|
الوطنية الديمقراطية في زمن الحرب
بدر الدين شنن
الحوار المتمدن-العدد: 1640 - 2006 / 8 / 12 - 10:58
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
قبل هجوم السيد بوش " الديمقراطي " على الشرق الأوسط ، كان مفهوم الديمقراطية قد اغتنى واكتسب " كماله " في الوسط السياسي والثقافي في سوريا . فقد إ ستقرت معظم القوى الوطنية على الاستغناء عن ملحقات بالديمقراطية كانت تتنافى وجوهر الديمقراطية ، مثل الثورية والشعبية ، التي تبين بالتجربة الملموسة أنها كانت مفرغة من مضامين الحرية الانسانية ، وكانت الغطاء لممارسات مغايرة لاستحقاقات التحولات الاجتماعية ، التي إنطلقت في تلك البلدان التي طبقتها . وفي هذه المرحلة لم يكن هناك من داع للسجال حول علاقة الديمقراطية بالوطنية . إذ لم يكن الواقع الموضوعي يستدعي هذا السجال ، اللهم إلاّ من زاوية مسؤولية النظام الاستبدادي في عدم الاهتمام الجدي بالداخل لمواجهة المخاطر الخارجية المحيطة بالوطن . ولم يتجاوز ذلك سقف إتهام النظام بنقص المناعة الوطنية ، ودعوته إلى تحمل مسؤولياته الوطنية بإفساح المجال للإصلاح السياسي ، وتحقيق التغيير الديمقراطي " السلمي .. المتدرج " المشروط بالتراجع عن سياسة وآليات الاستبداد
بعد الهجوم البوشي " الديمقراطي " العتيد إنتشرت عروض ديمقراطية موشحة بتلاوين جديدة ، منها ما ارتبط بالليبرالية ، ومنها ما ارتبط بالعولمة ، ومنها ما عمل زواج عرفي مع " العدالة الاجتماعية " . إلاّ أنها جميعاً كانت ذات جذر اجتماعي واحد ، هو الجذر البورجوازي ، المعبر عن مصالح الطبقة والفئات البورجوازية الطامحة لبناء دولتها الجديدة مابعد تجاوز سلمي أو غير سلمي لدولة الاستبداد . وقد تقاطعت فعاليات الديمقراطية الجديدة مع فعاليات الديمقراطية العريقة السابقة بتجنب القوى الشعبية ومصالحها الآنية والمستقبلية ، حيث توقف التاريخ عند هذا التقاطع الطبقي البورجوازي . وانسجاماً مع هذا الموسم الديمقراطي الكاسح ، كان التوافق الديمقراطي المعارض مع " منابع الديمقراطية " في الخارج . ونشأت حالة سياسية تفاعلية في المشهد السياسي السوري ، أخذت حيزاً كبيراً بالكم وحيزاً طويلاً بالزمن ، سميت بجدلية داخل / خارج في الصراع مع النظام ، أو ما يمكن تسميته بالعلاقة بين الوطنية والديمقراطية في عملية التغيير الديمقراطي وإنهاء الاستبداد . فكان النظام من جهته يتذرع بالخطر الخارجي لتخوين الحراك الديمقراطي ، باعتباره حسب جهابذة النظام السياسيين والإعلاميين يضعف الجبهة الداخلية ويخدم العدو الخارجي . وكانت قوى الحراك الديمقراطي لاتقبض مايشيعه النظام عن خطر الخارج ، وتتمسك بمشروعية أولوية الديمقراطية ، حتى في المسألة الوطنية ، بمعنى أن تغييب الديمقراطية وتغييب دور الشعب في الحياة السياسية ، وخاصة في المنعطفات المصيرية يضعف الوطن ، وترد التهمة ذاتها إلى النظام
وقد ظل هذا السجال دائراً على مدار سنوات عدة بين النظام ، الذي ا ستخدم القمع بأشكال متعددة كوسيلة للإقناع ، وبين قوى الحراك الديمقراطي التي ا ستخدمت العرائض المئوية والألفية والمنابر المتاحة في الداخل والخارج لتأكيد صحة ومصداقية أطروحاتها . إلى أن تم تظهير " التحرير الديمقراطي " للعراق ، وأظهر المشهد تلك الكارثة الدموية الطائفية الارهابية ، التي يتداول الأدوار فيها الاحتلال والطائفية والارهاب ، ومن ثم تم تظهير " الديمقراطية " الأميركية - الصهيونية في