا من شوقه عَبْرَ بساتينْ عطشات النخل، والقرآن في تمُّوزها أمطار تشرينْ (مندلي) يا ظمأى يا جرح سكّينْ في خدودٍ وشرايينْ **** وطريقي نحو دكان القرائين الصغيرةْ فيه أورادٌ لها عطر عجيبُ كلُّ من ذاقَ شذاها تائهٌ، منسرق الروح، شريدٌ لا يؤوبُ مندلي يا حقلَ نسرينْ ذقتُ أسرارَكَ واستبعدتُ كوبي لم أعد أعرف فجري من غروبي وتواجدْتُ وضيّعتُ دروبي وتشوقت لقرآنٍ، على رفّكَ غافٍ، أشتريه لحبيبي **** وسمعتُ العابرينْ يصفون المخزن المنشود: تسري فيه أصداءْ وتلاوين، وموسيقى وأضواءْ تصرع السامع صرعًا باختلاجاتِ حنينْ وشموعٍ ودوالي ياسمينْ آه لو أني وصلتُ آه حتى لو تمزقْتُ، تبعثرتُ، اكتويتْ لو تذوقتُ العطورَ السارباتِ حول دكان القرائين الصغيرةْ آه لو أمسكتُ في كفّي قرآنًا،كدوريّ حنون القَسَماتِ واحدٌ من ألفِ قرآنٍ حواليه ضبابٌ، وشذى وردٍ، وموسيقى مثيرةْ ليس يقوَى قَطُّ إنسانٌ بأن يصغي إليها يسقط الصاحي صريعًا، غير واعٍ، ضائعًا في شاطئيها آه لو أني أطبقتُ عليه شفتَيّا هو قرآنُ حبيبي آه لو لامستُ رياهُ بأطراف يديّا هو وِرْدى، وامتلائي، ونضوبي والنشيد المحرق المخبوء في قعر دمي، في مقلتيّا **** وانتهى السوقُ وفي حلمي يَئستُ وعلى دكّة آمالي الطعينات جلستُ وانتحبتُ لم يَعُدْ في السوق من ركن قصيِّ لم أقلّبْهُ... وتاهتْ (مندلي) ... غرقَتْ في عمق بحر من ضبابٍ سندسيِّ واختفت في ظل غابات سكونٍ أبديِّ لم يدع يأسيَ حتى سحبة القوس على الأوتار لي ضاع حتى الظلّ مني, وتبقّتْ لي رؤى من طَللِ أين أبوابكِ يا ترتيلتي، يا (مندلي) يا عطور الهَيْل والقرآنِ يا وجه نبيِّ يا شراعـاً أبيضًا تحت مساء عنبيِّ **** وإذن ماذا سأهدي لحبيبي في غد حينَ يسافر؟ فرغتْ كفّي من القرآنِ غاضتْ في صَحَارايَ المعاصِر وخوى خدّايَ إلاّ من غلالاتِ شحوبي وحبيبي سيغادرْ دون قرآنٍ، هديّةْ... غضة تلمس خدّيهِ كما يلمس عصفورٌ مُهَاجرْ جبهة الأفق برشّات غناءٍ عسليّةْ وحبيبي سيسافرْ خاوي الكف من القرآن، من عطر البيادرْ وحكايات المنائر ..وأنا أبقى شجيةْ كظهيرات من الحزن عرايا غيهبيّةْْ ضاع قرآني, وضاعت (مندلي) واختفى وجهُ حبيبي خلف غيم مُسْدَلِ وامتدادات سهوبٍ وسهوبِ فوداعًا يا قرائيني, وداعًا (مندلي) وإلى أن نتلاقى يا حبيبي وإلى أن نتلاقى يا حبيبي
#احمد_الحمد_المندلاوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
انقلاب 8 شباط 1963و البعثيون
-
كتب خاصة بإسم مندلي
-
قرية طحمايا في مندلي
-
بتكوكر قرية على كنكير
-
الشهيد مهند الخياط
-
باخ – بستان
-
بيّاع الملح
-
صرخة مندلي..
-
قصة عروس مندلي
-
الأوائل على مستوى القضاء
-
تكية الملا أمين
-
إلياس - اسم شعبي
-
ألقاب التعالي والأبهة(1)
-
شيخ المصورين أأكرم غفوري
-
الخبير النفطي صباح علي المندلاوي
-
تمر الأشرسي جمال للنظر و لذة في الطعم
-
الخطاط سامان المندلاوي وخطّ النستعليق
-
آسياوو الطحن في مندلي
-
أسوار مندلي
-
الامين إسماعيل ابراهيم
المزيد.....
-
-الشارقة للفنون- تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة
-
فيلم -الحائط الرابع-: القوة السامية للفن في زمن الحرب
-
أول ناد غنائي للرجال فقط في تونس يعالج الضغوط بالموسيقى
-
إصدارات جديدة للكاتب العراقي مجيد الكفائي
-
الكاتبة ريم مراد تطرح رواية -إليك أنتمي- في معرض الكتاب الدو
...
-
-ما هنالك-.. الأديب إبراهيم المويلحي راويا لآخر أيام العثمان
...
-
تخطى 120 مليون جنيه.. -الحريفة 2- يدخل قائمة أعلى الأفلام ال
...
-
جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي تكرِّم المؤسسات الإع
...
-
نقل الموناليزا لمكان آخر.. متحف اللوفر في حالة حرجة
-
الموسم السادس: قيامة عثمان الحلقة 178 باللغة العربية على ترد
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|