فلسطين وكشف كذب وزيف " الديمقراطية " الامبريالية بكافة تمايزاتها الأميركية والصهيونية والأوربية ، بالتنكر لنتائج إنتخابات ، التي مهما تعددت وجهات النظر بالنسبة لطابع القوى السياسي أو الديني التي فازت فيها ، هي أكثر ديمقراطية ونزاهة حتى من الانتخابات التي فاز فيها بوش بانتخابات دورته الرئاسية الأولى ، وما تلاه من إنقضاض على حكومة شرعية واعتقال قسم منها واعتقال عدد كبير من أعضاء المجلس التشريعي وأخيراً اعتقال رئيس هذا المجلس ذاته ، حيث فقد الخارج مصداقيته " الدمقراطية " ، ما أدى إلى تفكك جدلية داخل / خارج في عملية التغيير الديمقراطي من تلقاء ذاتها .. الأمر الذي أعاد الأمور إلى نصابها .. إلى حقيقتها .. وأكد ما قلناه مراراً سابقاً ، على أن الفعل الداخلي هو المصدر الأساس لأي تغيير جدي
وبانفجار الحرب الإسرائيلية على لبنان ، طرحت من جديد جدلية داخل / خارج أي الوطنية والديمقراطية ، إنما هذه المرة بصيغة جديدة أكبر وأكثر مسؤولية ، إذ لم تعد هذه المسألة متعلقة بالصراع الداخلي من أجل التغيير في البلاد ، وإنما متعلقة بمصير الوطن كوجود .. يمعنى أن ما كان يدور حوله السجال اللامتكافئ في الداخل ، على مدار سنوات مفتوحة على سنوات أخرى حسب موازين القوى القائمة ، حول أساليب وأشكال مثلى لإعادة بناء البلد ، بات اليوم مطروحاً عملياً للتفاعل اليومي معه على كل المستويات ، حسب إيقاعات زمن آخر وبشروط أخرى .. إنه زمن على شفا الحرب .. وربما غداً هو زمن الحرب . ذلك أن الوطنية أم الفضائل بامتياز ، طرحت نفسها وبقوة أمام الجميع . وعلى قدر الصدق والجدية وحسن المبادرة والابداع في العمل الوطني تتحدد فرص المواجهة المشرفة للإستحقاقات الوطنية
غير أن ما يجري على ارض الواقع يدل على أن قوى من المعارضة وقوى مؤسسة النظام تسير بالاتجاه المغاير . فتلك القوى من المعارضة تقف ، ولايهما أين تقف أرجلها ، تواصل الشحن المتوتر في الصراع الداخلي ، وتركب مفاعيل الشرق الأوسط حسب إتجاهاتها اللاهثة لاسقاط النظام بأي ثمن ، دون أن تشير إلى مسؤولية أميركا وإسرائيل وفرنسا وبريطانيا في هذا الصدد ، الأمر الذي يضعفها هي بالذات ويعزلها عن القوى الشعبية الثائرة ضد الحرب الأميركية الإسرائيلية في العراق وفلسطين ولبنان ، ويمنح النظام الذي تكرس " صلابتها " ضده بعض التبرير لاتهامها بالتخوين وبعض التبرير لسلوكياته الأمنية الشاملة المرفوضة ، في حين يتطلب الظرف الوطني ، أن تتوحد المعارضة وأن تمتلك وتطرح برنامجها الوطني ، وأن تأخذ المبادرة في التحرك الشعبي ، لتتمكن من أن تفرض على النظام تغييراً جدياً في مجالي الوطنية والديمقراطية
كماتدل الوقائع أيضاً على أن النظام مازال ، رغم الجحيم الأميركي الصهيوني الزاحف من شرق وغرب سوريا وفق مخطط مفضوح ، والذي قد ينقض دون إذن من النظام بطبيعة الحال على الوطن ، فإنه ما زال يتابع نهج الاستبداد .. يتابع السياسة القمعية والمضايقات والحصار للقوى الوطنية الديمقراطية ، فمن منع للسفر .. إلى الإستدعاءات الأمنية الإرهابية ، لعشرات النشطاء الحقوقيين والسياسيين ، إلى متابعة المحاكمات التعسفية ، إلى ا ستمرار تطبيق حالة الطوارئ والأحكام العرفية في الحقل السياسي ، وعدم الإفراج عن المعتقلين السياسيين وعدم فتح المجال لعودة المنفيين .. ألخ .. في حين مطلوب منه وطنياً بالدرجة الأولى فتح أبواب الانفراج الداخلي لبناء وتعزيز التلاحم الوطني في هذه الظروف الخطيرة ، ما يفضي ، باسم ضبط الوضع الداخلي ل " حماية الوطن " إلى تسهيل الفعل الخارجي لابتلاع الوطن .. وفي هذا يكون الاستبداد أكثر إيذاء وأكثر وجعا
قليلة هي اللحظات التاريخية .. لحظات الحقيقة في حياة الأفراد والجماعات .. اللحظات التي تصقل الإرادات والأفكار وتغنيها .. وقليلة هي الإرادات التي تتفاعل معها بشكل مطابق .. لكنها على أية حال تبقى بالنسبة لمن تعنيهم ويتعاطون معها .. هي مقياس الوعي الحضاري .. والشرف والصدق .. والوطنية والديمقراطية
نعم هناك ظروف تتصدر فيها الديمقراطية كل ما عداها .. وتتكثف فيها كل ا ستحقاقات تلك الظروف بما فيها ا ستحقاقات الوطنية وهناك أيضاً ظروف تتصدر فيها الوطنية كل ما عداها .. وتتكثف فيها كل ا ستحقاقات تلك الظروف بما فيها ا ستحقاقات الديمقراطية لكنه ، إذا ما تصدر الارتكاز على الخارج المعادي أو الاستبداد كل ماعداه ، في ظرف تاريخي عابر ، في المشهد السياسي ، فإن لا أحداً بقادر أن يزعم أنه تتكثف فيهما أية قيمة من قيم الوطنية والديمقراطية
وإذا كان لايمكن فصل الوطنية عن الديمقراطية في الحياة السياسية العادية .. في الزمن العادي للصراعات الداخلية ، فإنه في ظروف الخطر المصيري .. في زمن الحرب خاصة ، يستدعي أن تنصهر الوطنية والديمقراطية في مفردة واحدة .. هي الوطن وعلى هذه القاعدة ينتصب ميزان الوفاء للقيم الوطنية والديمقراطية .. والوفاء للوطن .. وينتصب ميزان القصاص في محكمة الشعوب
#بدر_الدين_شنن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من هم أصدقاء أولمرت من الحكام العرب .. ؟
-
حرب لبنان .. العودة إلى حقائق الصراع العربي الإسرائيلي .. 2
-
حرب لبنان .. العودة إلى حقائق الصراع العربي الإسرائيلي
-
حرب لبنان .. والمسؤوليات التاريخية
-
حرب غزة .. والسؤال الآن .. !! ؟
-
وقفة إجلال وتضامن مع حرية الصحافة في مصر
-
بؤس السياسة السورية الراهنة
-
اختراق عابر أم إنذار حرب .. ؟
-
النظام في دائرة النار .. أي مؤتمر تحتاجه سوريا .. ؟
-
مائة شكر وامتنان للحوار المتمدن
-
من القمع السياسي إلى القمع الاقتصادي .. تحولات بالاتجاه المع
...
-
الكواكبي يصارع الأفعى مرتين
-
من هو قاتل الطفلة حنان المحمد ؟
-
الطبقة العاملة تدق أبواب دمشق
-
احتفاء ب - حفيد امريْ القيس
-
إعادة إنتاج الاستبداد .. من قمع عرفي إلى قمع - قانوني
-
المعارضة السورية ومفترق الطرق
-
أول أيار .. نضالات ورؤى وأمنيات
-
رحل كمال دون وداع ..
-
انتصار اليسار الفرنسي .. تجربة وآفاق
المزيد.....
-
وقف إطلاق النار في لبنان.. اتهامات متبادلة بخرق الاتفاق وقلق
...
-
جملة -نور من نور- في تأبين نصرالله تثير جدلا في لبنان
-
فرقاطة روسية تطلق صواريخ -تسيركون- فرط الصوتية في الأبيض الم
...
-
رئيسة جورجيا تدعو إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة
-
وزير خارجية مصر يزور السودان لأول مرة منذ بدء الأزمة.. ماذا
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى تحتية لحزب الله في منطقة جبل
...
-
برلماني سوري: لا يوجد مسلحون من العراق دخلوا الأراضي السورية
...
-
الكرملين: بوتين يؤكد لأردوغان ضرورة وقف عدوان الإرهابيين في
...
-
الجيش السوري يعلن تدمير مقر عمليات لـ-هيئة تحرير الشام- وعشر
...
-
سيناتور روسي : العقوبات الأمريكية الجديدة على بلادنا -فقاعة
...
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|